«الصحة» تُحذر الحجاج من أخطار التعرض لأشعة الشمس من الساعة 11 صباحاً حتى 4 مساءً    3 مناطق تكثر فيها الإصابات الحرارية أثناء الحج    انضمام مسؤول استخباراتي سابق إلى مجلس إدارة شركة Open AI    الصحة الفلسطينية: توقف 32 مستشفى عن العمل من أصل 34 في غزة    الرئيس المصري يزور المتحف الدولي للسيرة النبوية    جبل عرفات..من الناحية الجيولوجية    تعرّف على درجات الحرارة المتوقعة في مكة والمشاعر المقدسة    حجاج بيت الله إلى صعيد عرفات    نائب أمير مكة يتابع أعمال الحج والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن    الرئيس الشيشاني يصل إلى المدينة المنورة    مركبة ذكية تتأكد من بيانات وتراخيص شركات الحجاج    اكتمال جاهزية إيصال ترجمة خطبة يوم عرفة لمليار مستفيد    وزير الداخلية: نتعامل مع الواقع لوأد أي عمل يعكر صفو الحجاج    وزير الداخلية يقف على سير العمل بمقر الأمن العام في منى    السعودية تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025    تنظيف وغسل 120 مصلى وجامعا في بريدة استعدادا لصلاة العيد    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    مراكز خدمة ضيوف الرحمن بالرياض‬⁩ تستقبل أكثر من 41 ألف حاج    طيران الأمن يُسخر إمكاناته لخدمة الحجيج    النيابة العامة تطور جهاز ترجمان لترجمة مجريات التحقيق خلال موسم حج 1445ه    النائب العام يجري جولة تفقدية على مركز القيادة والتحكم للإشراف المباشر على أعمال النيابة العامة بالحج    حجاج بيت الله يؤدون الركن الأعظم    «قوات المجاهدين».. انتشار على سفوح الجبال    حجاج صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين يحطون رحالهم في منى    مركز العمليات الأمنية ل«عكاظ»: نرد على المكالمات في ثانيتين    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    «SSF» قوات النخبة.. تدخل سريع للحماية والتأمين    مصادر «عكاظ»: الشهري يدرس عروض أندية «روشن»    أفضل أداء أسبوعي للنفط في شهرين    عرفة البيضاء.. تتهيأ لأضخم تجمّع بشري    «السيادي السعودي» يعتزم الاستثمار في الهيدروجين الأخضر و«المتجددة»    «النقد الدولي»: سياسة السعودية الاقتصادية تدعم النمو غير النفطي    4 أطعمة مناسبة أثناء تناول حقن التنحيف    40 عاماً لتخطي سوء معاملة طفل !    افتتاح قصير ل«يورو 2024» وتكريم بيكنباور    ألمانيا تدك شباك إسكتلندا بخماسية في افتتاح اليورو    الأولوية لفيرتز    غياب لابورت عن إسبانيا في مباراة كرواتيا    إصابة لابورت قبل انطلاق يورو 2024    الخط الأحمر    المملكة من أكبر المستثمرين في الطاقة النظيفة    120 مليون نازح في العالم    الأخضر تحت 21 عاماً يخسر من بنما بركلات الترجيح في بطولة تولون الدولية    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    نقل أول حالة إسعافية من مهبط برج الساعة    خارطة طريق فرنسية لاحتواء التصعيد في جنوب لبنان    الدوسري يتفقد مقار منظومة الإعلام في المشاعر المقدسة    الصحة: على الحجاج استخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    الرئيس المصري يغادر المدينة المنورة    سجن وتغريم 18 مخالفًا نقلوا 91 غير مُصرَّح لهم بالحج    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    بوتين يحذر من الفوضى ويضع شروطا للسلام مع أوكرانيا    «صفقة» غزة.. مرهونة بالانسحاب الكامل وإنهاء الحرب    تشكيل ألمانيا المتوقع أمام اسكتلندا    إعادة التوطين تُكثر 9 حيوانات بمحمية الإمام تركي    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    العليمي: المنحة السعودية تمكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الحتمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرة لويس عوض إلى الذات والعالم
نشر في الحياة يوم 30 - 10 - 2012

حصل لويس عوض (1915-1990) على ماجستير في الأدب الانكليزي من كامبريدج، ودكتوراه في الأدبين الفرنسي والانكليزي من جامعة برينستون الأميركية. عمل أستاذاً في جامعة القاهرة واحتل مواقع أدبية مختلفة. عاش ثائراً رومانسياً بدأ حياته الثقافية في «فن الشعر» لهوراس، وبترجمة «برومثيوس طليقاً» لشيلي، وختم حياته الأدبية بكتابه «الثورة الفرنسية» التي ألهمت هيغل وشيلي والحالمين بالحرية في العالم. ووضع الأسس النظرية لمنهجه التاريخي - الاجتماعي في الأدب منذ كتابه «فن الشعر لهوراس»، و «الأدب والاشتراكية» و «في الأدب الانكليزي الحديث». وما كان مرتاحاً لاضطراره الى الغرق في حياة الصحافة اليومية، بعيداً من العيش بين فردوس ملتون ورزمة الرياح الغربية مع شيلي وأبراج كيتس.
