خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الاتحاد    إسعاف القصيم يرفع جاهزيته تزامنا مع الحالة المطرية    ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لمساعدة ضحايا الفيضانات    النويصر: «طيران الرياض» يُوقِّع طلبية لشراء 60 طائرة.. والتشغيل منتصف 2025    60 مشروعًا علميًا بمعرض إبداع جازان 2025 تتنوع بين المجالات العلمية    تعليم الطائف ينهي الاختبارات العملية .. و1400مدرسة تستعد لاستقبال 200 ألف طالب وطالبة    علامة HONOR تفتح باب الحجز المسبق للحاسوب المحمول الرائع HONOR MagicBook Art 14    الجامعة العربية: دور الأونروا لا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله إلى حين حل قضية اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية    صندوق الاستثمارات العامة يوقّع مذكرات تفاهم مع خمس مؤسسات مالية يابانية رائدة    وزير الإعلام يعلن إقامة ملتقى صناع التأثير «ImpaQ» ديسمبر القادم    جمعية اتزان بجازان تختتم برنامجها التوعوي في روضة العبادلة بييش    السعودية تدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف قاعدة عسكرية في إقليم بحيرة تشاد    البنك السعودي الأول يحقق صافي دخل 5.9 مليار ريال سعودي بعد الزكاة وضريبة الدخل للربع الثالث بنسبة زيادة قدرها 16%    فيصل بن فرحان: نسعى لتنويع الشراكات الدولية.. ومستعدون للتعامل مع أي رئيس أمريكي    وزير الداخلية السعودي ونظيره البحريني يقومان بزيارة تفقدية لجسر الملك فهد    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي رئيس وزراء كندا السابق    إطلاق حملة ( تأمينك أمانك ) للتعريف بأهمية التأمين ونشر ثقافته    أمير حائل يستقبل وزير البلديات والإسكان ويطلع على تصاميم المنطقة المركزية    أمانة القصيم تنظم حملة التبرع بالدم بالتعاون مع جمعية دمي    أمانة القصيم تكثف جهودها الميدانية في إطار استعداداتها لموسم الأمطار    شارك في الصراع 50 دولة .. منتخب التايكوندو يخطف الذهب العالمي المدرسي بالبحريني    المرشدي يقوم بزيارات تفقدية لعدد من المراكز بالسليل    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    رئيس الإتحاد: مباراة الأهلي مهمة في الصراع على لقب الدوري    بنزيما يُهدد بالغياب عن مواجهة الأهلي    الدكتور عبدالله الربيعة يلتقي نائب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين    أمير المدينة يكرم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن    وزير العدل يقر اللائحة التنفيذية الجديدة لنظام المحاماة    أدبي تبوك ينظم أمسية حوارية حول روًي الاختلاف مابين العقل والإبداع    رئيس وزراء باكستان يلتقى وزير الاستثمار    "سعود الطبية" تنفذ 134 ألف زيارة رعاية منزلية عبر فرق متخصصة لخدمة المرضى    وزير الاقتصاد: السعودية تقود المستقبل باستثمارات قياسية في الطاقة المتجددة والتكامل الاقتصادي    الأنمي السعودي 'أساطير في قادم الزمان 2' يُحلق في سماء طوكيو وسط احتفاء من الإعلام الياباني    رئيس جمهورية السنغال يغادر المدينة المنورة    نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 2.8٪ خلال الربع الثالث من 2024    الأرصاد: استمرار الحالة المطرية على مناطق المملكة    هاريس تخفف آثار زلة بايدن بالدعوة لوحدة الصف    خدمات صحية وثقافية ومساعدون شخصيون للمسنين    الحركات الدقيقة للعين مفتاح تحسين الرؤية    كيف تفرّق بين الصداع النصفي والسكتة الدماغية ؟    جوّي وجوّك!    السلطة الرابعة.. كفى عبثاً    الجبلين يقصي الاتفاق من كأس الملك بثلاثية    لا تكذب ولا تتجمّل!    «الاحتراق الوظيفي».. تحديات جديدة وحلول متخصصة..!    برعاية الملك.. تكريم الفائزين بجائزة سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه    برازيلي يعض ثعبان أناكوندا لإنقاذ نفسه    جددت دعمها وتضامنها مع الوكالة.. المملكة تدين بشدة حظر الكنيست الإسرائيلي لأنشطة (الأونروا)    الأمير سلمان بن سلطان يطلع على جهود وبرامج مرور منطقة المدينة المنورة    لا إزالة لأحياء الفيصلية والربوة والرويس.. أمانة جدة تكشف ل«عكاظ» حقيقة إزالة العقارات    إعلاميون يطمئنون على كلكتاوي    آل باعبدالله وآل باجعفر يحتفلون بعقد قران أنس    أحمد الغامدي يشكر محمد جلال    مهرجان البحر الأحمر يكشف عن قائمة أفلام الدورة الرابعة    عندما تبتسم الجروح    السفير حفظي: المملكة تعزز التسامح والاعتدال عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشقير: 5 في المئة من النخب يتحكمون في صياغة «الغالبية» من المجتمع
نشر في الحياة يوم 04 - 12 - 2012

المجتمع السعودي يحوي بين طياته كنزاً معلوماتياً ثرياً من الأحداث والمتغيرات والتفاعلات، وهو يقدم نفسه كمادة خصبة للبحث والدراسات العلمية، لكنه يشتكي من عدم وجود ذلك التفاعل الذي يستحقه لذا نتأخر كثيراً في التعامل مع المتغيرات والظواهر بسبب عدم قدرتنا على البصيرة والتبصر.
