المها الوضيحي تحت ظل شجر الطلح    ماكرون يحل البرلمان بعد خسارة حزبه في الانتخابات الأوروبية    اليونان: العثور على جثة طبيب ومذيع تلفزيوني بريطاني    الجبير يلتقي وكيل "وزارة الخارجية البرازيلية للشؤون السياسية"    اليحيى يتفقد جوازات مطار الطائف الدولي واللجان الإدارية الموسمية بمركزَي التنعيم والبهيتة    الأمير سعود بن نهار يتفقد مواقيت الإحرام ونقاط الفرز الأمني بالمحافظة    مدير عام الجوازات يتفقد جوازات مطار الطائف الدولي    «ضربه وبكى وسبقه واشتكى».. عمرو دياب هل يلقى مصير ويل سميث؟    دراسة: التدابير السعودية نجحت في الحد من تأثير الحرارة على صحة الحجاج    خادم الحرمين يأمر باستضافة 1,000 حاج من ذوي الشهداء والمصابين من أهالي غزة استثنائياً    ضيوف الرحمن يوثقون رحلتهم الإيمانية    الائتمان المصرفي يُسجّل 2.7 تريليون ريال    ضيوف الرحمن في السعودية    طرح أرامكو يقفز بتداولات تاسي إلى 54 ملياراً    110 آلاف منشأة تستفيد من إعفاء غرامات "التأمينات"    فيصل بن سلمان يرأس اجتماع مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية    الأخضر يختتم تحضيراته لمواجهة الأردن    أمير الرياض يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة الهلال    الأهلي يُخطِّط لضمّ لاعب أتلتيكو مدريد    د. العيسى: ما يعانيه الشعب الفلسطيني سيبقى محفورًا في كل ضمير حيّ    ختام بطولة العالم للبلياردو في جدة    TikTok يختبر خاصية Snapstreak    أمير القصيم يوجه بتوثيق الطلبة المتفوقين في كتاب سنوي    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعتني بثقافة الحج وتاريخ الحرمين    إخضاع منتجات شي إن للفحص والنتائج تؤكد خلوها من المواد الضارة    وزارة الدفاع البريطانية تكذب مزاعم الحوثي بتعرض مدمرة لهجوم    جازان: إحباط تهريب 220 كيلوغراما من نبات القات    ارتفاع عدد شهداء مخيم النصيرات وسط قطاع غزة إلى أكثر من 300 شهيد    شفاعة أمير الحدود الشمالية تثمر تنازل أولياء دم الجميلي عن بقية مبلغ الصلح    هيئة النقل: أكثر من 10 آلاف عملية فحص رقابية بمنطقتي مكة والمدينة    أمير تبوك يواسي عامر الغرير في وفاة زوجته    سمو أمير منطقة الباحة يرعى حفل يوم البر السنوي    قطاع صحي ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "مكافحة التدخين"    "تعليم الرياض" يطلق حملة إعلامية تثقيفية بالتخصصات الجامعية    الوزاري الخليجي: ثروات المنطقة المغمورة للكويت والسعودية فقط    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري للحوار الاستراتيجي الخليجي-التركي    تحذير من مواقع تنتحل هوية «تقدير»    بلجيكا تُعول على دي بروين ولوكاكو في يورو 2024    محاولة من الاتحاد لضم رحيمي    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء لجنة الحج في مجلس الشورى    فريق طبي "ب"مركزي القطيف" ينقذ حياة مقيم    محافظ البكيرية يتفقد مشاريع الإسكان بالمحافظة    الأرصاد: ابتداء من غد الاثنين استمرار ارتفاع درجات الحرارة لتصل إلى 48 درجة مئوية    وصول الفوج الأول من حجاج أمريكا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا    شرائح إنترنت واتصال مجانية لضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج    3.4٪ نمو الأنشطة غير النفطية خلال الربع الأول من العام 2024    ليس للمحتل حق «الدفاع عن النفس»..!    قميص النصر يخطف الأنظار في ودية البرتغال    بارقة أمل.. علاج يوقف سرطان الرئة    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    استفزاز المشاهير !    