بناءً على ما رفعه سمو ولي العهد خادم الحرمين يوجه بإطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق الرياض    أمير الرياض يرعى تخرج المعاهد والكليات التقنية    كاميرات سيارات ترصد العوائق بسرعة فائقة    الصمعاني: دعم ولي العهد مسؤولية لتحقيق التطلعات العدلية    33 ألف منشأة تحت المراقبة استعدادًا للحج    جامعة "المؤسس" تعرض أزياء لذوات الإعاقة السمعية    "أكنان3" إبداع بالفن التشكيلي السعودي    وصول أول فوج من حجاج السودان    رياح مثيرة للأتربة والغبار في 5 مناطق وفرصة لهطول الأمطار على الجنوب ومكة    الخريجي يشارك في مراسم تنصيب رئيس السلفادور    أمير تبوك يعتمد الفائزين بجائزة المزرعة النموذجية    السعودية و8 دول: تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية 2025    «التعليم» تتجه للتوسع في مشاركة القطاع غير الربحي    «نزاهة»: إيقاف 112 متهماً بالفساد من 7 جهات في شهر    المؤسسات تغطي كافة أسهم أرامكو المطروحة للاكتتاب    الطائرة ال51 السعودية تصل العريش لإغاثة الشعب الفلسطيني    نتنياهو.. أكبر عُقدة تمنع سلام الشرق الأوسط    السفير بن زقر: علاقاتنا مع اليابان استثنائية والسنوات القادمة أكثر أهمية    محمد صالح القرق.. عاشق الخيّام والمترجم الأدق لرباعياته    اكتمال عناصر الأخضر قبل مواجهة باكستان    عبور سهل وميسور للحجاج من منفذي حالة عمار وجديدة عرعر    نوبة «سعال» كسرت فخذه.. والسبب «الغازيات»    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب وسط اليابان    في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى بالبصرة .. 14 ميدالية للمنتخب السعودي    الكعبي.. الهداف وأفضل لاعب في" كونفرنس ليغ"    رونالدو يغري ناتشو وكاسيميرو بالانضمام للنصر    القيادة تهنئ الشيخ صباح الخالد بتعيينه ولياً للعهد في الكويت    الحجاج يشيدون بخدمات « حالة عمار»    ..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    نقل تحيات القيادة وأشاد بالجهود الأمنية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يدشن مشروعات «الداخلية» في عسير    حجاج الأردن وفلسطين : سعدنا بالخدمات المميزة    حجب النتائج بين ضرر المدارس وحماس الأهالي    بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    سائقو الدبَّابات المخصّصة لنقل الأطعمة    ماذا نعرف عن الصين؟!    الاحتلال يدمر 50 ألف وحدة سكنية شمال غزة    مزايا جديدة لواجهة «ثريدز»    انضمام المملكة إلى المبادرة العالمية.. تحفيز ابتكارات النظم الغذائية الذكية مناخيا    الصدارة والتميز    هذا ما نحن عليه    هنأ رئيس مؤسسة الري.. أمير الشرقية يدشن كلية البترجي الطبية    إطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق مدينة الرياض    9.4 تريليونات ريال ثروة معدنية.. السعودية تقود تأمين مستقبل المعادن    الأزرق يليق بك يا بونو    توبة حَجاج العجمي !    "فعيل" يفتي الحجاج ب30 لغة في ميقات المدينة    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات تحت مسمى "رالي السعودية 2025"    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    أمير نجران يشيد بالتطور الصحي    نمشي معاك    أمير الشرقية يستقبل رئيس مؤسسة الري    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    مسبار صيني يهبط على القمر    «طريق مكة».. تقنيات إجرائية لراحة الحجيج    فيصل بن مشعل يرعى حفل تكريم معالي رئيس جامعة القصيم السابق    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطل "إيران غيت" يتكلم للمرة الأولى . مكفرلين يفتح ملفاته السرية ل"الوسط": رفسنجاني طلب من الأسد العمل على إطلاق رهائن الطائرة الأميركية المخطوفة الى بيروت ريغان أراد تعيين بيكر مستشارا له ... لكن واينبرغر وكايسي دعماني 4
نشر في الحياة يوم 13 - 07 - 1992

يتناول روبرت مكفرلين مستشار الرئيس الأميركي السابق لشؤون الأمن القومي، في هذه الحلقة الرابعة من مذكراته التي خص بها "الوسط"، مجموعة قضايا عربية ودولية تصدى لها وشارك في معالجتها خلال ممارسته مهامه كمستشار لشؤون الأمن القومي. ومن هذه القضايا عملية خطف طائرة الركاب الأميركية إلى بيروت عام 1985 والدور الذي لعبه الرئيس حافظ الأسد والزعيم الإيراني هاشمي رفسنجاني في هذه العملية.
