أمير عسير يفتتح المقر الجديد لإدارة رعاية أسر الشهداء    «العقار»: تراخيص جديدة للبيع على الخارطة ب 6 مليارات ريال    الفضلي: المنتدى العربي للبيئة يؤسس منصة حوار لتوحيد الرؤى تجاه القضايا البيئية    أمير تبوك يقف على الجهود المبذولة لخدمة ضيوف الرحمن بمنفذ حالة عمار    أمير الرياض يستقبل نائب وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للعمل    سمو محافظ الخرج يقف على جاهزية مركز خدمة ضيوف الرحمن بالمحافظة    مواطن يمكّن مقيماً من سجله بمعرض ستائر وديكورات    أمانة الشرقية والحياد الصفري تبرمان مذكرة تفاهم تهدف لزراعة غابة مصغرة حضرية    النصر يضع شرطًا لرحيل لابورت    بيئات واستعدادات هيأتها إدارات المدارس في الطائف    أمير تبوك يستقبل معالي مدير عام الجوازات    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للتصلب اللويحي المتعدد"    "الهلال" و"معهد إعداد القادة" يوقعان اتفاقية "مسار واعد"    سعود بن بندر يستقبل الرئيس التنفيذي لجمعية بناء ورئيس وأعضاء نادي القادسية    سفير المملكة لدى الأردن يودع قافلة حجاج بيت الله الحرام    كلاوديا تصبح أول سيدة تتولى رئاسة المكسيك    "كفاءة الإنفاق" تطلق الحملة التوعوية بالدليل الوطني لإدارة الأصول والمرافق    مفتي عام المملكة ونائبه للشؤون التنفيذية يستقبلان رئيس جمعية إحسان لحفظ النعمة بمنطقة جازان    السيسي يكلف مدبولي تشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات    بدء اكتتاب الأفراد في 154.5 مليون سهم بأرامكو    أمير الكويت ووزير الخارجية يستعرضان العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين    تمارين خاصة للغنام ويحيى في معسكر الأخضر    الاتحاد يغري الاتفاق بنجوم صف أول لشراء عقد الموسى    طلائع حجاج إيطاليا تصل مكة المكرمة    نتنياهو يناقض بايدن: «الصفقة» لا تشمل وقف الحرب    فرصة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    بناءً على ما رفعه سمو ولي العهد خادم الحرمين يوجه بإطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق الرياض    الصمعاني: دعم ولي العهد مسؤولية لتحقيق التطلعات العدلية    جامعة "المؤسس" تعرض أزياء لذوات الإعاقة السمعية    "أكنان3" إبداع بالفن التشكيلي السعودي    كاميرات سيارات ترصد العوائق بسرعة فائقة    السفير بن زقر: علاقاتنا مع اليابان استثنائية والسنوات القادمة أكثر أهمية    محمد صالح القرق.. عاشق الخيّام والمترجم الأدق لرباعياته    «التعليم» تتجه للتوسع في مشاركة القطاع غير الربحي    لأول مرة على أرض المملكة.. جدة تشهد اليوم انطلاق بطولة العالم للبلياردو    السعودية و8 دول: تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية 2025    الطائرة ال51 السعودية تصل العريش لإغاثة الشعب الفلسطيني    دموع «رونالدو» و«الهلال» يشغلان صحف العالم    نوبة «سعال» كسرت فخذه.. والسبب «الغازيات»    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب وسط اليابان    في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى بالبصرة .. 14 ميدالية للمنتخب السعودي    الاحتلال يدمر 50 ألف وحدة سكنية شمال غزة    حجب النتائج بين ضرر المدارس وحماس الأهالي    هذا ما نحن عليه    هنأ رئيس مؤسسة الري.. أمير الشرقية يدشن كلية البترجي الطبية    بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    سائقو الدبَّابات المخصّصة لنقل الأطعمة    الكعبي.. الهداف وأفضل لاعب في" كونفرنس ليغ"    مزايا جديدة لواجهة «ثريدز»    توبة حَجاج العجمي !    ..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    نقل تحيات القيادة وأشاد بالجهود الأمنية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يدشن مشروعات «الداخلية» في عسير    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    أمير نجران يشيد بالتطور الصحي    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«شهرزاد» رافيل: فاتنة الليالي العربية تحوّلت عاشقة آسيوية
نشر في الحياة يوم 17 - 06 - 2013

لطالما سحرتهم شهرزاد! لطالما سحرتهم فاعتبروها رمز الشرف الجميل الساحر، والبعيد المنال. رمز الحكاية التي لا تنتهي. والمرأة التي تؤجل موتها وموت الحكاية ليلة بعد ليلة، فتنتصر بهذا على الملك القاسي، وتبعده عن رغبة الانتقام المتواصل من النساء. لقد عرف الغرب الرومانسي شهرزاد من خلال حكايات ألف ليلة وليلة، فكان أن اختارها من بين مئات الشخصيات التي تزدحم بها «الليالي العربية»، ليتذكرها منفردة حتى حين يضع تلك النصوص جانباً. فشهرزاد، التي لا تشغل في الليالي أصلاً، سوى موقع الراوية، عُرفت على نطاق واسع في المخيال الغربي الرومانسي، التواق إلى كل غريب وذي معنى. شهرزاد هذه سرعان ما استقلت بنفسها فصارت رمزاً وكناية. صارت حيناً بطلة رومانطيقية، وحيناً منافحة عن وجود المرأة وكنايتها. وفي أحيان كثيرة صارت حكاية الحكاية نفسها، والعنصر القادر في حد ذاته على أن يفسر أصل الفن، وبواعث الرغبات الإبداعية لدى المبدعين. فإذا أضفنا إلى هذا أن شهرزاد، هي المرأة الشرقية المشتهاة والمنيعة، المرأة التي، إذ توصل راغبها إليها، توصله بشروطها هي لا بشروطه هو، يمكننا أن نفهم كيف قيّض لهذه المرأة الآتية من عمق أعماق التعسف السلطوي الشرقي، أن تعيش كل تلك الحياة، في الذاكرة، وكذلك في أعمال كثرٍ من الفنانين والكتاب.
