مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    629 موقعاً مزيفاً تستهدف جيوب السعوديين ب«الاحتيال»    بتمويل الصندوق السعودي للتنمية.. تدشين مستشفى السرطان في موريشيوس    الشاعرة الكواري: الذات الأنثوية المتمردة تحتاج إلى دعم وأنا وريثة الصحراء    العرب ودولة الإنسان    حين يتحوّل الدواء إلى داء !    أدوية التنحيف أشد خطراً.. وقد تقود للانتحار !    مصير مجهول للمرحلة التالية من حرب روسيا وأوكرانيا    لاعبو الأندية الإيطالية خارج القائمة.. ولاعبو «البريمير ليغ» الأكثر حضوراً    الاتفاق والنصر إلى المباراة النهائية لممتاز قدم الصالات    الاتحاد يتغلّب على الهلال وينتزع ذهب نخبة الطائرة    ذكاء التوقيت والضمير العاطل    المركز الوطني للمناهج    مؤقت عالمي    ب 10 طعنات.. مصري ينهي حياة خطيبته ويحاول الانتحار    99 % انتشار الإنترنت في المملكة    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    رَحِيلُ البَدْرِ    انكسار الهوية في شعر المُهاجرين    المقاهي الثقافية.. والمواهب المخبوءة    مفوض الإفتاء في جازان يشيد بجهود جمعية غيث الصحية    سقوط الجدار الإعلامي المزيف    جمال الورد    «البعوض» الفتاك    تعزيز الاستدامة وتحولات الطاقة في المملكة    ليفركوزن يسقط روما ويتأهل لنهائي الدوري الأوروبي    أمير منطقة جازان يلتقي عدداً من ملاك الإبل من مختلف مناطق المملكة ويطّلع على الجهود المبذولة للتعريف بالإبل    أمانة الطائف تسجل لملّاك المباني بالطرق المستهدفة لإصدار شهادة "امتثال"    رئيس جامعة جازان المكلف ⁧يستقبل مدير عام الإفتاء بالمنطقة    أولمبياكوس يهزم أستون فيلا ويبلغ نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    الحياة في السودان مؤلمة وصادمة    رئيس المجلس العسكري في تشاد محمد إدريس ديبي إتنو يفوز بالانتخابات الرئاسية    أسماء القصيّر.. رحلة من التميز في العلاج النفسي    كيف نتصرف بإيجابية وقت الأزمة؟    وزير النقل: 500 ريال قيمة التذكرة بين الرياض وجدة.. ولا نتدخل في أسعار «الدولية»    تجنب قضايا المقاولات    رسالة من أستاذي الشريف فؤاد عنقاوي    مكان يسمح فيه باقتراف كل الجرائم    قُمري شلّ ولدنا    دلعيه عشان يدلعك !    بلدية صبيا تنفذ مبادرة لرصد التشوهات البصرية    حقوق الإنسان في القاموس الأمريكي    للرأي مكانة    النصر يتغلب على الأخدود بثلاثية ويحكم القبضة على الوصافة    شركة ملاهي توقّع اتفاقية تعاون مع روشن العقارية ضمن المعرض السعودي للترفيه والتسلية    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    "تاسي" ينهي تداولات الأسبوع على تراجع 1.4%    الملك وولي العهد يعزيان رئيس الإمارات في وفاة هزاع بن سلطان بن زايد آل نهيان    مستشار أمير منطقة مكة يرأس الأجتماع الدوري لمحافظي المنطقة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من تركيا متجهة إلى المملكة    نائب أمير عسير يتوّج فريق الدفاع المدني بكأس بطولة أجاوييد 2    مفتي عام المملكة يستقبل نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    أمطار رعدية ورياح تؤدي إلى تدني في الرؤية بعدد من المناطق    القيادة تعزي رئيس البرازيل    دجاجة «مدللة» تعيش حياة المرفهين    يسرق من حساب خطيبته لشراء خاتم الزفاف    فهيم يحتفل بزواج عبدالله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أداة القراءة إلى آلتها تتغيّر أحوال الكتابة والمطالعة
نشر في الحياة يوم 20 - 06 - 2012

في أنحاء المعمورة، وفي القطارات والطائرات والمنتزهات والمطاعم والمقاصف، وفي كل الأوقات، ثمة مشهد واحد: رجال ونساء يقرأون. فالفرد المعاصر يسبح في سيل لا ينقطع من القراءة والمطالعة. وهو يجمع بين قراءات مركبة البنية، قسم منها يعود إلى المكتب، وآخر إلى غرفة المطالعة، وقسم ثالث مخصص لغرفة النوم. والى هذه الأنواع من القراءة، ثمة قراءة ملحة أو «قهرية»، على ما يقال وسواس قهري. فالفرد يقع في شباك الرسائل الإلكترونية التي تربطه بوتر تبادل مزمن، أوجه الشبه بينه وبين الإدمان كبيرة. ولكن هل يعني ذلك أن القراءة في المجتمعات الغربية صارت هابطة المستوى؟ فبين القراءة العميقة، تلك المرتبطة بالكتب الورقية، والقراءة «السطحية» الوثيقة الصلة بالشاشات، لا يجافي المنطق الخوف من شرخ ثقافي.
