ربما ليس الآن، لكن سيأتي اليوم الذي ستفتح فيه دفاتر الثورة السوريّة، كي تعيد الأجيال المقبلة التدقيق والتمحيص في مجرياتها والتعرّف إلى مثالبها وعيوبها، بل انتهاكاتها وفظائعها! ولأن الثورة لا يعلنها ويسيّرها الملائكة أو الشياطين، بل البشر، فإن الفعل والحراك الثوري غير مقترنين بالقداسة! وصحيح أن الثورة السوريّة، لها ما لها من العظمة والسمّو الأخلاقي، لكونها تواجه وحدها أعتى أنظمة الاستبداد الشرق أوسطيّة، المدعوم من قوى إقليميّة – طائفيّة – ثيوقراطيّة، ودوليّة، فهذا لا يعني أن الثوّار السوريين قدّيسون، كما يحاول البعض ترويجه وتسويقه! قطعاً لا. ومسألة الدفاع عن النفس في مواجهة جرائم النظام الأسدي، وسعي الأخير إلى بثّ الطائفيّة والقتل على الهويّة، لا يشرعن الجرائم والانتهاكات التي اقترفها الثوّار أيضاً ويبررها! النظام يصوّر ما يجري على أنه مؤامرة وتواطؤ كوني، عربي، إقليمي، ودولي، بالتعاون مع «طابور خامس» سوري، على دور سورية المقاوم والممانع! وكل من يشارك في هذه الثورة هم شياطين وخونة ومرتزقة، ينبغي تصفيتهم. وكل من ينتقد سلوك النظام هو مع المؤامرة، وخائن وعميل ومدسوس وإرهابي! على المقلب الآخر، ينظر بعض «المعارضين»، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، إلى أن كل من ينتقد سلوك الجماعة، وذهنيّة الهيمنة لديها، وسيطرتها على كل تفاصيل المعارضة (عبر الاستقواء بحكومة حزب العدالة والتنمية التركيّة)، وكل من ينتقد سلوك الثوّار والجيش الحرّ، إلى أنه «مع النظام السوري، وضدّ الثورة»! وبلغ التطرّف لدى هؤلاء المعارضين - الإسلاميين، اعتبار كل من ينتقد تركيا وحكومتها أنه «ضدّ الثورة ومع النظام السوري»! هكذا موقف عدواني من أي نقد للثورة السوريّة، يشي بديكتاتوريّة عاتية تستوطن النوايا لدى من يسعون لحكم سورية المستقبل! هذا لا يعني أن النظام الوحشي – الأسدي أفضل حالاً، بل يجب إسقاطه اليوم وليس غداً. وما هو مؤكّد أن هنالك ثمّة تيّارات في المعارضة السوريّة، تجمعها والنظام الأسدي أوجه شبه كثيرة، ولا نبالغ إذا نعتناهم ب «أولئك الذين يشبهون نظام الأسد»! ذلك أنه ووفق تقرير نشره موقع «الكرديّة نيوز» الإخباري، هنالك جهات في المعارضة السوريّة، تسعى، وفي شكل ممنهج وحثيث، إلى شيطنة الكرد السوريين، بالتنسيق مع النظام التركي، وبعض القنوات الإعلاميّة العربيّة! وبين الأكراد السوريين، يحاول البعض ضخّ المزيد من الدوغما والقداسة على الحراك الكردي المشارك في الثورة، على أساس أن أيّ انتقاد لهذا الحراك ضدّ المصلحة الكرديّة ويهدف لإرضاء التيّارات العروبيّة – الإسلامويّة. ويتساءل هؤلاء: هل يريد المنتقدون للحراك الثوري الكردي أن تدكّ المدن الكرديّة حتّى يصدّق العالم أن الشعب الكردي في سورية منخرط في الثورة ويسعى لإسقاط النظام؟! زد على ذلك، يرفض هؤلاء الكارهون النقد، مجيء الجيش الحرّ إلى المناطق الكرديّة، خشية أن يقصف النظام السوري المدن الكرديّة، ويقولون: «إننا قادرون على حماية مدننا». وبالتالي، لا يسمح هؤلاء، وغالبيتهم من الموالين لحزب العمال الكردستاني ورديفه السوري، وبعض الأحزاب الكرديّة الصغيرة الدائرة في فلكهم، بتشكيل كتائب كرديّة علمانيّة، منخرطة في الجيش الحرّ، محاولين تصويره بأنه جيش الإخوان المسلمين والجماعات السلفيّة والجهاديّة. والحقّ أن جماعة الإخوان المسلمين، ومن خلفها الحكومة التركيّة، تتحمّلان وزر ومسؤوليّة تحويل الجيش الحرّ إلى جيش إسلامي، ينزلق أحياناً نحو الطائفيّة. وجانب من المسؤوليّة أيضاً يقع على الأحزاب والحركات العلمانيّة والضبّاط والقادة العلمانيين في الجيش الحرّ، إذ سمحوا للإخوان وتركيا بالاستيلاء على الجيش الحرّ، بعد أن أكملوا استيلاءهم على المجلس الوطني السوري! هذا الواقع المرير يعزز لدى بعض القوى الكرديّة السوريّة، التعامل بحذر شديد مع الجيش الحرّ والمجلس الوطني السوري! لكن، قطعاً لا يبرر ذلك، الأداء السلبي، والاستفزازي لبعض الأحزاب الكرديّة، والذي يعطي المبرر تلو المبرر لتركيا ودكاكينها في المعارضة السوريّة، للتطاول على حجم المشاركة الكرديّة في الثورة. يبقى أن ما يجري في سورية ثورة حقيقيّة بامتياز وبكل المقاييس. وكل الثورات شهدت انتهاكات وجرائم، سيأتي اليوم الذي يفتح التاريخ دفاترها، وتقرأها الأجيال، بعيداً من العصبيّة والدوغما والقداسة. * كاتب كردي سوري