عبدالرحمن الشقير أحد الشباب السعوديين الباحثين الذي لهم حضورهم في ميدان البحث العلمي ولهم منتجاتهم الإبداعية فيه.
ضيفنا متخصص في علم الاجتماع وهذا منحه قدرة على التحليل وقراءة المتغير ورصد الظاهرة، هو ينتمي للبيئة النجدية لكنه يعتمد المنهج العلمي في كتاباته وبحوثه، عندما تقرأ له ترصد تأثره بعلماء الغرب ونظرياتهم، لكنه لا يقدمها كمسلّمات ولكن يخضعها للضابط عنده ويقدمها في قالب موثق. ارتباطه بوزارة التعليم العالي منحه القدرة على معرفه الحراك العلمي والبحثي في جامعتنا ومكمن الخلل فيه.
في حوارنا معه نقف معه على بعض التغيرات الاجتماعية ونقرؤها من خلاله، ونخضعها للشرط الاجتماعي ونرصد حركتها الحلزونية أو الأفقية أوالتعامدية.
عبدالرحمن الشقير، يغرد في «تويتر» بأسلوب سهل ممتنع يستعين بآراء آخرين ليهدم بها نظريات ومسلمات آخرين ويكون هو بينهما الجسر الذي يعبر بنا للواقع الأجمل.
عادة، تكون لغة الباحثين مقعرة أو موغلة في التفاصيل، لكن ضيفنا منحنا اللغة السهلة بالعمق الأسهل. هو لا يتحدث كثيراً لكنه هنا تحدث كما نريد، ولعله كما تتمنون.. إلى الحوار
البيئة النجدية لمَ تصاحبها القسوة في تصرفات أصحابها؟
- لا يوجد دليل حاسم في تهمة نجد بالقسوة، ولكن توجد مؤشرات قوية تؤكد أن ظاهرة القسوة والخشونة في أهل نجد قديمة، وقصة الأحنف بن قيس مع النبي صلى الله عليه وسلم والوفود النجدية وبزوغ أناس تتنازع النبوة نموذج يمكن أن يعكس الظاهرة، كما كان المطلوب للسلطة يلجأ إلى نجد هروباً.
وقد يرجع ذلك لسبب الحتمية البيئية أو انعكاس طبيعة البيئة على سلوك أفرادها، وقد يرجع لأسباب اجتماعية، فتوغل نجد في وسط جزيرة العرب وبعدها عن أماكن الاختلاط بالأعراق والأجناس والثقافات المتنوعة مثل المراكز الحضرية في العراق والشام فترة الخلافة الإسلامية والمناطق الساحلية والأماكن المقدسة يساعد في قسوة الطباع.
ولكن المؤكد أن قسوة أهل نجد ليست جينية، بدليل أن نجداً تحوي أفضل مناخ صحي ويزهر فيها أجمل النباتات وتضم أجود المراعي، ولم يتغن الشعراء العرب بما فيهم شعراء الأندلس بمثل ما تغنوا بصبا نجد.
ولكن هذه القسوة في الطباع كان لها إيجابيات مثل سلامة السليقة اللغوية والصدق في التعامل وحفظ سلالاتها البشرية، وكان الخلفاء والوجهاء يرسلون أبناءهم لها لتعلم الفصاحة والفروسية.
