أمير القصيم يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    "فيفا" عام واحد يفصلنا عن انطلاق مونديال الأندية 2025    يامال يصف ظهوره الأول في كأس أمم أوروبا بأنه «حلم»    متحدث الداخلية: اكتمال المرحلة الأولى من خطط أمن الحج    ثنائي إنجليزي يتنافس لضمّ سعود عبدالحميد    فسح 2.1 مليون رأس من الماشية استعدادًا للحج    ضبط 25 مخالفًا نقلوا 103 غير مُصرَّح لهم بالحج    بدء نفرة الحجاج إلى مزدلفة    العيد في غزة حزين وبلا أضاحي    الرئيس الشيشاني يُغادر المدينة المنورة    وزير الداخلية يؤكد اعتزاز المملكة واهتمام القيادة بخدمة ضيوف الرحمن    «الرياض» ترصد حركة بيع الأضاحي.. والأسعار مستقرة    النفط يسجل مكاسب أسبوعية بفضل توقعات الطلب القوية رغم انخفاضه    خبراء صندوق النقد: استمرار ربط الريال بالدولار مناسب للاقتصاد    40 نيابة قضائية لمباشرة قضايا موسم الحج    حرس الحدود بعسير يقبض إثيوبي لتهريبه 45 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    رئيس مصر يزور المتحف الدولي للسيرة النبوية    بدء مفاوضات انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي    الشيخ المعيقلي في خطبة عرفة: الحج إظهار للشعيرة وإخلاص في العبادة وليس مكانًا للشعارات السياسية ولا التحزبات    خالد الفيصل يطمئن على سير الخطط المقدمة لضيوف الرحمن    وزير الخارجية ونظيره الأوكراني يبحثان مستجدات الأزمة الأوكرانية - الروسية    «دله الصحية» تقدم عبر مستشفى مركز مكة الطبي رعاية طبية عالية الجودة لخدمة ضيوف الرحمن    إسبانيا تقسو على كرواتيا بثلاثية في افتتاح مشوارها بيورو 2024    خادم الحرمين وولي العهد يتلقيان برقيات تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    نائب أمير منطقة مكة يستقبل وزير الحج والعمرة في مقر الإمارة بمشعر عرفات    تصعيد أكثر من 42 مليون سلعة تموينية للحجاج في عرفة ومزدلفة    وزير الخارجية يترأس وفد المملكة بقمة السلام في أوكرانيا    أكثر من 1.8 مليون حاج وحاجة يقفون على صعيد عرفات لتأدية ركن الحج الأكبر    وزير الحج يعلن نجاح خطط التصعيد من مكة ومشعر منى إلى صعيد عرفات    (621) مليون مستفيد ومستمع لترجمة خطبة عرفة عالميًا    تصعيد في جنوب لبنان.. واشنطن تخشى الانزلاق لحرب    سياسي مصري: قصف مخيمات النازحين «جريمة حرب»    مع دخول الصيف.. سكان مخيمات غزة يواجهون «الجحيم»    "الصحة" تُحذر الحجاج من أخطار التعرض لأشعة الشمس    وزير الإعلام يتفقد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة    رجل أمن يحتضن الكعبة.. خدمة وشوق    الأجواء المناخية بطرق المشاعر المقدسة    أبحاث تؤكد: أدمغة الرجال تتغير بعد الأبوّة    انضمام مسؤول استخباراتي سابق إلى مجلس إدارة شركة Open AI    نائب أمير مكة يتابع أعمال الحج والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن    السعودية تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    مركز العمليات الأمنية ل«عكاظ»: نرد على المكالمات في ثانيتين    مصادر «عكاظ»: الشهري يدرس