وقد وافق مكفرلين، بطل قضية "إيران غيت" على أن يخرج عن صمته ويتكلم للمرة الأولى منذ انكشاف أمر الاتصالات السرية الأميركية - الإيرانية وزيارته السرية إلى طهران عام 1986. واتفقت "الوسط" مع مكفرلين على أن يروي لها ذكرياته ويفتح ملفاته السرية ويقول ما لم يقله من قبل، سواء حين كان في الإدارة الأميركية أو بعد استقالته منها. وتم الاتفاق على عدم نشر أية كلمة من ذكريات مكفرلين هذه في أية مطبوعة أخرى في العالم، عربية كانت أو أجنبية، غير "الوسط" لكن مكفرلين يحتفظ لنفسه بحق نشر مذكراته لاحقا بعد صدورها في مجلتنا.
وقد عمل مكفرلين في البيت الأبيض في عهد الرئيسين السابقين نيكسون وفورد بين 1973 و1977، ثم عمل في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي قبل أن ينتقل في بداية عهد ريغان عام 1981 إلى وزارة الخارجية بصفة مستشار للوزير ألكسندر هيغ. وانتقل مطلع 1982 إلى البيت الأبيض مجددا حيث شغل منصب مساعد مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي.
وفي تموز يوليو 1983 اختاره ريغان ليكون ممثله الشخصي في الشرق الأوسط ثم أصبح في تشرين الأول أكتوبر 1983 مستشار ريغان لشؤون الأمن القومي، وبقي في منصبه هذا حتى كانون الثاني يناير 1986. وبعد ذلك تولى منصب المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ثم أنشأ وترأس عام 1989 "مؤسسة مكفرلين"، وهو لا يزال على رأسها حتى اليوم. ومهمة هذه المؤسسة تقديم استشارات إلى مسؤولين ورجال أعمال من دول عدة. وفي ما يأتي الحلقة الرابعة من ذكريات مكفرلين:
انصبت جهودي في الفترة ما بين كانون الأول ديسمبر 1982 وكانون الثاني يناير 1983 على التخطيط لبرنامج "حرب النجوم"، وهو برنامج كان له هدف معلن وهدف غير معلن. الهدف المعلن هو حماية الولايات المتحدة من الصواريخ السوفياتية النووية البعيدة المدى وتشكي نوع من "المظلة الواقية" فوق المدن والمواقع الأميركية.
أما الهدف غير المعلن من هذا البرنامج فهو دفع الاتحاد السوفياتي إلى الدخول في سباق مع الولايات المتحدة لإعداد برنامج مماثل، وهو أمر كان سيفضح ويكشف، في رأيي، موسكو.
فبرنامج "حرب النجوم" تبلغ كلفته الحقيقية 40 مليار بليون دولار، والوضع الاقتصادي السوفياتي لم يكن يسمح للزعيم السوفياتي بإنفاق مبلغ بهذه الضخامة لإعداد برنامج مماثل. فقد كانت قناعتي أن المسؤولين السوفيات كانوا سيشعرون بالقلق ليس لجهة التأثير العسكري لهذا البرنامج بل لجهة أن السوفيات لن يكونوا قادرين على منافستنا. فتقنيتنا العالية الكفاءة متقدمة جدا، وكان عليهم إنفاق مبالغ طائلة للحاق بنا، مما سيؤدي إلى إفلاس البلاد. وكما قلت في الحلقة السابقة: برنامج "حرب النجوم" هو الذي دفع غورباتشوف في مرحلة لاحقة إلى إحداث تغييرات جذرية في بلاده والمجتمع السوفياتي. وكان ذلك بداية نهاية الاتحاد السوفياتي.
ولا بد من القول، هنا، أن التخطيط لبرنامج حرب النجوم وضع بأكمله في البيت البيض ولم تشارك فيه وزارة الدفاع الأميركية إذ أن وزير الدفاع كاسبار واينبرغر كان معارضا له. ولما أعلن الرئيس ريغان في آذار مارس 1983 برنامج حرب النجوم، الذي أطلق عليه رسميا اسم "مبادرة الدفاع الاستراتيجي"، أمضينا معظم وقتنا في ربيع 1983 في شرح تفاصيل وأهمية هذا البرنامج لزعماء الكونغرس، وذلك للحصول على موافقتهم وبدء العمل فيه.
