عبدالعزيز بن سعود يلتقي عدداً من المواطنين من أهالي جازان    إعفاءات من الضريبة والرسوم للمستثمرين في القطاع السياحي    الاستثمارات العامة العلامة التجارية الأعلى بين الصناديق السيادية بالعالم    تركي آل الشيخ يعلن عن نزال بطل العالم بلا منازع "أوزيك" والبطل "فيوري".. ديسمبر المقبل    60 مبادرة رئيسية ومصاحبة بالمسجد النبوي    أمير تبوك يستقبل مدير السجون بالمنطقة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يلتقي أمير منطقة جازان ويطلع على المبادرات التنموية والتطويرية التي تشرف على تنفيذها الإمارة    «الشورى» ل«الطيران المدني»: أنشئوا مطارات منخفضة التكلفة حول الرياض.. وارفعوا الرحلات الداخلية    أمير تبوك يستقبل رئيس واعضاء لجنة جائزة سموه للمزرعة النموذجية    الإسعاف الجوي في خدمة ضيوف الرحمن في ⁧منفذ جديدة عرعر‬⁩    ب5000 مقاتل.. أوروبا تطلق قوة «الرد السريع»    وفد اللجنة الوزارية العربية الإسلامية يعقد جلسة مباحثات مع وزير الخارجية الإسباني    الرئاسة العامة تقدم مجموعة خدمات توعوية نوعية للحجاج والمعتمرين والزوار    جهود المملكة العربية السعودية في صيانة جناب التوحيد والتحذير من الشرك    النفط يصعد والذهب في انخفاض    إصدار صكوك دولية ب5 مليارات دولار    الأمين العام للجامعة العربية يلتقي نائب الرئيس الصيني    أمير الشرقية يتفقد عدداً من إدارات خدمات المستفيدين والمستفيدات بالإمارة    الجامعة العربية تدعو إلى إعادة صياغة التشريعات لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي    الدوسري يناقش عددا من البنود خلال اجتماع الدورة 19 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب    رابطة العالم الإسلامي تُدين مجازر الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني    الصحة الفلسطينية تعلن انهيار المنظومة الصحية في غزة    رفع الطاقة الاستيعابية لقطار الحرمين السريع لموسم حج 1445    البديوي يشارك في الدورة ال 16 لمهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون    أمير حائل يشهد حفل التخرّج الموحد للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني    أمير المدينة يكرم الطلاب الحاصلين على جوائز محلية وعالمية    هل باتت «الهدنة» من الماضي؟    رونالدو يعلق على انجازه في الدوري السعودي    رياح مثيرة للأتربة على الرياض    "الشؤون الاقتصادية": اكتمال 87% من مبادرات الرؤية    إضافة خريطة محمية الإمام لخرائط قوقل    الهلال يمًدد تعاقده مع جورجي جيسوس    وزير الداخلية يدشن مشروعات حدودية أمنية بنجران    القادسية يتوج ب"دوري يلو"    طائرات "درون" في ضبط مخالفات المباني    «الشورى» يطالب «حقوق الإنسان» بالإسراع في تنفيذ خطتها الإستراتيجية    أمير تبوك يطلع على استعدادات جائزة التفوق العلمي والتميز    وزير الحرس الوطني يرأس اجتماع مجلس أمراء الأفواج    5 أعراض يمكن أن تكون مؤشرات لمرض السرطان    تحذير لدون ال18: القهوة ومشروبات الطاقة تؤثر على أدمغتكم    هذه الألوان جاذبة للبعوض.. تجنبها في ملابسك    هؤلاء ممثلون حقيقيون    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    تتويج الهلال ببطولة الدوري الممتاز للشباب تحت 19 عاماً .. بمقر النادي في الرياض    هيئة تنظيم الإعلام: جاهزون لخدمة الإعلاميين في موسم الحج    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    العروبة.. فخر الجوف لدوري روشن    ولاء وتلاحم    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتحي المسكيني: هيدغر قريب منّا ...لكنّ ترجمته مغامرة
نشر في الحياة يوم 27 - 04 - 2013

لم يختر المترجم والأستاذ الجامعي التونسي فتحي المسكيني، كتابَ «الكينونة والزمان» للفيلسوف الألماني مارتن هيدغر (صدر عن دار الكتاب الجديد - بيروت، وفاز أخيراً بجائزة الشيخ زايد عن فرع الترجمة)، «بل هو الذي اختارني»، يقول المسكيني، الذي وجد نفسه منذ العام 1991 مدفوعاً إلى قراءة هيدغر، ثم الاشتغال عليه في رسالة دكتوراه دولة كان موضوعها يرتكز على طريقة هيدغر في اعتماد مسألة الزمان أفقاً تأويلياً لطرح مسألة المعقولية في التقليد الغربي، ونال الدرجة العلمية سنة 2003. في تلك الأثناء، تكوّنت لدى صاحب «التفكير بعد هيدغر أو كيف الخروج من العصر التأويلي للعقل» عِشْرةٌ خاصة مع أعمال هيدغر، «ووجدت نفسي قريباً جدّاً من لغته ومصطلحاته وتعابيره وفنّياته، ومقتنع بشطر واسع من إشكاليته الفلسفية».
