"الداخلية" تستضيف أسر الشهداء والمصابين لأداء مناسك حج هذا العام 1445ه    سعود بن مشعل يستقبل مدير عام المجاهدين    ليان العنزي: نفذت وصية والدي في خدمة ضيوف الرحمن    بحضور تركي آل الشيخ.. نجوم "ولاد رزق 3" يُدشنون العرض الأول للفيلم في السعودية    العنقري يُشارك في اجتماع مجموعة المشاركة للأجهزة العليا للرقابة المالية لمجموعة العشرين في بيليم بالبرازيل    مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    هذا سبب ارتفاع أقساط السيارات في الوقت الحالي    الرئيس المصري يغادر بعد أداء الحج    المملكة.. تهانٍ ممزوجة بالنجاحات    قائد أحب شعبه فأحبوه    في 2025.. ستصبح الشوكولاتة باهظة الثمن !    صادرات النفط السعودية تتراجع إلى 6 ملايين برميل    800 مليار دولار قروض عقارية في الربع الأول    مصادر «عكاظ»: أندية تنتظر مصير عسيري مع الأهلي    مصدر ل«عكاظ»: أبها يرغب في تمديد إعارة الصحفي من العميد    «بيلينغهام» ثالث أصغر هداف إنجليزي    48 درجة حرارة مشعر منى.. لهيب الحر برّدته رحمة السماء    جدة: منع تهريب 466 ذبيحة فاسدة    «ترجمان» فوري ل140 لغة عالمية في النيابة العامة    رسالة لم تقرأ..!    نجاح مدهش اسمه «إعلام الحج»    بعوضة في 13 دولة تهدد إجازتك الصيفية !    نظرية الحج الإدارية وحقوق الملكية الفكرية    فخر السعودية    وفود وبعثات الحج: المملكة تقود الحج باقتدار وتميز وعطاء    بديل لحقن مرضى السكري.. قطرات فموية فعّالة    5 مثبطات طبيعية للشهية وآمنة    فخ الوحدة ينافس الأمراض الخطيرة .. هل يقود إلى الموت؟    يورو 2024 .. فرنسا تهزم النمسا بهدف ومبابي يخرج مصاباً    أمطار الرحمة تهطل على مكة والمشاعر    منهج مُتوارث    فرنسا تهزم النمسا في بطولة أوروبا    مدرب رومانيا: عشت لحظات صعبة    الاتحاد الأوروبي يفتح تحقيقاً ضد صربيا    القبض على إثيوبي في عسير لتهريبه (34) كيلوجراماً من مادة الحشيش المخدر    رئيس مركز الشقيري يتقدم المصلين لأداء صلاة العيد    ولي العهد: نجدد دعوتنا للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة    السجن والغرامة والترحيل ل6 مخالفين لأنظمة الحج    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل مدير عام الدفاع المدني المكلف وقائد قوات أمن المنشآت    وزارة الداخلية تختتم المشاركة في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى إعلام الحج    وزير الصحة يؤكد للحجيج أهمية الوقاية بتجنّب وقت الذروة عند الخروج لأداء ما تبقى من المناسك    د. زينب الخضيري: الشريك الأدبي فكرة أنسنت الثقافة    تصادم قطارين في الهند وسفينتين في بحر الصين    «الهدنة التكتيكية» أكذوبة إسرائيلية    2100 رأس نووي في حالة تأهب قصوى    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    الرئيس الأمريكي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى    نائب أمير مكة المكرمة يطلع على خطط أيام التشريق    فيلم "ولاد رزق 3" يحطم الأرقام القياسية في السينما المصرية بأكثر من 18 مليون جنيه في يوم واحد    تراجع أسعار النفط والذهب    51.8 درجة حرارة المنطقة المركزية بالمسجد الحرام    عروض الدرعية تجذب الزوار بالعيد    "الصحة" للحجاج: تجنبوا الجمرات حتى ال4 عصراً    عيد الأضحى بمخيمات ضيوف الملك ملتقى للثقافات والأعراق والألوان الدولية    موسكو تحذّر كييف من رفض مقترحات السلام    كاليفورنيا ..حرائق تلتهم الغابات وتتسبب بعمليات إجلاء    الاحتلال الإسرائيلي يحرق صالة المسافرين بمعبر رفح البري    قتل تمساح ابتلع امرأة !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل كان محمد حسن عواد «نازياً»؟!