وفعل القراءة جسماني لا تقوم له قائمة من غير دعائم. وفي الماضي، اقتضت قراءة لفافة الورق استخدام كلتا اليدين. ومع اللوح الورقي أو المخطوطة تحررت اليدان، ووسع المرء استخدام اليد في أخذ الملاحظات، والكتابة، و «تعليم» الفقرات، والانصراف إلى مهمات ثانوية. ولكن ما أثر «آلات القراءة» في جسد القارئ؟
فأمام الشاشة، تسرح العين في النص، والقارئ يضغط على النقرات أو اللمسات، أو يحرك اصبعه تحريكاً انسيابياً على رموز الشاشة. وعلى خلاف توسل الأصبع للدلالة إلى شيء والإشارة إليه، يرتقي الأصبع على شاشة آلة القراءة عنصراً فاعلاً يغيّر مواصفات النص: فيكبّر حجم الأحرف، ويغير أمكنة المقاطع والكلمات، ويتصفح، ويشغل الجهاز... وفي العالم الرقمي، يبدو جسد القارئ كأنه يواجه صفحة يتيمة واحدة لينة ومرنة، يسهل التحكم بها. والليونة هذه تشرع الأبواب أمام ضرب جديد من الحرية، فتتهافت الحدود بين الصفحات والمواقع المتناسلة والحافلة بالروابط الإلكترونية، وهذه جسر إلى مقالات ومواقع أخرى.
ويكتسب الجسد أمام الكتاب أو الصحيفة الورقية مهارات ويعززها لتحسين أدائه. فهو يشذب الذاكرة، ويزيد قدرتها على التذكر واستعادة المعلومات وتخزينها. ولكن مع «أدوات القراءة»، تنقلب أحوال العلاقة بين الجسد وأداته رأساً على عقب. ومن الأداة إلى الآلة، ينتقل القارئ من ضفة عالم تقني إلى ضفة أخرى. فالأداة ترتبط بمستخدمها، وتعتمد على قوته وقدراته. ف «ذاكرة» الكتاب هي إلى حد كبير «بشرية» فيما آلة القراءة ذاكرتها تضاهي ذاكرة مكتبة كاملة، وعملها مستقل عن مستخدمها، وتتوسل مصدر آخر غير طاقة صاحبها وقدراته.
وقد نغفل أن أكبر خطوة نحو الأتمتة في القرن الواحد والعشرين تحصل أمام أعيننا. فالبشر فوضوا الآلة القراءة: محركات البحث الإلكترونية تحدد أمكنتنا، وتبحث نيابة عنا عن معاني الكلمات ومرادفاتها وأوجه استعمالها، وتحدد سياقها السيميائي.
وثمة نتائج تترتب على نقل مهمات إلى الآلة. ففي ثمانينات القرن التاسع عشر، تغيرت أحوال الكتابة إثر حيازة الناس آلة كاتبة. فانتقل نيتشه من الكتابة المتصلة التي يحاكي تسلسلها وتقسيمها المحاضرات الجامعية إلى كتابة متقطعة على شاكلة فقرات وشذرات قصيرة.
وثمة بُعد سحري- شعائري للقراءة. فكل قارئ يرسي طقوسه الخاصة المواتية للمطالعة. وبعضهم يؤثر الانفصال أو التقوقع في مكان. فعلى سبيل المثال، دارت أحلام بروست على الغرف في سياق روائي يسترجع الزمن ويستعيده في الأمكنة ويستكمل الحبكة الروائية. فيختم الرواية ويعلّق الزمن أو يحبسه في مكان.
