مقتل 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    السفارة السعودية في تشيلي تنظم حلقات نقاش بعنوان "تمكين المرأة السعودية في ظل رؤية المملكة 2030"    الأهلي يضمن الثالث.. الحزم يحرج الرياض.. التعاون رابع الكبار    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    صقور السلة الزرقاء يتوجون بالذهب    تنظيم جديد لتخصيص الطاقة للمستهلكين    «التعليم».. تكشف شروط نجاح الطلاب والطالبات بجميع المراحل    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    طبخ ومسرح    اطلع على مشاريع التطوير لراحة الحجاج.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    زيارات الخير    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    النقطة 60 كلمة السر.. من يرافق القادسية لدوري روشن ؟    محتالة تحصل على إعانات بآلاف الدولارات    مواقف مشرّفة    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    الماء (2)    جدول الضرب    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    ضبط أكثر من 16 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    «باب القصر»    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    الهلال يحبط النصر..    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    الخبز على طاولة باخ وجياني    جماهير المدينة (مبروك البقاء)!    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    إطار الابتكار الآمن    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    إسرائيل تواجه ضغوطا دولية لضمان سلامة المدنيين    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    199 مليار ريال مساهمة قطاع الطيران في الناتج المحلي    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    نيابة عن ولي العهد.. وزير البيئة يرأس وفد المملكة في المنتدى العالمي للمياه    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    نعمة خفية    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    قائد فذٌ و وطن عظيم    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معتبراً ان الاعلام هو العامل الرئيسي لرواج الأغنية الخليجية . المطرب السعودي طلال المداح في حديث الفن والذكريات . أشار الي عبدالوهاب وقال لبناته : "ده بوظ سمعة أبوكم" !
نشر في الحياة يوم 01 - 02 - 1999

لا يمكن لجلسة مع طلال المداح في بيته في جدة ان تكون جلسة صحافية، فهذا الفنان المخضرم الذي استقر اخيراً في وطنه بعد تجوال طويل، يشعرك منذ اللحظة الاولى انكما صديقان منذ زمن بعيد. من هنا انه، حين يحدثك خلال جلسة لقاء الاصدقاء، او حول المائدة، او بعد ان يحمل عوده ويدندن عليه، انما يفعل كمن يبوح في لقاء حميم. وربما يعود هذا الى ان المداح عاش طويلاً حكايات غير مريحة مع الصحافة والصحافيين. لذلك يسيطر عليه في كل لحظة حذر شديد. يتوقع من كل سؤال موجه اليه ان يشكل فخاً ما. حين يطرح السؤال عليه، يتردد بعض الشيء ثم ينظر الى من طرحه يتفرس فيه، يزن الامور بميزان دقيق، وبعد ذلك فقط يبدأ بالاجابة. واحياناً كثيرة تكون اجاباته غير ذات علاقة بالسؤال. ليس لأنه لم يفهم السؤال، بل لأنه فهمه ربما اكثر مما يجب. طلال المداح طريف وطيب وماكر. خبر هذا العالم وعايشه في بلده، السعودية، في القاهرة وبيروت ومدن المغرب، كما في العديد من العواصم الغربية. لذا، يصعب عليه ان "يفوّت" عليه احد سؤالاً ملغوماً، او يحاول ايقاعه في فخ.
التقيناه في شقته المتواضعة في احد احياء جدة السكنية، وكان عائداً لتوه من لندن، يحيط به الكثير من الزوار، من اصدقاء ومعارف وفنانين. كان عائداً الى الحياة الفنية بعد جراحة ناجحة في القلب، يستقبل الجميع بود وبشاشة، ويسأل كل واحد عن آخرين. يحزن لأخبارهم او يفرح، ويستبد به حنين لأزمان كانت اكثر سعادة.
