مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    تتويج الفائزين بجوائز التصوير البيئي    نائب أمير تبوك يشهد حفل تكريم طلاب وطالبات مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية بالمنطقة    كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة.. ريادة في التأهيل والتطوير    تأكيد على متانة اقتصاد المملكة في مواجهة التحديات    استخدام التكنولوجيا يعزز السياحة البينية الخليجية    بحضور سمو نائب أمير عسبر التدريب التقني بالمنطقة تحتفل بخريجيها للعام 1445 ه    المملكة تدين مواصلة «الاحتلال» مجازر الإبادة بحق الفلسطينيين    رفح تحت القصف.. إبادة بلا هوادة    مؤتمر بروكسل وجمود الملف السوري    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد    تتويج الهلال ببطولة الدوري الممتاز للشباب تحت 19 عاماً .. بمقر النادي في الرياض    الاتحاد يودع مدافعه عمر هوساوي    القيادة تهنئ رئيسي أذربيجان وإثيوبيا    القادسية يُتوّج بدوري يلو .. ويعود لدوري روشن    الملك يرأس جلسة مجلس الوزراء ويشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    بلدية الخبر تصدر 620 شهادة امتثال للمباني القائمة والجديدة    أمير الرياض ينوه بجهود "خيرات"    فيصل بن مشعل يكرم الفائزين بجائزة القصيم للتميز والإبداع    هيئة تنظيم الإعلام: جاهزون لخدمة الإعلاميين في موسم الحج    «جائزة المدينة المنورة» تستعرض تجارب الجهات والأفراد الفائزين    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    هؤلاء ممثلون حقيقيون    تعب محمد عبده    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    الهلال الاحمر يكمل استعداداته لخدمة ضيوف الرحمن    في أقوى نسخة من دوري المحترفين.. هلال لا يهزم اكتسح الأرقام.. ورونالدو يحطم رقم حمدالله    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    بطاقات نسك    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    ضبط 4,77 ملايين قرص من مادة الإمفيتامين المخدر    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    إرتباط الفقر بمعدل الجريمة    ولاء وتلاحم    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    توطين صناعة مستحضرات التجميل    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. أولمبياكوس يتسلح بعامل الأرض أمام فيورنتينا    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    النساء أكثر عرضة للاكتئاب الذهاني    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    افتتاح قاعة تدريبية لتدريب وتأهيل مصابي تصلب المتعدد    «نايف الراجحي الاستثمارية» و«مسكان» تطلقان شركة «ارال» لتطوير مشاريع عقارية عملاقة مستدامة تحقق بيئة معيشية متكاملة    مخفية في شحنة قوالب خرسانية .. ضبط أكثر من 4.7 مليون قرص من الإمفيتامين المخدر    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    السجن والغرامة لمن يتأخر عن الإبلاغ بمغادرة مستقدميه    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    إخلاص وتميز    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    سكري الحمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«آيليتا» لتولستوي الآخر: السحر والأيديولوجيا في بلاد السوفيات
نشر في الحياة يوم 04 - 11 - 2011

«انني اشعر دائما بأنني أنتمي الى عالم نبات الثلج والأرواح العائدة التي تحدّث عنها معلمنا جميعا غوغول. انه عالم روسيا الخالدة، عالم فرسان الشمس ورسل الليل، عالم المدن البيضاء حيث تنضج ثمرة الخلود التي يبحث عنها البوغاتير، تماما مثل «غرال» السلافيين، وساحرة بوباياغا والوحوش العاشقة في قصور البلور الغائصة في مهد أنهارنا». هذا الكلام الشاعري كتبه في العام 1924، أي في عز زمن البعد المادي الواقعي في الفكر السوفياتي، كاتب ومفكر روسي يحمل، من ناحية، اسماً ذا سمعة كبيرة في عالم الأدب، ومن ناحية ثانية فكرا يعلن ولاءه للثورة البلشفية ويحاول ان يكتب ما يتلاءم معها. ما يعني انه اذ أدلى بهذا الكلام، وضع نفسه خارج السياقين المكوّنين تفكيره وجذوره: فهو أعلن من ناحية انتماءه الى غوغول، مع ان اسمه تولستوي، ومن الناحية الثانية اعلن انتماءه الى عالم السحر والأساطير، في بلد كان الفكر يحوّل كل شيء فيه الى مادة ومنطق وعقلانية جامدة. لكن كاتب هذا الكلام، ألكسي تولستوي، قريب ليون تولستوي بشكل أو بآخر، لم يكن ليأبه بردود الفعل، من رسمية او شبه رسمية. فهو في كل ذلك الحين كان ابناً مدللاً للسلطة الحزبية، ولجماهير القراء. كان يعرف ان تعامله الأدبي مع الفولكلور الروسي العريق، امر يحميه حماية تامة من مصير يشبه مصائر زملائه الكتاب في ذلك الحين.