أما بعد عصر النفط فقد تغير المجتمع وتكيف مع متطلبات عصره وكادت أن تضيع هويته التقليدية مع كثرة اختلاطه بالأجناس البشرية التي جاءت للعمل غالباً.
الأفكار المستحدثة
انتشار الفكرة في المجتمع، هل يتم وفق آلية متوازنة تسمح لها بالتطور والنقد التفاعلي؟
- درس كثير من علماء العلوم الاجتماعية ظاهرة انتشار الأفكار في المجتمع الواحد وانتقالها بين المجتمعات سواءً في عصر واحد أو عصور متعاقبة، وحاولوا التوصل لقوانين تضبط متغيرات الظاهرة، وكل ما صدر حتى الآن نظريات مهمة ولكنها غير يقينية.
وتعد دراسة «الأفكار المستحدثة وكيف تنتشر» لإفريت روجرز من أشهر الدراسات التي حاولت التوصل إلى رصد آلية متوازنة تنتشر الأفكار بموجبها، إذ رجع فيها لقرابة 500 دراسة سابقة في ذات الموضوع، وتوصل إلى أن الفكرة الجديدة تنتشر في المجتمع على مراحل تدريجية بالترتيب بغض النظر عن مضمون الفكرة ومدى جودتها أو ملائمتها للمجتمع كما يأتي:
- 2.5 في المئة المبتدعون للأفكار.
- 13.5 في المئة المتبنون الأوائل
- 34 في المئة الغالبية المتقدمة.
- 34 في المئة الغالبية المتأخرة وعن طريقهم تكون الأفكار المستحدثة من العادات والتقاليد الاجتماعية.
- 16 في المئة المتلكئون وهم الذين لا يعتد بهم في الحكم على التغير الاجتماعي،
ولو أسقطت هذه النظرية على أية ظاهرة اجتماعية لوجدتها تمر بهذه المراحل.
الأفكار السائدة والتي تتحكم بالمجتمع في يد من؟
- في الغالب يوجد لكل أفكار تسود في المجتمع قادة الرأي، أو حراس البوابة، وبالمناسبة يوجد قرابة 20 مصطلحاً لوصف من يتحكمون في أفكار المجتمع، فالأفكار السياسة تكون بيد السلطة وهي التي تفرض آيديولوجياتها على المجتمع، وثقافة المجتمع ينشر أفكارها رجال الدين والمثقفون، ثم تظهر أفكار أقل أهمية مثل الموضة والتعرض للتقنية وغيرهما، وهذه تكون بيد كبريات الشركات العالمية.
ذاكرة المجتمعات، متى تحتاج للنسيان أكثر؟
- إذا كنت تقصد بالنسيان بمعنى القطيعة، فسأقول لك إن المجتمع الأوربي فعلها وقام بقطيعة آبستيمولوجية (معرفية) مع تراثه، وأعاد بناء ذاكرته من جديد، وقام بمراجعة الصالح منه، وكثير من المجتمعات تحتاج إجراء عملية قطع نسيان مع الجوانب السلبية من تاريخها وثقافتها، كما تحتاج المجتمعات إلى الحد من كثرة المسلمات التي لا تستند إلى قوة دينية أو اجتماعية واضحة، مع إجراء مراجعات دورية لذاكرتها لتضمن لها حياة عصرية لا تفقدها هويتها.
نظرية 20-80 الاقتصادية، هل ننتقل بها للمنتج الفكري ونقول إن 20 في المئة يتحكمون في أفكار 80 في المئة من المجتمع؟
- عندما توصّل عالم الاجتماع والاقتصاد الإيطالي باريتو إلى هذه النظرية التي أخذ عليها الدكتوراه في دراسته عن ظاهرة الاستحواذ على الأراضي.. أهملت نظريته نصف قرن ثم أعاد علماء تطوير الذات الأميركان بعثها من جديد وطبقوها على كل شيء تقريباً في المجتمع وأثبتت صدقها.
وطرحها ستيفن كوفي أخيراً باسم أقل من 10 أكثر من 90 هذا في المجتمعات المفتوحة، أما في المجتمعات المغلقة فلك أن تقول إن 5 في المئة من النخب يتحكمون في صياغة أفكار 95 في المئة من المجتمع.
