أمير الرياض يؤدي الصلاة على منصور بن بدر بن سعود    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    ولي العهد يرعى «المنتدى الاقتصادي العالمي»    «رؤية السعودية 2030» .. خطى حثيثة للازدهار والمستقبل المستدام    «زراعة القصيم» تطلق أسبوع البيئة الخامس «تعرف بيئتك».. اليوم    الاقتصاد الخليجي يعزز أسواقه العالمية    دعوة أممية لفرض عقوبات على إسرائيل    "عصابات طائرة " تهاجم البريطانيين    كائن فضائي بمنزل أسرة أمريكية    الأهلي يفتقد" فيجا" أمام ضمك والهلال    القيادة تهنئ رؤساء تنزانيا وجنوب أفريقيا وسيراليون وتوغو    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    أمير الرياض يوجه بسرعة الرفع بنتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    وادي الفن    العرض الإخباري التلفزيوني    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    وصمة عار حضارية    طريقة عمل البيتزا الحلوة بالكرز الأحمر    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الهلال.. ماذا بعد آسيا؟    تتويج طائرة الهلال في جدة اليوم.. وهبوط الهداية والوحدة    في الشباك    حكم و«فار» بين الشك والريبة !    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    64% شراء السلع والمنتجات عبر الإنترنت    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    تجربة سعودية نوعية    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    وزير الصناعة الإيطالي: إيطاليا تعتزم استثمار نحو 10 مليارات يورو في الرقائق الإلكترونية    هندوراس تعفي المواطنين السعوديين من التأشيرة    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    انطلاق بطولة الروبوت العربية    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    سنة «8» رؤية    سلامة موقع العمل شرط لتسليم المشروعات الحكومية    السعودية تتصدر الحلول الرقمية غير النقدية في الترفيه    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    "أبدع" منصة ممارسة الأنشطة الثقافية السعودية    30 يونيو موعد القبول بجامعات الرياض    البنيان: الجامعات تتصدى للتوجهات والأفكار المنحرفة    وفاة الأديب عبدالرحمن بن فيصل بن معمر    ضبط 19050 مخالفاً للإقامة والعمل وأمن الحدود    ملتقى مرض الباركنسون يستكشف أحدث تطورات العلاج    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    قطاع صحي خميس مشيط يُنفّذ فعالية "النشاط البدني"    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«محاكم التفتيش» بعين الإماراتية فاطمة عبد الله
نشر في الحياة يوم 07 - 03 - 2013

في روايتها الصادرة عن «دائرة الثقافة والإعلام» في الشارقة بعنوان «مخطوطات الخواجة انطوان»، تحاول فاطمة عبدالله الإضاءة على تاريخ ما سُمي «محاكم التفتيش»، وما تركت تلك الحقبة من آثار وتردّدات في المجتمعات العربية والإسلامية والعالمية حتى يومنا هذا. وهي الفترة التي أعقبت سقوط الدولة العربية الإسلامية في الأندلس، وما تخللها من أحداث، وما شابها من لغط حول دور الكنيسة في تلك الفترة، والكمّ الكبير الذي تضمّنته من حكايات ومرويات، حملت في جوانب منها الكثير من أضاليل نُسِبَت إليها، ودحضت الكاتبة أغلبها وأهمها، كالبطش والتنكيل اللذين سادا آنذاك على لسان أحد أبطال روايتها ورموزها «الأب بطرس»، أحد رجال الدين المسيحيين. وتتجلّى السّماحة عبر السياقات التي حمّلتها الكاتبة على لسانه، وكيف يتصرف على أنه إنسان رؤوم ومتسامح، يؤكد سرّ مسيحيته الحقّة وجوهرها. وتتخّذ الكاتبة منه أحد أبطالها المنحازين إلى الحق، والدفاع عنه وعن المقهورين الأبرياء، بصرف النظر عن لونهم ودينهم وأعراقهم.
في الصفحات الأولى، نلتمس طراوة في عود الكاتبة، وأن مُكنة ودربة أدبيّتين تعوزانها. ولكن بعد التوغّل في الرواية ينتفي تدريجياً هذا الانطباع. فينفتح المشهد على شغلٍ، وتتدخّل فيه السينوغرافيا والمشهدية الحوارية المشغولة بذكاء ومهارة، لتشيان بأن صاحبتهما، تمتلك الرؤية وسعة الأفق. وأنّ العمل الذي هو بين إيدينا هو ليس العمل الأول لها.
منعطفات وأحداث
وبعيداً من الحشو والتطويل الممغوط، الباعث على الملل في الكثير من الأعمال الروائية، نجد أنها وبعبارات بسيطة، وبإيجازٍ لا يغفل عن الوقوف عند أهم المنعطفات والأحداث والصياغات، وربما الألفاظ الدقيقة تحملنا على الإحالات، واستذكار أعمال حفرت، وخلّدت في الذاكرة، تمكّنت وبكمّ قليلٍ من الصفحات من أن تدفع حدثها الدرامي إلى الأعلى. فاستطاعت أن تكثّف حقبة طويلة من العلاقة الملتبسة بين «الخواجة أنطوان»، وبين «أبو فادي»، الرجل الفلسطيني المقهور، ومخدومه المنصرف المنهمك في واقع الحياة العملية وغموضها. وكيف أنّ هذا الواقع جعل من الخواجة انساناً ناجحاً، يتعامل مع الأرقام والحيثيات، وكيف أنّ أبا فادي المسكين، لا يعرف كيف يحسّن ويطوّر ظروفه المعيشية من طريق البحث عن وسائل لتعلّم المهارات، وأنّه ابن بيئة ومجتمع، لا يقيمان للواقع العلمي اعتبارات كبيرة، كالتي يتمتع بها الخواجة، إذ كان أبو فادي يعزو تخلّفه إلى حظّه العاثر، في عملية جلد الذات، الشّمّاعة التي يعلّق عليها أخطاءه.