ليس من السهل، اليوم، إحصاء كل الأعمال، الموسيقية والتشكيلية والأدبية والشعرية، ثم المسرحية والسينمائية التي كانت شهرزاد، لا «ألف ليلة وليلة» في حد ذاتها، ملهمةً لها. فهي تعد بالعشرات، وكلها عرفت كيف تعطي لابنة الوزير «الثرثارة» تلك سمات شاملة ومثالية، تمتزج فيها المعرفة بالحساسية، والذكاء بالدهاء، وحس التمرد بالقدرة على أن تكون حنوناً كل الحنان.
بالنسبة إلى الأعمال الموسيقية التي اقتبست من «شهرزاد» نعرف طبعاً أن قصيدة رمسكي - كورساكوف السيمفونية التي تحمل الاسم نفسه «شهرزاد» هي الأشهر والأكثر حضوراً، والأكثر شرقية - وهذا أمر لا يمكن استغرابه من قبل موسيقي روسي اهتم بالشرق كثيراً، واهتم إلى درجة أنه كتب قصيدة سيمفونية رائعة ثانية، عن «عنترة»، تقلّ شهرة عن «شهرزاد» للأسف، كما ضمّن الكثير من أعماله، ملامح عربية ساحرة. إذاً، عمل رمسكي - كورساكوف هو الأشهر في هذا المجال، ولكن هناك عملاً آخر يحمل عنوان «شهرزاد» لا يقل عن ذلك العمل أهمية، وإن كان يقل عنه حضوراً. نعني بهذا «شهرزاد» العمل الذي أبدعه، بعد رمسكي - كورساكوف، الموسيقي الفرنسي موريس رافيل.
من ناحية مبدئية لا بد من القول إن رافيل كتب «شهرزاد» متأثراً بزميله الروسي السابق عليه، وقد أثار حماسته نجاح الباليه الروسي في نقل عمل رمسكي - كورساكوف، إلى الخشبات الأوروبية، والباريسية خصوصاً، يوم عرف ذلك الباليه ازدهاراً ما بعده ازدهار. غير أن ذلك التأثر لم يمنع عمل رافيل من أن يكون مختلفاً تماماً، ومستقلاً تماماً، وربما - كما يرى البعض - أكثر صدقاً في تصويره لاستشراقية شهرزاد، فالحال أن في الإمكان بسرعة التنبه إلى مدى ما في قصيدة رمسكي - كورساكوف السيمفونية من بعد شرقي في رسم شخصية الأنثى الأسطورية، إذ حاول أن يجعلها «شرقية» خالصة، أي صحراوية الإيقاع، فيما كان من الطبيعي لموسيقى رافيل أن تكون أكثر مدينية في تعاملها مع الشخصية نفسها ما أوعز باستشراقية رافيل مقابل نزوع زميله الروسي إلى الشرق.
مهما يكن من أمر، نتوقف هنا عند العمل الفرنسي الذي لحنه موريس رافيل في عام 1910، لنوضح منذ البدء أنه يتكون، من ثلاث «قصائد شاعرية» كتبت للأصوات الغنائية والبيانو. ورافيل كتب هذا العمل انطلاقاً من نص كتبه كريستيان كلينغسور. غير أنه بعد فترة يسيرة من كتابته على شكل عمل للغناء والبيانو، حوله إلى عمل للغناء والأوركسترا. ولئن أتت موسيقى رمسكي - كورساكوف عربية أكثر منها شرقية، فإن رافيل حرص على أن يكون عمله استشراقياً شاملاً.