العلوم الاجتماعية مظلومة
علم الاجتماع، لمَ هو مظلوم في مجتمعنا ولا يحتفى به؟
- للأمانة، كل العلوم مظلومة في مجتمعنا والنظرة للعلوم الفكرية والعلوم البحتة لا تزال منخفضة اجتماعياً، وعلم الاجتماع بوصفه العلم الذي يبحث في أسباب التغير الاجتماعي يستحق أن يدعم أكثر لأن مجتمعنا العربي عموماً يشهد تغيرات سريعة ومتتابعة وغير متوقعة، فيشكل ما لم تتوقعه دراسات استشراف المستقبل.
والمجتمع السعودي ليس في معزل عمّا يجري وهو بدوره يشهد تغيرات صامتة، إذ بزغت أجيال لديها مشاريعها وقيمها الخاصة بها في فهم ذاتها، وانبعثت هويات وثقافات فرعية كانت مغيبة وساعدت التقنية ووسائل الاتصال على قلب مفهوم الإعلام، وظهرت الجرائم الإلكترونية. فهذه التغيرات المباغتة تجعل من السعودية معملاً ضخماً للدراسات الاجتماعية.
تطور المجتمعات لماذا لا يصاحبه تطور فقهي عندنا يسمح بالمستجدات ويتفاعل معها؟
- منذ بداية عصر النهضة العربية وروادها ينادون بإقصاء العقل الفقهي التقليدي كشرط أساسي لمتطلبات النهضة، وإعادة فهم نصوص المشرع وفق روح العصر وليس تداول مجموعة نصوص من دون مراعاة الزمن والظروف، كما هو الحال في عصور الانحطاط الفكري، ومن رواد تجديد النص الديني خير الدين التونسي والإمام محمد عبده.
ومن يحلل سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلحظ أنه أعاد تطبيق نصوص الشرع بروح عصره، وتكيف مع التغيرات الاجتماعية بسرعة مثل زيادته في حد شارب الخمر، وعدم توزيع الأرض المفتوحة على الغانمين، وإيقاف سهم المؤلفة قلوبهم، فضلاً عن استعانته بالنظم الإدارية والمالية للممالك المتحضرة في عصره، كل هذا التغير حدث بعد مرور أقل من خمس سنوات على وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالك بمرور 14 قرناً!
كيف ترى الشخصية السعودية والنسق الذي تعمل من خلاله؟
- من المثير جداً عمل دراسات اجتماعية عن شخصية الإنسان السعودي لفهم رؤيته لنفسه ورؤيته لحياته وعالمه، وللتعرف على هوية المجتمع وسمات ثقافته العامة وثقافاته الفرعية، مقارنة بما صدر من دراسات عن شخصية الإنسان المصري والعراقي والتونسي وغيرهم،
فشخصية الشباب السعودي أو المرأة السعودية مثلاً محل اهتمام ومتابعة العديد من مراكز الدراسات الغربية.
وأنا تنقصني المعلومات عن شخصية الإنسان السعودي وعن النسق أو الأنساق التي يعمل من خلالها، وأعتقد أننا نجد في الأمثال الشعبية والأهازيج المتوارثة والأغاني الشعبية والصحافة اليومية والمسلسلات الاجتماعية و«يوتيوب» وكذلك برامج التواصل السريعة مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«واتسآب» و«بلاك بيري» وغيرها كثير مادة علمية مناسبة لإجراء هذه الدراسة.
الاستعمار أضفى شخصيته على الدول، نحن كمجتمع سعودي هل خسرنا عدم الاستعمار؟
- رغم شرور الاستعمار عموماً، ورغم كمية الأهداف التي يسعى لتحقيقها في البلدان المستعمرة، التي من أبرزها أن يهيئ البلدان كأسواق مفتوحة لبضائعه وينهب المواد الخام والتحكم في سياساتها الخارجية مع قليل من الديموقراطية، ويدعم أنظمة حكم موالية قبل أن يرحل.
إلا أن النظرة للاستعمار ما تزال تقودها العاطفة، لأن هناك استعماراً له جوانب إيجابية مثل المستعمرات الإنكليزية التي تطور الأنظمة السياسية وتدعم الحريات والديموقراطية، بعكس المستعمرات الفرنسية التي تفرض عليها الثقافة الفرنسية من دون تطوير حقيقي، لكن المقياس الحقيقي للحكم على دول الاستعمار هو قياسها بأداء الأنظمة السياسية التي ورثتها، فماذا تجد؟
أما الشق الثاني من سؤالك، فليس لدي إجابة دقيقة لسؤال افتراضي، لكن توقعي أننا خسرنا خبرات الاستعمار في صناعة الأنظمة وربحنا قيمنا الاجتماعية.
