تحلق الرجال حول الوليمة «ربما مفطح أو حاشي»، امتدت أيديهم بسرعة إلى الطعام، وفي دواخل النفوس يتردد قولهم: «مقابل الجيش ولا مقابل العيش»، وكان بينهم طفل صغير أجهش المسكين بالبكاء حتى ارتفع صوته، قال له بعضهم - وهم يمضغون -: ما يُبكيك؟ رد: الطعامُ ساخنٌ! قالوا: اتركْه ليبرد! رد عليهم ودموعه تسيح «للركب»: ولكنكم لا تتركونه! هذه القصة من التراث، تخبر عن حال الضعيف مع القوي، فإذا ترك الطعام ليبرد، قد لا يتبقى له شيء منه، وهم - أي الآخرين لا يتركونه، وهي تشابه أحوال صغار المكتتبين في شركات مساهمة، فالطرح في الحقيقة هو لصغار الضعفاء لا للأسهم!، إذ يطرحون في السوق ولا يسمي عليهم أحد، حتى المضاربون في سوق الأسهم من هذه الفئة فهم واقعاً «مضروبين» أقرب من مضاربين، يدخلون إلى وليمة قد أكلت ولا يزال الإعلان والدعوات لها قائمة ببطاقات مزخرفة تلفت الأنظار، وفي ما هم يحاولون تناول الوجبة الأساسية والرئيسية التي تقي من الأنيميا والحاجة إلى السؤال. يكون الآخرون من أكلة الساخن وأحياناً النيِّئ وطباخيه - تلك اللحظة - أمام صحون «التحلية» يتباشرون، فما تم ابتلاعه هو من «صيد أمس»، والعيون على صيد جديد، وهو أيضا حال بعض المشاريع المتعثرة، وأنصاف المتعثرة وأرباعها، إذ يجتهد المقاول - لسبب أو لأسباب - في خفض النفقات على حساب المشروع المكلف أصلاً مبالغ طائلة فيصبح كالعظم قد أكل خيره، وهو بالتالي سؤال التنمية نفسها ما يصل منها للجميع وما لا يصل إلا لفئة قليلة. والمشكلة في كثير من قصص التراث على رغم العبر فيها ودروس وحِكَم - أنها لا تحتوي بالضرورة على نهاية وخاتمة واضحة، نهاياتها مفتوحة. القصة أو الحكاية - كما قرأتم - انتهت بحكمة خرجت من لسان الطفل أو من مرارته، لكن لا يُعرَف هل استمر في البكاء حتى ابيضت عيناه وهو حزين، وفي النفس ما فيها، والرجال من حوله مستمرون في الأكل و«طق الحنك» قد أعجبهم تمكنهم وقدرتهم لا يلوون على شيء ولا يرون سوى أمثالهم، أم تدخل حكيم قوي صادف وجوده في الوليمة وقال: «ما يصير يا جماعة!». ثم ألزمهم بترك الطعام حتى يبرد، ويمكن للجميع تناوله، كلٌّ بحسب حاجته. www.asuwayed.com @asuwayed