ولي العهد يعزي محمد مخبر هاتفياً في وفاة رئيسي وعبداللهيان ومرافقيهما    الجدعان يشارك في "اجتماع وزراء المالية" لمجموعة السبع    حماية السلاحف    السفير الألماني يزور «الرياض»    برازيلي يقتل والديه ويحرق جثتيهما    مدير منظمة الصحة العالمية يشيد بالشراكة الإستراتيجية مع المملكة    باريس سان جيرمان يهزم ليون ويتوج بكأس فرنسا في ليلة وداع مبابي    كأس الملك.. هلالي أم نصراوي؟!    جوارديولا: خطة لعب سيتي في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي لم تكن جيدة    الدفاع المدني: تمديد التراخيص متاح عبر «أبشر أعمال»    مدير مدرسة يتقاعد ويهدي الطلاب دراجات هوائية    ضبط مبتز سوري    «سكوبس» العالمية تصنف مجلة «الهندسة» بجامعة الملك خالد ضمن قواعدها العلمية    أولى رحلات "مبادرة طريق مكة" من المغرب تصل المملكة    عملية قلب مفتوح تنقذ حياة حاج بنغلاديشي    المملكة تدعم "الصحة العالمية" ب19 مليون دولار    مدير تعليم الطائف يعتمد حركة توزيع 395 معلماً ومعلمة    مالكوم يخضع لجلسة علاجية وتدريبات تأهيلية    حضور سعودي في اختتام "كان السينمائي"    نجوم يتنافسون على «جائزة الدانة» في البحرين    "النقل": الالتزام بالاشتراطات ضمان لسلامة الحُجّاج    الحج والخدمات التقنية المتسارعة    خدمات صحية ل 12 ألف حاج بالمدينة    اختتام فعاليات مهرجان الورد ونباتات الزينة بمحافظة الدلم    أمير تبوك يرعى حفل تكريم مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية    عروض فلكلورية بالمنتدى العالمي العاشر للمياه    الدفاع المدني يتيح خدمة بيان رحلة المستثمر عبر منصة «أبشر أعمال»    إسبانيا تطالب إسرائيل بوقف حرب الإبادة في غزة    عبدالعزيز بن سعد يزف خريجي جامعة حائل    الفضلي يقف على جاهزية منظومة "البيئة" لموسم حج 1445ه    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان عددا من الدول    لجنة شورية تلتقى مسؤولين كوسوفيين    ترحيل 13646 مخالفا للأنظمة    نمو يختتم فعالياته بخميس مشيط    وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للسعودية للكهرباء إلى +A    تعليم جدة يشارك في معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز «نحو استدامة الأثر»    "الأمر بالمعروف" بالحجرة بمنطقة الباحة تنشر محتوى حملة "الدين يسر"    ضبط عمالة تغش في زيوت السيارات وتخبئها في حوش أغنام    العمير تزور مديرة الثانوية الخامسة في جازان للإطمئنان على صحتها    أمطار ورياح على أجزاء من 5 مناطق    مباراة الوحدة والهلال تقترب من الطائف        "مفاجأة حزينة" و"أحلام ميسّرة" ترويها مستفيدة مبادرة طريق مكة من تركيا    بن نافل: نطمح لمكانة أعلى للهلال بين الأندية العالمية    "موديز" تصنف المملكة عند "A1"    المجالس الأدبية والفنية في القرن ال19    تقنية جديدة لعلاج الشلل بالضوء    ابتكار رقاقة تحمي الأجنة قبل الولادة    الأطفال والمراهقون أكثر عُرضة لقصر النظر    مصرع عشرات الأشخاص بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المكسيك    دول العالم تفشل في التوصل إلى معاهدة بشأن الاستعداد للجوائح    "الاتحاد" يحسم لقب الدوري الممتاز لدرجة الناشئين تحت 17 عاماً    القصيبي: فرق «مسام» انتزعت أكثر من 450 ألف لغم وعبوة ناسفة    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    «الأحوال المدنية»: منح الجنسية السعودية ل14 شخصاً    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    تنوع أحيائي    نائب أمير الشرقية يرعى حفل تخريج 6120 طالباً وطالبة من جامعة حفر الباطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بان يدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف الاستيطان ويحذِّر الأسد: أوقِف العنفَ وقتْلَ شعبك فطريق القمع مسدود
نشر في الحياة يوم 16 - 01 - 2012

خاطب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ولمرة أخرى من بيروت، الرئيس السوري بشار الأسد قائلاً: «أوقِفِ العنف، توقَّفْ عن قتل أبناء شعبك، فطريق القمع طريق مسدود».