يرى البعض أن الشيوعية انتصرت للمجتمع والرأسمالية قضت عليه، ما رأيك؟
- الشيوعية تدمر الفرد، بينما الرأسمالية تدمر من يقف في طريقها، والشيوعية الماركسية مرحلة لم تتحقق بعد، وكل الموجود نسخة مشوهة من الاشتراكية، وقد ثبت فشلها لأنها تنتصر للمجتمع تنظيراً لا تطبيقاً، ولأنها تصادم الفطرة.
وبمراجعة أوضاع التعليم والصحة والأمن والرفاهية تجد أن الشيوعية قضت على المجتمع، بعكس الرأسمالية، وعلى رغم أن الفكر الغربي مستقر الآن على أن الرأسمالية هي النموذج الوحيد المناسب للحياة العصرية، لأنها تصنع متغيرات العصر وتتكيف معها وتدعم الإبداع إلا أنها لا تزال تحمل بين طياتها بذور سقوطها - كما يقول ماركس -.
وأن بعض النقد الذي وجهه ماركس لها لا يزال حياً ومن أبرزه أن الرأسمالية تخلق أزماتها بنفسها ممّا يزيد البطالة، ونشوء أنظمة دكتاتورية معادية.
وما زلنا ننتظر النظرية الإسلامية التي بمقدورها أن تسد الفراغ في النظام العالمي.
النص الاجتماعي
كيف تقرأ الخروج عن النص الاجتماعي في مجتمعنا؟
- يمكن قراءته من خلال مقولة: لا تلزموا أبناءكم عاداتكم فإن لهم زماناً غير زمانكم، والفرد اليوم لم يعد حراً كما كان في السابق فتجده منذ شبابه وهو مقيد في صحته ومسكنه ومركبته ومعاشه بعقود مع شركات التأمين والمصارف وغيرها، والوالد ليس حراً في تربيته لأبنه كما كان، إضافة إلى أن العادات والتقاليد لم تعد مرجعية قوية في ضبط سلوك الفرد ممّا جعله يتأثر بكل جديد مهما كان المصدر. لذلك قد يكون مجتمعنا هو الذي لم يتكيف مع النص الاجتماعي الجديد، فمَنْ يكون خرج على نص مَنْ؟
الخرافات والكرامات، لمَ تحضر في المشهد الإسلامي بكثرة؟
- الناس البسطاء في جميع الشعوب والأديان مولعون منذ القدم بتفسير حياتهم واستشراف مستقبلهم عن طريق الغيبيات مثل التنجيم والشعوذة والسحر وقراءة الفنجان وتفسير الأحلام ونحوها، ورد النجاح أو الفشل إلى أسباب خرافية أو قبورية، وهؤلاء في الغالب يعرفون الحسن والقبيح من خلال أشخاص يثقون بهم فقط.
والإسلام يقف موقفاً حاسماً وواضحاً إذا يحذر من عبادة الله بجهل أو متابعة للغير، ويحث على العلم وإعمال العقل، وقد تخلص الغرب من هذه المرحلة بعد أن خسفت به في الجهل قروناً، واتخذ من العلم بديلاً عن الخرافات. العلم هو الحل الأفضل للوصول إلى مجتمع عقلاني لا خرافياً.
التشدد والانغلاق حرمانا من فرص تنموية كثيرة، ما رأيك؟
- يبدو أن نظرية بنية العقل المتشدد والمنغلق سيطرت على وعينا كثيراً، لأنها إن ثبتت فلا يتحمل أحد مسؤولية فكر متشدد ومنغلق نتوارثه منذ قرون، ولا أظن أن رواسب التشدد والانغلاق، إن ثبت أنها تحرمنا من فرص التنمية والتحديث حتى الآن، أنها السبب الوحيد أو الرئيسي؛ لأن التنمية والتحديث في كل العالم مرهونة بالإرادة وقد رأينا مجتمعات متخلفة استطاعت أن تقفز بسرعة وبقوة في زمن قياسي بالإرادة فقط، وأثبتت أن الإنسان هو الذي يتحكم في ظروفه وليست الظروف تتحكم فيه.