الموسيقى همه الكبير
غير ان هذا كله لا يشكل الهم الرئيسي لطلال المداح الآن. همه الرئيس هو الموسيقى. حين يدور الحديث عنها يصبح كالطفل المشدوه. فعلى الرغم من انه امضى حياته كلها في الموسيقى والغناء، الا انه لم يكتشف فعلياً عوالم الموسيقى، ولا سيما الغربي منها، الا في الامس القريب، وراح يدرس اسرار النغم والمقامات والسكك. ويبدو ان هذا كله يسعده الى درجة استثنائية، فما ان انتهت جلسة الطعام وحلت جلسة شرب الشاي، وقبل ان ينفض عقد الحضور وكان من بينهم الفنان عبدالمجيد عبدالله الذي جاء - كما قال - ليعود "استاذنا الكبير، متمنياً له السلامة والصحة والعمر الطويل ودوام الانتاج"، ما ان وجد طلال فسحة من الوقت حتى امسك بعوده وراح يعزف على اوتاره. كان من الواضح انه لا يعزف ليقدم مقطوعة كاملة، بل ليشرح نظرية في المقامات، بدت لمعظم الحضور غامضة كالالغاز. اما هو، فكان يقرأ فيها كالكتاب المفتوح.
- "هذا مقام رصد"، يقول طلال وهو يضرب وترين متتاليين. ثم ينتقل الى مقامين تاليين ويقول: في امكاننا ان نتنقل بين هذه المقامات الاصلية من دون ان نحتاج الى العبور على الفروع. ننتقل الى مقام السيكا الذي لا يكون مقاماً اساسياً الا حين يكون وحده. بفضل هذه الآلة، لا تحس بشيء نافر او غير طبيعي خلال عملية الانتقال. ومع هذا فان العازف المخضرم نفسه قد يتوه حين ينتقل بين المقامات. الغربيون اكتشفوا القدرة على هذا التنقل، اما العرب فلم يكتشفوها بعد، لذلك لا يزالون يستخدمون مع كل نغم فروعاً له.
وانت، هل جربتها؟ يسأله احد الحضور…
- ها انذا اجربها امامكم يعزف. انا جربتها مراراً على المقامات الشرقية. ظاهرياً قد تبدو متنافرة لكنها تدخل في سياق منسجم: من الموال الى السيكا الى الفروع. مقابل هذا، من الصعب ان يحصل انتقال من رصد الى رصد. محمد عبدالوهاب فعل ذلك، بدأ من مقام وقفل في مقام آخر هنا يلاحظ طلال ان مستمعيه يصغون اليه كلياً، فيتابع مسروراً يصعب غالباً حصول انتقال من نغم اساسي الى نغم اساسي آخر يعزف لو بدأت الرصد من هنا، لن اصل الى اي مكان، مهما يكن، فان هذه الانغام والانتقالات كلها هي للآلات الموسيقية. الصوت البشري لا يستطيع اتباع هذه الحركة والا فانه يصل الى حد لا يعود معه مسموعاً.
وهل لدى الغربيين، مثلنا، عدد كبير من المقامات؟ يسأله آخر…
- ابداً. الغربيون ابتعدوا عن هذه المسألة تماماً. التقسيمات عندهم تقنية وهندسية، اختصروا الامور بالماجور والمينور. استعمال ارباع الصوت عندنا هو ما وسّع البيكار. في الهند ايضاً هناك ذلك الاتساع. في الغرب يكون الاختلاف في المفتاح. مهما يكن فاننا نحن، في الشرق، نعتمد في التلحين على الجملة الكلامية. فاذا كانت الجملة ذات معنى حزين، يصبح اللحن المطلوب حزيناً: بالانتقال الى فرع من البيات الحزين مثلاً، تتحول النغمة من حال الى حال. ليس عندنا، بصورة عامة، مؤلفون موسيقيون يعتمدون على الآلة للتعبير عن الحالة. في اوروبا قد تضم الاوركسترا 160 عازفاً، فجأة يأتي صوت آلة نفخ ناعمة، فتخلق حالة الحزن. الآلة هي المعبر عن الحالة. عندنا الحزن يدفع الى استخدام مقام الصبا مثلا. لديهم يعبرون بالآلة، عندنا نعبر بالمقام.