وقال بان في اجتماع رفيع المستوى جمعت فيه منظمة «اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا» (إسكوا) نحو 50 شخصية عربية ودولية لبحث سبل «الإصلاح والانتقال إلى الديموقراطية»: «منذ بداية ثورات العام، من تونس وصولاً إلى مصر وخارجها، ناشدتُ القادة ان يستمعوا إلى شعوبهم، بعضهم فعل واستفاد، أما الآخرون الذين لم يستمعوا، فهم اليوم يحصدون العاصفة».
والاجتماع الذي عُقدت جلسته الافتتاحية في فندق «فينيسيا»، وسُمح خلالها بالتغطية الإعلامية لكلمات بان ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة الأمينة التنفيذية ل «إسكوا» ريما خلف، تحوّل حلقةً مغلقة على مشاركين محددين، رجالاً ونساء، لهم صفات سياسية، كمرشحين إلى الرئاسة ورؤساء ووزراء سابقين ونواب وديبلوماسيين (السفير السعودي لدى لبنان علي بن عواض عسيري)، أو اجتماعية أو اكاديمية أو دينية (السيد هاني فحص) أو مجرد ناشطين عايشوا تجارب الإصلاح في بلدانهم العربية (تونس، مصر، اليمن، ليبيا، فلسطين، لبنان، المغرب)، أو سبق ان خاضوا تجارب التغيير والإصلاح في بلدانهم ونجحوا في إرساء أسس الحكم الصالح (كرؤساء ووزراء خارجية سابقين ونواب ورؤساء جمعيات تدافع عن حقوق الإنسان في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وأفريقيا وجنوب شرقي آسيا) وحضروا لعرضها على سبيل إفادة الآخرين من خبراتهم.
سُجِّل غياب سورية عن اجتماع «أسكوا»، وتردَّد بين أروقة فندق «فينيسيا» أن اتصالات جرت خلال التحضيرات للاجتماع، لدعوة وجوه من المعارضة السورية، إلاّ ان المخاوف على أمنهم أدت إلى صرف النظر عن حضورهم، كما طُرحت فكرة حضور الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، وصُرف النظر عن الأمر ايضاً.
وبدا الحضور التركي -المتمثِّل بوزير الخارجية احمد داود اوغلو- متميِّزاً، خصوصاً مع تأكيد الأخير في الجلسة المغلقة، كما علمت «الحياة»، أن «أي نجاح في أي بلد عربي نعتبره نجاحاً لنا»، وهو كان وضع جانباً خطاباً مكتوباً لإلقائه في المناسبة، وارتجل مواقفه، انطلاقاً من النقاش الدائر في الجلسة.
وحرص المسؤول التركي على الإشارة إلى «ان تركيا لا تدّعي القيادة»، وتوقع «ان تستغرق عمليات الانتقال الى الديموقراطية في سورية واليمن وليبيا وقتاً طويلاً». وقال متوجهاً إلى المشاركين: «ونحن أيضاً نتغير في تركيا بالتوازي مع التغيرات في العالم العربي». وتحدث المرشح إلى الرئاسة المصرية الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، عن ثغرات تَحُول دون نظام إقليمي جديد، أبرزُها المشكلة الفلسطينية والتسلح النووي، الذي لا يقتصر على إيران وإنما يشمل إسرائيل.
وكان الهدف من الجلسات المغلقة التي امتدت حتى العصر، توفيرَ بيئة مريحة للمشاركين لتبادل وجهات النظر ومناقشة التجارب المختلفة بحريّة، وتزويد صانعي القرار والعاملين في الميدان بأفضل الممارسات والدروس المكتسبة من التجارب السابقة، ومناقشة نماذج مختلفة لعملية الانتقال إلى الديموقراطية ووسائل التعامل مع توقعات الشعوب على المديين القصير والمتوسط، وتحديد العوامل الرئيسة التي تؤثر في عملية بناء توافق الآراء وبناء شبكة لمواجهة التحديات المشتركة على نطاق بلدان المنطقة.
