بات بديهيّاً القول إن الفرد المعاصر يبدو مكشوفاً تماماً حيال العين المراقبة ل «الأخ الأكبر» الأميركي وهي تمارس تمعّناً وتحديقاً مستمرين على مدار العالم والساعة. ولأن الأفراد المعاصرين هم أكثر تطلّقاً ومرونة (أكثر حريّة؟ لم لا؟) في التصرّف بأجسادهم وصورها، مع إحساس قوي بأنهم يملكونها بقوّة أيضاً، صار انكشاف الفرد المعاصر أمام العين المحدقة لذلك «الأخ الأكبر» الأميركي مقلقاً إلى أبعد الحدود، بل أنه متصادم مباشرة مع المفهوم الجديد للحرية الشخصية وحقوقها أيضاً. الأرجح أن من المهم تلمّس تلك المسارات المعاصرة والشبابيّة، عند التفكير في مسألة صور «دروني». بديهي القول إن ثمة فوضى مقلقة في الصورة الخياليّة لانتشار ال «دروني» الذي يحتمّ أيضاً انتشاراً مماثلاً لطائرات ال «درون» أيضاً. هل تتخيّل حيّاً في بيروت عند انفلات أفراده في إطلاق طائرات «درون» كي يلتقطوا صوراً لبعضهم بعضاً، بالأحرى كي يخترقوا من الفضاء الحياة الشخصية والحميمة لبعضهم بعضاً؟ المنازل وآمنها البصري لأن صور «دروني» لا تحصل من دون الطائرة الشخصية الصغيرة التي تملك استعمالاً حربيّاً أيضاً، يتجاوز النقاش في شأن «دروني» مسألة المال (ثمن الطائرة)، والمدى (تسير موجات ال «واي فاي» نظرياً ضمن مئتي متر). مثلاً، كيف يمكن رسم الحدود المقبولة، ضمن مفهموم الحرية الشخصية والحق الفردي في الحياة الشخصية، لأشياء مثل البيت والحديقة والشرفة والشباك؟ ماذا عن الوقت أيضاً؟ ماذا عن «دروني» الليل للجيران، إذا كان «دروني» النهار مقلقاً إلى حد يتلف الحرية الفردية؟ هناك أشياء ربما لا تحدث بشأنها نقاشات كثيرة، مثل استخدام «دروني» في مراقبة محاصيل الحقل والبستان والسهل. هناك شيء اسمه «الزراعة الدقيقة» التي تستفيد من مراقبة المحاصيل بالكاميرات المحمولة على طائرات «درون». لكن، ماذا لو استخدمت في كاميرا ال «درون» في التجسّس على محاصيل الآخرين، حتى لو بقيت الطائرة ضمن مجال الملكية؟ حتى في شأن زراعي واقتصادي لا يبدو النقاش في «دروني» سهلاً. في المقابل، تبدو «دروني» قفزة اخرى في مجال التوثيق البصري اللامتناهي للقرن ال 21، الذي تفجّر مع انتشار التقنيّات الرقميّة. من تابع «مونديال البرازيل 2014»، يعرف ذلك الأمر بوضوح، خصوصاً إذا جرت مقارنة كميات الصور والأشرطة (عدا عن كثافة البث المتلفز فضائياً) ل «مونديال البرازيل»، مع ما كانه أمرها في مونديالات سابقة. هل يمكن تخيّل المونديال المقبل في ظل استخدام جمهور الاستاد لطائرات «درون» في التصوير؟ إذا جرى ذلك المونديال في موسكو، ماذا يكون موقف الرئيس بوتين من ذلك الأمر، وهو الذي «يتصادم» نظامه مع الشبكات الاجتماعية ومع التطور في مفهوم العري حاضراً على مدار الساعة؟ هل يجب توجيه السؤال إلى «فيمن»؟