هنا يتوقف طلال عن الحديث وينظر الى مستمعيه. ويكون دور "الوسط" لنطرح عليه اسئلة، ولكن من نوع آخر.
تراثنا ناقص
في هذه الآونة، ثمة انتشار كبير للاغنية الخليجية في العالم العربي، هل تعزو هذا الانتشار الى الموسيقى الخليجية وجدّة ايقاعاتها وانغامها مثلاً؟
- في اعتقادي ان نجاح الاغنية الخليجية ولست اوافقكم طبعاً على التسمية يعود الى ان الكلام الخليجي بات مفهوماً. اما الموسيقى فهي كلها تنويعات على اجتهادات الدارسين… في مصر.. الموسيقى نادراً ما تغطي هنا على الكلام.
ومع هذا هناك خصوصية ايقاعية وتعبيرية في الموسيقى الخليجية…
- يعود هذا الى نوعية الايقاع. فنحن نستخدم الحاناً للاغاني ذات ايقاعات مركبة وصعبة هي الحجازية، وهي مأخوذة، اصلاً من توقيع القصيد والشعر. ومع هذا فان الاثر الاساسي يأتي من مصر او من بلاد الشام. لاظهار اي عمل فني لا يمكن الاستغناء عنهما. الامكانات التقنية نفسها مفقودة في الخليج. في مصر والشام معاهد وتاريخ وتراث. اما الانتشار الحالي فان الفضل فيه يعود الى الاعلام لا الى الفن نفسه. تاريخنا ارتبط بالغناء الحجازي بالرحلة وبالقوافل. اما الايقاعات فجاءت من افريقيا والهند. الشاعر كان يقول قصيدة فيحفظها الآخرون ويوقعونها على ايقاع الحياة والموسيقى المعروفة.
هل كانت بداياتك سهلة ام صعبة؟
- كل البدايات في اي مجال من المجالات صعبة. اما بالنسبة الي فلقد استفدت من دعم بيئتي، من عائلة واصدقاء. واذكر هنا انه كان لي صديق يغني، هو عبدالرحمن، كان يترك عوده لدي لأن اهله يعارضون خوضه مجال الغناء. فكنت انتهز فرصة غيابه لأتمرن على العود. ولم اجد لدى اهلي معارضة. وهكذا رحت اغني لنفسي اولاً ثم للمحيطين بي، وهكذا…
هل كنت تعتقد في ذلك الحين انك ستصبح محترفاً ذات يوم؟
- يقهقه انا محترف من اول يوم.
بقرار ام بفضل تلك المصادفة؟
- باختياري. فانا حين صرت شاباً التحقت بوظيفة بناء على الحاح اهلي. بعد اسابيع وجدت صعوبة في الجمع بين الوظيفة نهاراً، والغناء ليلاً. وعندما تُرك لي الاختيار اخترت الفن. وتوجهت لتقديم استقالتي من الوظيفة. هناك دهش المسؤولون مني وقالوا: كيف تستقيل وانت بالكاد عينت؟
سقى الله ايام "الزيتونة"!
انطلاقتك العربية هل كانت في القاهرة ام في بيروت؟
- في بيروت طبعاً. وتحديداً في برنامج للهواة. وصلت يومذاك الى بيروت وكان الطقس بارداً، والريح تعصف. فتوجهت فوراً الى مبنى التلفزيون ورحت اغني وانا ارتجف برداً. وهكذا لم يفهم احد ما اقول. كان الكلام سعودياً يرتجف. وكانت النتيجة انني فشلت.
ما الذي كان بعد ذلك الفشل؟
- لم ايأس، بل بقيت في بيروت ورحت اغني في ملاهي الزيتونة والروشة، على البحر. سقى الله تلك الايام.