وجرى النقاش وفق محورين: الأول «الانتقال من الأوتوقراطية إلى الديموقراطية» وتناول المشاركون ضمن هذا المحور تعزيز المؤسسات الديموقراطية لبناء مجتمعات يتساوى فيها الجميع، والنمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية ودور المؤسسات الحكومية والأهلية، والمحور الثاني «تجنب الصراعات الأهلية والانزلاق مجدداً إلى الأوتوقراطية»، وناقش المشاركون ضمنه ما سُمِّي «من الشارع إلى العمل السياسي»، و «التماسك الاجتماعي والعدالة الانتقالية وحقوق الإنسان».
وكانت قاعة جلسة الافتتاح المعلنة غصت بالمدعوِّين، إلى جانب المشاركين الأساسيين، وحضر سياسيون من كتلة «المستقبل» برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، ومن «تكتل التغيير والإصلاح»، وحشد من ممثلي الأمم المتحدة في لبنان، وسفراء عرب وأجانب، وممثلون عن هيئات وجمعيات دولية ومحلية واللجان الإقليمية في «إسكوا».
خلف: انقضاء مرحلة كمِّ الأفواه
واستَهلت خلف الجلسة بالإشادة ب «الربيع العربي والحراك الشعبي، الذي بدأ في سيدي بوزيد في تونس، ليشمل بعد ذلك الملايين من العرب»، معتبرة «ان عبارة «الشعب يريد» تعلن انقضاء مرحلة الأفواه المكمَّمة والوعود البالية والآمال المحطَّمة على صخرة التسلط والفساد، وهي مرحلة استُبيحت فيها المنطقة من كل طامع، فكثُرت فيها النزاعات والاحتلالات، وأطولها الاحتلال الاسرائيلي الذي يستمر بلا رادع منتهكاً الحق والقانون».
ودعت خلف إلى عدم التشاؤم من المرحلة المقبلة، لأن الانتقال من الاستبداد إلى الديموقراطية أمر ليس باليسير، فهو يتطلب إصلاحاً شاملاً لهياكل الدولة ويقتضي بلورة عقد اجتماعي جديد وتأسيس بناء اقتصادي متطور يضمن الرفاه والتقدم ويقوم على الحق والعدالة ويقضي على التهميش والاستبعاد، مشيرة إلى ان هذه المهمات تصطدم في أكثر من بلد عربي بمصالح قوى إقليمية وعالمية يصعب عليها أن تتخلى عن نفوذ عاشت منه واعتاشت عليه طيلة عقود من الزمن.
ميقاتي: عازمون على الإصلاح
وأكد الرئيس ميقاتي أن لبنان «كان وسيبقى نموذجاً للديموقراطية والحرية والانفتاح والاعتدال والعيش المشترَك وحوار الأديان والثقافات». وتحدث عن المنطقة التي «تهبّ عليها رياح تغيير ما يتطلب تحوّلاً في المواقف والذهنيات، في الخطط والبرامج، في الأداء والممارسة، في استخلاص العبر من الماضي واستشراف المستقبل وبنائه». وأكد أن «الانتقال إلى الديموقراطية عملية دقيقة، مليئة بالفرص والتحديات. أما بناء الدولة والمؤسسات الدستورية وتطوير النظام الديموقراطي والمواطَنة، فجزء من مسار محوري، دائم ومستمر، ومن دونهما تبقى السياسات والبرامج الإنمائية والاقتصادية-الاجتماعية قاصرة عن مواكبة متطلّبات الشعوب ومستلزمات الحياة الكريمة اللائقة، بكل ما يتضمنه هذا المفهوم من أبعاد معيشية وإنمائية وثقافية وإنسانية».
وقال إن «الديموقراطية لا تتعزّز من دون تغيير الذهنية، وبناء الدولة القوية والقادرة والعادلة، وإصلاح المؤسسات، وتطوير الاقتصاد، ومواكبة متطلّبات العصر، في إطارٍ من المساءلة والمحاسبة والحكم الصالح ومحاربة الفساد ونبذ التطرّف والإرهاب. وفي هذا السياق، فإن الحكومة اللبنانية وضعت في سُلّم أولوياتها موضوع الإصلاح الإداري والحوكمة وتطوير النظام الديموقراطي، من خلال وضع قانون جديد للانتخابات النيابية يضمن التمثيل المتوازن والسليم لكل مكوّنات المجتمع اللبناني، وهي عازمة على المضي في خطوات إصلاحية رائدة مهما بدت الطريق اليها متعرّجة».
