، إنه أول ما يخطر على بالك كلما شاهدت وسمعت تعليقات الفنان ناصر القصبي على المواهب المشاركة في برنامج «آرب قات تلنت»، الذي تبثه منذ أسابيع قنوات «إم بي سي». فمع احترامي وتقديري لمسيرته الفنية الطويلة وخبرته المحلية، إلا أن كل ما يقدمه القصبي في البرنامج عبر حلقاته الطويلة لا يتعدى كلمتين اثنتين هي «جميل... جميل». وهو هنا لا يلام، فكما قلنا «فاقد الفن» لا يعطيه، فقد أصيب الفن خلال ال«50» عاماً الماضية بآفة الاحتقار والكره، وجففت منابعه، وأصبح لا يتعدى أن يكون مجرد مواهب متناثرة، تحاول أن تتوارث على استحياء وربما سراً ما تستطيع أن تأخذه من الأجيال السابقة على علاته وفقر أدبياته. إن تلك تعليقات الانطباعية البسيطة، وأحياناً الساذجة التي يلقيها القصبي تجاه عشرات من المواهب الفنية التي تعبُر أمامه كل أسبوع، تُعبر فعلياً عن واقع الفن في المملكة، فالقصبي ربما يكون مميزاً في الدراما المحلية، لكنه أكد أننا في حاجة ماسة لتطوير معرفي للفنون ودمجها في حياة الناس بشكل مؤسسي، يؤدي إلى فهمنا للفنون بكل أنواعها وأشكالها. يقول مصمم الأزياء العالمي يحيى البشري معاتباً ومعلقاً على مقال سابق «مشكلة كثير من كتابنا أنهم يختصرون فهمهم للفن في الموسيقى والأغاني فقط، بينما الفن طيف واسع من الأشكال والألوان، ينمو تحتها آلاف المواهب، من ضمنها تصميم الأزياء والرسم والنحت والتمثيل، والمسرح والرقص... الخ»، «انتهى كلام البشري». ولأن ما قاله البشري صحيح، فإنني أعيده وأعيد كل مهتم بالفنون في المملكة ويتمنى أن تتحول من أشكالها البدائية البسيطة إلى شكل محترف وراسخ، إلا أن السبب - في ظني - هو أن فن الموسيقى والغناء في السعودية هو من التفتت إليه النخب المالية والاجتماعية خلال العقود الماضية، وهي من استثمرت فيه جهوداً وأموالاً طائلة، ما جعله الأبرز جماهيرياً ومعرفياً. لكن غيره من الفنون الإنسانية المحترمة الأخرى، ظلت حائرة تحت طائلة «المعصية» والكره والبغض والتسفيه أحياناً، وأحياناً أخرى تحت طائلة الانعزال الحضاري التي حصرتنا في قصيدة شعرية ولحن جميل وصوت عذب. إذاً نحن والفنانين في حاجة ملحة إلى بنية حضارية فنية حقيقية، وفي حاجة إلى متاحف ومسارح ودور أوبرا، ومعاهد عالية للفنون بكل ألوانها تسهم في بناء ثقافة فنية معرفية واسعة، لمجتمع يطمح إلى أن يشارك الأمم الأخرى معارفها وهمومها ومتعتها، وأن تخرج لنا من يحترم ويهضم ويفهم كل الفنون التي تنتشر في ثقافات الإنسان وحياتهم، حينها سيكون القصبي أو من يكون في مكانه قادراً على أن يقول تعليقاً واحداً مبنياً على علم ومعرفة، وليس ترديداً لكلمات هي في الأساس ليست إلا وسيلة للهروب من مأزق الفقر الفني. [email protected] @dad6176