هكذا، ترى القصيدة الأولى تحمل عنوان «آسيا»، وتبدو أشبه بدعوة انبهارية إلى الشرق، حيث عرف الموسيقي كيف يعبر عن هذه الدعوة في تلحينه عبارات مثل «آه كم أريد أن أشاهد دمشق ومدن فارس» و «مآذنها المشرئبة نحو السماء» أو «آه كم أريد ان أزور فارس والهند ثم الصين، وأشاهد الماندارين يسيرون تحت مظلاتهم». إن رافيل عبر تلحين مثل هذه الأسطر، جعل لقصيدته هذه معنى شمولياً، قد يبدو ظاهرياً، معبراً عن أجواء «ألف ليلة وليلة» كما وصلت إلى الغرب، كمجموعة حكايات عربية - آسيوية شاملة، لكنه يتبدّى في داخله أشبه بتوليفة تصف صورة الشرق الملتبس الغامض كما يصوره الغرب لنفسه. من هنا، تلك الشمولية في تلحين المقدمة، وذلك التركيز في جمل لحنية قد تتكرر، في هذا الجزء الأول، بين حين وآخر، لكن إيقاعاتها سرعان ما تتبدل على ضوء تبدل الأماكن التي تعبر عنها معاني الأسطر.
أما القصيدتان الثانية والثالثة فتبدوان أكثر تركيزاً. وفيما تحمل الثانية عنوان «الناي المسحور» تحمل الثالثة عنوان «اللامبالي»، ويصفهما النقاد، بأنهما أقرب إلى أن تكونا من نمط «موسيقى الحجرة» حيث تتضاءل أهمية التوزيع الأوركسترالي الفسيح لحساب توزيع ضيق تبدو سمته الرومانسية واضحة من خلال تركيزه على الآلات الوترية والجمل الممدودة. ويأتي هذا متكاملاً كلياً مع مشهد القصيدة الثانية حيث ترتكز الصورة على امرأة جالسة خلف نافذتها - المشربية - وهي تصغي بشغف ولوعة إلى حبيبها وهو في الخارج يعزف على نايه لحناً حزيناً ساحراً. أما في القصيدة الثالثة فإن الأمر يختلف تماماً: إننا هنا أمام الدعوة اليائسة التي تطلقها المرأة العاشقة نحو حبيبها الذي يبدو واضحاً أنه غير مبالٍ بها على الإطلاق.
إن هذا الانحصار في القسمين الثاني والثالث من العمل، جعل النقاد يفضلون دائماً القسم الأول، معتبرين أن القسمين الثاني والثالث، إذا كانا يحملان قيمة موسيقية كبيرة، فإنهما لا يقدمان جديداً أو مفاجئاً، بل انهما يقدمان المرأة - المفترض أنها شهرزاد - في صورة مناقضة تماماً لما هو معهود عنها في المخيلة الشعبية. ولعل هذا التفاوت في الرؤية بين أجزاء العمل الواحد، هو الذي جعل الظلم يحيق به، وجعل «شهرزاد» من أقل أعمال موريس رافيل شهرة. بل إن ثمة كثيرين يجهلون وجود هذا العمل أصلاً.
مهما يكن من أمر فإن موريس رافيل، على رغم غزارة إنتاجه، لم يشتهر شعبياً في شكل خاص، إلا عبر عمل واحد له، قد يرى كثيرون أنه الأقل أهمية - موسيقياً، بين أعماله، وهو «البوليرو». ولقد وُلد موريس رافيل عام 1875 في جنوب فرنسا، وانتقل طفلاً مع أهله إلى باريس حيث درس وعاش وعمل وارتبط بالعاصمة الفرنسية التي كانت في ذلك الزمن تعيش نهضة فنية وموسيقية استثنائية. ولقد قال رافيل دائماً إنه تأثر في شبابه بأستاذه غابريال فوريه كما تأثر لاحقاً بأريك ساتي، منكراً أن يكون قد ناله أي تأثير من معاصره ديبوسي، على رغم أن كثيرين يرون هذا التأثير الأخير أكثر وضوحاً. المهم أن رافيل سرعان ما استقل في شخصيته الموسيقية، وراح يبحث عن مصادر إلهامه خارج فرنسا، ولا سيما في إسبانيا التي أوحت إليه ب «رابسودي إسبانية» وأوبرا «الزمن الإسباني»، كما ب «البوليرو» الذي ذكرناه نفسه. كذلك نجده متأثراً بالموسيقى الروسية، ولا سيما بعد ارتباطه بمصمم الباليه الروسي دياغيليف. وهو عبر هذين التأثيرين اكتسب هواه «الشرقي» الذي نجده ماثلاً في بعض أعماله. ورافيل مات عام 1937 في حادث سيارة قضى عليه وأنقذه من انهيار عصبي كانت بوادره بدأت تظهر عليه في شكل خطير.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.