كيف عينت مستشار لريغان؟
وإذا كنا نجحنا في مهمة الإقناع والبدء ب"مبادرة الدفاع الاستراتيجي" فان صعوبة أخرى واجهتنا في أميركا الوسطى على صعيد جديد وهي كيف نتعامل مع الموقف في نيكاراغوا؟ كان نقاشنا صعبا في هذا الموضوع مع أعضاء الكونغرس الذين كانوا يعتقدون أن معارضة ومواجهة الحكومة الساندينية هي فكرة سيئة وخاطئة، فيجب، حسب رأيهم، ألا نقلق أساسا بشأنها. وكان واضحا انه إذا كنا نسعى لاتباع سياسة دعم ثوار "الكونترا" فنحن في حاجة للحصول على دعم أكبر من الديموقراطيين والجمهوريين على حد سواء، وللوصول إلى ذلك أوصيت بتأليف لجنة من الخبراء. وفي الإدارة الأميركية، إذا كنت لا تستطيع إقناع أعضائها، في هذه الحالة جورج شولتز وزير الخارجية واينبرغر بالموافقة على حل واحد، فالأفضل عندها أن تسعى في الخارج وتطلب من الدكتور هنري كيسنجر وبعض الخبراء الآخرين إجراء دراسة لك، وبسبب الهالة التي تحيط بهؤلاء الناس فتوصياتهم لريغان سيكون لها وزن أكثر مما تكون من داخل الحكومة. وهكذا سألت كيسنجر إذا كان في استطاعته المشاركة في دراسة مشاكلنا في أميركا اللاتينية مع شخصيات بارزة كجين كيركباتريك وبعض الأساتذة الجامعيين، فوافق. وخلال صيف ونهاية 1983 درست لجنة كيسنجر شؤون أميركا اللاتينية ووضعت توصياتها التي قدمت للرئيس في آخر السنة.
في هذه الأثناء أيضا كانت اتفاقية 17 أيار مايو بين لبنان وإسرائيل أصبحت جاهزة للتوقيع. وكان جورج شولتز يعمل ما في وسعه لانجاحها وتنفيذها، وعلى أساسها كانت تنتظرني مهمة جديدة لأحل مكان السفير فيليب حبيب، كمبعوث خاص للرئيس رونالد ريغان إلى الشرق الوسط، والتي سأتحدث عنها في ما بعد في حلقة منفصلة، نظرا إلى أهميتها.
كانت هناك أمور أخرى معقدة تطرح نفسها بقوة على إدارة ريغان آنذاك: كمشاكل أميركا الوسطى وكيفية إقناع الكونغرس للحصول على دعمه لسياستنا لحلها، وإسقاط الطيران السوفياتي للطائرة الكورية الجنوبية "كال - 1700" وفي وقت كانت علاقاتنا مع موسكو في حالة تأزم، إضافة إلى جهودنا في أوروبا لاستخدام الصواريخ المتوسطة المدى لمجابهة النوعية نفسها من الصواريخ السوفياتية "أس-أس-20" التي وضعت قيد الاستعمال العام 1981، وقد وافق حلفاؤنا الأوروبيون، الألمان والبريطانيون والإيطاليون على استخدام صواريخنا "بيرشنغ2" و"كروز" لإعادة التوازن إذا لم يسحب السوفيات صواريخ "أس-أس-20" بناء على تهديداتنا المتكررة لهم منذ عامين لإزالتها. وكان علينا تركيز صواريخنا في تشرين الثاني نوفمبر 1983، وهذا تطلب منا جهودا متواصلة ونشيطة لدعم الحكومات الحليفة كي لا "تبرد" همتها ويخف حماسها أمام انتقادات بعض فئات الشعب التي تجسدت في أكثر من مدينة أوروبية بتظاهرات ضخمة.
