إذا كانت التحديات والمخاطر المحدقة بدول الخليج كثيرة ومتعددة، فإن الأوراق الخليجية ربما لا تبدو كثيرة لمواجهة هذه التحديات، ولعل أبرز ما تفتقده هذه الدول مؤسسات المجتمع المدني، شبه الغائبة أو المغيّبة. ويقول رئيس مركز الخليج للدراسات الدكتور عبدالعزيز بن صقر: «إن المنظومة الخليجية أظهرت قدرات فائقة للتعامل مع الأخطار والتهديدات، منذ قيامها في أوائل الثمانينات. إذ صمدت أمام امتحانات عصيبة عدة خلال ال40 عاماً الماضية، ومنها قدرتها على التعامل مع تبعات الثورة الإسلامية في إيران، وأمام تبعات الحرب العراقية - الإيرانية، ثم الغزو والاحتلال العراقي لدولة الكويت، وغيرها من الأخطار والتحديات الخطرة». ويستدرك ابن صقر بقوله: «إن بقاء المنظومة على وضعها الراهن أمر ربما لا يخدم مصلحة الدول الأعضاء على المدى البعيد، فالمنظومة الأوروبية (دول الاتحاد الأوروبي) سارت على النهج ذاته لأعوام، وبعدها أدركت أن تبني المشروع الوحدوي الشامل هو الخيار الأفضل، لهذا يمكن القول بأن المنظومة الخليجية أمامها فرصة تاريخية للبناء على نجاحاتها التي حققتها حتى الآن، وإكمال المسيرة إلى نهايتها المنطقية والعملية، وهي تبنّي المشروع الوحدوي الذي ربما يستغرق تنفيذه أعواماً مقبلة». ويعتبر الدور المحدود لمؤسسات المجتمع المدني «أمراً مقلقاً»، مردفاً: «إن التطور في أية دولة يجب ألا يكون مقصوراًً على مؤسساتها الرسمية، فلا بد من تطوير مؤسسات المجتمع المدني، ومنحها الحرية والقدرة على لعب دورها في تنمية المواطن والدولة والمجتمع»، مقرّاً بأن دول الخليج «ما زالت متخلّفة في هذه المسيرة، لكون غالبيتها تُعدّ دولاً حديثة النشأة»، مؤكداً أن هذا الأمر «يستحق اهتماماً خاصاً من صنّاع القرار، فمؤسسات المجتمع المدني تُعدّ اليوم أهم مكونات المجتمع الحديث». وفي المقابل، يبدي الدكتور عبدالخالق عبدالله موقفاً أقل حماسة لمؤسسات المجتمع المدني في مواجهة التحديات، فهو وإن أكد على أهميتها إلا أنه يقول: «الديموقراطية تأتي بحصانة داخلية، وربما في الوقت نفسه تزيد الصراعات الداخلية»، مستشهداً بوضع الكويت والبحرين، مضيفاً: «إن الديموقراطية ضمانة، لأنها تأتي لتحقق شرط المواطنة والتبادل والمشاركة، وتعزز دور مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي تخفف من الضغط المُلح للإصلاح والضغط الخارجي بالالتزام بحقوق الإنسان، وبحق الانتخاب والحريات في الصحافة، ولكن يمكن للديموقراطية أن تفتح باب صراعات وخلافات قبلية ومذهبية، ويمكن أن تفاقم كل ذلك، وفي لحظة من اللحظات تكون الديموقراطية ضلالاً بدلاً من كونها حلاً ممكناً»، مستدركاً بأن «هذه ليست دعوى ضد الإصلاح لأننا نحتاجه، ولكن نتمنى أن يأتي هذا الإصلاح وفق الثوب الخليجي وليس مستورداً».