من أوحى لنا أن حكومات الغرب تخاف من المد الإسلامي؟
- خوف الحكومات الغربية يكمن في الأذى الذي قد تلحقه بها بعض الجماعات الإسلامية المتشددة، ما يعرف بظاهرة «إسلاموفوبيا»، ودراسات مؤسسة راند وغيرها عن الفرق الإسلامية تصب في هذا المجال، ودراسات صاموئيل هنتنغتون تجعل من الإسلام عدواً جديراً بالصدام، وغزارة الإنتاج الإعلامي الكاذب تكرس هذا الاتهام، لكن الخطاب الوعظي قدم هذا الطرح منذ بداية الصحوة وبالغ في تكريسه من دون أدلة واضحة في حينه، وسبق أن رأيت مثل هذا الطرح عند جمال الدين الأفغاني، قبل قرن ومنذ ذلك الحين سادت هذه الفكرة حتى الآن.
الحكم، لمَ يتعطش له الإسلاميون كثيراً؟
- لست متأكداً من دقة عبارة تعطش الإسلاميين للحكم، لكن الذي أعرفه أن بعض المراكز العلمية في الغرب تدرس هذا الموضوع باستمرار، وابتكرت مصطلحات سياسية تحمل في مضامينها أن حكم الإسلاميين خطر على الحضارة مثل الإسلاموية والإسلام السياسي، وهم سيدفعون ثمن هذه المصطلحات السلبية إذا لم يقدموا نموذجاً صالحاً.
أنا لم أتابع هذه الظاهرة لذلك لا أستطيع تقديم الإجابة التي أدافع عنها، لكن كقاعدة عامة، الشعوب متدينة بطبيعتها وتميل للانحياز للإسلاميين، ومن هنا يبدأ الإشكال.
موجة الإلحاد
موجة الإلحاد، لمَ لمْ يستوعبها المجتمع ويحاول حلها بهدوء من دون غلظة؟
- يثبت الخطاب السياسي والخطاب الديني وهما الخطابان المسيطران على المجال العام أنهما لا يتعاطيان مع كثير من حالات التغير الاجتماعي، ولو أوجدت الحكومة مراكز بحثية ترصد تغير القيم وتطورها في المجتمع لتمكنا من دفن كثير من التغيرات السلبية ومنها الإلحاد.
لقد قمت قبل سنة باستطلاع بسيط عن موضوع «الله في عيون الأطفال» وتبين لي أن صورة الله تعالى في عيون الأطفال قد صاغتها الرسوم المتحركة، لذلك لا نستغرب من أن بذور الإلحاد موجودة بين أعيننا ولكن لم نراقبها، وأن الإلحاد الذي اتجه له بعض الشباب يعد رد فعل ولم يصل إلى حد الظاهرة.
بيئة البحث العلمي عندنا كيف تقومها؟
- تقويم بيئة البحث العلمي يعكسها الواقع الصناعي والاقتصادي وعدد الباحثين ومراكز البحث العلمي وكثافة المجلات المحكمة والمتخصصة، والمؤشرات لا تعكس شيئاً جيداً، ومخرجات البحث العلمي الموجودة ليست على مستوى ما صرف عليها من مبالغ، وما يؤكد أن بيئة البحث العلمي غير صحية أنه لا يوجد باحثون متفرغون ومحترفون، وانشغال الأكاديميين بالاستشارات في مؤسسات الحكومة، في حين نجد أن الطلاب السعوديين المبتعثين إلى دول تدعم البحث العلمي يسجلون براءات اختراع كثيرة ومشرفة.
الرسائل العلمية عندنا لمَ لا تحدث حراكاً لافتاً في الوسط؟
- أعتقد أن الأطروحات العلمية تركز كثيراً على المواضيع التي تنجز بسرعة ومن دون عراقيل، وهذا راجع في الغالب إلى الإجراءات الإدارية الصعبة والكثيرة، إضافة إلى وضع بعض القيود على المواضيع أو النتائج ذات الحساسية في المجتمع، كما أن ثقافة التعاون مع الباحث ما زالت دون المستوى المأمول من بعض المؤسسات الحكومية، وكثير من المبحوثين الذين يتطلب منهم مقابلة الباحث أو ملء استبانات، إضافة إلى أن بعض الباحثين يصلون إلى مرحلة الدراسات العليا وهم لا يتقنون مهارات البحوث الكيفية أو الكمية أو مناهج البحث، لذلك ترى أطروحات تقليدية لا تحدث حراكاً لافتاً.