وعدت من لبنان إلى واشنطن في تشرن الأول أكتوبر 1983. وكان القاضي كلارك مستشارا أيضا لشؤون الأمن القومي في هذا الوقت تعبا منزعجا من عمله في البيت الأبيض الذي بدأه منذ حوالي العامين، خصوصاً بعدما وجد أن الامر بات صعبا لمواجهة انتقادات نانسي ريغان ومايك ديفر التي شعر بأنها أثرت سلبا على علاقته مع الرئيس. لهذا قرر الخروج من البيت البيض وعبر عن رغبته لأكثر من صديق. ولما كان مركز مستشار شؤون الامن القومي مهما وحساسا ومؤثرا فقد أعلن بعض الطامحين عن رغبته للخلافة، ومن بينهم جين كيركباتريك وجيمس بيكر. ولكن عندما علم وليم كايسي وكاسبار واينبرغر برغبة كلارك أعطيا توصياتهما بالأسماء التي يدعمانها، فاقترح الأول كيركبارتيك وسمى الثاني شخصا لم أعد أذكر اسمه.
وبدأ كل شيء ينكشف قبل حلول تشرين الأول أكتوبر 1983 وبعدما طلب مني القاضي كلارك في أواخر أيلول سبتمبر الالتحاق به، من بيروت إلى روما، بهدف بحث أمور عامة فقط. وكنت أستطيع الشعور يومها بأن هناك أمرا سيئا. والتقينا في منزل السفير الأميركي وصارحني كلارك بأنه صار متعبا وينوي ترك البيت الأبيض، ويريد معرفة إذا كنت مستعدا لأخذ مكانه، ولم يكن يومها كشف لأحد عن رغبته في الاستقالة، فأجبته بأنه يسعدني ذلك، وأنه إذا طلب الرئيس ريغان مني ذلك فسوف أقبل. وعاد هو إلى واشنطن بينما أنا سافرت إلى لبنان حيث كنا توصلنا إلى اتفاق لوقف النار على أراضيه.
في بداية الأسبوع الثاني من تشرين الأول أكتوبر 1983 استدعيت إلى الولايات المتحدة، حيث قدم كلارك استقالته. وعقد في اليوم التالي 13 تشرين الأول - أكتوبر اجتماع في غرفة العمليات في البيت البيض حذره الرئيس ريغان وجورج بوش وواينبرغر وميس وبيكر وديفر وكايسي مدير المخابرات الأميركية وشولتز وكلارك؟ وفي طريقهما إلى غرفة الاجتماع قال ريغان لكلارك: "لقد قررت تسمية جيمس بيكر لخلافتك". ورأى القاضي في حينه أن هذا التعيين سيكون خطأ لأن كلارك يختلف مع فلسفة بيكر التي يعتبرها ليبرالية وليست محافظة كفلسفته. لذا طلب من الرئيس أن يعيد التفكير بقراره وبعد الاجتماع عادا معا إلى مكتب المستشار المستقيل حيث قال ريغان: طيب، سأعيد التفكير، على أن تقترح لي أنت من تريد لخلافتك". ودعا القاضي كلارك بعد مغادرة الرئيس، كلا من ميس وواينبرغر وكايس إلى مكتبه وأوضح لهم بالحرف الواحد: "أعتقد أن الشخص المناسب هو مكفرلين. إذ علينا اختيار إنسان ملم ويملك المعرفة والتجربة ويستطيع التفكير بعقلية ريغان". ووافق واينبرغر وكايسي على الاقتراح. عندها صعد كلارك إلى المكتب البيضاوي وقال للرئيس أنه يوصي بقوة بأن يكون خليفته مكفرلين. وأجاب ريغان: "دعني أفكر في الأمر هذه الليلة، وإذا كنت تعتقد بما تقول، فهذا سيحصل".
ومر من ثم القاضي بمكتبي وقال: "الرئيس يريد التفكير في الامر هذه الليلة، ولكني أعتقد بكل تأكيد أنك ستكون الشخص المختار. وتستطيع الاعتماد على كلامي هذا".
وهكذا، عينت صباح اليوم التالي مستشارا للرئيس ريغان للأمن القومي وتحدثت مع زوجتي حول مهمتي الجديدة فأبدت دعمها للفكر. ولدى عرض الرئيس ريغان الوظيفة علي فقلت له بأنه "يهمني إنجاز أعمال ملموسة وواقعية. لقد وصلت إلى الرئاسة في وقت كان يريد الشعب الأميركي إعادة تأكيد زعامتنا في العالم، وصرفت أموالا كثيرة في مجالات الدفاع للحصول على أشياء عدة، ولكن هذه الأشياء لن تدوم إلا إذا استخدمت تلك القوة لإتمام شيء دائم، شيء يبقى لعشر، أو عشرين، أو خمسين سنة. وهذا يتطلب الوصول إلى بعض الاتفاقات. ويجب استخدام هذه القوة لتحويلها إلى نتيجة، واعتقد أن هذا يمكن أن يحصل مع الاتحاد السوفياتي للحد من الأسلحة ووضع سقف التسلح والبدء بعملية التخفيض. وأعتقد أننا نستطيع أن نوجه إسرائيل والدول العربية نحو عقد اتفاق سلام وقد نستطيع تطبيقه أيضا مع اليابان بالبدء برسم مجرى أكثر دقة لجعل اليابانيين يشعرون أكثر مع العالم. إنها نتائج وليست فقط صرف أموال على الدبابات والطائرات والتكنولوجيا". وقال ريغان: "طيب، لنتصور ماذا تريد أن تفعله... وافعله".
