لم يستطع التنوع الغزير في الدراما العربية وشمولها موضوعات وأشكالاً لا حصر لها أن يحجب ندرة الكوميديا إلى حد لافت. الكوميديا تحضر في الشاشات الفضائية – غالباً – من خلال أفلام الأبيض والأسود وبعض الأفلام الملونة التي تنتمي إلى حقبة الثمانينات من القرن العشرين، وبالطبع من خلال بعض المسرحيات لبعض نجوم الكوميديا العرب البارزين. هي كلُها إعادات بات المشاهد العربي يكاد يحفظها عن ظهر قلب. مع ذلك فالمسألة ليست هنا، بل هي أيضاً في بعد تلك الأعمال القديمة عن راهن الحياة العربية التي تستحق اليوم معالجات فنية أخرى عصرية وذات صلات حقيقية بالواقع. لا يشك أحد في صعوبة كتابة الأعمال الكوميدية، لكننا لا نعتقد أن هذا وحده يمكن أن يكون سبباً كافياً لغيابها شبه الكامل عن شاشاتنا، خصوصاً أن هذا الغياب كان السمة الواضحة خلال ما يزيد على عقد ونصف من السنوات، نعتقد أنها فترة زمنية أكثر من كافية لتجديد شباب هذا اللون الدرامي واستعادته في شكل مختلف. يقول بعض النقاد أن الأمر يعود في أحد جوانبه إلى غياب نجوم الكوميديا الكبار، وهو رأي لا يخلو من وجاهة، لكننا نعتقد أن هذا الغياب كان يمكنه أن يكون سبباً وحافزاً لاجتراح حالة كوميدية جديدة: نتحدث هنا عن الابتعاد عن «الكوميديان» النجم صاحب الكاريزما الذي يأتي المشاهدون لمتابعته بالتحديد، وهي حالة تنهض على نوع من «الكوميديا الجماعية» أو بتسمية أخرى الشاملة. ونتحدث عن نص وأداء دراميين لا يشترطان ممثلين كوميديين بالمعنى التخصُصي الذي بات تقليدياً. هي لعبة الفن بمعناها الواسع، وهي بهذا المعنى يمكن أن تعثر على جمالياتها في تناقضات الواقع أكثر من وجودها في قدرات خارقة لهذا النجم الكوميدي أو ذاك. نعرف أن سيل الأنواع الدرامية المختلفة يدفع بالضرورة للبحث عن الكوميديا باعتبارها غاية ووسيلة أولاً، ثم باعتبارها أيضاً تغييراً يستحقه المشاهد العربي الذي يحتاج في زحام حياته المضطربة إلى فن يمنحه فرصة الابتسام، أو على الأقل رؤية الواقع المحيط به في صورة كاريكاتورية لعلها الأقرب القادرة على محاكاة حياته والتعبير عنها.