كيف تنظر المؤسسات الرسمية للباحث عندنا؟ وما مدى تفاعلها مع خبراته ومواهبه؟
- المؤسسات الرسمية محكومة بالبيروقراطية ولا توجد ثقافة عامة ترفع من قيمة خدمة الباحث، لذلك تجد التفاعل مع الباحث يخضع لتقدير المسؤول وعطفه، والآن تحولت بعض المؤسسات الرسمية للأسف من خدمة الباحث إلى منافسته، وهذا سوف يعوق حركة البحث.
لماذا لا توجد لدينا مراكز بحث علمية متقدمة؟
- المراكز العلمية هي سمة العصر، وهي تدعم اتخاذ القرار، وقد اتجهت دول نامية كثيرة لتأسيس مراكز البحوث المتخصصة في العلوم الاجتماعية وافتتاح أفرع لمؤسسات علمية ومراكز بحثية عالمية، وفي المملكة مراكز علمية وبحثية، ومراكز تميز بحثي، وكراسٍ علمية وجمعيات علمية كثيرة، ولكنها شكلية وجاهية لم تفعل دورها في المجتمع.
الروتين العلمي، أليس تعنتاً في غير محله؟
- الإشكال في الروتين يكمن في ما يجره معه، إذ يخلق الروتين بيئة بحث تقليدية، فبعض الدراسات في الرياضيات والفيزياء والطب والهندسة مثلا - بحسب المتخصصين- تكون تقليدية في مناهجها وفي نتائجها مثلها مثل كثير من الدراسات في العلوم الشرعية والاجتماعية، وهذا خطر حقيقي يهدد تطور المجتمع بالعلم وبالمعرفة.
أنت باحث في التراث، هل تشعر بالانتماء إليه أكثر من الواقع المعاش؟
- البحث في التراث له مناهجه والبحث في الواقع المعاش له مناهجه، وأنا بحمد الله مارست الكتابة في المنهجين، في علم التاريخ كهاوٍ وفي علم الاجتماع كمتخصص، وأنتمي لكل بحث مبدع غير تقليدي.
متى يكون استخدام التاريخ والتراث سيئاً برأيك؟
- إذا تأدلجت الأبحاث التاريخية والاجتماعية وخضعت للرقابة والتحكم في نتائجها وخلقت وعياً زائفاً، هنا يكون استخدامها سيئاً.
التاريخ السعودي
التاريخ السعودي، هل أنصف من كتبه؟ ولماذا لا يتفاعل معه الطلاب؟
- لا نتوقع كثيراً الإنصاف في الكتابات التاريخية وخصوصاً التاريخ الذي يتمركز حول البطل، وكل باحث يمثل وجهة نظر أو اتجاهاً فكرياً، لذلك من الأنسب أن نسأل عن منهجية الباحث وعن قدراته في العرض الجيد لسببية الأحداث التاريخية، فالتاريخ يمكن أن يفهم بأكثر من شكل وينظر له من زوايا عدة.
ومهمة الباحث العصري الآن هي تحليل أسباب حدوث الظواهر وفق متغير واحد مثلاً وليس سرد الأحداث، فضلاً عن متابعة الاتجاهات الحديثة في كتابة التاريخ، والتاريخ السعودي اتجه كثيراً نحو التاريخ السياسي وتجاهل التاريخ الاجتماعي والاقتصادي ومع ذلك يحظى التاريخ السعودي بتفاعل من الطلاب ومن غيرهم.
المرأة، القرب منها يبعدك عن الهدوء ويجعلك في أتون، لمَ نحن نقدر المرأة شرعاً ونصونها وعظاً ونظلمها واقعاً؟
- تكريس مبدأ أن المجتمع ظلم المرأة تسبب في التوجه الكبير لحقوق المرأة كرد فعل، وهذا من ازدواجية النظرة الاجتماعية للمرأة، ولو تتبعت قيمة نظرة المجتمع للمرأة في السابق لرأيت أنها قيمة منخفضة، وأن المرأة قبلت بهذه القيمة على أنها حقيقة ودين، وليست وجهة نظر وذلك بسبب أن المجتمع كان تقليدياً وبسيطاً، ونظراً لقوة العادات والتقاليد في الضبط الاجتماعي.
