ميزانية إنفاق توسعي رغم العجز    400 مليار دولار حجم استثمارات الذهب    مشروع "بلدي" لأنسنة طريق الشفا الدائري بالطائف ورفع كفاءته    الأخدود لخدمة نفسه والهلال    16 ألف موظف يتأهبون لاستقبال الحجاج بمطار "المؤسس"    احتجاجات داخل الاتحاد الأوروبي ضد العدوان الإسرائيلي على غزة    لبنان: العين على «جلسة المليار اليورو»    قوات سعودية تشارك في"إيفيس 2024″ بتركيا    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس مجلس إدارة شركة العثيم    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء صربيا بتشكيل الحكومة    15 سنة سجناً لمواطن روّج وحاز «أمفيتامين» المخدر    35 موهبة سعودية تتأهب للمنافسة على "آيسف 2024"    «المؤتمر الدولي للقادة الدينيين» يستهل أعماله بوقفة تضامنية مع شهداء غزَّة    "الداخلية" تنفذ مبادرة طريق مكة ب 7 دول    وزير الشؤون الإسلامية يدشّن مشاريع ب 212 مليون ريال في جازان    أمير المدينة يرعى حفل تخريج طلاب الجامعة الإسلامية    المناهج في المملكة تأتي مواكبة للمعايير العالمية    أمير تبوك يشيد بالخدمات الصحية والمستشفيات العسكرية    «حِمى» أصداء في سماء المملكة    «إثراء» يسرد رحلة الأفلام السعودية في 16 عاماً عبر «متحف حكاية المهرجان»    وغاب البدر    طلاب «مصنع الكوميديا» يبدؤون المرحلة التعليمية    مشوار هلالي مشرف    القادسية يعود لمكانه بين الكبار بعد ثلاثة مواسم    «أسترازينيكا» تسحب لقاح كورونا لقلة الطلب    احذروا الاحتراق الوظيفي!    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء صربيا بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة برئاسته    البدء في تنفيذ 12 مشروعاً مائياً وبيئياً بقيمة 1.5 مليار بالمنطقة الشرقية    المملكة تستضيف المؤتمر الدولي لمستقبل الطيران    9 مهام للهيئة السعودية للمياه    الفيضانات تغرق مدينة بالبرازيل    «سلمان للإغاثة» ينفذ 3 مشاريع طبية تطوعية في محافظة عدن    سعود بن مشعل يكرم متميزي مبادرة منافس    محمد بن ناصر يقلّد اللواء الحواس رتبته الجديدة    ساعة HUAWEI WATCH FIT 3 أصبحت متوفّرة الآن للطلب المسبق    القبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر بالمنطقة الشرقية    انطلاق المؤتمر الوطني السادس لكليات الحاسب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    إضافة 3 دول جديدة للحصول على تأشيرة دخول السعودية إلكترونيا    فيصل بن نواف يدشّن حساب جمعية "رحمة" الأسرية على منصة X    «الشورى» يسأل «الأرصاد»: هل تتحمل البنى التحتية الهاطل المطري ؟    برعاية وزير الإعلام.. تكريم الفائزين في «ميدياثون الحج والعمرة»    مهما طلّ.. مالكوم «مالو حلّ»    محمد عبده اقتربت رحلة تعافيه من السرطان    4 أمور تجبرك على تجنب البطاطا المقلية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُجري جراحة تصحيحية معقدة لعمليات سمنة سابقة لإنقاذ ثلاثيني من تبعات خطيرة    اختتام دور المجموعات للدوري السعودي الممتاز لكرة قدم الصالات في "الخبر"    بدر الحروف    مؤتمر الحماية المدنية يناقش إدارة الحشود    الأمير خالد بن سلمان يرعى تخريج الدفعة «21 دفاع جوي»    المدح المذموم    البدر والأثر.. ومحبة الناس !    تغريدتك حصانك !    ولي العهد يعزي هاتفياً رئيس دولة الإمارات    انتهاك الإنسانية    وزير الخارجية ونظيره الأردني يبحثان هاتفياً التطورات الأخيرة في قطاع غزة ومدينة رفح الفلسطينية    القيادة تعزي رئيس مجلس السيادة السوداني    الأول بارك يحتضن مواجهة الأخضر أمام الأردن    وزير الدفاع يرعى تخريج طلبة الدفاع الجوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع «حزب الله» وأخطاره على لبنان
نشر في الحياة يوم 20 - 03 - 2013

نال «حزب الله»، إبان احتلال إسرائيل جزءاً كبيراً من جنوب لبنان، عطف غالبية اللبنانيين ودعمها عملياته العسكرية ضد جنود العدو، وتحمّلها تداعياتها على الاقتصاد والبنى التحتية، خصوصاً محطات تحويل الكهرباء وشبكاتها.
