أخيراً، زار الرئيس المقبل للصين واشنطن قبل تسلمه السلطة في الاشهر المقبلة. وهي زيارة مجاملة للقوة العظمى الوحيدة التي تعترف الصين بجبروتها. تشي جينبينغ في ال58 من العمر، وهو نائب الرئيس، ويتوقع ان يعين أميناً عاماً للحزب الشيوعي الصيني في تشرين الاول (أكتوبر) المقبل، وأن يرأس اللجنة العسكرية المركزية، تمهيداً لتسلمه الرئاسة في 2013. زيارة واشنطن تبرز العلاقات المميزة بين الصين والولايات المتحدة جراء الترابط الاقتصادي والمالي المتعاظم بينهما، إثر طي مرحلة من التحدي والعداء بين القوة الراسخة وتلك التي قد تتربع محلها. ويسع تشي أن يكسب ود الاميركيين، فهو يشبه الممثل الاميركي جون وين. وتشي يتحدر من طبقة الاريستوقراطية، المسماة في بكين «برينسلينغس»، أي ذرية القادة الماويين السابقين. وُلد بعد إنشاء جمهورية الصين الشعبية في 1949، وسافر الى الخارج، وزار أميركا أكثر من مرة. ابنته طالبة في هارفرد، وشقيقه يعيش في هونغ كونغ وشقيقته في كندا. مثل هذه السيرة هو سمة جيل جديد من القادة الصينيين، لكن انفتاح الجيل هذا على الخارج ليس مؤشراً الى توجهات سياسية جديدة. ولا تنتظر واشنطن من تشي أن يصير غورباتشوف الصين، بل أن يساهم في تحريك عجلة السياسة الخارجية في بلاده والتي اتسمت بالشلل في ولاية هوجينتاو. ويبلغ تشي السلطة في وقت تواجه العلاقات الصينية-الاميركية وقتاً عصيباً. ومنذ أعوام، تحفل الحملات الانتخابية الاميركية بشعارات معادية للصين. وتُتهم بكين بأنها سرقت ملايين الوظائف من الاميركيين، وأنها منافس غير عادل ونزيه. وينظر أكثر من نصف الأميركيين الى نمو الصين نظرة سلبية. وعلى خلاف ما جرت العادة، بدأت أوساط رجال الأعمال الأميركيين تطعن في سياسات بكين التي تقدم الشركات الصينية على الشركات الاخرى، وتحصن أسواقها الداخلية من المستثمرين الأجانب، وترفض احترام الحقوق الفكرية، ولا تحمي الاستثمارات الخارجية. وتأخذ واشنطن على بكين ترددها في الساحة الدولية و «خجلها». فديبلوماسية هوجينتاو التزمت توجيهات والد الانفتاح الاقتصادي، دنغ جياوبينغ: رفض التدخل في سيادة الدول والامتناع عن أداء دور قيادي والابتعاد من الاضواء. والصين في الخارج قوة أمر واقع تغالي في المحافظة، والنموذج الدولي الأثير على قلبها هو نموذج ثابت تبقى فيه الامور على حالها. وجمهورية الصين الشعبية هي وريثة الماوية، تزدري الثورات والميليشيات المسلحة، وأي شيء يثير الاضطراب في النظام العالمي ويعوق نموها. رفعت الصين مبدأ سيادة الأمم الى مصاف القداسة، وهي تعارض العقوبات الاقتصادية، والتدخل الخارجي العسكري على أنواعه. ولا ترمي فحسب الى حماية نفسها من الطعن في سياساتها الداخلية القمعية في التيبت وإقليم شينجيانغ، فبكين تلتزم الحذر ويشغلها التكيف مع ارتقائها السريع قوة اقتصادية في وقت لا يبدو أنها تستسيغ توسل القوة المكتسبة أخيراً في بسط هيمنتها الدولية. وتقصر طموحاتها على بحر جنوب الصين. وهي تستفيد من نظام عالمي يعود عليها بالفائدة، من غير ان تضطر الى المشاركة في مكافحة الارهاب أو الحؤول دون الانتشار النووي أو ضمان استقرار الشرق الاوسط. ولا تخفي بكين دهشتها من الطعن في سياساتها، «فالصين لا تصدر الثورة ولا الجوع ولا الفقر ولا تسبب أوجاع الرأس (المشكلات)». وقال تشي في مؤتمر عقد بالمكسيك في 2009 متسائلاً: ماذا تريدون منا؟ الأرجح أن باراك أوباما حضه على تفعيل دور بكين في الساحة الدولية، والشرق الأوسط على وجه التحديد. ويدعو أوباما الى مشاركة الصين في مكافحة الانتشار النووي من طريق قبول العقوبات على إيران، وأن تعدل عن السير على خطى موسكو في مجلس الأمن، وتساهم في مكافحة الاحتباس الحراري، فأميركا لا تريد تقليص دور الصين. * معلّق، عن «لوموند» الفرنسية، 17/2/2012، إعداد منال نحاس