لأربع ساعات متواصلة، كانت فلسطين، وغزة تحديداً، حاضرة في قلب مدينة الدمام. وعلى رغم الفاصل الجغرافي نحو ألفي كيلومتر، إلا أن الحاضرات في مركز"الأربعائيات"سمعن أزيز الرصاص وأصوات انفجار القذائف. لم تنقلها لهن الفضائيات، بل خطوط الهاتف في اتصال هاتفي مع غزة. وفيما اتشحت السعوديات الحاضرات بالسواد، كان الثوب الفلسطيني هو القاسم المشترك بين الحاضرات الفلسطينيات، فيما اعتمر أطفالهن الشال الفلسطيني، وفضل آخرون لفه على أعناقهم وارتداء قبعات متوجة ب"القدس في قلوبنا". "المسخن"، و"المفتول"، و"الكنافة النابلسية"، و"الأوزي"، وأكلات فلسطينية أخرى، كانت حاضرة أيضاً في مهرجان"نصر غزة"، الذي تضمن فقرات عدة، عبرت عن التضامن مع أهالي القطاع، وتحديداً نساء غزة، اللاتي"أثقلتهن الجراح، ودب في بيوتهن الخراب، وعاث في أرضهن الفساد، ففقدن أبناءهن وأزواجهن". ونقلت زوجة الراحل عبد العزيز الرنتيسي، أحد قادة حركة"المقاومة الإسلامية"حماس رشا العدواني، في اتصال هاتفي من قلب قطاع غزة، إلى الحاضرات في مركز"الأربعائيات"في الدمام، فصولاً من"المأساة الحقيقية لما يحدث في القطاع، بعد أن تم الإعلان انه منطقة منكوبة، ويشهد كارثة إنسانية ستدون في صفحات التاريخ". وخيم الحزن على المكان فيما كانت العدواني، تنقل للحاضرات"بعض ما نعانيه"، ولم تتمالك حاضرات حبس دموعهن وهن يسمعن صوتها، الذي يقاطعه بين الفينة والأخرى دوي الرصاص والانفجارات المتوالية، جراء القصف المدفعي الكثيف، أو ما تلقيه الطائرات من قنابل فسفورية وذخائر. بيد ان حاضرات أخريات لم يبكين، بل علا صوتهن في تكبير وتهليل. وبادرت الشاعرة السعودية ميرفت بخاري، إلى إهداء كلمات وألحان أغنية قامت بتأليفها، إلى المطربة الأردنية فلسطينية الأصل غادة العباسي، بعنوان"قادمون". وقامت بخاري بأدائها مع ألحان امتزجت مع دموع الحاضرات، ترثي حال الأمة العربية، وما عصف فيها من خراب، مرددة"ها هي الأشلاء يا أقصانا بُعثرت، ومدائنك الجميلة بالضحايا لُطخت، ودماء أحبتي دون ذنب أُزهقت، الشهادة يا الهي يا رجائي قدمت... قادمون ...قادمون". وتابعت العدوني، حديثها للحاضرات، اللاتي استمعن إليها، وهي تتحدث عن مآسي الفلسطينيات، وما يتعرضن له في كل لحظة، ومدى تحملهن الصعاب، ومحاربتهن الأعداء بأولادهن ودمائهن، مشيرة إلى أن"رائحة الموت تنتشر في كل مكان في القطاع"، واصفة حال"الأطفال التي أزهقت أرواحهم، وسفكت دماؤهم وتلطخت بها شوارع غزة وأروقتها، متدفقة إلى قلوب المتفرجين على نشرات الأخبار". وأشارت الداعية ميسون الحمد، إلى ما يحدث من"ثورة في العالم، تندد بالكارثة الإنسانية، التي أيقظت الشعوب للعودة إلى القضية الفلسطينية وتأصيلها"، مضيفة"قضيتنا هي فلسطين، فمنذ 60 عاماً، والقضية مستهدفة من جانب العدو الإسرائيلي، لإجهاضها. وبعد أن كانت في العمق الإسلامي العقائدي، خرجنا بها إلى الحيز العربي، ومنها إلى الشرق أوسطي، ثم إلى دول جوار فلسطين، إلى أن وصل تضييق الخناق التدريجي إلى غزة"، مؤكدة على أن القضية"تمس كل عربي مسلم، فلن يعذر الله مسلماً بعد ذلك، ولن يعذر الله من لا يورث حب القضية إلى أبنائه من الجيل الفلسطيني الثالث، وأبناء العالم العربي"، رافضة"التغريب والابتعاد عن قضية أرض الميعاد". وشارك أطفال في نقل مشاعرهم إلى أطفال غزة، متأثرين بما يشاهدونه عبر الفضائيات التي"تنقل المشاهد المؤلمة"، على حد تعبيرهم، مشيرين إلى أن هذه الحرب"ضد الطفولة البريئة". وخاطبت سندس وآية، أبناء غزة، معربتين عن أسفهما"لما يحدث للأطفال من قتل ودمار وتشرد". فيما أبدت الطفلة دعد الخثلان، استياءها والدموع تملأ مقلتيها، على مثيلاتها في السن،"لحرمانهن التعليم والأهل والمأكل والملبس". واكتفت منظمة المهرجان سارة الخثلان، بالتعبير عما يجول في خاطرها بكلمات معدودة، مبررة ذلك بان"الجرح عميق، لكن البذرة لا تموت، فهذا العمل سقيا لسنابل رفعت أعناقها عالياً". واختتمت الشاعرة بخاري، أغنيتها"يا فلسطين استكيني واشهدي فينا الوفاء، لن نهنئ في الحياة ونزفك فينا بلاء، أحلامنا أرواحنا أموالنا لكم فداء، لن نمل من الصمود مهما عايشنا العداء".