ما الذي كنت تغنيه في ذلك الحين؟
- كل شيء، مصري، على لبناني، على خليجي. ولكن هنا ايضاً راحت الظروف تعاكسني. اذ لم اكد اظهر وابدأ بحيازة بعض الشهرة حتى ظهر فهد بلان. وكان شكله جذاباً ولونه جبلياً جدلياً وجديداً، وغطى على الجميع. فما كان مني الا ان جمعت حوائجي وعدت الى السعودية حيث بقيت عاما، ثم عدت مجدداً الى بيروت. كان نجم بلان قد خبا بعض الشيء، لكنه كان قد فتح الطريق امام تجارب تختلف عن المصري واللبناني. وهذه المرة كان النجاح من نصيبي لأني حملت جديداً. كنت انا الجديد هذه المرة.
حينذاك بشكل عام كان الغناء الخليجي كله جديداً…
- اجل، بالطبع. الايقاعات خصوصاً كانت جديدة. وهكذا، مصري على شامي على ايقاعات جديدة تمشي الحال، وبدأت اشتهر.
ضحكت على الجمهور اذاً؟!
- يمكنك ان تقول هذا، لكني لم اكن مدركاً انني اضحك عليه!
هنا يتدخل صحافي سعودي زميل ويقول انه لم يكن في ذلك الحين تيار يمكن ان نطلق عليه اسم "غناء خليجي"، فهذه التسمية لم تنشأ الا بعد قيام مجلس التعاون الخليجي. في ذلك الحين كان يقال مثلاً: الغناء الحجازي الخ… يوافق طلال على هذا القول ويتابع
- على اية حال، لقد تبدلت الامور كثيراً. ولعل من اهم التبدلات ان الامكانات نفسها تحسنت، في الماضي كنا نستعين بضاربي ايقاعات في البلدان التي نعمل فيها. كانوا يؤدون الايقاعات بتقنية جيدة، ولكن من دون روح حقيقية. في هذه الايام، نصحب معنا الايقاعيين الاصليين من هنا. نأخذهم الى بيروت والقاهرة ولندن وباريس. وهذا ما زاد من خصوصية غنائنا وتميزه.
كان جمهوري في لبنان خليجياً
متى ذهبت لتغني في مصر للمرة الاولى؟
- بعد بيروت مباشرة. كان اسمي بات معروفا، وكان علي ان اغني في القاهرة حتى اعتبر نفسي عربياً شاملاً.
بشكل عام كيف تقوّم اليوم تلك المرحلة، وعلاقتك مع الجمهورين "الشامي" والمصري؟ كيف كان استقبال ذلك الجمهور لك؟
- بصراحة، لا اعرف. اعرف فقط ان معظم جمهوري في لبنان لم يكن لبنانياً بل خليجياً. فلبنان كان في ذلك الحين بلداً سياحياً. وحتى الدولة كانت تشجع غناء المطربين العرب فيه، لكي يرفهوا، خصوصاً، عن ذلك السائح. ضمن هذا الاطار غنيت انا في لبنان، كما غنى اساطين من طينة ام كلثوم وفريد الاطرش وفايزة احمد ونجاة… الخ.
والجمهور المحلي؟
- ربما يكون اجنبياً، لكني لم اعرف عنه شيئاً. في البداية فشلت بسبب فهد بلان، وبعد ذلك نجحت بفضل السياحة. على اي حال في لبنان لم اكن مغنياً فقط، كنت ملحناً ايضاً. لحنت لكثيرين من بينهم فايزة احمد وعادل المأمون. وبدأت اصبح جزءاً من الساحة الفنية، حتى وإن كان نجاحي ابطأ من نجاح فهد بلان. مسكين فهد، رحمه الله دوّخه النجاح، وتحلق من حوله اولاد الحرام يسرقونه ويدخلونه في زيجات فاشلة ومشاريع اكثر فشلاً، حتى اضطر في النهاية لبيع البناية التي اشتراها، شقة شقة. وهكذا، ايضاً، كانت حال فريد الاطرش في لبنان. ألم اقل لك ان لبنان كان بلداً سياحياً بكل معنى الكلمة؟
حكايتي مع عبدالوهاب
وماذا عن مصر؟