وأرسيت طقوس تبادل وتشارك جديدة مع ابتكار آلات القراءة. فالكومبيوتر شخصي، وجهاز ال «آي باد» فردي، وال «سمارت فون» (الهاتف الذكي) خاص وحميم. والناس ينتخبون أداة دون غيرها وينحازون إليها، فيقال عن فلان أنه «كيندل» أكثر مما هو «آي باد»، أو «آبل» أكثر مما هو «بي سي».
والقراءة، مهما اختلفت وسائطها ودعاماتها، تغلّب كفة الذكاء أو كفة التشويق: فهي إما تجذب اهتمام القارئ من طريق الأفكار والأبحاث أو تأسره بواسطة السرد.
وأجهزة القراءة كثيرة: «كيندل» و «ريدر» و «إي بوك» و «نت بوك» و «فناك بوك» و «آي باد». والأجهزة هذه تشغلها أنظمة مختلفة وغير متكاملة. ونظام الكتابة والقراءة كان عاماً وشائعاً وجامعاً في عصر الكتاب الورقي. وفي عصر أدوات القراءة الإلكترونية، كثر عدد أنظمة القراءة (إلكترونية) على غرار نظام «ريدر» ونظام «بليير». وصارت القراءة رهن نظم تشغيلية مندمجة في الآلة.
ويبدو نظام القراءة «البشري» مهدداً. فسياقه المتصل والمتناسل يأفل أمام نموذج قراءة متقطعة ونرجسية. وربما لن يعود في مقدورنا في المستقبل قراءة «الحرب والسلام» لتولستوي، لكن ثمة فائدة ترتجى من الوقوف على النقاط المشتركة بين «القراءتين». فالقراءة بواسطة «الجهاز» تتيح للقارئ متابعة نشاط يألفه مثل البحث. وعلى سبيل المثل، يسع القارئ البحث عن الشخصيات وتحديد هوياتها أثناء قراءة رواية طويلة مثل «الحرب والسلم». وأداة القراءة تخوله التنقل بين طبقات النص، والتنقل بواسطة حبال الروابط الإلكترونية أو جسورها من نص الرواية إلى نصوص متعلقة بها ومرتبطة بها. ويبرز توزيع جديد للانتباه المُركز أو السطحي. فالقارئ مدعو دعوة متواصلة إلى الاستطراد. ويعجز، تالياً، عن الانصراف إلى فكرة واحدة أو أمر واحد فيفتح النافذة تلو النافذة. وثمة طقس شائع اليوم هو جسر القراء إلى عرض ما يقرأونه على الملأ. فيشارك الواحد النص مع الآخرين أو يرسله لهم أو «يسمهم» (تاغ) به. ووجه القراءة الاجتماعي هذا يجازي القارئ بالإعجاب أو اهتمام الآخر مدغدغاً نرجسيته، ومثل هذه التبادلات تدخل إلى القراءة الخاصة بالفرد جانباً عاماً وجه الشبه كبير بينه وبين القراءة الشفاهية على مسمع من آخرين.
والحق أن وراء المواجهة بين نموذجي «الكتاب – الأداة» وال «القارئ- الآلة» مواجهة بين رؤيتين إلى القراءة. فالأولى تقدمها على أنها ذروة سيرورة طويلة متصلة منطقياً في بناء الأنا – الفاعل. فتبرز الذات المعاصرة المعتمدة على ذاتها والحريصة على استقلال حكمها ورأيها والتي تقيس العالم بحسب مقياسها أو ميزانها الداخلي. والرؤية الثانية إلى القراءة الآلية تذهب إلى أنها تهدد وحدة الأنا بالتذرر وتصيب القارئ باضطراب مزمن. فيصير القارئ ضعيفاً وعاجزاً عن تحمل الوحدة والعزلة اللتين تقتضيهما القراءة المتصلة. لكن القارئ المستغرق في النص الورقي قد يرفع رأسه أثناء القراءة ويفكر في شأن آخر أو ينظر إلى مارة جميلة أو يجيب سؤال صديق. فالحركة بين الداخل والخارج تحاكي حركة تنفس الوعي، وتشرع أبواب قلعة القراءة المعمقة على التبادل بين الكتابة والحياة.
* أستاذ جامعي، وروائي، عن «لوموند» الفرنسية، 3-4/6/2012، إعداد منال نحاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.