أوبك+ توبخ جولدمان ساكس    بلينكن يشدد على أهمية وجود خطة لما بعد الحرب في غزة    غموض سياسي في فرنسا بعد حل الجمعية الوطنية    غزة.. أكثر الأيام دموية    مانشيني: الصدارة تهمنا.. وكأس الخليج هدفنا    وزارة الداخلية تشارك في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى إعلام الحج    طقس غائم جزئياً على مكة وصحواً على المدينة وجدة    «إثراء» يفتح باب التسجيل في مبادرة «الشرقية تبدع»    جاهزية أسواق النفع ومسالخ جدة لموسم الحج وعيد الأضحى    القيادة تهنئ رئيس البرتغال بذكرى اليوم الوطني    نائب أمير الشرقية يطلع على أنشطة «تعاونية الثروة الحيوانية»    عرض عسكري يعزز أمن الحج    «الكشافة».. عقود في خدمة ضيوف الرحمن    الماجستير لفاطمة الغامدي    أمير الرياض يوجه باستمرار العمل في إمارة المنطقة خلال إجازة ‫عيد الأضحى‬    نائب أمير حائل يشهد الحفل الختامي لمسارات    أمير الرياض يستقبل سفير النرويج وأمين عام «موهبة»    المملكة تؤكد دعمها لقطاع الإبليات    خادم الحرمين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي الشهداء والمصابين من أهالي غزة    مركز الأمير سلطان للقلب بالقصيم يحقق شهادة الاعتماد من "سباهي"    تهيئة الطائف للموسم السياحي وتجهيز 300 حديقة ومنتزهًا    وزير الخارجية يناقش آخر تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية مع نظيره الروسي    أوكرانيا تستخدم قواعد ناتو لطائراتها وروسيا تسميها أهدافا مشروعة    النزوح الداخلي في السودان يتجاوز 10 ملايين    رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: مشاوراتنا في السعودية ستثمر قريباً    كاسترو يحسم موقف لابورت    رحيمي حلم النصر لتعويض ماني    القادسية يُعلن تعاقده مع حارس فولفسبورج    القبض على مخالفين لنظام الحدود لتهريبهما 24 كيلوغرامًا من الحشيش في نجران    اختفاء طائرة نائب الرئيس المالاوي و9 مسؤولين    الأمن العام: جاهزون لردع من يمس أمن الحج    أمير الباحة يكرّم عدداً من القيادات الأمنية نظير إسهاماتهم وجهودهم المميزة    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 11853 نقطة    السفارة بمصر للمواطنين: سجلوا بياناتكم لاستخراج إقامة    المنتخب السعودي يحصد 5 جوائز بأولمبياد الفيزياء    "هيئة النقل" لحملات الحج: بطاقة السائق ضرورية    500 من ذوي الشهداء والمصابين يتأهبون للحج    جامعة نورة تدفع بخريجات الدفعة الأولى للغة الصينية    حاجة نيجيرية تضع أول مولود بالحج    «الموارد البشرية»: بدء تطبيق قرار حظر العمل تحت أشعة الشمس اعتباراً من 15 يونيو    وصول 1075 من ضيوف خادم الحرمين من 75 دولة    انحفاض الإنتاج الصناعي 6.1% في أبريل    عبدالعزيز عبدالعال ل«عكاظ»: أنا مع رئيس الأهلي القادم    شرائح «إنترنت واتصال» مجانية لضيوف خادم الحرمين    المجلس الصحي يشدد على مبادرة «الملف الموحد»    أمير القصيم يشيد بجهود "طعامي"    أفراح آل الحسيني والشريف    الحج عبادة وسلوك أخلاقي وحضاري    تدشين خدمة الربوت الذكي بجوار المسجد النبوي.. مشاهد إيمانية تسبق مغادرة الحجيج المدينة المنورة    إعادة تدوير الفشل    خلود السقوفي تدشن كتابها "بائعة الأحلام "    10 مشاريع لتطوير البنية التحتية.. جاهزية منظومة البيئة والمياه لموسم الحج    استشاري:المصابون بحساسية الأنف مطالبون باستخدام الكمامة    الدكتورة عظمى ضمن أفضل 10 قيادات صحية    انطلاق معسكر أخضر ناشئي الطائرة .. استعداداً للعربية والآسيوية    الشاعر محمد أبو الوفا ومحمد عبده والأضحية..!    محافظ القريات يرأس المجلس المحلي للمحافظة    تغييرات الحياة تتطلب قوانين جديدة !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات - سورية التي لم تتكوّن
نشر في الحياة يوم 12 - 01 - 2013


السبت 5/1/2013: سورية أيضاً
قلب المشرق المفكك، سورية، لقاء مدينتي حلب ودمشق بعد انهيار الحكم العثماني، ومع المدينتين ضفاف صحراوية في الشرق يخترقها الفرات، وجبال على المتوسط تشبه لبنان وليست من لبنان، وهضبات تطل على فلسطين وشرق الأردن.