- كانت رائعة واقامتي فيها اروع، مع ان غزوها فنياً، كان اصعب بكثير. فالزمن كان زمن عبدالحليم حافظ. وجمهور البنات العريض المعجب به. مهما يكن في الامر فإن وجودي في مصر تزامن مع انتشار الاسطوانات في السعودية، من هنا ادين ببعض نجاحي هناك الى هذا الانتشار. ويذكرني هذا بحكاية مع المرحوم محمد عبدالوهاب تناقلتها الصحف كثيراً، وغالباً بأشكال مخطئة. كان عبدالوهاب في تلك الفترة يكثر من السفر، وكان يحتاج الى دولارات كثيرة وكان اخراج الدولارات من مصر ممنوعاً. لذا اتفق مع شركات اسطوانات غير مصرية، معظمها في لبنان، على ان ينتج الحاناً لفنانين عرب فيحقق ارباحاً خارج مصر. ذات يوم اكتشف وجودي فاتصل بي وقال لي انه سيلحن لي اغنيات ينتجها على اسطوانة. طبعاً، فرحت بالأمر، والتقيته في لبنان حيث وقعت عقداً، ولم ادرك الا لاحقاً انه يمنعني من ان انتج اي عمل ريثما تخرج الاسطوانة. عندما ادركت هذا ذهلت، وخشيت الا تخرج تلك الاسطوانة بعدما حذرني كثيرون من ذلك. ورحت ابحث عن محمد عبدالوهاب فقالوا لي انه في عرض البحر متجه الى اوروبا. ذهبت الى القاهرة وعلمت الصحافة بالحكاية فراحت تنسج عليها فروعاً وحكايات. بين مدافع عن عبدالوهاب ومهاجم له. في النهاية وصل عبدالوهاب الى القاهرة وعندما رأى ان الحكاية تكاد تصبح فضيحة فيها خراب بيوت مع السلطات ومصلحة الضرائب طلب ان يراني، فذهبت اليه حيث كان في رفقة بناته. وما ان رآني حتى وقف صارخاً: ما كل هذا الضجيج؟ قلت له انني سجلت اسطوانة جديدة. غضب ثم هدأ، ثم دعاني الى الغداء وهو يقول لبناته: "ده الراجل اللي بوّظ سمعة ابوكم".
أحسست بالنقص!
لقد غبت سنوات طويلة.. أين كنت؟
- كنت بين اسبانيا وفرنسا والمغرب، وخصوصاً في لندن.
ما سبب هذا الغياب؟
- اردت ان ادرس الموسيقى. ذات يوم احسست ان لدي نقصاً في معارفي الموسيقية. وكنت أود، صادقاً، ان ادخل مجال الموسيقى البحتة.
درست وحدك أم في معاهد؟
هنا قاطعنا صديق صحافي ليطلب من طلال ان يروي لنا الحكاية التي استفزته وكانت وراء قراره دراسة الموسيقى. فضحك طلال وبدأ يروي.
- كان ذلك في انكلترا. ذات يوم جاءني صديق، وقال لي ان لديّ فرصة سهلة لكي اغني، وان تصاحبني اعظم اوركسترا في العالم اوركسترا لندن السيمفونية. كل ما عليّ كان ان اتصل بهم. فاتصلت بالفعل فأجابتني سيدة هي المسؤولة عن اعمال الاوركسترا. شرحت لها الموضوع فرحبت بالفكرة وقالت لي كم عدد العازفين الذين اريدهم، قلت نحو اربعين عازفاً. قالت حسناً، سيكلفك هذا 7 آلاف جنيه، قلت لا بأس. قلت لها اذاً، ارسلي لي يا سيدتي شخصاً اعزف اللحن على مسامعه، فضحكت السيدة من اعماقها. سألتها لماذا تضحك؟ سألتني بدورها: هل انت جاد في طلبك؟ قلت اجل فالوضع في بلادنا على هذا النحو. شرحت لي ان الملحن هنا هو الذي يفعل ذلك بنفسه. قلت لا بأس سنأتي بواحد من مصر. ضحكت ثانية. ثم سألتني: ومتى سيكون التسجيل؟ قلت: هذا الاسبوع. وعادت تضحك. فسألتها عن السبب فقالت: بصراحة، لأن اول موعد يمكنني اعطاؤك اياه لن يكون قبل عام. كنت مستعجلاً وكانت اجوبة السيدة منطقية. فاستفزني هذا كله وجعلني ادرك كم اننا نأخذ الأمور بسهولة في بلادنا. فهمت ان الفن يجب ان يكون له، بكل صراحة، احترام اكبر. وكان ان قررت ان احترم الفن وأتوقف عن الارتجال العربي. وان ادرس الموسيقى وفعلت.