وتوقع اللبنانيون أن يستعيد لبنان أمنه واستقراره بعد انسحاب إسرائيل عام 2000، وينتشر الجيش اللبناني في الجنوب ويعود إلى دوره في حماية لبنان والدفاع عنه، وتعود السياحة إلى سابق عهدها، وعجلة الاقتصاد إلى الدوران بوتيرة عالية تؤدي إلى انتشال لبنان من كبوته المالية، وتعود الاستثمارات الاغترابية والعربية إليه، ما يفتح مجالات العمل الواسعة لعشرات آلاف اللبنانيين العاطلين عن العمل.
ولم تتحقق توقعات اللبنانيين وآمالهم، نتيجة قرار «حزب الله» المتناغم يومذاك مع دمشق وطهران برفض دخول الجيش اللبناني الجنوب ونشره الشرعية في أرجائه وحماية أمنه وحدوده، وإصراره على بقاء السلاح في حوزته، بذرائع عدة، منها عدم قدرة الجيش على حماية الحدود وأهالي الجنوب من الاعتداءات الإسرائيلية، نتيجة ضعف إمكاناته وتجهيزاته، وبحجة تحرير مزارع شبعا الجنوبية التي بقيت تحت الاحتلال، باعتبارها -وفق الأمم المتحدة- أراضي سورية تخضع للقرار الرقم 242 الذي أوقف الحرب العربية–الإسرائيلية عام 1967، ولم يعترض لبنان على ضمها إلى القرار آنذاك أو يقدم الخرائط والوثائق التي تثبت ملكيته لها.
ومن المعلوم أن «حزب الله» تم إنشاؤه في ثمانينات القرن الماضي إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 بتشجيع من إيران، بأيدي مجموعة من رجال الدين الشيعة، وتشكلت قواعده من شباب شيعة كانوا يقاتلون مع بعض منظمات المقاومة الفلسطينية قبل انسحابها من لبنان ومع حركة «أمل» الشيعية. وكان هدف إنشاء الحزب تحرير الشريط الحدودي الذي أقامته إسرائيل في جنوب لبنان ورفضت الانسحاب منه تنفيذاً للقرار الرقم 425. واستطاع الحزب بمقاومته العدو من أجل تحرير جنوب لبنان الذي تسكنه أكثرية شيعية، وإقامته شبكة واسعة من الخدمات الاجتماعية والصحية، ودفعه رواتب شهرية لآلاف المنضوين إليه والجرحى والمعوقين وأهالي الشهداء، ترسيخ قواعده ونفوذه في الطائفة الشيعية وأصبح بمثابة الحامي لها والمحافظ على مكتسباتها.
وكان هدف إيران من إنشاء «حزب الله»، الذي يرتبط بها ارتباطاً دينياً وسياسياً، وتمويله وتدريب عناصره ومده بالسلاح، نشر ولاية الفقيه بين شيعة لبنان وتذويبهم فيها وإلغاء تعدديتهم الدينية والسياسية، وبناء قاعدة متقدمة لها في لبنان، وتمتين نفوذها فيه، كي يزيد، مع النفوذ الواسع لها في سورية، من حجمها وقوة تأثيرها في الإقليم. واستغلت إيران الغزو الأميركي للعراق عام 2003 للتغلغل داخل صفوف شيعته واستمالتهم والسيطرة على حكومته وقرارها، ما مكّنها من بسط نفوذها على منطقة عربية واسعة تمتد من الخليج العربي إلى الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط. وبذلك تكون إيران قد قاربت من تحقيق حلمها بأن تكون قوة إقليمية مؤثرة تتحكم بقضايا الإقليم ومصيره، وتفرض على الولايات المتحدة مشاركتها في إدارة المنطقة.
وكان من أهداف «حزب الله» لدى تأسيسه، إضافة إلى تحرير جنوب لبنان ونشر عقيدة ولاية الفقيه، إقامة دولة إسلامية شيعية في لبنان، تحقيقاً لتوجهات الإمام الراحل الخميني في نشر ثورته ومبادئها خارج إيران. وقد أظهرت الوثيقة التأسيسية للحزب، التي جاء فيها «إننا أمة حزب الله في لبنان التي نصَر الله طليعتها في إيران، نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه»، هذا هو الهدف بوضوح. وما لبث الحزب أن طوى شعار الدولة الإسلامية بسبب رفض غالبية اللبنانيين، وضمنها أكثرية شيعية، الدولة الطائفية أو المذهبية، نتيجة تعلقها بالدولة المدنية وثقافتها المتعددة وانفتاحها على الحضارات والديانات المختلفة. وأعتقد أن تراجع «حزب الله» عن الدولة الإسلامية الشيعية هو موقف موقت وتكتيكي، خصوصاً أنه لم يصدر عنه أي بيان يؤكد إلغاء هذه الدولة من مشروعه.