سورية تأليف لم يتح له أن يستوي في دولة. منعت ذلك صراعات الزعامات التقليدية والخفة السياسية للعسكريين الذين تدثروا بأحزاب قومية عربية تستلهم هتلر وفرانكو ولا تأبه بالدولة التي يتطلب تكوينها تعباً وإيثاراً، هكذا حُكمت سورية في معظم عمرها باسم القومية العربية والوحدة المرتجاة، فدُفع السوريون، ولا يزالون، الى الخجل من وطنهم سورية، كيف تستقيم دولة يخجل أبناؤها من اسمها؟
خطاب القسوة من الحكم ومن المعارضة، خطاب واحد لا خطابان. وغداً بعد الحطام انتخابات يفوز فيها السلفيون أكثر من «الإخوان»، السلفيون الذين لا ندري انهم ازدهروا في دولة يخجل حكامها من اسمها ويدعون المواطنين الى مشاركتهم في الخجل.
الأحد 6/1/2013: جداريتان
بات رقيقاً الجسد، يميل مع الريح، لا يهدأ، فكيف لهذا المهتز أن يجذب ويحمي؟
الحب الشجرة الثابتة لا الغصن المتحرك، أو هو الغصن مرتبطاً بالشجرة وإن هزته العواصف.
لا يقدم لها شيئاًَ ولا تقدم له. تجمعهما الذكريات. كلّ ينصرف الى جداره ويرسم الحب كما يتخيله، وربما كما حدث.
رسمتان على جدارين. ما أشدّ الاختلاف، ولا يكون الحب جامعاً. انه اتصال عابر لخطين في فضاء أوسع.
الإثنين 7/1/2013: إبراهيم أصلان
سنة على رحيل إبراهيم أصلان، يفتقده زملاؤه في «الحياة» والمبدعون المصريون والعرب، كاتب شهد الموجات الأولى من حلم ثورة 25 يناير على الاستبداد والفساد، ولم يشهد انكسار ذلك الحلم الشبابي لمصلحة مؤسسات تقبض على الرأي العام وتهدده في رزقه وأمنه وإيمانه. لقد رحل أصلان في موعد مناسب له وليس لنا، نحن الذين كنا نأنس الى إحساسه تجاه البشر والأحداث والأشياء، الإحساس الصادر عن فطرة لا يحجبها العقل ولا تعميها الحماسة.