وكانت النتيجة هذا الشريط الرائع الذي سجلت عليه قطعاً موسيقية فقط...
- أجل. لقد احببت ان افعل كما يفعل الفنانون الذين يحلو لهم بين الحين والحين ان يعبروا عن انفسهم بالموسيقى وحدها...
نحن شعوب الكلمة
وهذه سباحة عكس التيار السائد في بلادنا...
- لم لا؟ انه نتيجة لذة شخصية. اجل، نحن شعوب كلمة وشعر. نعبّر بالكلمة. الموسيقى الخالصة ليست من تقاليدنا، ولا سيما في زمن الاغاني الايقاعية الحالي. لدى شعوب العالم المتحضر، ثمة ادمان على الشراب والمخدرات، وهناك ايضاً ادمان على الموسيقى، وتحديداً الموسيقى السيمفونية الجادة والاوبرا. هناك يذهب الناس دائماً الى الحفلات والاماكن محجوزة سلفاً، قبل اشهر من تاريخ العرض: موسيقى، اوبرا، كونشرتو. الجمهور يتابع ويحضر ويفهم ويحب. وفي النهاية يصفق الجمهور للمايسترو وللفرقة وللسوليست. في حفلاتنا، مصوّر التلفزيون هو الذي يقرر بداية الحفلة ونهايتها، والمخرج يطلب من الجمهور ان يصفق او لا يصفق!!
هنا يتدخل احد الحضور قائلاً انه في الأمس فقط شاهد حفلة كان يغني فيها هاني شاكر. انقطع صوت البلاي باك وغابت الموسيقى وظل هاني يغني دون صوت كما لو ان شيئاً لم يكن. والجمهور يتجاوب....
مقطوعاتك الموسيقية تنبع من هوى شخصي. فكيف تضع هذه التجربة ضمن اطار مسارك الفني نفسه؟
- ان ردود الفعل ونوعية التشجيع لا تساعد الفنان على ان يتفاءل كثيراً حين يقدم اعمالاً بهذه الجدية. لا اعتقد ان الرواج سيكون كبيراً. لكن الأمر مهم بالنسبة اليّ لأنه يمثل حصاد مرحلة اساسية من حياتي.
قبلك غابت كل التجارب الموسيقية الطويلة التي كتبها عرب، في مجاهل النسيان.
- لم اسمع بها. هل هي ذات بناء سيمفوني.
غالباً، مثل اعمال وليد غلمية وعبدالأمير الصراف وأبو بكر خيرت وغيرهم...
- رحمة الله على ابو بكر خيرت. مهما يكن، من المحتمل ان تثير أعمالنا الاهتمام ذات يوم.
هنا لا بد ان اشير الى ان عبدالوهاب كتب قطعاً موسيقية طويلة، لكنه كتبها لتلبية احتياجات عملية: موسيقى افلام مثلاً. وهو ما تفعله اوروبا حالياً، حيث صار من النادر ان يكون هناك وجود لموسيقى تؤلف من دون غاية عملية.
انت تعايش الحياة الفنية العربية منذ اربعة عقود، فما رأيك بما يقال اليوم عن هبوط الأغنية، على الرغم من انتشارها ورواجها؟
- اذا اخذت كمعيار المستوى الذي كان عليه الغناء عند منتصف هذا القرن ايام عبدالوهاب وام كلثوم وفريد الاطرش وعبدالحليم حافظ، وبالنسبة الى منطقة عربية واحدة هي مصر، ستجد ان هناك هبوطاً حقيقياً. وذوق الجمهور نفسه بات متدنياً. ولا سيما في مجال اختيار الكلام. اما من الناحية الموسيقية الصرفة، فان ثمة تطوراً كبيراً.