واعتبر ان «إسكوا كانت وستبقى الملاذ الاول للشعوب التي تنشد السلام والأمن والحرية والديموقراطية والنمو، وملتقى حوار الثقافات والدفاع عن الحقوق ومساندة القضايا العادلة، لاسيما قضايانا العربية المُحقّة، التي كان نصيبها كبيراً من الصراعات والنزاعات الداخلية والخارجية، ومن أبرز عوامل الصراع استمرار الاحتلال الإسرائيلي للكثير من الأراضي العربية، لا سيما منها في فلسطين، القضية المركزية ومفتاح الحل، فإسرائيل التي تدّعي الديموقراطية، تحتل ارض شعب آخر وتستولي على موارده وتمارس التمييز العنصري من دون أي رادع، ولا تتردّد في مخالفة القرارات الدولية والأعراف، أو تجاهلها، منتهكة أبسط المبادئ والحقوق الإنسانية على مرأى من الجميع».
وأكد التطلع «الى أن تكون الأمم المتحدة أكثر عدالة في إصدار القرارات الدولية وفرض تطبيقها، ولنا في التجربة اللبنانية مع الاحتلال الإسرائيلي خير دليل، إذ لا تزال إسرائيل تستبيح سيادتنا اللبنانية في الجو والبر والبحر كل يوم، وتحتل أجزاء من أرضنا العزيزة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر، على مرأى من العالم. في المقابل، فإن لبنان الذي التزم احترام القرارات الدولية، يتمسك بضرورة تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، من دون تمييز أو انتقائية، مع احتفاظه بحقه المشروع في تحرير ارضه المحتلة بالطرق المتاحة كافة، لاسيّما تلك التي تنص عليها الشرعة الدولية لحقوق الانسان».
تحقيق الديموقراطية بالحوار
وأعرب عن ثقته بأن «القيادات في العالم العربي، ستتوصل في ظل الوعي الشعبي الذي ظهر جلياً، وبدعم من المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، إلى إرساء الأسس اللازمة لإطلاق عمليات التغيير والإصلاح والتنمية المستدامة، بما في ذلك تفعيل دور المؤسسات الدستورية وتطويرها والانتقال إلى الديموقراطية، التي هي الضمانة لتحصين الدول والمجتمعات والارتقاء بها. وكلما تحقق ذلك بالحوار والتوافق والنقاش الديموقراطي العادل والمتكافئ، بعيداً من لغة العنف والدم والقتل والتدمير، كان الربيع العربي ربيعاً حقيقياً، تغييرياً، تجديدياً، واعداً، يحمل براعم مجتمعات منفتحة على مستقبل مزهر ومشرق لجميع أبنائها، رجالاً ونساءً، على اختلاف طوائفهم وأديانهم، وتنوّع انتماءاتهم السياسية والعقائدية».
وإذ دعا ميقاتي إلى «تفعيل العمل العربي المشترك»، رأى انه «آن الأوان لكي نباشر بإطلاق مشروع اقتصادي يُسقط الحواجز بين البلدان العربية». ورأى ان «وجود الأمين العام للأمم المتحدة هنا شخصياً، مع الأمناء التنفيذيين للجان الأمم المتحدة الإقليمية، جنباً إلى جنب مع رؤساء جمهوريات وشخصيات مرموقة ومرشحين لتسلُّم زمام الحكم وقياديين، تعبير واضح عن الالتزام بتعزيز التعاون والتكامل الإقليميين، ودعم العمل المشترك في سبيل الديموقراطية والحرية والتنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان».
وجدد ميقاتي التزامه باسم الحكومة وباسم الشعب اللبناني، أن يكون لبنان «في مقدمة الداعمين لتحقيق التطلعات المشروعة للشعوب العربية نحو تحقيق آمالها في الإصلاح والتجدّد والديموقراطية والنمو، فالتاريخ حافل بالتجارب التي أظهرت وتُظهر أن التعدّدية والتنوّع والتنمية في مناخ ديموقراطي متفاعل، هي الضمانة لمستقبل الشعوب وتقدّمها».
بان: جاء دور العرب
وحرص بان في كلمته على تأكيد «أن الأحداث البارزة التي شهدها العامُ الماضي، حولت المنطقة وغيرت العالم. كانت قصة كتبت بيد الشعب، لكن القصة لا تزال في بدايتها، ويجب على أولئك الذين يؤمنون بمستقبل تسوده الحرية والكرامة أن يتحدوا ويساعدوا شعوب المنطقة وقادتها على كتابة الفصول المقبلة».
