لا حَدث يُشبه كارثة الطائرة الماليزية التي سقطت في أوكرانيا الخميس الماضي، أو على الأقل التغطية التلفزيونية لها، فالقنوات الأوروبية لم تعرف كيف تتعامل مع الكارثة الغريبة التي باغتتها بحجمها وتعقيدها، فكان على هذه القنوات أن تبحث أحياناً وأثناء التغطيات التلفزيونية الحيّة عن معايير مهنية إعلامية جديدة، وكثيراً ما تعثرت. مراسلة قسم الأخبار في القناة الأولى ل «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) والتي كانت قريبة من حطام الطائرة المنثورة، اعْتَرَفت بأنها لا تعرف كيف توجه كاميرا تقريرها، ففي كل زاوية هناك مأساة تنتظر، وهي لا تريد أن يكون تقريرها قاسياً على مشاهديها أو ربما يُخالف الأعراف الإعلامية. استغرق وصول بعض المراسلين التلفزيونين الأوروبيين إلى موقع سقوط الطائرة يوماً كاملاً من السفر، فالمنطقة هي ساحة حروب، والطريق يمر بروسيا، لكنهم ما إن وصلوا اصطدموا بتعقيد الكارثة، فجثث كثير من ركاب الطائرة ما زالت مُلقاة على الأرض، والفوضى تعم المشهد، والمراسل التلفزيوني لا يستطيع أن يحلّ مَحْل المحقق الجنائي أو القاضي. طبعت الصعوبات تقارير المراسلين الإنكليز والهولنديين، بخاصة تلك التي تتعلق بما يجب أن يعرضوه، فحتى مَتَاع الركاب كان قبل إعلان أسماء القتلى من المُحرمات على الشاشة. وعلى رغم الاهتمام الكبير للقنوات الإنكليزية والبلجيكية بالكارثة، إلا أنه لا يقارن بتغطيات القنوات التلفزيونية الهولندية، والتي تحول بعضها إلى نسخ من «سي أن أن» الأميركية أو «الجزيرة» القطرية. ولا غرابة في ذلك فالمَأساة التي قتلت 193 هولندياً، تُعَدّ الأقسى التي حَلّت في البلد منذ الحرب العالمية الثانية. باغتت الكارثة الإعلام الهولندي الذي كان يتمتع بعطلته الصيفية، ولكن سرعان ما رتّب أموره، وبدأ تغطيات هي الأكثر كثافة لأي حدث آخر من السنوات الأخيرة. فكلُ اجتماع مُصغر للحكومة الهولندية نُقل مباشرة على الهواء، وكذلك كلمات رئيس الوزراء الهولندي مارك روته والملك الهولندي فيليم ألكسندر. وبعد أيام من سقوط الطائرة استعاد الإعلام الهولندي مستواه المهنيّ المُعتاد، لتتنوع في الأيام الماضية التقارير من مكان سقوط الطائرة، وقدمتها مجموعة من أفضل مراسلي التلفزيون الهولندي الذين ذهبوا إلى هناك. كما راح التلفزيون الهولندي الرسمي والتجاري يبحث عن القصص الإنسانية لعائلات الذين قتلوا وأصدقائهم. فالعدد الضخم للضحايا جعل الهولنديين جميعهم أسرة ثكلى واحدة، كما عبّر وزير هولندي، ولهذا زادت في اليومين الأخيرين التقارير عن الحزن الهولندي الداخليّ، على رغم أن عدداً من عائلات الضحايا رفض أن يتحدث للإعلام وجثث أبناء هذه العائلات ما زالت مُلقاة في الحقول الخضراء في الريف الأوكراني. ولم يسلم الإعلام الروسي من نقد التلفزيون الحكومي الهولندي الرسمي الذي وصفه بالكاذب والمُضَلّل. وعرض تقرير هولندي الأسلوب الذي تعاطت به قنوات روسية حكومية وتجارية مع موضوع سقوط الطائرة، وكيف أنها رددت القصة ذاتها بأن أعوان الحكومة الأوكرانية والاستخبارات الأميركية كانت وراء هذه الكارثة لتأليب المجتمع الدولي ضد الانفصاليين الروس والحكومة الروسية. وبين التقارير التلفزيونية التي نالت اهتماماً شعبياً واسعاً بعدما تَعَدّى نطاق التلفزيون إلى شبكة الإنترنت، ما قدمته مراسلة القناة الهولندية الأولى، والتي تجولت بين أغراض ركاب الطائرة، من التي لم يتم سرقتها، فوجدت قصص أطفال بالهولندية، ومفكرة أحد الشباب الهولنديين، كتب فيها عن توقه للإجازة التي كان في طريقه لتمضيتها في أستراليا، والتي لن يصل إليها أبداً.