تحويل مطار أبها الدولي إلى «المطار الصامت».. كأول مطار في السعودية    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    السعودية تفوز بعضوية مجلس منتدى النقل الدولي ITF    "الصناعة والثروة المعدنية" تصدر 54 ترخيصاً صناعياً جديداً خلال مارس 2024    السفير بن زقر يسلم أوراق اعتماده لإمبراطور اليابان    "مكافحة التستر التجاري" تنفذ أكثر من 6600 زيارة تفتيشية خلال شهر إبريل    «الحج والعمرة»: إيقاف إصدار تصاريح العمرة عبر تطبيق «نسك» لمدة شهر    علامة HONOR تكشف عن بنية الذكاء الاصطناعي المكونة من أربع مستويات وتمضي قدماً مع Google Cloud من أجل مزيد من تجارب الذكاء الاصطناعي في VivaTech 2024    وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج دورة تأهيل الضباط الجامعيين ال35 والدفعة ال40    «الإحصاء»: الصادرات غير البترولية تسجل ارتفاعاً بنسبة 3.3% في الربع الأول من 2024    رفع كسوة الكعبة المشرَّفة للحفاظ على نظافتها وسلامتها.. وفق خطة موسم الحج    أدبي الطائف يقيم الأمسية السودانية ضمن لياليه العربية    رابطة روشن تعلن عن إقامة حفل تتويج للهلال    "سدايا": حريصون على المعايير الأخلاقية بالذكاء الاصطناعي    محافظ الخرج يُكرم شركة "لمسات احترافية" لجهودها في تنظيم الفعاليات الوطنية والمحلية    محمية الملك سلمان.. أول موقع رئيسي للتنوع البيولوجي    فرص تمويل واستثمار ب"كان" من الصندوق الثقافي    "مايكروسوفت" تترجم مقاطع الفيديو وتدبلجها    نائب أمير الرياض يرعى حفل تخريج الدفعة ال 49 من طلاب مدارس الرياض    تمكين المرأة.. وهِمة طويق    «صراع الهبوط» يصطدم بالكبار    تخريج 700 مجند من دورة «الفرد»    أزمة بين «سكارليت» و«شات جي بي تي» والسبب.. تشابه الأصوات    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 142 مجندة من الدورة التأهيلية    أمير تبوك يكرِّم الطلاب والطالبات الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقات    مغني الراب.. راح ضحية استعراض مسدسه    قوة فريق العمل    جنة الأطفال منازلهم    العمر.. والأمل    علم النفس المراحل العمرية    وصول ركاب الخطوط السنغافورية بسلام بعد رحلة جنونية    القبض على أربعة مروجين للمخدرات    لقاء علمي يستعرض تجربة بدر بن عبدالمحسن    خبراء يناقشون تجربة «أوبرا زرقاء اليمامة»    هيئة المتاحف تنظم المؤتمر الدولي للتعليم والابتكار    لا فيك ولا في الحديد    تنمُّر التواصل الاجتماعي.. قصة كارسون !    رحلة في العلاقات السعودية الأمريكية.. من المُؤسس إلى المُجدد    "الصحة": اشتراط ثلاثة لقاحات لأداء فريضة الحج    ثلاثي روشن يدعمون منتخب البحارة و رونالدو: فخور بتواجدي مع البرتغال في يورو 2024    البرتغالي جوزيه مورينيو في ضيافة القادسية    واتساب يتيح قفل المحادثات على الأجهزة المتصلة    229 مشروعاً تنموياً للبرنامج السعودي في اليمن    الخريجي يقدم العزاء بمقر سفارة إيران    أتالانتا الإيطالي "يقسو" على باير ليفركوزن الألماني.. ويفوز بلقب الدوري الأوروبي    معرض «لا حج بلا تصريح» بالمدينة المنورة    د. خوقير يجمع رجال الإعلام والمال.. «جمعة الجيران» تستعرض تحديات الصحافة الورقية    السبت الكبير.. يوم النهائيات الخمسة.. العين يطمح للقب الآسيوي.. والأهلي لتأكيد زعامته للقارة السمراء    دشن هوية «سلامة» المطورة وخدمات إلكترونية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يتفقد سير العمل في الدفاع المدني    الاستعداد النفسي أولى الخطوات.. روحانية رحلة الحج تبعد هموم الحياة    توريد 300 طن زمزم يومياً للمسجد النبوي    الأمير سعود بن مشعل ترأس الاجتماع.. «الحج المركزية» تستعرض الخطط التشغيلية    الكاتب العقيلي يحتفل بتخرج إبنه محمد    آل مجرشي وآل البركاتي يزفون فيصل لعش الزوجية    "أبرار" تروي تحديات تجربتها ومشوار الكتابة الأدبية    استشاري: حج الحوامل يتوقف على قرار الطبيب    جناح الذبابة يعالج عيوب خلقية بشرية    برعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي لمجندات الدفعة السادسة في معهد التدريب النسوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذبح فولي وسوتلوف يثير نقاشاً حول ضعف حماية «الصحافي المستقل»
نشر في الحياة يوم 08 - 09 - 2014

في 19 آب (أغسطس)، قام عضو ينتمي إلى ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بقطع رأس رهينة يُدعى جيمس فولي. وبعد أيام قليلة، في 2 أيلول (سبتمبر)، قطع عضو آخر في تنظيم «داعش» رأس رهينة ثانٍ يدعى ستيفن سوتلوف مع العلم أنّ كلا الرهينتان هما صحافيين أميركيين.