وعاد بان «ستة قرون مضت»، وذكّر ب «تحذير واضح» من الفيلسوف العربي الشهير ابن خلدون «لمن يجلسون على سدة السلطة، وقال إنه لا يمكن القادة أن يحكموا إلا بإرادة الشعب».
وقال أيضاً إن «الذين يمارسون السلطة بالقوة أو بالإكراه إنما يعجِّلون بسقوطهم، فعاجلا أم آجلا، ستتخلى عنهم شعوبهم».
وقال بان: «وما هذا إلا خلاصة الوقائع التي شهدها عام 2011، فمنذ بداية ثورات العام من تونس وصولاً إلى مصر وخارجها، ناشدتُ القادةَ أن يستمعوا إلى شعوبهم، بعضهم فعل واستفاد، أما الآخرون الذين لم يستمعوا، فهم اليوم يحصدون العاصفة».
ورأى بان أن «الدروس المستفادة من العام الماضي بليغة وواضحة، فرياح التغيير لن تتوقف. والشعلة التي أضيئت في تونس لن تخبو. ودعونا نتذكر كذلك أن أياً من هذه التغييرات الكبيرة لم يبدأ بالمطالبة بإسقاط النظام، فما أراده الناس أولاً وقبل كل شيء، هو الكرامة. الناس يريدون وضع حد للفساد، يريدون أن يكون مستقبلهم في أيديهم، يريدون الوظائف والعدالة، ونصيباً عادلاً من السلطة السياسية، يريدون حقوقهم الإنسانية».
ورأى ان العرب «لطالما وقفوا متفرجين، بينما الشعوب الأخرى تطيح الطغاة في أوروبا وآسيا وأفريقيا، فسألوا: وماذا عنا؟ لماذا لا يكون لهذا الجزء من العالم، بكل ما لديه من إمكانات بشرية، سوى نزر يسير جداً من الديموقراطية؟ وجاء دورهم الآن».
وتابع بان: «الطريقة القديمة والنظام القديم ينهاران، حكم الرجل الواحد وتوارث السلطة داخل الأسر الحاكمة، احتكار الثروة والسلطة، تكميم أفواه وسائل الإعلام، الحرمان من الحريات الأساسية التي هي حق أصيل لكل امرأة ورجل وطفل على هذا الكوكب... لهذا كله يقول الناس: كفى».
وإذ اعتبر ان «الحركات العفوية المحلية والسلمية مفخرة للشعوب العربية»، قال إن «الطريق كان شاقاً، فالكلفة من حيث المعاناة البشرية والخسائر في الأرواح كانت كبيرة. وتأتي هذه التغييرات الكبيرة أيضاً في زمن يشهد فيه العالم صعوبات اقتصادية جمة. في الواقع، أدت التغييرات في كثير من الحالات إلى مفاقمة هذه الصعوبات وتضرر النشاط التجاري، ومعدلات البطالة تشهد ارتفاعاً، وكذلك تكاليف المواد الغذائية والوقود، والأسر في كل مكان تعاني. وفي الوقت نفسه، لا تزال نخب العهد البائد رابضة في خنادقها، قابضة بأيديها على مفاتيح القهر، والأمل بالمستقبل البعيد ممزوج بالقلق على المستقبل المنظور. أفقنا على لحظة الحقيقة».
وأبدى قناعته بأن «الديموقراطية ليست بالأمر السهل، فإحلالها يتطلب وقتاً وجهداً، وهي لا تتحقق بمجرد إجراء جولة أو اثنتين من الانتخابات». غير أنه قال إن «لا رجعة عنها على أي حال، وثمة أربعة شروط مسبقة للنجاح، هي:
أولاً: يجب أن يكون الإصلاح حقيقياً، ففي الغالب تكون التغييرات شكلية فتأخذ بمظاهر الديموقراطية من دون جوهرها، أي من دون نقل السلطة الحقيقية إلى الشعوب. والشعوب لا تريد نظاماً تسلطياً ذا وجه إنساني، بل تريد تغييرات حقيقية في الخدمات الأمنية والقوات المسلحة، وهذه التغييرات ينبغي أن تفيد الشعب لا أن تقمعه. والشعوب تتطلع إلى حلقة مثمرة من الحقوق والفرص في ظل سيادة القانون، ومجتمع مدني نابض بالحياة وقطاع خاص ريادي... كل هذا بدعم من مؤسسات حكومية تتسم بالكفاءة وتخضع للمساءلة.