أما الآن فالوضع مختلف تماماً، إذ شاركت المرأة في حسم هذا الجدل من خلال خوضها تجارب قوية في التعليم العالي، وفي الإدارة وفي سوق العمل وفي الكتابات الأدبية والفكرية ممّا زاد من قيمتها في المجتمع، مع محافظتها على دينها وقيم المجتمع، إذاً فالمرأة هي من انتزع حقها بنفسها ولم تترك القضية لتقدير المجتمع، وقيم المجتمع تتغير بتغير الوضع، والمجتمع يسير نحو التوازن في حقوق الرجل والمرأة.
الإعلام الجديد، هل سيغير المجتمع ويفعل ما لم تفعله النظريات؟
- من ناحية اجتماعية يمكن أن تلاحظ أن المجتمع قلب موازين الإعلام ونظرياته، فبعد عقود طويلة من صيغة إعلامية واحدة تكون فيها الدولة مرسلاً وهي من يحدد الرسالة والمجتمع مستقبل فقط، صار الآن المجتمع هو الذي يرسل وهو من يحدد الرسالة ويستقبل رسائل من دولته ومن دول العالم ومن نفسه، والدولة تستقبل وترسل.
الخطر الآن يكمن في أن كل إنسان عادي يملك في جيبه محطة تلفزيونية متنقلة، ففي دقائق يمكن أن يصور ويوثق ويسجل وينقل رأيه ثم يرفعه على «يوتيوب» وقد يحدث تأثيراً في المجتمع أكثر ممّا تحدثه أكبر القنوات التلفزيونية.
ملف المعتقلين
ملف المعتقلين، هل هو قنبلة اجتماعية؟
- لم يصل ملف المعتقلين لأن يكون قنبلة اجتماعية، ولا أتوقع ولا أتمنى أن يزيد على ما وصل إليه الحال، فضلاً عن أن يكون قنبلة اجتماعية، وأنا أجزم بأن جميع من له صلة بهذا الملف يتمنى ويسعى لأن يقفل ويدفن، لكني لا أقلل من خطورته وأن كلفته الاجتماعية عالية وأنه يحمل بين طياته بذور مشكلة اجتماعية، وأنه لا يزال يواجه بحالة إنكار.
ويكفي أن تلحظ أنه يسير في اتجاه حلزوني صاعد، وهنا مكمن الخطر، ولكن لوحظ أخيراً بداية انفراج مع تزايد أعداد المفرج عنهم والذين قدموا للمحاكمة، وهذا شيء إيجابي يساعد على استقرار المجتمع.
عندما يتنازل الشيخ عن تشدده، ما الذي يجب عليه حينها تجاه من تأثروا بفكره السابق؟
- كل من يتراجع عن فكر منشور أو غير منشور وكان يظنه خطأ، وهناك من تأثر به، فالواجب عليه أن يعلن تراجعه بنفس المستوى الذي نشر به فكره الأول، وهذا يشمل الفكر والمعلومات، سواءً صدر من شيخ متشدد أو متسامح أو حتى ليبرالي أو علماني، ولكن الحق يكون على المشايخ والدعاة والوعاظ أكبر، لأن تأثيرهم أكثر، ولأنهم يمثلون الرأي الشرعي أو يوقعون عن الله تعالى كما يقول ابن القيم.
والإنسان العادي متدين بطبعه وله فطرة سليمة، ويعطي ثقته الكاملة للشيخ والواعظ الذي يتحدث باسم الدين، لذلك فالتراجع عن الخطأ أو التشدد مطلب شرعي ومسؤولية اجتماعية وشجاعة أدبية.
قراءة التراث من جديد، هل ستفتح علينا أبواب جهنم؟
- بل ستفتح أبواب العلم الجزل، فالتراث الذي لا يصمد أمام النقد ولا يتعرض للمراجعة المستمرة وإعادة القراءة هو تراث غير جدير بالاحترام، وتراثنا بحمد الله مصدر فخر واعتزاز لنا، بل وللغرب، وأذكر أن نيل تايسون وهو عالم فلك وأحد علماء ناسا قال في محاضرة مرفوعة على «يوتيوب»:
«لو أن جائزة نوبل كانت موجودة في القرن الخامس الهجري لحصدها العلماء المسلمون»، لذلك سوف تفيدنا قراءة التراث بفصل مرحلة الانحطاط الفكري والعلمي الذي أصيبت به أمتنا عن مرحلة الازدهار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.