يؤكد فتحي المسكيني أنّ ما هو صعب في «كتابة» هيدغر (وبعد هيغل ونيتشه، هو ربّما -كما يقول- من الذين لا يمكن أن نفصل في نصوصهم بين الأسلوب والمعنى) ليس عدم القدرة على فهم مقاصده «لأنّنا لسنا غربيين -مثلاً-، بل عدم تطويرنا أشكالاً مناسبة من اللقاء الروحي والنظري مع ما تشير إليه أسئلته، وما تقود إليه طرق التفكير التي رسمها لأجيال من المتفلسفة في الفكر المعاصر».
ولكن هل يمكن النظر إلى ترجمته هذا الكتاب، الذي يصفه هو نفسه بالصعوبة وبالأعجوبة، باعتبارها جرأة ومغامرة؟ يقول المسكيني: «لو فهمنا الصعوبة في معنى الطرافة الشديدة، وأخذنا الأعجوبة في معنى قوة الابتكار الاستثنائية، فأنا أوافق على أنّ ترجمة «الكينونة والزمان» هي بحدّ ذاتها مغامرة، وإن كنت لا أوافق بالمقدار نفسه على فكرة «الجرأة»، لأنّ الترجمة الفلسفية عمل محترف، وبالتالي يخضع لشروط غير نفسية تماماً. ما حرّكني هو بالأحرى شعور حاد بشيء من الواجب الكبير تجاه لغتي وثقافتي لا غير».
كلّ عمل شخصي يضع قدراتنا موضع تساؤل، يقول صاحب «نقد العقل التأويلي، أو فلسفة الإله الأخير»، الذي لم يكن في تحدٍّ مع نفسه حين أقدم على ترجمة الكتاب، ولكن في تحدٍّ مع لغته، «كنت أفترض بشدّة أنّ لغتنا قادرة فعلاً -وليس أملاً فقط- على مقارعة اللغة الألمانية واللغات التي يحرّكها هيدغر تحت جلد مصطلحاته (اليونانية واللاتينية خصوصاً). ومن ثمّ كان التحدّي الأكبر هو تعليم هيدغر إعادة كتابة كتابه بالعربية، كأنّه يعرفها منذ أوّل أمره».
النقد التأويلي
يرى المسكيني أن الإشكالية الفلسفية عند هيدغر مهمة بالنسبة إلى الثقافة العربية، «من جهة علاقتها بتراثها العميق، من لغة وقرآن وكلام وفلسفة وتصوّف، ومن ثمّ أتيت إلى قرار ترجمة كتابه الأساسي «الكينونة والزمان» في مطلع حزيران (يونيو) 2003. ويقول صاحب «الهوية والحرية نحو أنوار جديدة»، إنّ هيدغر «قريب جدّاً منا، من جهة أنه هو من وضع أسس نوع من «نقد العقل التأويلي» الذي يصلح تماماً لمساعدة ثقافتنا على طرح المشكلات التأويلية الخاصة بها بالاعتماد على أفضل حال تأويلية أنتجتها الفلسفة المعاصرة. هو يوفّر أدوات تفكير طريفة جداً، تساعدنا على تمثّل نمط الصعوبات التي تمنعنا إلى حدّ الآن من طرح بعض القضايا ومعالجتها بشكل ناجع (قضايا المعنى، النحو، اللغة، الفهم، الجمهور، الهوية البشرية، الأصالة، بنى المكان، العالم، الموت، الوعي بالزمان وبالتاريخ...»