عروض أندية «روشن»    «السيادي السعودي» يعتزم الاستثمار في الهيدروجين الأخضر و«المتجددة»    النائب العام يجري جولة تفقدية على مركز القيادة والتحكم للإشراف المباشر على أعمال النيابة العامة بالحج    «الزامل للتنمية القابضة» شريكٌ في «عنان إسكان»    «SSF» قوات النخبة.. تدخل سريع للحماية والتأمين    حجاج صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين يحطون رحالهم في منى    4 أطعمة مناسبة أثناء تناول حقن التنحيف    40 عاماً لتخطي سوء معاملة طفل !    مركز البحوث السرطانية: لا تتجاهل البقع الزرقاء !    الأخضر تحت 21 عاماً يخسر من بنما بركلات الترجيح في بطولة تولون الدولية    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    120 مليون نازح في العالم    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم «البدون» ...وعالم الأصيلين
نشر في الحياة يوم 02 - 02 - 2012

يخيل إليك وأنت تقرأ رواية فوزية شويش السالم الصادرة عن دار العين في القاهرة أنّ عالماً بأكمله هو البطل. عالمٌ من الظلام هو عالم «البدون» في الكويت مقابل عالم من النور هو عالم الناس الأصيلين، ولكنه عالم واحد في الواقع كالليل والنهار يشكلان يوماً كاملاً، لذا كان عنوان روايتها «سلالم النهار»، ولعله كناية عن صعود بعض الناس من عالم فاقدي الهوية بما في ذلك الفقر والمعاناة إلى عالم أصحاب الأموال وإنْ لم ينالوا الهوية، فيكونون قد تسلقوا السلالم إلى الضوء والعيش المترف ولكن ليس النزيه، أو قد يكون عنوانها تعبيراً عن صعود بطلتها فهْدَة من عالم البدون والفقر إلى عالم الأصيلين «ذوي الدم الأزرق» قبل أن تفهم أنّ النور الحقيقي هو اتباع طريق الله كرابعة العدوية أو غيرها، ممن نذروا النفس له وعرفوا حلاوة التسليم لمشيئته واستغنوا عن كل ما عداه.
فهْدَة ستعيش زمناً قليلاً هذا الإحساس الصوفي الجميل قبل أن تعود إلى حياتها السابقة بقالب آخر، تتحول فيه شيخة تهدي الناس، ولكن برأينا، ما وصلت إليه هو عبورها من الإيمان الفطري الذي يعرفه الناس العائشون بأقل ما يمكن الراضون بما عندهم، إلى غلبة الطقوس الجامدة والوعظ بالثواب والعقاب كالذي يعيشه الناس المترفون الذين تصل إليهم حاجاتهم وأكثر، حتى عندهم. وما يعذر فهدة في تركها الحالة الأولى إلى الثانية هو اكتشافها حملها وضرورة تربية الطفل.
قد تبدو فهْدَة البطلة المتكلمة باسم هذا العالم الذي تراه وتعيش فيه، ولكن لا، فهناك أبطال عدة يمرون وكلهم شخصيات رئيسة في هذه الرواية، وإن كان حظ فهدة وولدها هو الأعظم فيها. فكل شخصية تمثل حالة من هذا العالم أرادت المؤلفة إبرازها لتشرح حالاً عامة تسود ليس في بلدها وحسب، برأينا، بل في العالم كله.
عالم صعود «حثالة الناس» على سلالم من يُظنّ أنهم أرقى الناس، لحاجة الفئة الثانية إلى الفئة الأولى لتنفذ «الأعمال الوسخة» والعقوبات في السجن. فحين ينفضح المستور لا ينفضح كله، بل تُكشف طبقة سطحية منه، أي يظهر رأس الجبل، فيٍُقبض على صغار المهربين واللصوص، وتجار المخدرات أو البشر، أو مروجي البضائع الفاسدة، ويبقى الكبار بمنأى عن التشهير بهم.