وأثارت هذه الجريمة بحقّ رهينتين غير مسلّحين وضعيفين وظهورهما في شريط فيديو مصوّر التُقط من زاويتين وخضع لمونتاج محترف، عدداً من النقاشات. كان النقاش الأوّل سياسياً، ما زاد الضغوط على إدارة أوباما التي حاولت أن تنأى بنفسها عن اضطرابات منطقة الشرق الأوسط ودفعها إلى التساؤل عمّا يجب فعله بتنظيم «داعش»؟ أما النقاش الثاني، فدار حول ما إذا كان هذين الشريطين المصوّرين حقيقة أم تمثيلاً.
لكن، برز نقاش ثالث في صفوف المهنيين العاملين في وسائل الإعلام. فكان كلّ من فولي وسوتلوف مراسلين مستقلّين. يعدّ الصحافيون المستقلون القوة العاملة الأكثر إنتاجية في صناعة الأخبار لجهة تغطية الحروب إلا أنهم يفتقرون إلى أدنى الضمانات التي توفّرها شروط العمل. لا يملك الصحافيون المستقلون وظائف ثابتة بل يجدر بهم التفاوض على كلّ مشروع. ومن أجل الحصول على عقود، لا يتنافسون مع الصحافيين المستقلين الآخرين فحسب بل مع الصحافيين المثبّتين ومع المراسلين بدوام كامل ومع وكالات الأنباء. وهذا يعني أنه ينبغي على الصحافي المستقل أن يعدّ تقارير مميزة وأن ينقل الخبر بشكل أسرع وأن يجازف أكثر من منافسيه. بالتالي، لا عجب في أن ينتج الصحافيون المستقلون تقارير عن الحرب أكثر تميزاً من تلك التي تُعرض على شاشاتنا أو التي نقرؤها في الصحف.
عادة، يكون الصحافيون المستقلون يافعين ولا يملكون خبرة واسعة ويتقاضون مبلغاً زهيداً مقابل عملهم. يعتمد الصحافيون والمراسلون المستقلون الدوليون على شبكة من «المرشدين» المحليين أي الأشخاص الذين يملكون المعرفة المطلوبة ويعلمون من هم الأشخاص الذين يمكن التواصل معهم لمساعدة الأجنبي على الوصول السريع إلى الأخبار المميزة التي تستحق النشر.
تعاني صناعة الأخبار من ضعف جرّاء تراجع مداخيلها على مرّ السنوات إلى جانب صرف الموظفين وتقلّص فرص العمل. وهذا يعني أنها تعتمد بشكل متزايد على الصحافيين المستقلين من أجل شراء الأفلام والصور والأخبار المرتبطة بالنزاعات المسلّحة. وكتب مارتن تشولوف في صحيفة «الغارديان» «يعدّ ذوبان منطقة الشرق الأوسط إحدى أهمّ الأخبار في زمننا» مضيفاً «غطى عدد كبير من وسائل الإعلام الأحداث فيها من خلال استغلال الآخرين».