وهكذا شعرت بأنه مستعد لتقبل الاقتراحات على الأقل، وعلى هذا الأساس قبلت وظيفتي وبدأت فورا التخطيط للأهداف التي يمكننا تحقيقها. وكان ذلك في أواخر 1983 وعندما جرى تفجير مركز المارينز في لبنان و... الإنزال العسكري في جزيرة "غرانادا".
غزو غرانادا
ذهبت مع لرئيس ريغان وجورج شولتز ونيك بريدي ودونالد ريغان إلى جورجيا لقضاء إجازة نهاية الأسبوع وممارسة لعبة الغولف. وفي الليلة الأولى لوصولنا تلقينا من نائب الرئيس جورج بوش الموجود في واشنطن مكالمة هاتفية تفيد بأن أربع دول كاريبية شرقية هي الدومينيكان وسانت كيتس ونيفيس وباربادوس، تبدي قلقا كبيرا جدا من التأثير المتصاعد من فيديل كاسترو وموسكو على حكومة موريس بيشوب في جزيرة غرانادا والتي قد تصبح مركزا شيوعيا ثانيا بعد كوبا في البحر الكاريبي يستطيع السوفيات القفز منه للانتشار في أميركا الجنوبية والدول الكاريبية وتوسيع نفوذهم. وطلبت هذه الدول التدخل الأميركي لمنع الوصول إلى هذه النتيجة. وكنا في الواقع منذ مدة طويلة ندرس هذا الأمر وكان الرئيس على علم بتطوراته قبل أن يترك العاصمة الفيدرالية، وقلت له يومها بأن "معالجة هذه المشكلة أكثر أهمية من أمن تلك الجزيرة. وأن استعمال القوة العسكرية لاجتياح واحتلال بلد آخر عمل خطير جدا، وإذا كنت تريد القيام به فعليك النجاح. لا تستطيع أن تتوقف في منتصف الطريق لأن ذلك سيؤثر على سمعتك وهيبة الولايات المتحدة في أوروبا. وسيشكل إشارة واضحة جدا عن ضعفنا بالنسبة إلى موسكو. لذا من الأفضل أن تنجح في هذه العملية إذا أردت الإقدام عليها، وأنا أعتقد بأنه يجب القيام بها، إذ أننا لو سمحنا بتعاظم النفوذ الكوبي وبالتالي النفوذ الشيوعي، حيث تم بناء مطار في غرانادا يستطيع استيعاب أكبر القاذفات السوفياتية، فان قدرة السوفيات ستكون كبيرة على تهديد فنزويلا وكولومبيا والبلدان القريبة الأخرى في المنطقة، لتغيير توجهها والابتعاد عن الولايات المتحدة والتعامل مع موسكو على صعيد التجارة والأمور الأخرى". ووافق ريغان على الهجوم أشار إلى بوش لبدء التخطيط له.
بعد يومين عدنا إلى واشنطن، وعقدنا اجتماعا في البيت البيض مع نائب الرئيس بوش وقيادة الأركان العامة في الجيش ومسؤولي المخابرات المركزية "سي. آي؟ إي.". وكنا في هذه الأثناء غيرنا وجهة سير قوات "المارينز" المتجهة إلى البحر البيض المتوسط، نحو الجنوب إلى "غرانادا"، ووضعنا قوات جوية أخرى ومظليين في حالة الاستعداد القصوى على الشاطئ الشرقي في بورت براغ وفي فلوريدا، وكنا نجمع المعلومات بواسطة البحر والجو كما من الأرض حيث أطلقنا بعض الجنود من الغواصات القريبة إلى أرض الجزيرة الهدف، للتحضير لهجوم الثلاثاء.