يُؤخذ عليه أنه قلل من مكانة ما أنجزته الثقافة العربية الإسلامية، بتقريره أن المعري تأثر في «رسالة الغفران» بالثقافة اليونانية من طريق راهب دير الفاروس، ثانياً بدعوته للعامية، في كتابه «مقدمة في فقه اللغة العربية» 1980، إذ على رغم أن الكتاب موسوعة فكرية ولغوية، إلا ان نتائجه كانت صادمة، بدعوته لإحلال العامية مكان الفصحى متأثراً بأطروحات المستشرقين ولهلم سبتا الألماني ووليم ويلكوكس الإنكليزي... من هنا أتى شغفه بالآداب الشعبية: الظاهر بيبرس والهلالية والمواويل الريفية. فتم حظر الكتاب من جراء ذلك، حتى بادرت مجلة «أدب ونقد» وخصصت عدداً في 1992 بعنوان «أفرجوا عن لويس عوض». وثالثاً بأطروحاته حول وقوع ابن خلدون تحت تأثير أوروسيوس، ومارسيليو بادوا وذلك بنظرية الدورات التاريخية من دون أخذه بنظرية القصاص الإلهي... وبتصوره العضوي لنشوء الدول وارتقائها وانهيارها، بأجيالها الثلاثة، بعد أن عممها على المجتمعات كافة، فكان لويس من أوائل المهتمين بمصادر ابن خلدون اليونانية واللاتينية مستفيداً من جهود عبدالرحمن بدوي الذي أكد أن ابن خلدون ذكر أوروسيوس في سبعة وخمسين موضعاً. كما أخذ عليه العروبيون تعامله، في دراسته «الأساطير السياسية» عام 1978، مع فكرة القومية العربية كأسطورة سياسية معاصرة كالنازية والعنصرية.
ميَّز لويس بين ثلاثة تيارات كبرى بدلالة الموقف من الحملة الفرنسية، تيار «أي شيء إلا حكومة الأوروبيين» حتى لو استمر حكم الأتراك والمماليك، وتمثَّل هذا التيار بالمتطرفين الذين قاتلوا مع الأتراك ضد الفرنسيين في ثورة القاهرة الثانية 1800، وتيار «أي شيء إلا حكومة الترك والمماليك» ولو القبول بحكم الأوروبيين، ومثَّل موقف المعلم يعقوب نموذجاً لهذا التيار، حيث قاتل يعقوب المماليك والأتراك تحت قيادة الفرنسيين كخطوة لاستقلال مصر وحداثتها. وتيار ثالث «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» مُمثَّلاً بمشيخة الأزهر والأعيان المعتدلين، اعتمد في نهجه على قبول الواقع ريثما تسنح الفرصة لتغييره. استمرت تلك التيارات بالتصارع ولم تندمج في مجرى وطني واحد حتى ثورة 1919. وقد أظهر لويس انحيازه الى خيارات المعلم يعقوب الحداثية بدلالة موقفه من حملة نابليون، ونظر إليه كأول مصري فكر باستقلال مصر عن العثمانيين، مُقتدياً بذلك - كما يعتقد - بموقف شفيق غربال، وبأغلب الكُتَّاب الذين كانوا قبل ثورة تموز (يوليو) 1952 يؤيدون توجه يعقوب، وصاروا بعدها ضده.