غير ان ما يمكن ملاحظته هنا هو ان ألكسي تولستوي، المعلن انتماءه الى عوالم غوغول الروحية والسحرية، كان في كتابته ادنى الى قريبه تولستوي صاحب «الحرب والسلام»، حيث ان أبرز كتاباته كانت اعمالاً تاريخية بانورامية تشبه اللوحات الأدبية الكبرى التي كان تولستوي الكبير يتفنّن في كتابتها. ومع هذا فإن الأبرز بين اعمال ألكسي تولستوي كافة كان روايته «آيليتا» التي اقتبس منها فيلم صامت نال شعبية كبيرة في العشرينات. وتولستوي نشر «آيليتا» في العام 1922، لتشكل احدى علامات الأدب «الجديد» في الاتحاد السوفياتي، حتى وان كان كاتبها في ذلك الحين يعيش في فرنسا، التي لن يعود منها الا في العام 1923 لينضم الى الجمهورية الشابة. وكان أ. تولستوي قد بدأ نشاطه الادبي ايام القيصرية. وهو، قبل الثورة وبعدها، في فرنسا وفي موطنه لاحقا، كتب تلك الحكايات الشهيرة المستقاة من الفولكلور، والمملوءة بالسحرة والكائنات الليلية والجن، الى درجة قيل معها دائما أنه في حقيقته كان مناصرا لجمعية سرية اوروبية هي جمعية «الفجر الذهبي» التي كان من اعضائها الانكليزي برام ستوكر والشاعر الكبير ويليام باتلر يتتس.
المهم ان أيّا من اعمال أ. تولستوي، لم يعان صعوبة في فرض حضوره خلال العشرينات، ان على السلطة الثورية او على الجمهور العريض، بخاصة ان هذا الكاتب عرف جيدا كيف يوازن في نصوصه بين افكاره الشخصية الغامضة، وبين متطلبات السلطات الجديدة. وما «آيليتا» سوى برهان على تلك البهلوانية التوازنية التي طبعت عمل تولستوي وشخصيته، كما سنرى في السطور التالية.
ولكن قبل الحديث عن هذه الرواية، لا بد من الاشارة الى ان الفيلم، ذا الديكورات الغربية التي تذكّر الى حد كبير بأجواء السينما التعبيرية الألمانية المعاصرة له، قد لعب دورا كبيرا في انتشار تلك الرواية فاتحا الطريق امام تجدّد الاهتمام العام بأدب هذا الكاتب. اما موضوع الرواية فمعقّد وغريب، يكاد ينتمي الى عوالم جورج ميلياس (في السينما واجوائها) من جهة، والى عوالم جول فيرن، من جهة اخرى... اضافة الى شحنة ايديولوجية لا شك في انه كان من شأنها، في ذلك الحين، ان تطرب المسؤولين السوفيات.
