على رغم أن مسلسل «البرتقالي هو الأسود الجديد»، قد خرج خاليّ الوفاض من مُعظم الجوائز الكبيرة التي نافس عليها في جوائز «إيمي» التلفزيونية التي أعلن عنها قبل أسابيع قليلة، الا أن العمل، وبإجماع الصحافة الأميركية والأوروبية، يعد واحداً من أفضل المسلسلات الأميركية في السنوات الأخيرة وأكثرها تجديداً، ويُشكل مع مسلسل «بيت من ورق»، أحد جناحَي النجاح الذي حلقت فيه شركة «نتفليكس» الأميركية، وكرّسها كلاعبة أساسية في سوق إنتاج المحتوى التلفزيوني الخاص في العالم الغربي اليوم، بعدما كانت لسنوات توفر مشاهدة أفلام ومسلسلات الشركات الأخرى للراغبين ضمن خدمة المُشاهدة المدفوعة الأجر. تنال مسلسلات شركة «نتفليكس» اهتماماً إعلامياً مضاعفاً عن مسلسلات قنوات أخرى، لأنها تنتج خارج أطر الصناعة التلفزيونية التقليدية، فالمسلسلات تُعرض حصرياً على خدمة الشركة على شبكة الإنترنيت، ويُشاهدها مشتركون في الخدمة أصلاً، كما يتم توفير المواسم الكاملة منها دفعة واحدة على الخدمة، وهذا يعني تغييراً مهماً في تقاليد المشاهدة التلفزيونية التي تتركز على ترقب الحلقات المقبلة كل أسبوع مثلاً، وما يعنيه هذا في تركيبة الحلقة التلفزيونية، واتجاه هذه الأخيرة إلى ذروة درامية في نهاية كل حلقة تشدّ المشاهد على المتابعة. يُقدم مسلسل «البرتقالي هو الأسود الجديد»، يوميات سجن نسائي أميركي، فيرافق مجموعة من سجيناته في حياتهن اليومية، كما يستعيد بمشاهد ارتجاعية، حيوات بعض من شخصياته الأساسية قبل دخولهن السجن. هناك بطلة للمسلسل (بايبر تشابمان). هي امرأة أميركية كانت تعيش حياة عادية مع خطيب مُحب، قبل أن توضع في السجن، عقوبة على جريمة ارتكبتها في طيش شبابها. ستحظى قصة هذه البطلة باهتمام مُهم، لكنه لن يُهيمن على المسلسل الذي سيفرد حلقات عدة لقصص سجينات أخريات، وحياتهن قبل السجن والظروف التي قادتهن إلى ارتكاب الجرائم التي يُحبسن من أجلها. يجمع المسلسل بين الدراما والتراجيديا بكوميديا ذات سوداوية مضاعفة، كما إن هذه الأخيرة تنطلق أحياناً من أشد المواقف قسوة، فتبدو غالباً تنفيساً مُهماً عن تشنج المواقف وانغلاق الحياة في السجن وخارجه. هذا المزج هو الذي يجعل مشاهدة المسلسل ممكنة، فمن دونها ستطبع قصص السجينات ويومياتهن في السجن، العمل بسوداوية لا تُحتمل (يستند المسلسل في كثير من أحداثه إلى يوميات وقصص واقعية). حتى قصص السجّانين، لن تُقدّم بمعزل عن تعقيد الحياة للجميع في المسلسل، فهم يعيشون ظروفاً مُعقدة وحيوات غير سويّة، باستثناء حارس شاب، يوفر بحضوره وقصة حبه مع إحدى السجينات، كوة الجمال والبراءة الوحيدة في هذا العمل. وإذا كان يمكن الحديث عن تميّز للمسلسل عما يعرض على شاشات قنوات تلفزيونية عدة، فهي القسوة والفجاجة التي تقدّم فيها شخصياته، بخاصة النسائية، نزيلات السجن، كما يلعب الأدوار، وربما للمرة الأولى على هذا النحو، ممثلات بأشكال غير تقليدية، لا تشبه الصورة الشائعة عن الممثلة البطلة الشديدة الجمال في المسلسلات الأميركية، هن يشبهن النساء العاديات في الشارع، وتحديداً نساءً عشن حيوات قاسية، وانتهين الى السجون. كما يطلق المسلسل العنان- وبسبب عدم شمله بالاعتبارات الرقابية التلفزيونية التقليدية -، لاستخدام شتائم وكلمات مُحرّمة في التلفزيون الأميركي، ويقدم مشاهد جريئة عن الحياة المثليّة لبعض النزيلات خلف أسوار السجن، كما يُقدّم للمرة الأولى في التلفزيون الأميركي، شخصية متحولة جنسياً، تلعب دورها ممثلة، هي أيضاً مرّت بتجربة التحول الجنسي من رجل الى امرأة. وعلى رغم تميّز الجزء الأول، الا إن الجزء الثاني من المسلسل جاء مخيّباً للأمال عموماً. هو حافظ على عناصر العمل الناجحة الأساسية، لكنه بقي يدور حول نفسه قليلاً، فهو وعلى رغم أنه أضاف شخصيات جديدة، لكنه بقي في حدود المناخ الذي قدمه بنجاح جزئه الأول، ولم يتقدّم خطوة واحدة، حتى بدت الحلقات الأخيرة من الجزء الثاني، وكأنها هي أيضاً محبوسة في شكل وبناء واحد، وغير قادرة على الخروج منه.