مَنْ مثلنا يكتبه عشقه ؟    مرسم حر    أثر التعليم في النمو الاقتصادي    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    التنظيم والإدارة يخفِّفان الضغط النفسي.. مختصون: تجنُّب التوتّر يحسِّن جودة الحياة    «إنجليزية» تتسوق عبر الإنترنت وهي نائمة    الجهات الحكومية والفرق التطوعية تواصل تقديم خدماتها لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جورجيو دو كيريكو رائد الفن السرّيالي في معرضٍ باريسي ضخم: فن الخروج من متاهة الزمن
نشر في الحياة يوم 28 - 02 - 2009


منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، لم تشهد العاصمة الفرنسية معرضاً مهماً للفنان الميتافيزيقي الإيطالي ورائد الفن السرّيالي، جورجيو دو كيريكو (1888-1978)، على رغم الدور الأول الذي لعبته هذه المدينة في شهرة هذا العملاق. ولا يمكن تفسير هذا الغياب كإهمالٍ أو انحسارٍ في الاهتمام به، فالفنان الكبير، يحتاج للمحافظة على قيمته إلى العزلة فترةً زمنية. وهذا ما يتجلى بقوة في معرض دو كيريكو الحالي في متحف الفن الحديث (باريس) الذي يعكس في محتوياته وطريقة تنظيمه نظرةً جديدة إلى الفنان يتبيّن فيها أهمية كل المراحل التي عبرها، على خلاف معارضه السابقة التي ظلت مركّزة على المرحلة السرّيالية من إبداعه. وأكثر من أي فنانٍ حديث، أثار دو كيريكو في سيرورة تطوّره آراء متباينة ومتضاربة: الحماسة للأعمال التي حققها بين عامَي 1910 و1917، الازدراء بالمرحلة الأولى التي يظهر فيها تأثّره الكبير بالفنان الألماني بوكلين، والعدائية المتصاعدة تجاه الأعمال التي نفّذها إنطلاقاً من نهاية الحرب العالمية الأولى حتى وفاته. وببقائه على قيد الحياة تسعين عاماً، استطاع دفن جميع معاصريه وتخطّي تلك المرحلة الميتافيزيقية الذهبية التي أسّست وحدها جمالية الفن السرّيالي ومناخه وبقيت كإحدى أهم اللحظات الإشراقية خلال القرن الماضي، تعادل في أهميّتها ظهور التكعيبية، علماً أن الفن الميتافيزيقي هو وقف على دو كيريكو وحده. يعلّمنا تاريخ الفن أن كل المراحل التي يعبرها الفنانون الكبار لها قيمتها. فخلال تطوّرهم، يبتكرون أشكالاً ويسائلون أعمالهم السابقة، بينما غالباً ما يبقى الجمهور متعلّقاً بجزءٍ صغير من أعمالهم، الجزء الأكثر شهرةً أو رمزيةً. وهذا ما حصل مع دو كيريكو. فخلافه مع أندريه بروتون لعب دوراً أساسياً في النظرة الى أعماله التي تلت الأعمال السرّيالية، وذلك إلى حد رفض فيه عددٌ كبير من هواة الفن والنقّاد تقويم مراحله اللاحقة. وقد تألّم الفنان كثيراً من ذلك. والحقيقة هي أنه لعب باكراً دور وحشٍ من زمنٍ آخر في بلدٍ، (إيطاليا)، مستعجلٍ للدخول في كنف الحداثة، فبلور نظرةً شخصية إلى فن الرسم القديم تبتعد كل البعد عن النظرة الأكاديمية، وعبر مراحل عدة لا تجانس ظاهراً فيها. وتتميز فترة الستين عاماً من عمله، بعد عام 1918، برجوعٍ كثير إلى الوراء يتبعه في كل مرة انطلاق إلى الأمام، ضمن منطقٍ لا يزال غامضاً حتى اليوم. وكأن سنوات الإشراق الأولى تحوّلت إلى استكشافٍ طويل للفن والواقع وخصوصاً لأعماله بالذات. لكن الأكيد هو أن دو كيريكو أراد في شكلٍ ثابت نصب أفخاخٍ لخصومه وهواة فنه معاً. ففي سياق حذره من الطرفَين، يمنحنا الشعور بأنه شيّد لوحاته وفقاً لتصاميم متاهة. وبذلك لم يكن أميناً سوى لنفسه عبر تطويره ذلك المناخ المُقلِق الذي يميّز لوحاته الأولى. ونجده يشرك وجوهاً وهندساتٍ ضمن سلسلة تركيباتٍ تبدو كألغازٍ يطرحها في شكلٍ ثابت علينا، بينما يبدو هو كأبي الهول يتربّع على قمّة هرم الفن الحديث ويوظّف كل الأشكال، من جمهور المصارعين