وكان على الرئيس أن يحصل على دعم الدول الصديقة للقيام بهذه العملة، فعقد اجتماع ليلة الاثنين في البيت البيض، أرسلنا خلاله رسائل تلكسية إلى كل من مارغريت ثاتشر رئيسة الحكومة البريطانية وهيلموت كول المستشار الألماني والرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، ومستشار النمسا برونو كراكسي... موضحين فيها ماذا قررت واشنطن أن تفعل، وطلبنا دعمهم. وكانت وزارة الخارجية، قبل أسبوع، ولسوء الحظ، أقدمت على ارتكاب خطأ فادح لإعلامها وزير الخارجية البريطاني أننا لن نهاجم الجزيرة، بحيث أعلن هذا الخبر ذلك أمام مجلس العموم في بلده. لذا كان الموقف حرجا لريغان عندما تحدث إلى ثاتشر في تلك الليلة فأجابته: "لا أستطيع دعمك في هذه العملية، لقد سجلنا موقفنا علنا بأننا ضده مسبقا". وحملت هذه المكالمة إحدى أكثر الخيبات التي مرت بالرئيس، لأنه كان يعول على موقف رئيسة حكومة بريطانيا كثيرا إذ كانت تربطها به علاقات وثيقة وخاصة. ومع ذلك، بعد سماعنا هذا، قررنا السير في العملية وتنفيذ ما تعهدنا به وحضرنا أنفسنا عليه. واعتقدنا في حينه بأنها خطوة صحيحة، لا سيما أن بعض الأميركيين، من الطلاب الموجودين في غرانادا مهددون وأصبحوا في خطر. ومن ثم دعا الرئيس ريغان زعماء الكونغرس من الحزبين لطلب دعمهم، فكان الجواب من الجميع سلبيا إلا من هوارد بيكر الذي شجع على تنفيذ الهجوم. وقال الناطق باسم مجلس النواب تيب أونيل بأن "العملية خطيرة، ولن تحصل على أي دعم لها". كما أن جيم رايت والديموقراطيين كانوا ضدها.
وعلى رغم معارضة الكونغرس ومارغريت ثاتشر قرر ريغان القيام بالهجوم وتنفيذه. وكان هذا من أقوى وأخطر القرارات التي اتخذها وبعدها، بالطبع، نزلت قوات "المارينز" والقوات المجوقلة على أرض غرانادا وسيطرت عليها خلال ثلاثة أيام. ومنع هذا القرار توسع النفوذين الكوبي والسوفياتي، وبدا الرئيس أنه صار أكثر نضجا ووعيا وحذرا وتفكيرا.
بعد نجاح العملية مباشرة، سافرت مع ريغان إلى اليابان وكوريا، وكانت هذه أولى رحلاتي معه إلى الخارج، ولم تؤد إلى أية نتائج خاصة، كما لم يحدث أي شيء يذكر حتى نهاية 1983، ما عدا قضية استخدام الصواريخ المتوسطة المدى في أوروبا.
في نهاية 1984، وبعد إعادة انتخابه قدمت لريغان مذكرة مما جاء فيها: "في الفترة الثانية تستطيع التركيز على السلام في الشرق الوسط، وهذه أوراق عدة حول كيفية العمل. وعلى الحد من الأسلحة مع السوفيات، وهذه هي خطة العمل. كما تستطيع أن تركز على إقامة علاقات جديدة مع اليابان، وهذه هي خطوط استراتيجية ... باختصار، سيدي الرئيس، اختر هدفين من الاثني عشر المعروضة، لأننا لا نستطيع تحقيقها كلها في فترة واحدة، فنيكسون وكيسنجر مثلا خلال أربع سنوات حققا فقط هدفا كبيرا واحدا على صعيد السياسة الخارجية، ففي الفترة الأولى كانت الصين بالنسبة إلى نيكسون، وفي الفترة الثانية قد يكون الوفاق مع السوفيات. ولكن لا تستطيع أن تحقق اكثر من هدف أو اثنين لتغيير توجهك".
وأخذ الرئيس مني المذكرة وكنت عنده في مزرعته في كاليفورنيا واحتفظ بها لمدة يومين، ولدى عودتنا إلى واشنطن على متن الطائرة الرئاسية "ايرفورس واحد" أعادها إلي وقال: "لقد أعجبتني كل الأهداف المعروضة. فلنحققها كلها". وهذا مثل يبرهن على شخصية ريغان الرومنطقية وغير الواقعية. لقد كان من غير المعقول تحقيق كل الأهداف. والحقيقة أنه سيكون وضعنا عظيما وطموحنا كبيرا لو استطعنا تحقيق هدفين أو ثلاثة منها.