يحضّ هيدغر على التهيب من جسامة أمر الترجمة، إذ يمكن أن تشكل خطراً على النصوص العظيمة، فيا ترى هل كان هيدغر يخشى أن يمارَس هذا الخطر على كتاباته نفسها، «التهيّب من الترجمة شيء والخوف منها شيء آخر»، يقول صاحب «الفيلسوف والإمبراطورية في تنوير الإنسان الأخير»، ويضيف أن هيدغر لم يكن خائفاً على نصوصه من الترجمة، بل من سوء الفهم. ويعتبر أن ما مارسه هيدغر نفسه من ترجمة للمعاني الجليلة في تاريخ الفلسفة هو عنوان صارخ على «العنف» التأويلي المحمود، «مثل ترجمة «أليثيا» اليونانية (أي الحقيقة)، بدلالة اصطلاحية غير مسبوقة وحرفية هي «عدم الاحتجاب»... إلخ، ومن ثمّ فإنّ «الخطر» على النصوص العظيمة هو جزء من تاريخها الخاص، وليس تطفّلاً مؤذياً، كما قد يُظنّ عادة».
وجد فتحي المسكيني اللغة العربية، باعتبار أن الترجمة هي في وجه من وجوهها ضيافة لغوية فتيّة وسخيّة كأحسن ما يكون، «أكثرَ من لغة، بل هي خزّان من اللغات المتلاحمة، ونحن في واقع الأمر لا نستعمل منها اليوم -بفعل نوع الفصاحة المعاصرة التي نعتمدها- غير جزء يسير ممّا تستطيعه هذه اللغة العظيمة. وليس أقدر من اللغة العربية على ضيافة المعاني الجليلة للعقل الإنساني». ويعزو السبب في هذه المقدرة إلى ما تتوافر عليه اللغة العربية من تاريخ متّصل من الإنتاج الأدبي واللغوي والاصطلاحي، «منذ زمن المعلقات إلى اليوم، وربما هي من هذه الناحية أكثر اللغات التي نعرفها عمراً ميتافيزيقاً وأخلاقياً».
أي أفق ستقترحه هذه الترجمة بالنسبة إلى الثقافة العربية؟ «أفق المسؤولية إزاء لغتنا»، يجيب فتحي المسكيني، ويمضي قائلاً: «ومن ثمّ إزاء قضايانا المدنية والروحية على حدّ سواء». ويذكر أن كتاب «الكينونة والزمان» هو برنامج فلسفي واسع النطاق «لإعادة ترتيب مغامرة الكيان الإنساني على أساس معنى كينونتنا في العالم، الذي لا يعدو أن يكون ما يمكننا قوله عن أنفسنا، وما نستطيع فهمه منها باعتبارنا بنى مكانية وأبعاداً زمانية شديدة الخصوصية، بمعيّة الآخر، الذي يشاركنا في شكل الانتماء إلى بنية الإنسانية كما قالتها لغة كل شعب على حدة».
الكيان الانساني
يرى المسكيني أن الثقافة العربية مؤهلة سلفاً لهذا النوع من الانتقال التأويلي في فهم الكيان الإنساني، «بفضل الدور الهائل الذي أدّته اللغة والنصوص والمعاني في تدبير ذاتنا، سواء العميقة منها أو الراهنة».