إلا أنها لم تلبث طويلاً حتى تكشف لنا عن خيطٍ خفي، كلاهما (أي الخواجة وأبو فادي) لا يعلم سر ربطه بينهما، في انسحاقهما وجمع شملهما، كمنكسرين أمام هول اللغز الكوني المرعب، وفداحة الأحداث الجسام.
كذلك، فإن الانكسار، وعلى ما يبدو، هو إحدى السمات الرئيسية التي تتحرّك في مساحاتها أشخاص الكاتبة. خالد هو القنصل اللبناني في الهند، وحوريّة التي أصبحت زوجته لاحقاً، يلتقيان في معرض رسم أقامته الأخيرة تعاطفاً مع لبنان إثر حرب تموز (يوليو) من العام 2006. ولقاؤهما الأول كان وليد فكرة رسمت فيها حورية العلَم اللبناني، ولوّنت أرزتهُ باللون الأحمر، وأرضيتها خضراء. فتدخل خالد محتجاً أن ترسم أرزة بلاده على هذا النحو، الامر الذي أعجب حورية ولفت إنتباهها. فنمت بينهما علاقة أفضت لاحقاً إلى الزواج. وتبدو الكاتبة منحازة دائماً للوقوف إلى جانب الضعفاء، فهي غالباً ما كانت تفصح عن ذلك، على لسان خالد الذي يبدي إعجابه ب «غاندي»، ذلك الرجل الهزيل البنية، القوي الشكيمة، الثابت العزم، والذي حرّر بلاده من الإحتلال الإنكليزي، ووحدّها بعدما كانت متناحرة الأعراق والثقافات، متقاتلة وعلى إمتداد مئات السنوات، إذ أن في الضعف والصمت والخفوت تكمن الأسرار التي عبرها تطلع القوة من قماقمها.
تشدّ الكاتبة خيوط علاقات تجمع بين أبطالها بأصابع لا تخونها، من بداية ظهور الشخصية وحتى مغادرتها مسرح الأحداث. فالخواجة أنطوان، وفي بداية معالم طريقه، التي ستقودنا معه إلى حيث لم نكن نتوقع لم يفتأ يردد كلمات من مثل: «ليس اليوم، ليس اليوم، لن يتحرك الجيش الآن»، وبين المغلّف الذي يطويه ويحكم إغلاقه «بصمغ الشجر» ويطلب من أبي فادي تسليمه إلى الأب بطرس، الرجل الحضاري، الأمين، الذي تصرف بأعلى ما تمليه عليه تعاليم السيد المسيح في النبل والأمانة. إذ يصل إلى الميتم الذي يشرف عليه ويديره، طفلة، يجد أن سلسلة ذهبية تطوق عنقها، وتضم «آية الكرسي» فيصر على أن يسميها فاطمة، التي بعدما كبرت، اختارت الإسلام ديناً لها، ولم يمانع الأب بطرس وكان لها ما أرادت.
وتبلغ الإثارة ذروتها حين يموت الخواجة انطوان، ويروح خالد وحورية، اللذان أشتريا القصر الذي كان يملكه المتوفى، ليبحثان عن السر الذي كان يجعله ينقطع يومياً إلى إحدى الغرف السرية فيه. إذ تعثر على أوراق مكتوب عليها باللغة الفرنسية، مخصصة للآباء المتخصصين بقراءة الفلك والنجوم، وتقول: «إن الإنسان ومنذ لحظة ولادته، يظل مرتبطاً تابعاً البرج الذي تكون الشمس فيه يوم ولادته. وأنه كلما أنجبت أنثى تنجب السماء نجماً يرافق المولود». وتربط الكاتبة عبر وشائج منها الظاهر، ومنها الخفي، لتخلص إلى القول إن ثمة رابطاً يؤلف بين الديانات السماوية، لا سيما الإسلامية منها والمسيحية.
لم تفارق فكرة الخيال العلمي، بأسلوبه الفني الشفاف، عمل فاطمة عبد الله حتى آخر سطرٍ فيه. فهي تحاول عبر بوح عفوي بسيط، مقاربة أطروحة العلم المرتبط بالوهم، بالخرافة الذي يسعى إلى وضع الحقائق الكونية، في مجال التحقق العلمي من طريق المخيلة. وأن الفكرة اللاهوتية المسيحية قد ينتابها بعض الإهتزازات، في بعض المراحل التاريخية جرّاء إدارة ما للكنيسة في عهد كالذي سمي «محاكم التفتيش».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.