وأثار قتل مراسلي الحرب المستقلّين صدمة في أروقة هذه المهنة. فيما شعر المهنيون العاملون في مجال الإعلام بالقلق بسبب تراجع تغطية تطوّر الأحداث في سورية والعراق وفي أمكنة أخرى من المنطقة، سيساهم قتل الصحافيين في جعل الوضع أكثر سوءاً وستتقلّص عملية نقل الأخبار من الميدان.
كان فولي طالباً سابقاً في مجال الكتابة الإبداعية. عمل أولاً كمعلّم ومن ثمّ حاز على شهادة جامعية ثانية في مجال الصحافة وبدأ العمل لصالح الصحف عام 2008. كما أنه عمل لفترة لصالح الصحيفة الصادرة عن الجيش الأميركي «نجوم وشرائط» من أفغانستان. وشكّل الربيع العربي فرصة ذهبية للمراسلين المبتدئين في هذه المهنة. فكونهم صحافيين مستقلين، كان يجدر بهم الذهاب أبعد من الآخرين والمجازفة واكتشاف نزاعات جديدة. وعلى غرار جيل كامل من الصحافيين المستقلين، ذهب فولي إلى ليبيا لالتقاط الصور والشرائط المصوّرة بعد أن كان هذا البلد هو أول حالة في الربيع العربي الذي تحوّل من حدث احتفالي إلى حرب دامية. وساهم القصف الذي نفذّه حلف شمال الأطلسي في إضفاء تشويق إضافي على القصة لأنّ النزاع لم يعد نزاعاً «محلياً» بل بات نزاعاً دولياً. وحين كان يسافر برفقة ثلاثة صحافيين آخرين هم المصوّر الصحافي المحنّك المتحدّر من جنوب أفريقيا أنتون هاميرل والصحافية المستقلة كلير مورغانا غيليس والمصوّر المستقل الإسباني مانو برابو باتجاه الخطوط الأمامية بالقرب من مدينة البريقة، تعرّضوا لهجوم على يد القوات الموالية للقذافي. توفي هاميرل على الفور فيما سُجن الصحافيين الثلاثة بما فيهم فولي وأُطلق سراحهم بعد 44 يوماً. لم يثن ذلك فولي عن العودة إلى ليبيا وتغطية النزاع السوري في ما بعد. وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، اختُطف فولي حين كان يسافر متوجّهاً إلى شمال سورية.
أما سيرة ستيفن سوتلوف فليست مختلفة. فقد درس الصحافة ومن ثمّ سافر إلى إسرائيل وليبيا واليمن وعمل مراسلاً مستقلاً. اختُطف في 4 آب (أغسطس) 2013 فيما كان يعمل بالقرب من مدينة حلب.
بينما كان سوتلوف مراسلاً ينتج نصوصاً مكتوبة، كان فولي يعمل ككاتب ومراسل على التلفزيون. وعادة يجازف المصوّرون الصحافيون ومراسلو التلفزيون في مناطق الحرب كثيراً. يمكن للكاتب أن يختار البقاء بعيداً عن مناطق النزاع وأن يقتصر عمله على إجراء مقابلة مع شهود عيان لكتابة مقال. لكن لا يسع المصوّر أو المراسل التلفزيوني القيام بذلك وإلا ستكون النتيجة النهائية عبارة عن رؤوس ناطقة. بدلاً من ذلك، يجدر بهم مقاربة مناطق القتال والاقتراب من الخطر حتى يلتقطوا بواسطة عدساتهم الأحداث الدائرة. ويجدر بهم أن يبقوا ضمن سياقات مماثلة لفترة من الوقت حتى يتمكنوا من رواية قصة نزاع معيّن.