هذا العالم المملوء بالأبطال لضرورة الصراع، صراع كلٍّ منهم من أجل اللقمة والطفو على سطح المستنقع، نقصته في مواضع معينة صلات وصل صغيرة تمتن السرد وتقوّي حبكة الرواية، التي لا يمكن وصفها إلا بالجميلة في حدود ما أتقنت المؤلفة وصف كلٍّ من العالمين، عالم البدون وعالم الأصيلين والعصر عموماً، ولحظات المتعة الجسدية والإشراقات الصوفية، وحالة امرأة تمر بكل هذه الحالات.
خلافاً لما عهدناه من روايات تروي بطلاتها معاناتهن في الزواج والحرمان الجنسي، نجد هنا امرأة مُشتهاة جداً ومكتفية جنسياً، ولكنها تعاني فراغاً تظنّ أنه جوع دائم مصدره الفقر والحرمان حتى نفهم أنها تعاني حرماناً نفسياً من الهوية والإحساس بإنسانيتها، وحتى تفهم هي لاحقاً بعد موت زوجها الغني فجأة، أنّ جوعها كان إلى الله، كان «جوع الروح».
فهْدَة الجميلة جداً، الوردة الطالعة من عالم آسن، لكن له قوانينه الصارمة جداً التي لا تفرّط «بشرف الفتاة» تتزوج «ضاري» سراً، زواجاً يحصل بين مثيلاتها والشبان الأغنياء، لا يترتب فيه الشيء الكثير على الزوج ولكنه حلم بنظرها ونظر أهلها ولو دام لحظات، لأنه سيحوّل حياة الأسرة، ويضمن مستقبلها، والفتاة ليست إلا وقوداً. فهدة أسعفتها الصدفة لكي تخرق طبقة الأغنياء وتبقى جزءاً منها ولو جزءاً نافراً، بحَمْلٍ لم تخطط له، بَانَ بعد موت زوجها ابن الأسرة الغنية، فاعترفت الأسرة بالولد. هذا الولد الذي سيعيش التجاذب بين العالمين: بين أخواله فاقدي الهوية وعمّه جاسم المسيطر على الكثير من الأعمال المربحة، وسيكتشف تشابه العالمين في نهش لحوم البشر والتحايل على القانون والربح غير المشروع، كلّ على طريقته ووفق ما تطال يده، عالمان هما وجهان لعملة واحدة، لا يلتقيان عادة، إلا لماماً.
فكما نفهم من وصف الصبي، جدتاه أم جاسم (أم أبيه) وأم بطاح (أم أمه) لا تلتقيان أبداً، ولكنهما تتشابهان في استغلال «الناس لمآربهما». أما في عالم الرجال فيتقابل وجها العملة ويتبادلان المنافع: خاله مرداس رمز المثقف شبه الملحد، يغطي «وسخ» عمه جاسم في الجريدة، يمدحه ويشهّر بخصومه، ويصنع لنفسه ربحاً بطرق عدة شبيهة بالتي يستعملها عمه، وأبو الكلام الذي كان يلتقط النفايات البلاستيكية يصير «مستورد» عمال آسيويين، أما الكفيل فهو جاسم، هكذا نلاحظ أنّ الفروق تبقى وإنْ امتدت الجسور بين العالمين لزوم المصالح الاقتصادية.
هذا الزيف هو ما يتمنّى الولد أن يفضحه، هذا «البطل الثاني» بعد أمه الذي يتبادل معها دور الراوي في الرواية، فيأخذ عنها دفة الكلام أحياناً، ليصف الأحوال من وجهة نظره. هذا المؤمن ب «القوة» الرافض أن يأكل القوي حق الضعيف، هذا المصاب بالغثيان، مما يكتشفه، لا يتأخر عن إدانة ما يراه وهو ما لم تفعله أمه قبله، إذ كانت ترى هذا العالم الحسّي الشهواني الذي تعيش فيه بنظرة الشاهد على عصره، لا المشجع ولا المدين، المنساق لا الفاعل، هذا الصبي صلة الوصل بين العالمين تتمناه المؤلفة في النهاية رمزَ التغيير، فهل سيحصل ذلك حقاً؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.