تركي بن طلال يلتقي أهالي عسير ويشيد بالإنجازات التعليمية في المنطقة    ارتفاع شهداء غزة إلى 34388    رئيس جمهورية رواندا يصل إلى الرياض    هاري كين يقود بايرن ميونيخ للفوز على فرانكفورت    أمير الرياض يوجه بسرعة الرفع بنتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على منصور بن بدر    القصاص من مواطن أنهى حياة آخر بإطلاق النار عليه بسبب خلاف بينهما    هندوراس تعفي السعوديين من تأشيرة الدخول    نقل حالتين حرجتين لمواطنين من القاهرة إلى المملكة    وزير الاقتصاد والتخطيط: الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض يمثل فرصة فريدة لإعادة رسم مسارات التنمية    مكافحة المخدرات: إحباط محاولة تهريب 47 كيلوغراما من الكوكايين في إسبانيا    أمير عسير‬⁩ يشكر القيادة على ما توليه من اهتمام بالتعليم ومنسوبيه    مدرب توتنهام: لا يهمني تعطيل آرسنال نحو التتويج    البنك الإسلامي يناقش تحوُّل دوله لاقتصادات مستدامة    تكريم الطلبة الفائزين بجوائز "أولمبياد أذكى"    المالية تعدل اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية    "الداخلية" ترحل 12 ألف مخالف    تحديد مواعيد التقديم على بوابتي القبول الموحد للجامعات الحكومية والكليات التقنية بالرياض    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    بايدن يدرس تقييد مبيعات السلاح لإسرائيل إذا اجتاحت رفح    "911" يتلقى أكثر من 30 مليون مكالمة خلال عام 2023    الحقيل يبدأ زيارة رسمية إلى الصين الأسبوع المقبل    الوزير الفضلي يدشّن "أسبوع البيئة".. غدًا    البرلمان العربي يمنح الشيخ خالد بن عبد الله آل خليفة وسام "رواد التنمية"    إبداعات 62 طالبًا تتنافس في "أولمبياد البحث العلمي والابتكار"غدا    قطاع صحي خميس مشيط يُنفّذ فعالية "النشاط البدني"    استكشاف أحدث تطورات علاج الشلل الرعاشي    هدف جديد على رادار الهلال في دوري روشن    ترقية الكميت للمرتبة الحادية عشر في جامعة جازان    «الاحتياطي الفدرالي» يتجه لتغيير لهجته مع عودة التضخم    جعجع: «حزب الله» يعرّض لبنان للخطر    زلزال بقوة 6.5 درجة يهز جزر بونين باليابان    ابن البناء المراكشي.. سلطان الرياضيات وامبراطور الحساب في العصر الإسلامي    عهدية السيد تنال جائزة «نساء يصنعن التغيير» من «صوت المرأة»    أمطار خفيفة على منطقتي جازان وحائل    فرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    فريق طبي سعودي يتأهل لبرنامج "حضانة هارفرد"    بينالي البندقية يزدان بوادي الفنّ السعودي    كبار العلماء: من يحج دون تصريح "آثم"    الأهلي والترجي إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا    كاراسكو: نقاط الاتحاد حصاد عمل كبير    "طفرة" جديدة للوقاية من "السكري"    الصحة: تماثل 6 حالات للتعافي ويتم طبياً متابعة 35 حالة منومة منها 28 حالة في العناية المركزة    نائب أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة 2030 من إنجازات ومستهدفات خلال 8 أعوام    الاتحاد يخسر بثلاثية أمام الشباب    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    رؤية الأجيال    وزيرة الدفاع الإسبانية: إسبانيا ستزود أوكرانيا بصواريخ باتريوت    منتخب اليد يتوشح ذهب الألعاب الخليجية    المخرج العراقي خيون: المملكة تعيش زمناً ثقافياً ناهضاً    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    ترميم قصر الملك فيصل وتحويله إلى متحف    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    مقال «مقري عليه» !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«طقاقة» المزيني تغوص في قاع الرياض
نشر في الحياة يوم 31 - 07 - 2012

توزّعت رواية «الطقاقة» لمحمد المزيني (دار الانتشار العربي) إلى 13 فصلاً، وتحت كل فصل عناوين فرعية عدة، قدمته للقارئ روائياً متمكناً. فالطقاقة هي رواية قاع المدينة ومجاهل الصحراء. تتسلل بالقارئ في أزقة الرياض وتتجول به في آفاق الصحراء. تكشف لهُ عوالم أسطورية من خلال سير شخوصها وغواية حكيها.
لم أجد المزيني في الطقاقة، ولم يكن ليسمح لنفسه ككاتب بأن يطل إلا بقناع أو أن يبتسم ليتوارى. بل إن القارئ وهو يزرع عينيه في صفحات الطقاقة لا يتذكر أن هناك كاتباً، بل شخص الراوي المهيمن. يسمع سفر يوشوش به كائن لا مرئي، ويكاد يتماهى تماماً في حواس القارئ. لم يسمح الكاتب لنفسه بأن يشعر القارئ بأنه يتبنى أفكار أو أفعال أية شخصية من شخصيات الرواية، عدا صاحب الوانيت العراوي الشخصية المحورية للرواية. يقدم المزيني كل شخصية بلغة وطبائع تختلف كلياً عن بقية شخصيات الرواية، خصوصاً الأنثوية. وتفرد بذلك حين يفشل الكثير من الكتّاب. ولذلك يقال أدب نسوي الذي يؤكد الطقاقة وقدرة كاتبها بإلغاء ذلك المصطلح. ومن ناحية سيطر الكاتب على الأحداث المتنامية للرواية، ما يجعل القارئ في فشل دائم لاستنتاجاته وتخميناته حين صنع الكاتب في طقاقته لكل شخصية قدرها الخاص بها، فلا يمكن للقارئ أن يستنتج أين ستصل بها أقدارها؟ أو يخمن ما هي الأحداث المقبلة؟ بل إن الكاتب كما لو أنه ترك كل شخصية تعيش حياتها بعيداً عن سيطرته، بعيداً عما يحمله من فكر ووعي.
