الهلال يبحث عن الثلاثية على حساب النصر    مورينيو يختار فريقه الجديد    "فرحة نجاح" تبهج قلوب 200 طالب وطالبة من ذوي الإعاقة بمكة    حجاج مبادرة "طريق مكة" بمطار سوكارنو هاتا الدولي بجاكرتا    وكيل إمارة حائل يرأس اجتماع متابعة مكافحة سوسة النخيل الحمراء    النفط يتراجع وزيادة المخزونات الأمريكية المفاجئة    فاتسكه: دورتموند قادر على تحقيق شيء استثنائي أمام الريال    أمير القصيم وسمو نائبه يعزيان العبدالقادر بوفاة شقيقته    لا موانع أمام ترمب من الترشح والعودة للبيت الأبيض    «الجمارك»: إحباط تهريب 6.51 مليون حبة كبتاغون في منفذ البطحاء    خلافات أمريكية - صينية حول تايوان    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والنبوي    تنظم ندوة بعنوان (جهود المملكة في صيانة جناب التوحيد والتحذير من الشرك)    أرامكو تستحواذ على 40% في شركة غاز ونفط باكستان    رياح مثيرة للأتربة والغبار على مكة والمدينة    فيصل بن فرحان يلتقي وزير الخارجية الصيني و وزير الخارجية العراق    إسلامية جازان تقيم ٦١٠ مناشط وبرنامج دعوية خلال أيام الحج    ترقية 1699 فرداً من منسوبي "الجوازات"    المملكة ضيف شرف معرض بكين للكتاب    5 مبتعثات يتميّزن علمياً بجامعات النخبة    منتدى عالمي يناقش مستقبل أشباه الموصّلات بالرياض    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    3 شروط للتسجيل في برنامج احتضان لتقنيات الفضاء    "سامسونغ" تستعد لطرح أول خاتم ذكي    توجيه أئمة الحرمين بتقليل التلاوة ب"الحج"    أطعمة تساعدك على تأخير شيخوخة الدماغ    الرياضة المسائية أفضل صحياً لمرضى للسمنة    البنك الأهلي واتحاد «القدم» يجددان الرعاية الرسمية للكرة السعودية    الغامدي يكشف ل«عكاظ» أسرار تفوق الهلال والنصر    ثانوية الملك خالد بخميس مشيط تحتفل بخريجيها لعام 1445 ه    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    «الدراسات الأدبية» من التقويم المستمر إلى الاختبار النهائي !    مطار المؤسس يستقبل رحلات ضيوف الرحمن القادمين من سورية لأداء الحج    الخريف لمبتعثي هولندا: تنمية القدرات البشرية لمواكبة وظائف المستقبل    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    جدة تتزين لأغلى الكؤوس    كيف تصبح زراعة الشوكولاتة داعمة للاستدامة ؟    5 أطعمة غنية بالكربوهيدرات    الاعتراف    وزير الصحة يلتقي رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"    بايدن يأذن لأوكرانيا بضرب أهداف في روسيا    المملكة تستضيف الاجتماع السنوي ال13 لمجلس البحوث العالمي العام القادم    المعنى في «بطن» الكاتب !    كيف نحقق السعادة ؟    العِلْمُ ينقض مُسلّمات    أم الفضائح !    الأمير عبد العزيز بن سعود يلتقي متقاعدي القطاعات التابعة لوزارة الداخلية والقطاعات الأمنية والإمارة بمنطقة عسير    الحوكمة والنزاهة.. أسلوب حياة    تشجيع المتضررين لرفع قضايا ضد الشركات العالمية    عبدالعزيز بن سعود يطلع على عدد من المبادرات التنموية التي تشرف على تنفيذها إمارة عسير    أمير القصيم يدشن فعاليات اليوم العالمي للامتناع عن التدخين    أمير القصيم يكرم 7 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز    حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة تبوك    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية    جرائم بشعة بحق الفلسطينيين.. استمرار مجاز الاحتلال في خيام النازحين    تكريم الفائزين بجائزة الباحة للإبداع والتميز    6 أنشطة ابتكارية عالمية لسعوديين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماركيز لم يأتِ ليلقي خطاباً
نشر في الحياة يوم 02 - 11 - 2011

أنا واحدة من ملايين القراء المتابعين باهتمام أعمال ماركيز، وقد قرأت كل أعماله المترجمة إلى اللغة العربية، وقد أدهشني كتابه «لم آتِ لألقي خطاباً» الصادرة ترجمته العربية حديثا عن وزارة الثقافة السورية (سلسلة آفاق ثقافية) وقد انجزها المترجم المبدع صالح علماني. وأظنه من أروع ما كتب، لأنه يضم خطابات ألقاها في مناسبات عديدة، منها مثلاً الخطاب الذي ألقاه حين تسلمه جائزة نوبل، وقد ذكّرني كتابه هذا بكتاب سمرست موم الرائع «عصارة الأيام» الذي صب فيه كل خبرته الحياتية والأدبية.