ثانياً: إن إقامة حوار يشمل الأطراف جميعاً أمر أساسي. في التنوع قوة، ويجب أن نقف في وجه من يستغل الاختلافات العرقية أو الاجتماعية من أجل تحقيق مكاسب سياسية. ويقال أحياناً إن الأنظمة التسلطية، على رغم ما يشوبها من عيوب، تضمن على الأقل وأد النزاعات الطائفية، وهذا تضليل مغرض، غير أنه سيكون من الخطأ كذلك أن نفترض أن جميع الأنظمة الجديدة الناشئة ستحرص بالضرورة على إعلاء المبادئ العالمية لحقوق الإنسان. يجب أن نعمل معاً من أجل تعزيز التعددية وحماية حقوق الأقليات والضعفاء، ويجب على الأنظمة الجديدة ألاّ تحابي جماعات دينية وعرقية بعينها على حساب الآخرين.
ثالثاً: يجب أن تكون المرأة في صلب مستقبل المنطقة، وقفت النساء في الميادين والشوارع مطالباتٍ بالتغيير، والآن لديهن الحق في الجلوس إلى طاولة القرار، أي ممارسة تأثير حقيقي في اتخاذ القرار والحكم، كما أن الحماية من العنف والترهيب والانتهاك تمثل مسألة جوهرية للكرامة الإنسانية والمساواة. وبالإضافة إلى ذلك، فهذه حقوق عالمية، وليست -كما يزعم البعض- قيماً «مفروضة» من الخارج، وأدى القصور على صعيد تمكين المرأة إلى تأخر المنطقة العربية لوقت طويل. والتغيير ليس مطلباً ضرورياً فقط، بل هو مطلب أساسي. ولا يمكن إقامة نظام يستحق أن يسمى ديموقراطياً في غياب المرأة.
رابعاً: يجب أن نستمع إلى أصوات الشباب. يجب أن تؤمِّن البلدانُ العربية 50 مليون فرصة عمل خلال العقد المقبل لاستيعاب الشباب الذين سيدخلون معترك العمل. وهذا الضغط الديموغرافي العميق كان حافزاً وراء انطلاق شرارة الربيع العربي، فالشباب إذ وجدوا أنفسهم أمام آفاق مظلمة وحكومات صماء، أخذوا زمام الأمور بأيديهم لاستعادة مستقبلهم، وهم لم ينتهوا من هذه المهمة بعد».
وأقر بان «بأن ما يهدد الكرامة والعدالة ليس الحكم الاستبدادي فقط، وإنما النزاع أيضاً. يجب أن ينتهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية، وكذلك العنف ضد المدنيين. المستوطنات، جديدها وقديمها، غير شرعية، فهي تتعارض مع قيام دولة فلسطينية تتوافر لها مقومات البقاء. طال انتظار حل الدولتين، والوضع الراهن سيفضي لا محالة إلى نشوب نزاع آخر في المستقبل. ويجب أن يقوم كل منا بواجبه من أجل الخروج من حال الجمود الراهنة وإحلال سلام دائم».
وأكد «ان الكثير مما يمكن تحقيقه يتوقف على جهودنا، فلا يمكن تحقيق انتعاش اقتصادي وتنمية من دون دعم دولي. لدينا جميعاً الكثيرُ لنقدمه في هذه المرحلة الانتقالية السياسية الحرجة، وحان الآن وقت تبادل أفضل الممارسات والدروس المستفادة خلال الفترات الانتقالية المماثلة التي شهدتها مناطق أخرى».
وشكر بان «قادة بلدان آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية الحاضرين للقيام بذلك». وقال: «لجامعة الدول العربية هي الأخرى دور واضح عليها القيام به». وشدد على وجوب «أن نتجاوز الافتراضات التي بقيت لأزمنة تحكم العلاقات بين البلدان العربية وشركائها، ومن بينها الفكرة الخطيرة القائلة بأن الأمن يُعَدّ، نوعاً ما، أهمَّ من حقوق الإنسان. أدت هذه الفكرة إلى إبقاء الأنظمة غير الديموقراطية في السلطة، من دون أن تأبه بأمن مواطنيها ورفاههم».