أنا لم أقرأ للمزيني أي عمل قبل هذه الرواية، الذي اقتنيته من معرض القاهرة للكتاب 2012، لكنني أجزم بأنه يضعه ضمن أبرز روائيي المملكة. ويستحق منا كقراء أن نتابع ما يصدر له من نتاجه سردي، فلن يكتمل المشهد الروائي للمتابع في أي قطر إلا إذا قرأ لأبرز الكتاب، وتابع كل جديد كي يكتشف كتاباً بوزن المزيني.
يصعب عليَّ الإلمام بالقضايا كافة التي تعالجها الرواية في هذه الأسطر التي أردتها تحية لعمل مميز. لكن ذلك لا يمنع من المرور الرهيف على بعض القضايا المطروحة. فالرواية لم تُحصر رسالتها على معالجة موضوع أو قضية واحدة، بل إن القضايا تنوعت وتعددت، من قضايا إنسان الصحراء العربية، إلى قضايا المدينة ومتاهاتها. وما الطقاقات إلا شريحة من ذلك المجتمع الذي يتوق إلى حياة من الحداثة والحرية. وما قضايا التنوير والصراع بين تيارات الفكر المتحجر والمستنير، الذي تعرضت له الرواية إلا دليل. والتفسخ في الوسط الثقافي والفني وإن تناوله الكاتب في عينات غير ناضجة، من خلال تهاني وشلتها أو بخيتة وفرقتها. وكذلك قضية الوافدين والتجنيس، وقدرة المجتمع على صهرهم وهضمهم.
عموماً قدمت لنا الرواية مجتمع بدو الصحراء، وكذلك مجتمع المدينة بكل تناقضاته وبكل آمال النهوض والرقي. وقدمت لنا ذلك الخط اللا مرئي الذي يجمع بين مجتمع الصحراء والمدينة في صورة تلك الشخصية المتفردة بين شخصيات الرواية «بداح»، ذلك البداح الذي قدمه المزيني بحب وصدق المنتمي لبيئة أصيلة ولمجتمع متغير. حين انتهيت من الرواية، كانت الشخصيات تتزاحم لاحتلال حيز من ذاكرتي، مثل كل الشخصيات التي قرأتها في روايات أخرى، وكان بداح على رغم محدودية المساحة التي منحها له الكاتب هو الأول في الحضور بتلك المسحة الأسطورية الساحرة، من خلال جن الصحراء «شنيشل» و«سيسران» ورحلته، وما اكتنفها من غموض ومصاعب من الصحراء إلى المدينة، وهو يمثل الإنسان السعودي أو يرمز إلى انتقاله.
وظف الكاتب تلك الفرق في كشف سلبيات المجتمع، من خلال وصول الطقاقات إلى أعلى مستويات في التأثير والوساطة، وفي دخولهم إلى أفخم القصور، وغزو العقل بالتغيير في بنية الثقافة.
وهنا يدرك القارئ قدرة الكاتب على تطوير تلك الشخصيات بكل ما تحمله من موروث وأمل بالتغيير إلى الأفضل، إضافة إلى قدرة الكاتب على التحكم بخيوط شخصياته بكل متاهاتها الروحية وتداخلاتها الاجتماعية، ما يمنحنا كقراء المتعة الرائعة، فالمزيني ظل يتتبع تطور تلك الشخصيات وما ينميها من أحداث حتى صفحة الطقاقة الأخيرة.
لقد أمتع الكاتب القارئ بتلك الحوارات. فكثيراً ما يغوص القارئ في أعماق الشخصية، ليتمثلها ويُقاد إلى التعاطف معها، فذلك الأسلوب من رشاقة القول وخفة حساسية الجمل الحوارية، أعطى الرواية ذلك الكم من التشويق والإدهاش، وقرب القارئ من تكوين شخصيات الرواية ومزاجها وثقافتها وعقدها، حتى إن القارئ ليشعر بأنه يعرف تلك الشخصيات، أو أن يخال له بأنه صادفها في محيطه الحياتي، إن براعة الكاتب في رسم مشاعر كل شخصية تجاه كل حدث قدمت لنا شخوص الرواية بملامحهم وطبائعهم وخصائصهم، التي ساعدت القارئ في فهم تلك البيئات الممتدة من مجاهل الصحراء إلى متاهات المدينة بأحيائها القديمة والحديثة. وما يبعث على الحيوية والصدق الذي يشعر القارئ بأنه يقرأ أو يتعامل مع كائن ينمو ويتحرك بين يديه. في الرواية الصحراء ليست ذلك الحيز الخالي الذي يظنه البعض كذلك. بل قدمها المزيني كحيز يمتلئ بعوالم لا يراها إلا ساكنوها. عالم مليء بالحركة والتفاعل تحكمها قيم قد لا تتطابق مع منطق الغرباء عنها. مستقراً بوعي سكانها ثقافة اجتماعية فريدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.