نشر في الحياة يوم 24 - 01 - 2012

قبل عامين، وأثناء فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب، قابلت أحد الأصدقاء. تحدثنا عن الكتاب والكتب. وكالعادة كان صديقي الستّيني عميقاً في نظرته، ويصل إلى قاع الكتب - إن صح هذا التعبير- بجملة واحدة إلى حد يجعلني أُدهش؛ فما كنت سأطنب في قوله، يوجزه في عبارة تجعل معنى الكتاب الذي قرأه يتكلم معك.
سألني عن كتابي «الحداثة والمجتمع السعودي». لم يكن بعد قد قرأه، وحتى لو لم يقرأه بعد، فأنا أعرف أنه يثق في ما أكتب. لن يثني على الكتاب، لأنه مقتّر جداً في الثناء، سيكتفي بابتسامة كعادته حينما يعجبه كتاب ما، وقد ساعدته معرفته بكبار كتاب العالم والعربي والمحلي، وقراءتهم لهم على أن يعرف الطرق المناسبة لقراءة كل كتاب على حدة.
سألني عن مفهوم الحداثة، والكيفية التي اشتغلت بها على المفهوم، وقد أجبته بأنني أعرف أنها تحمل قدراً كبيراً من المعاني، ومن ضلال المعاني، لذلك لم يكن من السهل تحديد معناها الدقيق، وقد رأيت أن لا فائدة تُجنى في نقاش حول أي من تلك المعاني هو الصحيح، ومن أجل البقاء في حدود الهدف الذي حددته ركزت على المفهوم الإجرائي.
أظن أنني لم أقنعه؛ لأنه قال لي «اش رأيك نزيد نشرب شاي ؟»، لم أجبه إنما أكملت قائلاً: «يمكن أن يُفهم «الواو» في عنوان الكتاب «الحداثة والمجتمع السعودي» لا على أنه عطف إنما على أنه انفصال. التلازم هنا ليس شرطاً، وما عنيته ب«المقدمات التاريخية» للحداثة يصح على المدى الطويل، وليس من الضروري أن يصدق على الواقع الراهن الذي يعيشه المجتمع السعودي».
كالعادة حينما لا يقنعه شيء غيّر مجرى الحديث. سألني عن موقع العواد في الكتاب؟ أجبته أن العواد وصف في «خواطر مصرحة» الشخصية الحركية وهي الملمح الرئيسي في الإنسان الحديث: «أي الإنسان الذي يتميز بقدرته العالية على أن يتعرف الجديد، والمعد إعداداً جيداً لكي يستوعب المطالب الجديدة التي تنشأ. يريد من الناس أن يعيشوا الحياة الحديثة: أي أن يذهبوا إلى المدارس، ويعملوا في المصانع، أن يكونوا عقلانيين، وأن يبنوا وأن يتبنوا مفهوم التقدم».
من غير أن يدعني أكمل باغتني بهذا السؤال
-هل انتبهت إلى نازيّة محمد حسن عواد؟
في الواقع أنني لم أفكر قط في العواد من وجهة النظر هذه.
تحدث معي عن معرفته الشخصية بمحمد حسن عواد، وعن لقاءاته به، وعن عقّاديّته (نسبة إلى العقاد) وحججه فيما ذهب إليه، واتفقت معه على أن نتناول العواد من وجهة النظر هذه، هو يكتب تجربته الشخصية معه، وأنا سأعيد قراءة ما كتبه العواد في ضوء نازيّته. تبادلنا الأرقام، ثم افترقنا، وأنا شبه متأكد أننا لن ننجز الكتاب، فإما أني سأتصل عليه ولن يرد، أو أنه سيتصل علي ولن أرد، وإذا ما كان سيقرأ مقالي هذا سأؤكد له أنني ما زلت مستعداً أن نعمل معاً.