وأعلن أنه «تقع على عاتق الأمم المتحدة مسؤولية تحديث نهجها إزاء المنطقة. فتقاريرنا عن التنمية البشرية في البلدان العربية فتحت أفقاً جديداً بتشخيصها بدقة مشاكلَ المنطقة، ألا وهي: القصور في الديموقراطية والمعرفة وتمكين المرأة والأمن البشري. غير أن تلك التقارير لم تؤخذ في الاعتبار تماماً في عملنا، فكانت المنظمة في بعض الأحيان شديدة القرب من الحكومات وغير قريبة بما يكفي من المجتمع المدني. والآن، إذ نستشرف المستقبل، فإننا نعرف أن تسيير الأمور على النحو المعتاد، أي بالطريقة القديمة، لم يعد يكفي. وبينما أبدأ ولايتي الثانية كأمين عام، أريد أن أؤكد أن الأمم المتحدة ستكون إلى جانبكم، فنحن ملتزمون التزاماً راسخاً بمساعدة البلدان العربية خلال هذه المرحلة الانتقالية، بالسبل الممكنة كافة. وبعثتنا للمساعدة في ليبيا تدعم السلطات الموقتة في ثلاث أولويات رئيسية، هي: الانتخابات، والعدالة الانتقالية، والأمن العام. وفي تونس، تركز مشاركتنا على المساعدة الانتخابية، وتمكين المجتمع المدني، وحماية حقوق الإنسان. وكان وسيط من الأمم المتحدة في قلب المفاوضات في اليمن، وأهيب في هذا الصدد مرة أخرى بالرئيس علي عبد الله صالح أن يلتزم بشروط الاتفاق.
وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ناشطة في مصر وتونس، وصندوق الأمم المتحدة للديموقراطية يساعد على تعزيز المجتمع المدني، وإدارة الشؤون السياسية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعملان معاً من أجل دعم إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وما هذا إلا مثال بسيط عما نقوم به، فمنظومة الأمم المتحدة منخرطة تماماً في هذه الجهود، والأمم المتحدة وموظفوها مكرسون لمستقبلكم».
لا فجوة بين الحاكم والمحكوم
واسترجع بان تاريخ «14 كانون الثاني من العام الماضي، حين تنحى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، الذي كان نصَّبَ نفسه رئيساً مدى الحياة، رضوخاً لمطالب الانتفاضة الشعبية ضده. وبعد بضع أشهر، التقيت أسرة الرجل الذي أطلق شرارة الثورة، محمد البوعزيزي، وأخبرتني أمه دامعةً، عما كان يشعر به من غضب لعدم قدرته على إعالة أسرته، ولأنه جُرِّد من قيمته كإنسان، وقالت أيضاً: «لن أشعر بالحزن بعد اليوم، بل بالفخر». وقال: «ومنذ ذلك الوقت، سافرت إلى أماكن كثيرة أخرى في المنطقة. في مصر التقيت قادة الثورة في ميدان التحرير، وفي طرابلس وقفت في مستودع حيث أَعدم معمر القذافي العشرات من خصومه السياسيين، وأنا إذ أقف الآن هنا، ما زلت أتذكر تلك الرائحة، والتقيت أو تحدثت مع القادة العرب من جميع البلدان، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وفي مكاتبهم الجديدة في عواصمهم، وفي مؤتمرات القمة حول العالم، وتوصلت إلى استنتاج واحد لا بديل منه: لا يمكن أن يكون هناك فجوة بين الحاكم والمحكوم، فكلما ازدادت هذه الفجوة اتساعاً، ازداد اليقين بانتشار التعاسة الاجتماعية، بل وحتى بنشوب النزاع، وهذا ينطبق على جميع أنحاء العالم، وليس على المنطقة العربية فحسب».
وحض على الاستماع «إلى شعوبنا. فلنَحْيَ في إطار مبدأ الاحترام المتبادل والتسامح إزاء اختلافاتنا، وما أسماه من مبدأ، ولنعملْ معاً في هذه اللحظة من التاريخ، على بناء مجتمعات مزدهرة ومنفتحة في جميع أنحاء العالم العربي، مجتمعات تقوم على الإنصاف والعدالة وإتاحة الفرص للجميع. إن حكمة ابن خلدون ما زالت باقية».
وغادر بان والوفد المرافق له بيروت بعد جلسة الافتتاح على متن طائرة خاصة متوجهاً إلى ابوظبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.