ما الذي تقصده بالتطور؟
- اقصد نوعية التنفيذ ومستوى العازفين. في الماضي كان الحفظ دائماً عن طريق السمع. كان المطرب هو المايسترو، ام كلثوم تعطي للفرقة اشارات متعارفاً عليها. فتؤدي الفرقة. اليوم تبدل الامر. صارت المسألة اكثر علمية، وصار هناك دور للموزع، ودور للمايسترو. والأفضل في العالم العربي هو ما يحدث في هذا المجال في مصر والشام.
الاحياء لا يطربونني
هذا عن الموسيقى. فماذا عن الغناء بشكل عام؟
- يتوقف الامر على الكتاب والمواضيع. ولكن بشكل عام، هناك اناس يكتبون أي كلام، وآخرون يغنون أي كلام. وأنا نفسي حدث لي كثيراً ان اديت اغنيات اندم اليوم عليها.
من يعجبك من مغني هذه الأيام...؟
- لا احد ثم يصمت فجأة، ينظر الينا ويسأل ماذا تقول؟ تسأل: من يعرفني في هذه الأيام؟
لم اسألك عمن يعرفك، اسألك عمن يعجبك؟
- آه.. فهمت في مكر، اذا نظرنا الى النجاح الجماهيري الذي يحققه الكثيرون، لا بد ان نقول ان معظمهم لديه بالتأكيد شيء ما. اذاً، كلهم ممتازون مع تفاوت بين الواحد والآخر. ولكن ليس ثمة من هو في مستوى عبدالوهاب او فريد او عبدالحليم.
هل يطربك اي من مطربي اليوم؟
- بالطبع كثيرون: محمد عبدالوهاب، وديع الصافي ام كلثوم...
اقول مطربو اليوم؟
- هل هؤلاء مطربو الأمس فقط. هؤلاء يا عزيزي مطربو اليوم. مهما يكن، لا احد يعجبني بين الاحياء... مئة في المئة. قد يطربني احدهم بنسبة معيّنة، وهذا يكفي. حسناً، لدينا اصالة وذكرى ورجاء بلمليح... كلّهن اصواتهن حلوة...
هنا يقترح صديق عدة اسماء فيضحك طلال ويقول: هؤلاء، يعجبونك انت.. وأعتقد ان السؤال موجه الي لا اليك...
- مهما يكن في الأمر، فان كل صوت حقق جماهيرية لا بد ان لديه شيئاً ما. ولكن هل يمكن لأحد ان يقول ان اصالة احسن من ام كلثوم؟ بالطبع ام كلثوم احسن. اصالة صوتها جميل وذكرى صوتها جميل. بين ذكرى وأصالة. افضل جمال اصالة، ولكني افضل صوت ذكرى!
ومن الاصوات السعودية؟
- محمد عبده طبعاً. لا تكن خبيثاً!
وعبدالمجيد عبدالله؟
- لقد تعدى المرحلة التي يمكننا ان نقول رأينا فيه. لقد اثبت حضوره ونجاحه. وصوته مميز. في الماضي كنا نجهد طويلاً لنصل الى ربع ما وصل هو اليه.
وعبدالرب ادريس؟
- انه يؤدي بعض اعماله لأنه يشعر ان غيره من المطربين من الصعب ان يضعوا فيها الاحساس المطلوب. هو، على أية حال، ملحن اكثر منه مطرباً. لكنه مؤد جيد يعرف كيف يوصل الكلمات والألحان.
سؤال اخير، طلال، انت شخصياً عندما تريد ان تُطرب، لمن تستمع؟
- هذا اسهل سؤال طرحته عليّ. وجوابي بسرعة هو التالي: ام كلثوم، محمد عبدالوهاب فريد الاطرش، وديع الصافي، ومن المغرب عبدالوهاب بلخياط وعبدالوهاب الدوكالي. وعليا رحمها الله وذكرى... وخصوصاً فيروز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.