بلا مقدمات، انهارت حياة المواطن سويلم عبيد العنزي، فلم يكد يفيق من مصيبة فقده نعمة البصر حتى قرر الأطباء بتر قدمه اليمنى بالكامل بعد إصابته بمرض الغرغرينة. لم تتوقف المصائب عند هذا الحد، فقبل نحو شهرين فجع المسن «أبو عبيد» بفقد طفليه وليد (12 عاماً) ومحمد (9 أعوام) في حادثة دهس غرة شهر رمضان الماضي أثناء توجههما إلى البقالة المجاورة لشراء بعض المستلزمات لوالدهما. وعلى رغم الظروف النفسية والمعيشية السيئة التي كانت تمر بها أسرته المكونة حالياً من زوجته وأبنائه عبيد (14 عاماً) ومريم (12 عاماً) المصابين بضعف النظر ورقية (11 عاماً)، إلا أن الراتب الشهري لسويلم الذي يتقاضاه من الشؤون الإسلامية والبالغ 1200 ريالاً في مقابل عمله مؤذن مسجد منذ أكثر من 18 عاماً لا يفي بأبسط ضرورات الحياة. هذا هو الواقع السيئ والمرير لسويلم وأسرته الذين يسكنون في منزل شعبي متهالك ومتصدع. زوجة سويلم هي الأخرى تتابعت عليها الأمراض، وأصيبت أخيراً بداء السكري، وتكالبت عليها الظروف العصيبة، وحاصرتها الأحزان والأوجاع بعد فقد طفليها، وها هي الآن تعيش رحلة مستمرة عنوانها المرارة وسطورها مليئة بالمصائب والمآسي والدموع، ومع ذلك لم تعد أمراضها تشغل بالها، فقد أفسدت فاجعة فقد ابنيها عليها الماضي والحاضر، خصوصاً أنهما لم يعيشا طفولتهما كبقية الأطفال وعانيا قبل رحيلهما من قسوة الأيام جراء الفقر والعوز. ولا يشغل بال «أم عبيد» سوى أن يعيش بقية أطفالها حياة أخرى مختلفة ومليئة بالأمل والسعادة. ولا يمكن إغفال مأساة سويلم ومعاناته التي بدأت في شكل جدي منذ بتر قدمه قبل نحو تسعة أعوام، فمنذ ذلك الوقت بدأت رحلته المضنية مع العذاب والأسى. ويقول أبو عبيد: «الحمد لله على قضائه وقدره، وأعلم جيداً أن المؤمن مبتلى، ولكن لا يمكنني إخفاء حزني على طفلي، وأكثر ما افتقدهما لحظة خروجي للصلاة»، موضحاً بأنهما كانا حريصان على مرافقته يومياً إلى المسجد. ويتابع: «لا أنسى ذلك اليوم أبداً، فقد كانت السيارة التي دهستهما تسير بسرعة عالية، وعسى الله أن يعوضني خيراً في الدنيا والآخرة، وأن يسعد والدتهما وأشقاءهما الذين ما زال الحزن مسيطراً عليهم»، مضيفاً: «تنازلت عن المتسبب بغية رضا الله وعفوه، فأنا أعلم أن مبلغ الدية لا يمكن حتى أن يخفف أحزاننا». ويستغرب أبو عبيد من معاملة الإدارات الحكومية حيال ظروف الأسر وتطبيقها الأنظمة من دون النظر إلى الموضوع من جميع زاوياه، «بعد وفاة ابني فوجئت بخصم 500 ريال من مخصصي الشهري، إذ جرى إسقاط الطفلين المتوفيين من الحاسب». ويُشير سويلم إلى أنه يخشى أن ينهار البيت الشعبي الذي يقطنونه، «المنزل قديم ومبني منذ أكثر من 33 عاماً، ولا أخفيكم أننا نعاني أثناء هطول الأمطار، إذ تتسرب المياه إلى الداخل بغزارة، كما أن البرد يتسلل إليه بسهوله». ويكشف أبو عبيد أنه مصاب في المرارة، «أجريت لي جراحة في البطن بعد إصابتي بمرارة حادة، وما زلت أتناول الأدوية، إضافة إلى العلاجات التي أتناولها لعلاج السكري». ولا ينفك أبو عبيد يشعر بالعجز وقلة الحيلة، خصوصاً في ما يتعلق بمستقبل أبنائه الثلاثة بعد فاجعة فقد ابنيه، ويتمنى أن تصل مناشدته إلى مقام خادم الحرمين الشريفين، حتى يتم انتشاله وأسرته من براثن الفقر والعوز والحاجة»، مؤكداً بأن المستقبل المجهول لزوجته المريضة وأبنائه بات هو شغله الشاغل الذي سرق النوم من عينيه الكفيفتين. كما يأمل أبو عبيد أن يقف مسؤولو الجمعية الخيرية بحائل معه في معاناته، وأن يعملوا سريعاً على نقل طفلتيه إلى المدرسة الابتدائية التابعة للجمعية الخيرية في حائل مع تأمين وسيلة نقل لهما، خصوصاً أنه عاجز عن الحركة، وليس في استطاعته القيام بذلك.