ولقد أدت الانتخابات، التي حقق فيها رونالد ريغان نصرا ساحقا استطاع من خلاله الظهور بأرضية صلبة جدا مرتكزة على الدعم الشعبي، إلى حصوله على سلطة قوية لتحقيق ما يريد في الفترة الثانية من رئاسته. وتحدثت مع جورج شولتز حول الأهداف الاثني عشر التي عرضتها على الرئيس كي نختار معا منها هدفين أو ثلاثة، ووافق وزير الخارجية معي بأن الهدف الأول يجب أن يتركز على الاتحاد السوفياتي لمحاولة الحصول على معاهدة للحد من الأسلحة النووية أولا، وثانيا للعمل على انسحاب قواته من أفغانستان، وثالثا لتحسين سجل حقوق الإنسان لديه إضافة إلى تحقيق بعض الاتفاقات الثنائية. واتفقنا أيضا أن يكون الهدف الثاني منصبا على متابعة المحاولة لتطوير ودفع عملية السلام في الشرق الأوسط. ومع ذلك تساءل شولتز إلى أي حد نستطيع تحقيق هذين الهدفين بوجود واينبرغر وآرائه المخالفة له. وكان شريفاً وأمينا بتأكيده على أنه يعتقد بأنه من المهم للرئيس في الفترة الثانية أن ينشئ مجموعة من المستشارين حوله ولا يعتمد على آراء وزيري خارجية ودفاع مختلفين حول كل الأمور. ومن ثم ذهب إلى ريغان وقال له بالحرف الواحد: "سيدي الرئيس، نستطيع تشكيل مجموعة جيدة من الخبراء حولي أو حول واينبرغر، وأستطيع تأييد أي فكرة. ولكن إذا أردت دعم إنشاء مجموعة حول واينبرغر فاني سأستقيل". وأجاب الرئيس: "واني لن اقبلها. فأنا في حاجة اليكما معا. وأريد منكما أن تحاولا العمل معا". وكانت لحظة مخيبة لآمال شولتز، فهو لم يكن يسعى إلى احتكاك مستقبلي مستمر مع واينبرغر لكن شعوره بالولاء لريغان دفعه إلى البقاء في منصبه. وعلى هذا الأساس بدأنا سلسلة من اجتماعات "غداء عائلية"، وكنا وكايسي معا في الغرفة نفسها مرة في الأسبوع نحاول مع الوزيرين تجاوز خلافاتنا في جو خاص وعلى انفراد حتى لا نشل أعمال الحكومة. ولسوء الحظ لم تنجح هذه العملية دائما لكنها حلت بعض الإشكالات أحيانا.
في حزيران يونيو 1985 خطفت طائرة أميركية تابعة لشركة خطوط "تي.أم.إي." وهي في رحلتها رقم 847، إلى تونس، وتم تحويلها إلى بيروت حيث عرف الخاطفون عن أنفسهم بأنهم ينتمون إلى مجموعة متطرفة يقودها عماد مغنية، وأقدموا هناك على قتل عسكري من البحرية الأميركية يدعى روبرت ستيتهام كان على متن الطائرة ورموا جثته على ارض المطار. وهذا النوع من الأزمات كان يحير عادة موظفي البيت الأبيض ويقسمهم، بمن فيهم الرئيس، إلى مجموعات تعقد لقاءات مكثفة وظاهرة لإيجاد مخرج ما. وخلال 24 ساعة بدا جليا أن الخاطفين أنفسهم كانوا على خلاف مع آخرين في بيروت، حيث استطاع عندها رئيس حركة "أمل" نبيه بري السيطرة على الرهائن، وأعلن على أثرها عن مطالب لإطلاق سراح مسجونين عرب في إسرائيل، وكان يريد من الولايات المتحدة أن تضغط على الدولة العبرية لاطلاق سراح هؤلاء المساجين قبل أن يقدم على الإفراج عن رهائننا. وكنت عرفت سابقا نبيه بري خلال عملي في بيروت، وفوجئت بكيفية جر نفسه إلى هذا الموقف بتعهده علنا بشيء كان مستحيلا تحقيقه. لقد أساء التقدير، فواشنطن لم تكن في وارد الاتكال على حكومة أخرى، أي حكومة، لاطلاق الرهائن أو إعطاء تنازلات. لذا اتصلت به هاتفيا وقلت له: "ليس هناك طريقة ستجبرنا على فعل ما تطلبه. فالأفضل أن تجد منحى آخر لإخراج نفسك بكياسة من موقفك المعلن، لأننا لن نطلب من الإسرائيليين تنفيذ ما تطلبه، وأستطيع القول لك يا نبيه بأن إسرائيل أكدت لنا بأنها ستطلق سراح المسجونين الذين تطالب بهم على أية حال، وهذا ما سيحصل خلال أسبوعين. ولكن لا يجب النظر إلى هذا الأمر بأن له صلة بإطلاق رهائننا، وإلا سنكون بذلك كمن يشجع الإرهابيين على أخذ رهائن أكثر في المستقبل". وأصغى بري جيدا، وقال: "سوف أفكر في كلامك".