ركَّز اهتمامه في «رحلتي في الشرق والغرب» عام 1970، على حال تلك الشعوب وآدابها بعيون الأنثروبولوجي لا بنظرة السائح. دخل بلغراد اليوغوسلافية فوجدها مدينة «نظيفة باهتة بلا شخصية أبرز ما فيها عساكر المرور»، وإذا تعمَّقت النظر «تكشفت لك عوراتها كتلك التي تركتها في مصر»، مثل ندرة الأشياء المطلوبة، يقولون للزبائن «مافيش»، ووجد «الطوابير نفسها التي تركتها في القاهرة»! وأهلها متعددو القوميات. واليوغوسلاف يعملون بجد من دون كياسة وآداب سلوك غربي، فهم «في بداوة... وفي بساطة وبلا بذخ. ثقال العظام كالروس لكن بيئتهم الجبلية جعلتهم أكثر خشونة وغلظة. قلما تجد بينهم رجلاً أو امرأة تتميز بالدقة أو الرشاقة وتكوينهم الجسماني ينعكس في سلوكهم». قال له سفير مصر عنهم: لكل قومية يوغوسلافية مستواها الحضاري، أرقاها أهل سلوفينيا في الشمال، يليهم الكروات ثم الصرب، وأكثرهم تخلفاً البوسنيون والهرسك والمقدونيون... والألبان في المؤخرة. تحكمهم قاعدة عامة للتقدم مفادها أن المناطق التي حكمتها النمسا هي الأكثر رقياً من المناطق التي حكمها العثمانيون».
رأى لويس موسكو مدينة حديثة التخطيط، لكنها تخلو من «الفيلات أو البيت الصغير لأن لا مكان فيها لفرد مستقل». وتُغلِق مطاعمها باكراً فلا وجود لحياة الليل فيها. وفي المقابل لا أحد فيها «يتململ من نظام: بيتك بيتك»! كما أنه لم ير شاباً واحداً من طراز الهيبز «ولم أر رجلاً واحداً أنيقاً أو امرأة واحدة أنيقة ولكنني رأيت ملايين الناس في ملابس سوية نظيفة». ويقوم الحزب بتطويع الفرد بطريقة «أكثر خدشاً لكرامته»، ويربِّي في الناس «الضمير» الاجتماعي، «أقول الضمير الاجتماعي لا الضمير الأخلاقي».
يعرِّف لندن بمدينة النور، أقلَّها لأنها رمز النضال ضد النازية والاستبداد، لكن ساءه منها أن سياسة أبنائها الانكليز لم تستقم مع مبادئها الديموقراطية... فعندما قال له القنصل البريطاني «إن إنكلترا حاولت أن تفعل بعض الخير في مصر»، رد بالقول: «نحن المصريين ساءنا في انكلترا وهي بلد الديموقراطية أنها كانت دائماً تعرقل نمو الديموقراطية المصرية بانحيازها الدائم إلى الملك والباشوات والحكومات الديكتاتورية بحجة أن الديموقراطية غير قابلة للتصدير». كما ساءه نظرة الفرنسيين الجامدة الى الثقافة المصرية، فعندما حضر معرضاً للفن المصري وجد أن الخبيرة الفرنسية اختارت من النماذج الفنية ما يناسب نظرتهم تلك. هو لم يشك في نوايا تلك الخبيرة ومحبتها، بل في رؤيتها الحضارية، وفحواها «أن أوروبا تقول لنا: لنا الفن ولكم الزخرفة فابقوا مكانكم ولا تحاولوا أشياء لا تتقنونها. نحن نحب فيكم نكهتكم الشرقية المملوكية فلا تفسدوها بالتفلسف أو التحليق أو الغوص إلى الأعماق. ابتعدوا عن الفيغوراتيف وعن التجريد معاً. ابتعدوا عن الألم والفرح والقلق والصفاء، والزموا الدندشة بأشكالكم الهندسية المتكررة في أباريقكم وصوانيكم ومشكاواتكم وأطلّوا على العالم من وراء مشربياتكم فجمالكم الحقيقي أنكم لا تصلحون للقرن العشرين»! وفي المقابل، ينتقد لويس انكفاء بلده على الذات، فالحوارات الفكرية التي جرت في الستينات حول «الميثاق» رسخّت فكرة واحدة «تتسق مع مبدأ الاكتفاء الذاتي. وأن العربي الصالح لا يجوز له أن «يستورد» بضائعه أو ثقافته أو مبادئه الاقتصادية والسياسية»، ففرضنا «العزلة على أنفسنا بأنفسنا إلى أن عجزنا عن التفاهم مع بقية العالم». فأدى الاعتقاد «بأن الثقافة العربية مكتفية بذاتها إلى توقف التواصل مع الثقافات الأخرى لا سيما الثقافة الغربية التي كانت تقليدياً خلال القرنين الماضيين فاعلاً جوهرياً في نهضة البلاد الناطقة بالعربية». لكنه لاحظ أن حواراً مع العالم قد فُتح على أثر هزيمة 1967.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.