يعترف صاحب «هيغل ونهاية الميتافيزيقا» بفضل جيل تونسي كامل، ومترجمين عرب سبقوه، وهو ملتزم بأنّ «العرب» هم الأفق الأخلاقي الكبير الذي تتحرك فيه ثقافته، «ومن ثمّ لا يمكن أن يحصل أيّ تقدّم أو تغيّر نوعي أو استراتيجي في فهمنا لأنفسنا الحالية أو القديمة، إلاّ في داخل ذلك الأفق». ويقول إن هيدغر من الذين قبلوا بدور فكرة «الجيل» وبتاريخية ما نقوم به داخل جيل من الأجيال، «هناك عصر روحي لشعب ما أو ثقافة ما، وعلينا أن نكون معه أو خارجه. وهذا ما يجبر كل مترجم على العمل داخل جماعة ترجمية واسعة، والتخلي عن البطولات المعزولة، وإلا فإن ما يقوم به سيكون خالياً من أيّ مسؤولية تاريخية إزاء لغته، ومن ثمّ إزاء ثقافته، أي إزاء تجارب المعنى التي تتمّ داخل مجتمعه».
يعتقد فتحي المسكيني بأن كل ترجمات هيدغر إلى العربية جاءت في أوانها، ومن ثمّ هي كلها -في رأيه- على قدرٍ محمودٍ من الصحة، «فهي تخاطب جيلاً من القراء، وليس من طريقة أخرى للترجمة سوى توفير اللقاء المناسب مع النصوص العظيمة في وقت ما من دون أي ادعاء آخر». ويعتبر المفاضلة بين الترجمات «وكأنّها تمّت في وقت واحد» ظلماً لها، مشدداً على احترام تاريخية كل ترجمة وحدود الجيل الذي تمّت فيه.
ويؤكد أن الترجمة إلى العربية لم تعد عشوائية، ويشير إلى أن مؤسسات الترجمة المنتشرة في البلاد العربية خلال المدة الأخيرة، قطعت أشواطاً كبيرة ورائعة في حقل الترجمة، «وصار من الممكن الآن أن نقرأ الفلاسفة بالاعتماد على اللغة العربية من دون أيّ ضرر كبير، (كانط، هيغل، نيتشه، هيدغر، فوكو، دولوز...). بات العالم العربي يتوافر على تخطيط واسع النطاق لترجمة أمّهات النصوص، وفهم كلّ من المثقف والحاكم أنّ الترجمة سياسة في الحقيقة، وليست مجرد شأن شخصي أو مجرد حاجة إدارية».
الجوائز الأدبية، بخاصة حينما تشجع نمطاً من التفكير أو تساعد في إشاعة الاختلاف أو تدفع بأسلوب ما في الكتابة إلى الانتشار، أو تلوح بتحية كبيرة إلى جهود شخصية ثقافية ما، يراها المسكيني بصفتها جزءاً لا يتجزّأ من سلّم القيم وأشكال السلطة المعتمدة في مجتمع من المجتمعات، «لذلك هي لا بدّ أن تعكس نمط التفكير في طبيعة السلطة داخلها، ومن ثمّ من حقّ أيّ مؤسسة تسند جوائز أن تشجّع نمطاً من التفكير، أو ترسّخ شكلاً من الاختلاف أو تساعد على انتشار نوع من الكتابة». بيد أن المشكلة، كما يرى المسكيني، هو أن يتمّ إسناد الجوائز من دون استشارة أهل الذكر والاختصاص، «فإذا تمّ ذلك لم يعد يحقّ لأحد أن يتّهم أي مؤسسة مانحة للجوائز بأنها تستند إلى ذائقة أدبية منحازة بوجه من الوجوه. ولا يبدو لي أنّه من المسؤولية أو اللياقة، أن نطالب بأن تكون الجوائز خالية من أيّ إرادة اختيار أدبي أو فكري أو إبداعي».
إلى جانب الاهتمام بالفلسفة كتب فتحي المسكيني الشعر منذ صباه، غير أنّ القصائد التي كتبها بتأثر مباشر من الشابي والسياب وأدونيس ونزار قباني ومحمود درويش، وأيضاً جبران خليل جبران، الذي قاده باكراً إلى زرادشت نيتشه، اختلفت تماماً عقب تعرفه على نصوص هيدغر. فتنة اللغة التي يثيرها هيدغر عند كتابة أي نص، كما يفسر المسكيني، والأعماق الروحية التي يفجّرها تحت كل كلمة أو جملة، أدخلت «سرعةً ميتافيزيقية» على قصائده لم تكن ممكنة من دونه، «ويبدو لي أنّ لدينا شعراء كباراً لم نبدأ بعد في حوار فلسفي واسع معهم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.