تشعر وأنت تقرأ هذه المقالات أن قلب ماركيز يتسع للعالم كله، وهو يُدهش القارئ، ليس بثقافته الواسعة وجمال أسلوبه، وسحر عبارته، بل الأهم من كل ذلك بحسه الإنساني العالي، وسعيه المستمر كي يساهم في جعل العالم أكثر إنسانية وحباً.
في مقالات عدة يركز ماركيز على لاأخلاقية العلم والاختراعات الحديثة وكيف أن العلم لا يُستخدم لخدمة الإنسان. ويذكر أن إلغاء ديون العالم الثالث وجعله يتعافى اقتصادياً وجعل سكانه يعيشون حياة كريمة، ولمدة عشر سنوات، يكلّف أقل من سدس نفقات التسلح العسكري خلال المدة الزمنية ذاتها، أي عشر سنوات.
نشعر بالعار والخزي والغضب ونحن نقرأ هذه المعلومة، فالصناعة الحربية وصناعة أسلحة الدمار تكلف المليارات، والعلماء والعباقرة والمخترعون يصبّون كل علمهم وذكائهم لإنعاش الصناعة الحربية، أي الأسلحة التي تقتل الناس. يصرح ماركيز في مقالاته، أن مكان هؤلاء العلماء ليس على مائدة السلاح والدمار بل يجب أن يصبّوا جهودهم لإحلال العدالة والسلام وخير البشرية، ويقول إن سباق التسلح يسير في اتجاه معاكس للذكاء الإنساني.
لكتابة بالنسبة لماركيز هي فعل حياة، ويعتقد أنها المهنة الوحيدة التي تصبح أكثر صعوبة كلما مُورست أكثر، وهو يؤمن أن الكتّاب ليسوا كتاباً بفعل مزاياهم الخاصة، إنما لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا شيئاً آخر، ويسمي تلك الحالة بنكبة الكتابة، وقد ظل تسع عشرة سنة يفكر في رواية «مئة عام من العزلة» حتى كتبها، لكنه يعتقد أن ألذ ما في القصة أو الرواية هو تصورها وليس كتابتها، وهو ينفر من التكريم ويعتبره بداية التحنيط.
ومع أن مقالات ماركيز في كتابه هذا تفضح فظاعة الظلم والقهر والعنف والألم الذي تتعرض له البشرية منذ قرون، إلا أن كفة الأمل والتفاؤل ترجح دوماً لديه، وهو يقول في عبارة رائعة إننا في مواجهة الاضطهاد والظلم والنهب، قرارنا هو العيش، فلا الفيضانات ولا الأوبئة ولا المجاعات ولا الكوارث ولا الحروب التي امتدت قروناً، توصلت إلى تقليص التفوّق العنيد للحياة على الموت. وفي كل سنة هناك 74 مليون ولادة جديدة تتخطى عدد الوفيات، ويستشهد بويليام فوكنر الذي يقول: أرفض تقبّل نهاية الإنسان.
وأكثر ما أدهشني في مقالات ماركيز، افتتانه بالشعر، وهو الروائي وكاتب القصة القصيرة. لم أعرف أبداً أن ماركيز كتب شعراً، ومع ذلك فهو يعتبر أن الشعر هو الدليل الملموس على وجود الإنسان، وأن للشعر قدرات رهيبة، ويقول في أحد مقالاته: «كنتُ مذعوراً من القدرة المُنذِرة للشعر».
يضع ماركيز في مقالاته هذه عصارة روحه المبدعة وأفكاره العميقة الإنسانية، يملأنا أملاً وتفاؤلاً بأن الخير سينتصر في النهاية رغم المآسي التي مرت بها البشرية. وعباراته بليغة وعميقة وبسيطة، يفهمها طفل، كم هو رائع حين يقول إن الشر وإن استمر طويلاً، فلا بدّ للخير أن يكون قريباً، ويعترف أنه يثق بحماقات الواقع أكثر من ثقته بالأحلام النظرية. أما عن وطنه المظلوم الذي تعلّم وسط تعاسات كثيرة أن يكون سعيداً فيقول: «من دون الموت لا تبدو على كولومبيا مظاهر الحياة». ذكرني كتاب ماركيز هذا بقول لأندرية جيد هو: «غاية الحياة هي الفن». أما ماركيز فيقول: «الحياة ستكون أفضل لو أن في جعبة كل شخص كتاب».
لم يأتِ ماركيز ليلقي خطاباً، بل ليفرش لنا طريق الحياة بنور المعرفة والأمل والمحبة والثقافة... وسط عالم ملتهب بالعنف واليأس والسلاح...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.