لرواية «آيليتا» شخصيتان رئيسيتان هما المهندس لوس، والطيار غوسييف. وهذان المغامران المجازفان، يحدث في أول الرواية ان يصلا معا الى كوكب المريخ على متن صاروخ، أبدع تولستوي، في وصف مزاياه وتفاصيله التقنية التي بدت متقدمة ومنطقية بالمقارنة مع المواصفات التقنية التي اسبغها جول فيرن على روايته عن غزو القمر. ولسوف يتبيّن لاحقاً ان الكسي تولستوي كان على اطلاع واسع على اشغال تسيولكوفسكي، الذي يعتبر الأب الشرعي لريادة الفضاء الروسي، والذي عرف بأنه كان اول عالم في العالم فكر حقا في غزو الفضاء ووضع مخططا متماسكاً لصنع مركبة تطير بين الكواكب، كفرضية علمية لا كيوتوبيا خيالية ممكنة. غير ان هذه الامور التقنية تظل ثانوية الأهمية بعض الشيء ازاء البعد الايديولوجي الذي أسبغه تولستوي على مغامرة بطليه... وهو في ابتكاراته هذه، اذا كان يثير ابتسامة شبه ساخرة اليوم، فإنه في زمنه اثار تنهدات الارتياح لدى قراء ساهمت هذه الرواية في طمأنتهم الى قوة دولتهم ومكانتها المتقدمة. ذلك ان تولستوي عرف كيف يضفي على بعض اهم مزايا وأماكن وسمات الرواية، أبعادا رمزية. ومن هنا لم يكن صعبا على المتأمل بحذق ان يكتشف ان المريخ في «آيليتا» ليس سوى الرأسمالية التي افسدتها ممارساتها السوداء الكأداء، وان أهل الأرض هم شبان سوفياتيون مغامرون مبتسمون واثقون من المستقبل المضيء الآتي: انهم هنا لينشروا الافكار والكلام الطيب، وليحرّروا كل المضطهدين في هذا الكون الذي نعيش فيه: وهكذا، عبر هذه الإحالات كان من الواضح ان تولستوي حوّل عمله الخيالي كله الى ما يشبه الدعاوة السياسية. غير ان الاكتفاء بهذا القول فيه ظلم لادب الرجل. وفيه، على اية حال، اكتفاء بالتعرف الى الرواية عبر الفيلم الذي حقّق عنها: فالرواية تذهب الى أبعد من هذا، فاذا كان الفيلم قد توقف عند هذا الجانب الايديولوجي مركّزا عليه، فما هذا الا لأن مخرجه استبعد من السيناريو الذي كتبه وصاغ الفيلم بناء عليه، ابعادا في الرواية كان من الواضح انها هي التي تهم تولستوي اكثر من الأبعاد السياسية/ الايديولوجية: المسكوت عنه في الفيلم هو اذاً، الجزء في الرواية الذي يقول لنا ان اهل المريخ كان قد سبق لهم ان زاروا كوكب الأرض في الماضي، أي قبل ابتلاع المحيط قارة الاطلنطيد لعشرين الف عام خلت. وأهل المريخ هم، اذا، الذين زرعوا بذور الحضارة على سطح الأرض. والذي يمكن قوله هنا ان هذه الاطروحة حول «ابناء السماء» الذين يتدخّلون بين الحين والآخر في بناء حضارة كوكب الارض، ستستعاد مرات ومرات في الاتحاد السوفياتي، قبل ان تتمسك بها التواريخ الموازية في الغرب. اما بالنسبة الى تولستوي، فإنها، من دون ريب، كانت تشكل جزءا من تفكيره الغيبي، الذي اكسبته اياه انتماءاته المفترضة الى الجمعيات الماورائية.
ولقد كان في وسع السلطات السوفياتية ان تتغاضى عن هذا، على اية حال، طالما ان الكاتب قد وظّف هذه الافكار في خدمة الايديولوجيا الرسمية للحزب والدولة. ولقد كان هذا هو دأبه دائما، ما خلّصه من مآزق كان يمكن لفكره الغريب ان يوقعه فيها. وهكذا تمكن من ان يعيش حياته وان ينشر كتاباته كما شاء له الهوى، من دون ان تزعجه السلطات او توجّه اليه امثال تلك الاتهامات الرسمية التي انهت كتّابا وقمعت افكارا، ودفعت الى الانتحار عددا كبيرا من كتاب وشعراء ومفكرين من المؤكد انهم حين انتموا الى الثورة، كانوا أكثر صدقا من ألكسي تولستوي (1882-1945) الذي بعدما كان روسيا أبيض، عرف كيف يصير «سوفياتيا أحمر» وبشدة، ما وفّر له الراحة ليكتب اعمالا روائية وتاريخية وقصصا للأطفال ومسرحيات، اضافة الى كتب حملت اجزاء من سيرته الذاتية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.