هذه الفطرة حاضرة في كتابات كان يغزلها على نول يدوي، يعقد القطبة في موضعها واللون قرب اللون لتكتمل السجادة بعد تعب وسهر وتأمل وارتباط لا فكاك منه بالمكان وكائناته الحية وغير الحية. تتخفف كتابات أصلان من الإنشاء الموروث، كتابياً كان أم شفهياً، لتتألف من عناصر حاضرة مادية وتأملية، لذلك تراه سائراً بالضرورة الى اسلوب سماه سلامة موسى تلغرافياً وأرسى دعائمه الأدبية يحيى حقي. أليست لافتةً العلاقة بين أصلان وأستاذه حقي القائمة على احترام متبادل وزمالة تستند الى يقين صاحب «قنديل أم هاشم» بمستقبل لأصلان في الخريطة الأدبية المصرية والعربية.
لدى كل حدّث مصري كنت أتصل بأصلان. كان بوابتي على المحروسة كبيرها وصغيرها، يسلمني المفتاح ويتركني لشأني. وإذ تمر مصر في نفق يصعب تبيّن معالمه أعرف مقدار فقدي أصلان، فلا أحد يسلمني مفتاح الحرية إلاّه، هذا الذي غاب في جوف الزمان.
وكان يحذّرني أثناء مسامراتنا: لا تترسل كثيراً، فسوف أنسب الى نفسي بعض ما تقول. تصورت أنني أحياناً شجرة يقطف أصلان ثمارها إذا احتاج ثمراً. ولست وحيداً في هذا الموقف، إذ يشاركني فيه المكان وكائناته، ومن بينهم الأصدقاء. في كتابه «شيء من هذا القبيل» ثمرة قطفها من شجرتي، لكنها في النهاية ثمرته هو في كتابه هو.
الثلثاء 8/1/2013: رأس بيروت
تدوّن منى بارودي دملوجي وقائع حياتها بأقلّ قدر من الفردية، هي جزء من كلّ وليست منفصلة تتمحور على ذاتها. وهذا الكلّ هو العائلة بمستوياتها المتعددة، الأهل والأقرباء والجيران ورفاق الدراسة والأصدقاء وزملاء العمل أو السفر.
أقل قدر من الفردية، لأن علاقة حب سريعة في الجامعة الأميركية في بيروت انتهت بزواج العمر، لم تحظ بسوى مقاطع قليلة من الكتاب (420 صفحة): «شيء ما شدّني الى فيصل دملوجي مع كوننا من عالمين مختلفين، فأنا مسيحية بروتستانتية من شارع جان دارك - رأس بيروت، وهو مسلم سني من العراق. وبالرغم من كونه خالياً من أي تعصب أو تفريق، فإن حدوداً قد رسمها القيمون على المجتمع ومن الصعب تجاوزها، وأنا أخجل أن أتكلم عن ذلك. عندما أكون بقربه تسكن نفسي وتختفي حيرتي، فأنا أحبه إذاً. كان قلبه شجاعاً لا يخشى شيئاً أو أحداً. لقد ثابر وصبر(...) وبإرادته المصممة وجرأته وصدق عاطفته تغلب، مع الوقت، على الذي كان ظاهره مستحيلاً وجعله ممكناً وفتح باباً كان يبدو موصداً عصياً (...) واليوم عندما أعود نصف قرن ونيف الى الوراء أتأكد أن ما اخترق الحدّ الفاصل بيننا هو انتماؤنا الى طبقة اجتماعية مماثلة، فكلانا من المستوى الثقافي المنفتح والخلقي نفسه، ومن أسر تميزت بالعلم والتسامح».
ترد جريدة «الحياة» في كتاب «أوراق من عمر مكتوب» لمنى بارودي الدملوجي (منشورات نلسن في لبنان والسويد) فالكاتبة وزوجها الراحل يداومان على قراءتها ويستشهدان بها أخباراً وآراء مرات عدة، كأن «الحياة» عندهما نقطة لقاء للنخبة العربية المقيمة والمهاجرة.
