حذّر صندوق النقد الدولي، من أن يعرّض أي تأخير في تعامل صنّاع القرار في منطقة اليورو والولايات المتحدة مع تحدياتهما المالية العاجلة، الاقتصاد العالمي لانهيار حاد العام المقبل. ولفت إلى أن الدول العربية ستكون الأكثر تأثراً بهذا الاحتمال الكارثي إلى جانب معظم الاقتصادات الصاعدة الرئيسة، خصوصاً الصين والهند فضلاً عن دول منطقة اليورو. وشكّل التحذير العنصر الأهم في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الذي نشره الصندوق أمس، وسيكون موضع نقاش في الاجتماعات السنوية المشتركة لوزراء المال ومحافظي المصارف المركزية في الدول الأعضاء في المؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد والبنك الدولي)، المقرر عقدها في طوكيو الجمعة والسبت المقبلين. وظهرت خطورة التحذير وجديته، بملاحظة خبراء الصندوق أن الأوضاع المالية المتأزمة في منطقة اليورو وأميركا، والشك في مدى جدية صنّاع القرار إزاء مسألة التعامل معها في الوقت المناسب، تقف وراء الغموض المستفحل الذي يعوّق حركة الانتعاش الاقتصادي، ما دفعهم إلى تعديل توقعات النمو العالمي هذه السنة والعام المقبل، تراجعاً إلى مستوى الكساد. إذ بعدما كان الصندوق توقع في تموز (يوليو) الماضي، في تحديث مفاجئ للآفاق الاقتصادية، نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.5 في المئة هذه السنة، وارتفاعها إلى حدود 4 في المئة عام 2013، رجح في تقريره الجديد ألا يزيد متوسط النمو في العامين على 3.4 في المئة، وهو أداء هزيل تضعه غالبية الاقتصاديين في حدود الكساد. وعزا المستشار الاقتصادي في الصندوق أوليفيه بلانشار، التباطؤ «المخيب للآمال» في وتيرة الانتعاش الاقتصادي في الدول المتقدمة، إلى «سياسات التقشف المالي وضعف النظم المالية والمصارف». لكن شدد على أن «أجواء الغموض التي تغذيها المخاوف في شأن قدرة صنّاع القرار الأوروبيين على السيطرة على أزمة اليورو وإخفاق صنّاع السياسات الأميركيين حتى الآن في التوصل إلى اتفاق على خطة لمعالجة العجز المالي والمديونية، هي بالتأكيد عوامل حيوية في هذا المجال». واعتبر أن الأثر السلبي لغموض السياسات الأوروبية والأميركية على النمو لم ينحصر في الاقتصادات المتقدمة، بل تعداها إلى الاقتصادات الصاعدة والنامية عبر القناتين التجارية والمالية». وأشار إلى خفض الصندوق توقعات النمو للعام المقبل في المجموعة الأولى، من 2 في المئة في نيسان (أبريل) الماضي إلى 1.5 في المئة حالياً، والهبوط بتوقعات النمو في الثانية من 6 إلى 5.6 في المئة. ومع بقاء منطقة اليورو في نطاق الركود أو على حافته هذه السنة والعام المقبل، واستبعاد أي تحسن في أداء الاقتصاد الأميركي عن وتيرة لا تتعدى 2 في المئة، توقع تقرير الآفاق العالمية الجديد استمرار تباطؤ نشاط الاقتصاد الصيني ليصل إلى 7.8 في المئة هذه السنة، منخفضاً من 9.2 في المئة عام 2011، قبل أن يتسارع في شكل طفيف إلى 8.2 في المئة عام 2013. ولا تختلف الحال كثيراً بالنسبة إلى الهند، إذ يتوقع تحسن أدائها إلى 6 في المئة العام المقبل، مرتفعاً من 4.9 في المئة هذه السنة. لكن خبراء الصندوق شددوا على أن توقعاتهم المعدلة وعلى رغم هزالتها، تقوم على افتراضين يتلخصان في وفاء صنّاع القرار الأوروبيين والأميركيين بالتزاماتهم تجاه أوضاعهم المالية، محذرين من ان «يعرّض عدم تحقيق أي من هذين الافتراضين الاقتصاد العالمي لانهيار حاد». واستناداً إلى خريطة توضح مقدار تأثر بلدان العالم بأزمات المال الحادة في الاقتصادات المتقدمة، ستتعرّض الدول العربية المتوقع أن يرتفع متوسط نمو اقتصاداتها من 3.3 في المئة عام 2011 إلى 5.3 في المئة هذه السنة، لينخفض إلى 3.3 في المئة عام 2013، لصدمة خارجية ضخمة تقتطع أكثر من 2.5 في المئة من نموها القياسي في المدى المتوسط.