الذي هو على صورة العالم، حيث يتلقّى الفنانون المال على فنّهم كي يتقاتلوا، إلى الخيول التي تظهر كبورتريهات ذاتية للفنان. وفي كل هذه اللوحات، تبدو نظرته وكأنها محرَّرة من الوهم، من دون أن نكون أكيدين من ذلك. ولعل هذا ما يؤثّر فينا اليوم، أي قدرته على تخبئة أشكالٍ عدة داخل جسدٍ واحد، وعلى إدراج مجموعة حقائق داخل حقيقة واحدة، بالتالي على جعل من كل حقيقة معزولة نقصاً يسمح بتأكيد أن لا شيء مغلقاً أو منجزاً فعلاً، تماماً كالحلم الذي لا نهاية له. تطوّر اليوم مفهوم الحداثة واستقطب ما كان يُعتبر منذ عشرة أعوام فقط نقيضه المطلق، أي التصوير والموضوع واعتماد الفن القديم كمرجع. ولعل نقيض الحداثة هو فقط الامتثالية والتبعية. بالتالي، فإن التشكيلات التي حققها دو كيريكو انطلاقاً من عام 1920 ليست أقل حداثة من تلك التي سبقتها ومدحها الشاعران غيّوم أبولينر وأندريه بروتون. فالأبحاث التي قادها انطلاقاً من الفن القديم تتضمّن أيضاً شحنة من السخرية من هذا الفن، تماماً كالأعمال التي حققها بعد ذلك انطلاقاً من بعض لوحات روبن والتي سخر عبرها من بؤس حقبته، أو تلك التي رسمها في نهاية مساره وأعاد فيها توظيف موضوعي الحمامات والمجذّفين المجمّدين على أرضية خشبية مشمّعة، والتي تشهد على حرية ابتكار تستحضر بداياته السرّيالية. ولهذا، من الصعب اليوم العثور على التحامٍ منطقي لكل المراحل التي عبرها، وإن كان المعرض الحالي يتوق إلى ذلك، أي إلى فهم مسعى هذا الفنان القديم نسبياً الذي يبدو لنا اليوم أكثر حداثة وابتكاراً وجرأةً من معظم الفنانين الذين أتوا بعده، والذي سخر من كل شيء ومن الجميع بوقاحة مذهلة. قبل هذا المعرض، لم يشأ أحد أن يرى من دو كيريكو إلا بداياته. ولكن من المبالغة الاعتقاد أن أعماله اللاحقة هي مناقضة للفن السرّيالي، بل لعله ذهب بهذا الأخير إلى أبعد مما تصوّره السرّياليون أنفسهم عبر منحه بُعداً لم يره أحد قبله. فمَشاهده القائمة على هندسات ميتافيزقية لا تستحضر فقط أحلام أطفال وفضاءاتٍ خارجية تم تحويلها إلى فضاءات داخلية، بل نجدها ترشدنا إلى مداخل متاهة فكر فنانٍ يكشف بقدر ما يخفي، ويقودنا إلى لغز تلك الساحة النائمة التي تملّكها الفن السرّيالي. وبإدخاله مفهوم التكرار في لوحاته وباعتماده الثابت على مراجع تقودنا دائماً إلى أعماله السابقة وإلى تاريخ الفن، برّز كابوس هذه الساحة التي لا تقطنها سوى الأطياف والتي لا خروج منها. ولا ترمز هذه الساحة إلى فن دو كيريكو فقط بل إلى فن الرسم عموماً الذي ما برح يكرر نفسه إلى ما لا نهاية. هكذا يكون الفنان قد تنبّأ بشاغلٍ حاضر بقوة في ذهن الفنانين اليوم الذين نجدهم يواجهون صعوبة كبيرة في إدارة ظهرهم للفن القديم، كما فعل فنانو بداية القرن العشرين، وينقّبون داخل الماضي للعثور على صدعٍ أو عاهةٍ فيه تسمح لهم بالانطلاق في اتجاه المستقبل. وبتكراراته وإعادة توظيفه الثابتة لبعض عناصر لوحاته، حوّل دو كيريكو فنّه إلى أداة تنوّرنا حول فخ الزمن الذي هو حياتنا. فالأشياء تتكرر لكنها غير قادرة على منع المستقبل. ولعل أفضل تمثيل لقدرنا على هذه الأرض هو ذلك التمثال الرخامي الذي حققه الفنان لأريان النائمة والتي تبدو كأنها تحلم منذ القدم بإرشادنا داخل متاهة حياتنا. فعبره كما عبر كل أعماله، تمكّن من منح شكلٍ مقنع للغز الزمن الذي يعبر ولا يعبر. وربما مع الوقت سنتمكّن من رؤية أعماله كمجموعة متجانسة أو كأجزاء من خريطة واحدة تساعدنا على العثور على مخرجٍ من هذه المتاهة التي دخلناها منذ زمنٍ بعيد وما زلنا ندور في أروقتها.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.