تنضوي عملية القتل المزدوجة لفولي وسوتلوف على عمل منهجي وهو قتل الصحافي. فقد سلّطت عملية قتلهما الضوء على نقاش كان دائراً في صفوف مجموعات مراسلي الحرب. فقد كتبت جانين دي جيوفاني في مجلة «نيوز ويك» «كيف يمكننا الاستمرار في ممارسة مهنتنا حين يكافئنا البربر أمثال الدولة الإسلامية بالخطف وقطع الرؤوس والسجن والاغتصاب؟
تقضي عمليات الخطف على الصحافة. حين تكون مراسل حرب، يمكن أن تجازف بالعمل تحت النيران سواء كانت نيران القناصة أو قذائف الهاون التي تقع على مقربة منك ومع ذلك تستمر بالعمل إن لم تُصب بأذى. إلا أنّه حين يتمّ اختطافك لا يمكنك مباشرة عملك بما أنك تبدأ بالشك بكل شخص تتواصل معه وبكل شخص تلتقيه سواء كانوا هناك لإخبارك قصتهم أو لاختطافك. تبدأ بالخوف من مصادرك. ذهبتُ إلى الشيشان قبل اندلاع الحروب فيها في شهر شباط (فبراير) 1992. بعدها، عدتُ لتغطية أوّل حرب روسية-شيشانية. إلا أنني لم أعد بعدها إلى هناك لأنّ الصحافيين أو الأجانب بشكل عام باتوا أهدافاً للخطف وقطع الرؤوس. وأدى اختطاف الصحافيين إلى عدم تغطية وسائل الإعلام الدولية الحرب الروسية-الشيشانية الثانية أو أنها الأولى رُويت من وجهة نظر المسؤولين الروس على خلاف الحرب الشيشانية الأولى.
ستستمر صناعة الأخبار في تغطية سورية والعراق والمناطق الساخنة الأخرى لكن عن بعد من دون المجازفة. نتيجة لذلك، ستخضع التقارير للتسييس وسيتم إعدادها عن بعد وستفتقر إلى قضايا إنسانية من الميدان.
ليسا عميلين... لكننا أعدمناهما!
ما هي الرسالة التي يحاول تنظيم «داعش» إيصالها من خلال قطع الرؤوس؟ إنها «رسالة إلى أميركا» على حدّ تعبير هذا التنظيم للثأر من الأعمال العدائية الأميركية. لم يتهم تنظيم «داعش» جيمس فولي أو ستيفن سوتلوف بأنهما «جاسوسان» أو لم ينسب إليهما اتهامات معيّنة، إلا أنّ تصفيتهما كانت عملاً انتقامياً من «السياسات الأميركية» الغامضة التي ليسا مسؤولين عنها. بمعنى آخر، يرى نظام تنظيم «داعش» الشرعي، أنّ قتل صحافيين جريمة.
ثانياً، ما هي الرسالة التي تنقلها هذه الجرائم إلى أميركا؟ من الواضح أن قطع رأس الصحافيين لن يثني إدارة أوباما عن التدخّل في منطقة الشرق الأوسط، بل على العكس، إنها دعوة له كي يتدخّل. ومن ثمّ، ما معنى ارتكاب هذه الجرائم وعرضها؟ ليست ربما «الرسالة» موجّهة إلى جمهور أميركي، بل إلى جمهور متعاطف مع القضية الجهادية. منذ جيل، جعلت المجموعات الجهادية من هجومها على القوة العظمى الأميركية نمط عملها الأساسي. فمن خلال مهاجمة البرجين، لم يحظَ تنظيم «القاعدة» بسمعة سيئة في العالم فحسب، بل فرض سلطته على المجموعات المتعّددة التي تنتمي إلى العقيدة السلفية - الجهادية. هل ما قام به تنظيم «داعش» موجّه إلى هذا الجمهور للكشف عن قدرة الخلافة الإسلامية على تحدّي القوة الأميركية؟
أخيراً، تذمّرت المجموعات السياسية الإسلامية على مدى عقود من قيام وسائل الإعلام الغربية بالإساءة إلى هويتها السياسية وإلى الثقافة الإسلامية في شكل عام. إذا تمّت مشاهدة شرائط الفيديو التي يعرضها تنظيم «داعش»، نلاحظ أنه يتمّ تكرار الفكرة نفسها فيها بحيث يتذمّر المناضلون من كون وسائل الإعلام الأجنبية تصفهم بطريقة غير عادلة. لكن، على مدى عقود تصرّفت المجموعات الإسلامية بطريقة عدائية تجاه الصحافيين الأجانب بدءاً من عمليات الخطف في بيروت في ثمانينات القرن الماضي وصولاً إلى عمليات قطع الرؤوس على يد الزرقاوي في العراق ومؤيديه في باكستان. لن تحسّن عمليات قطع الرؤوس صورة المجموعات الجهادية بنظر الرأي العام الغربي وذلك لسبب وجيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.