عدت أقرأ في تلك المرحلة التاريخية، وقد أذهلني أعجاب ذلك الجيل بألمانيا. ولحجم المقال أكتفي بما يشير إلى ذلك. لا بد من أن محمد حسن عواد كان في طور التكوين، حينما يتحدث أحمد علي (عن عام 1915) في ذكرياته عن إعجاب عامة الناس، والكبار منهم على الخصوص، وميلهم إلى أن يتعاطفوا مع «الناحية الألمانية» على حد تعبيره، حتى أنهم لا يقرون لأية دولة أخرى من دول العلم، بما يقرون لهذه الدولة اقتصادياً وثقافياً وإبداعاً وابتكاراً.
لا بد من أن محمد حسن عواد في طور التكوين، ووجوه الكبار ومعهم عامة الناس تتهلل إذا ما عرفوا من الأخبار أن الألمان تقدموا على جبهات المعارك في الحرب العالمية الأولى. لا بد من أنه سمع ما تناقله الناس آنذاك كحقيقة لا تحتمل الجدل أو النقاش أو الشك كما يقول أحمد علي بأن الجندي الألماني لا يُقهر، يحمل معه حقيبة صغيرة تحوي مأكله ومشربه وسلاحه، يقطع بها البحر والنهر، وحينما لا يجد ما يأكله يكفي أن يضع نقاطاً من الماء على قرص (يشبه الأسبرين) فإذا الحبة نمت وتحولت إلى خبز كبير يأكله، وقد يزيد عن حاجته.
أعرف أن النازية لم تتبلور آنذاك، ولكن إذا صح ما قاله صديقي عن نازية محمد حسن عواد، أيكون هذا الجو في الحجاز هو ما مهد لميول العواد بعدئذ، وكوّنه مثله مثل أي شاب عاش في زمانه، تهيمن عليه مفاهيم مرحلته التاريخية، وأحكامه المسبقة على نحو لا يثير أي تساؤل عنده؟
ينعش هذا السؤال أسئلة أخرى تتعلق بمعاصري العواد، وشبكة المسلمات التي تشكل خلفياتهم المعرفية. أيستطيع هذا الجو الحجازي المتعاطف مع الألمان أن يجعل من الممكن أن تتعرّف أسسهم الثقافية، من حيث هي سلوك مدفوع نحو اتخاذ موقف ما؟ أيكون من الممكن أن يتخذوا موقفاً بمعزل عن الضغوط التي يمليها نظامهم الفكري، ومدى تفاعلهم معه، وبالتالي فأسسهم الثقافية تشير إلى نوعية المعرفة التي امتثلوا لها، وزاوية سقوطها عليهم.
أعني بالأسس الثقافية الرصيد المتراكم من الأفكار والمفاهيم التي تتبلور في أذهان الناس، وتشكل استجاباتهم، يمارسونها بكل ثقة، ويؤمنون بها من غير أدنى شك، ويتقبلونها كحقائق ذات طبيعة فكرية مطلقة. إنها موقفهم العقلي، أفكارهم ومفاهيمهم. وهي مرتبطة في شكلها العام بتقاليد وعادات وتجارب، بعضها موروث، وبعضها طارئ، وتلعب المرجعيات الدينية والثقافية، والنقاشات العابرة والموجهة دوراً في نشوئها أو تكريسها، وفي ظروف ممارساتها.
بفضل الدراسات الحديثة نحن نعرف الآن أن الإنسان حين يتصرف، أو يفكر، أو يتحدث، فهو يسلم بوجود طريقة معينة أقرب إلى أن تكون «شبكة من الأحكام»؛ أي نظرية أو مجموعة من النظريات، لكن حين تؤدي الخلفية عملها أي تقوم بوظيفتها، فليس الإنسان في حاجة إلى نظرية؛ لأن مسلماته تسبق نظرياته. إنها مسلمات الناس. ليست تصوراتهم وفرضياتهم وآراؤهم فحسب، إنما هي جزء مما يُسمى بخلفية أفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم. أظن أن على الباحثين الذين يدرسون الرواد، ومشاريعهم الفكرية والإصلاحية أن يجربوا تنويع المواقف، وأن ينوعوا زوايا النظر، وأن يضعوا أنفسهم في منظور مختلف على ما أعتيد قوله؛ فربما اتضحت لهم ولنا أبعاداً مسكوتاً عنها في تلك المرحلة التاريخية المهمة في تاريخنا الثقافي.
* ناقد وروائي سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.