ويتعدى الكتاب كونه سيرة سريعة لمؤلفته، فهو سيرة جديدة لرأس بيروت، وتحديداً للجامعة الأميركية التي استقطبت أساتذة وطلاباً من الشرق والغرب شكلوا ساحة حوار أثمرت الكثير في الثقافة والاجتماع والسياسة، وإذ لا تصل ذكريات الكاتبة الى مرحلة تكوين حركة القوميين العرب في الجامعة، التي أعقبت تخرجها، لا تغفل عن ذكر نزعات وطنية عربية لدى طلاب وأساتذة، ويمرّ في ما يشبه الطيف أنطون سعاده، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي سكن كوخاً أخضر في حديقة ومارس تعليم اللغة الألمانية في الجامعة وناهض الانتداب الفرنسي فاعتقل من الكوخ، وتذكر ان خالها بهيج المقدسي هو من صمم ورسم شعار الزوبعة الذي يعتمده السوريون القوميون.
وفي الكتاب وصف لجانب من طائفة اللبنانيين البروتستانت ممثلاً بعائلة الكاتبة التي تعود أصولها الى بلدة عاليه ومدينة طرابلس، وكان الحضور الأميركي البروتستانتي دافعاً للترقي بالتعليم العالي واعتماد المبادرة في تشكيل مؤسسات صناعية وتجارية، فوالد الكاتبة، على نهج أهله، تخرج في الجامعة الأميركية عام 1911 ووالدتها متخرجة من مدرسة البنات الأميركية، وقد أنشأ الوالد بالتعاون مع شقيقه المقيم في الولايات المتحدة مؤسسة في بيروت للتجارة بالثياب وأدوات التجميل. لكن العائلة كانت حاضرة بشكل أساسي في التعليم العالي الذي مارسته الكاتبة لفترة بعد تخرجها، وكان جدها لأمها جرجس الخوري المقدسي أستاذ العربية في الجامعة وشقيق جدتها بولس الخولي عميداً. طائفة يتعشى أبناؤها باكراً وينامون باكراً ويمارسون العمل والصلاة وينفتحون على سائر الطوائف.
تذكر الكاتبة ان والدها كان أول من اقتنى سيارة في رأس بيروت «البويك» ثم «الناش» التي كان رقم لوحتها 125. وانها بدأت الدراسة في مدرسة «مس أمينة» البروتستانية في حي جان دارك وكان من تلاميذها منح ومهى ابنا عادل الصلح وزوجته التركية السيدة نازلي، وانتقلت الى مدرسة البنات الأهلية في وادي أبو جميل بإدارة خالتها وداد المقدسي، وتطوعت في نشاط الجمعية المسيحية للشابات لتعليم أبناء العائلات الفقيرة، هذه التجربة أدت بها لكتابة بحث التخرج في الجامعة عام 1943 عن «أحوال العمال في لبنان وسورية».
تصف الكاتبة زواج احدى قريباتها من شاب كاثوليكي ورفض الكهنة عقد الزواج قبل إعادة تعميد الفتاة، في ما يشبه عدم الاعتراف بمسيحية الطائفة البروتستانتية. كما تشهد زواج خالتها من شاب ينتمي الى طائفة الكويكرز حيث الطقوس تأملية شبه مدنية.
وترسم صوراً موجزة لمن عرفتهم في حياتها، ومنهم علي الوردي الذي درس لفترة في الجامعة الأميركية، وعملها في مكتب معلومات الحرب الأميركي في بيروت حيث التقت أمين الغريب مؤسس جريدة «المهاجر» في نيويورك وأول من نشر لجبران خليل جبران وصحح كتاباته الأولى، وزيارتها الولايات المتحدة حيث التقت ألبرت آينشتاين الذي كان جاراً في برنستون للبناني إدوارد جرجي.
ذكريات في لبنان وفلسطين وسورية والعراق وبريطانيا والولايات المتحدة، ورعاية زوج وأبناء في حياة التنقل هذه التي لا يتحملها سوى المنخرط في الثقافة الحديثة، يعتبر العالم كله موطناً على الرغم من حنينه لأول منزل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.