واستطاع «حزب الله»، بذريعة حماية لبنان من الأطماع الإسرائيلية، تجذير نفوذه في لبنان، وإمساكه بصورة كاملة بقرار الطائفة الشيعية، واستقطاب حلفاء له من خارجها، خصوصاً المسيحيين الموالين لرئيس»تيار التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون والسنّة المتحالفين مع دمشق والمعارضين لنهج «تيار المستقبل» والدروز المؤيدين للنائب وليد جنبلاط الخائف على طائفته من اجتياح الحزب لمنطقته، الأمر الذي مكّن الحزب من التحكم بقرار الدولة اللبنانية وأعمال الحكومة، وإلحاق لبنان، بصورة غير مباشرة، بسياسة محور «المقاومة والممانعة» المكون منه ومن دمشق وطهران.
أسباب داخلية وخارجية
ويعود تمسك الحزب بسلاحه إلى أجندته الداخلية التي أوردت بعضاً منها في سياق هذه المقالة، وأجندته الخارجية المتمثلة بتعزيز نفوذ طهران في لبنان وحماية مصالحها في المنطقة ومساندتها ضد أي اعتداء قد تتعرض له من إسرائيل أو الولايات المتحدة بسبب ملفها النووي، ودعم النظام السوري والقتال إلى جانبه ضد الثوار السوريين المنتفضين ضد النظام الشمولي الاستبدادي لعائلة الأسد. ويعود انغماس إيران بالأزمة السورية ودعمها نظام الأسد إلى خوفها من اضمحلال نفوذها في المنطقة وسقوط مفهوم تصدير الثورة الخمينية وعودة الإصلاحيين الإيرانيين إلى التحرك ضد الحكم الشمولي المتزمت، في حال سقوط النظام السوري. وعبّر المسؤول عن الحرب الناعمة والمقرب من مرشد الجمهورية الإسلامية السيد خامنئي السيد مهدي طالب عن أهمية سورية بالنسبة إلى إيران بقوله: «إذا خسرنا سورية لا يمكن أن نحتفظ بطهران. إن سورية هي المحافظة الإيرانية رقم 35 الأكثر استراتيجية بالنسبة إلينا». وينطبق الأمر ذاته على «حزب الله» نتيجة ما قدم له النظام السوري من خدمات جلى إبان وصايته على لبنان، وتقاطع مصالحه معه في كثير من الأمور السياسية والعقائدية واللوجستية. كما يؤدي انهيار النظام السوري إلى إقفال بوابة الإمدادات العسكرية للحزب، وقيام حكم مناوئ له مجاور للقرى الشيعية في البقاع اللبناني التي تُعتبر خزان الحزب البشري وقاعدته الخلفية في مواجهاته مع إسرائيل.
مما تقدم، نجد أن مشروع «حزب الله» يتكون من شق لبناني يتعلق بتحويل لبنان إلى ولاية تابعة للولي الفقيه، وشق إقليمي يتمثل في مساعدة إيران، التي يرتبط بها بارتباط عقدي - سياسي-وجودي على تنفيذ أهدافها في المنطقة العربية.
وأخطار هذا المشروع على لبنان كثيرة، منها ربط لبنان بالأخطار التي تتعرض لها إيران والصراعات الدولية التي تكون طرفاً فيها، وبالتالي جعل الشيعة جزءاً مرتهناً لسياسات ومصالح أخرى، وربط لبنان بالصراعات الإقليمية، على اعتبار عدم فصل لبنان عن محيطه، ما قد يؤدي إلى جرّه إلى حرب مدمرة لا شأن له بها، وتجييش المشاعر وتوظيف العواطف المذهبية لدى الشيعة، وانتشار حالة الاستنفار المذهبي والانفصال النفسي والاجتماعي بين الشيعة وباقي الطوائف، وركود الحركة الاقتصادية نتيجة الخوف من قيام الحزب بعمل عسكري متهور يؤذي لبنان، والخوف من مطالبة المسيحيين بالفدرالية كنظام حكم سياسي بدلاً من فدرالية الطوائف القائمة حالياً، نتيجة اختلال حجمهم الديموغرافي.
ونتساءل: هل يبقى «حزب الله» متمسكاً بمشروعه الخلافي الصدامي، أم أنه سيعيد حساباته ويضع مصلحة لبنان العليا ووحدته الوطنية فوق كل اعتبار؟
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.