وفيما كانت وقائع الأزمة تتطور، كانت الصورة تتوضح لي أكثر بالنسبة إلى الخاطفين الذين يقبضون على الرهائن أي حركة "أمل"، فهم في النهاية طائفة تعيش مع طوائف أخرى في لبنان، وإذا استطعنا إيجاد مخرج لزيادة الضغط على بري والخاطفين فقد يكون لنا حظ أكبر في الإفراج عن رهائننا. لذا بدا لي أن التهديد بإقفال مرفأ بيروت بواسطة حصار بحري سيؤثر على مجرى الحياة لدى باقي الطوائف من مسيحيين وسنة ودروز... وقد يبدأون بالضغط المطلوب على نبيه بري والخاطفين من أجل إنهاء الأزمة. ومرفأ بيروت هو المنفذ لصحة لبنان الاقتصادية، فإذا أقفل فكل الناس ستتأثر. وهناك مرافئ أخرى، لكن مرفأ العاصمة هو الأساس. ولإيصال الرسالة توقفت "عمدا" أمام مجموعة من الصحافيين في البيت الأبيض في صباح أحد الأيام، حيث سألني أحدهم: "ماذا ستفعلون؟" قلت: "فكر الرئيس بأشياء كثيرة". فسأل آخر: "هل هذا يتضمن استخدام القوة العسكرية" أجبته: "هذا أحد التصورات"، وأصر بعضهم: "كيف ستنفذون الامر؟"، فكان جوابي: "نستطيع أن نتخيل أن إقفال مرفأ بيروت سيكون بناء". ولم أضف كلمة أخرى إلى ذلك، بل دخلت إلى مكتبي، وبدأنا بعدها متابعة تقارير المخابرات والمعلومات الواردة من لبنان والتي تفيد بأن حوارات الناس والمسؤولين هناك تشير كلها إلى مخاوف وقلق من إمكانية إقفال المرفأ، وكان واضحا أن التصريح فعل فعله، حيث راح مفتي الطائفة السنية وآخرون يتصلون ببعض المقربين من بري لإنهاء القضية، وأخذ الضغط يتضاعف...
في موازاة ذلك، وجد الرئيس حافظ الأسد مناسبة للعب دور في هذه الأزمة لجني بعض الفوائد منها. فقد أكد لسفيرنا في دمشق رغبته في المساعدة، لكن أعلن بأن على الإسرائيليين الإفراج عن المسجونين العرب لديهم أولا. وبعد سلسلة من المحادثات الحساسة والصعبة توصلنا إلى صيغة حل حيث قلنا للمسؤولين السوريين واللبنانيين: "أنظروا، لن نطلب من الإسرائيليين أي شيء، إلا أننا نستطيع التأكيد لكم بشكل خاص وغير رسمي بأنهم سوف يفرجون عن السجناء العرب الذين تطالبون بهم بأية حال في المستقبل القريب".
وهنا حدث تطور مهم. فقد تدخل حجة الإسلام علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس البرلمان الإيراني آنذاك في هذه القضية من دون أن يتصل بنا أو من دون أن نطلب منه ذلك. واتصل بالرئيس الأسد وأبلغه أن إيران ترغب في أن يتم الإفراج عن رهائن الطائرة، كما أبلغه أن طهران تجري اتصالات بهذا الاتجاه مع جهات لبنانية. وبالفعل أعطى الرئيس الأسد بسرعة تعليماته بنقل الرهائن من لبنان إلى دمشق حيث تم تسليمهم إلى مسؤولين أميركيين. وهكذا انتهت هذه الأزمة في مطلع تموز يوليو 1985.
الأسبوع المقبل: الحلقة الخامسة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.