"ما لا يؤخذ بالقوة يؤخذ بمزيد من القوة"... هذا ما قاله آرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، فمنذ قيام إسرائيل عام 1948 والهاجس الأمني هو المحرك الرئيس لسياساتها وتعاملاتها المحلية والإقليمية والدولية، إذ مثلت الإستراتيجية الأمنية حجر الزاوية بالنسبة لإسرائيل ووضعها فوق كل الاعتبارات، ما جعلها تستخدم كل الأساليب والطرق لتعزيز أمنها الذي وعدت به شعبها منذ إنشائها على أرض فلسطين وحتى اليوم. وقد استخدمت كل الوسائل والإمكانات المتاحة لها لتجسيد سيطرتها وتفوقها على الدول العربية، وبدعم مطلق من الولاياتالمتحدة الأميركية وكثير من الدول الأوروبية، إذ شكل هذا الدعم عنصراً مهماُ في صلفها وتسلطها في المنطقة، وعدم اعترافها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، واستمرارها في احتلال أراضٍ عربية من دون وجه حق. ومن الوسائل التي استخدمتها إسرائيل لتعزيز أمنها ما يأتي: 1- الحروب: قامت إسرائيل بشن ست حروب على العرب: 1948 و 195 و1967 و1973 و1982 و2006، انتصرت في ثلاث منها عسكرياً، وهزمت في ثلاث سياسياً أو عسكرياً، لكنها لم تستطع في كل هذه الحروب أن تجعل العرب يستسلمون لمطالبها وشروطها، فما أن تنتهي حرب حتى تبدأ العدة لحرب أخرى من جميع الأطراف ذات العلاقة. كما أن الضربات الاستباقية كانت أحد الأساليب التي استخدمتها إسرائيل، مثل ضرب مفاعل تموز العراقي، ومقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، واغتيال أبو جهاد في تونس، وعملية مطار عنتيبي الأوغندي وغيرها من العمليات، خصوصاً ضد المقاومة الفلسطينية في لبنان، واستهداف قياداتها سواء بالقتل أو بالاغتيال أو أساليب أخرى استخدمتها وتستخدمها الآن ضد رموز المقاومة الفلسطينية. 2- الحصار والترحيل ومصادرة الأراضي، هي من الوسائل التي تتبعها إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين وغيرهم من العرب الذين وقعوا تحت الاحتلال، فقد قامت إسرائيل بحصار جماعي للضفة الغربية وقطاع غزة بعد كل عملية تقوم بها المقاومة، ولا تفرق في ذلك بين المدنيين العزل والمقاومين، وهو ما نراه كذلك في قصفها العشوائي للمناطق الفلسطينية من دون استثناء، وباستخدام الوسائل كافة حتى المحرمة منها، والدليل قصفها لقرية"قانا"في جنوبلبنان أثناء عملية"عناقيد الغضب"المشؤومة عام 1996. 3- بناء المستوطنات وبناء الجدران العازلة، إذ مثلت هذه الإستراتيجية أهمية وأولوية بالنسبة لسياسة إسرائيل مع الفلسطينيين، تمثلت في بناء الجدار العازل بينها وبين الضفة الغربية، والذي صادرت من خلاله مزيداً من الأراضي، إضافة إلى بناء المزيد من المستوطنات، في محاولة لتعزيز أمنها ومنع تسلل المقاومة الى الداخل الإسرائيلي، وكذلك بناء سياج حديدي، كان آخرها الأسبوع الماضي مع سيناءوغزة، وكذلك مع جميع من يقع على حدودها، تطبيقاً لنظرية ملهم حزب الليكود"فلاديمير جابوتنسكي"، الذي كان يدعو إلى إقامة ما سماه بالحائط الحديدي، ليعزل سكان المستوطنات عن سكان الأرض الأصليين. 4- اتفاقات الهدنة والسلام: عقدت إسرائيل اتفاقي سلام مع كل من مصر والأردن، واتفاقي هدنة مع سورية ولبنان، إضافة إلى اتفاق أوسلو للمفاوضات مع الفلسطينيين، لم تعطِ أي من هذه الاتفاقات الأمن المنشود الذي تحلم به إسرائيل، فها هي تقيم سياجاً حديدياً بينها وبين كل من مصر والأردن، والجدار العازل في الضفة الغربية ومع سورية ولبنان. لقد أظهرت عملية ديمونة الاثنين الماضي 26 - 1 - 1429ه أن إسرائيل لن تنعم بالأمن وهي تغتصب الأراضي وتحاصر المناطق الفلسطينية وتقتل المدنيين، مهما أحاطت نفسها من الإجراءات الأمنية والدعم المطلق من الدول الغربية. والسؤال المطروح: هل كل هذه الاستراتيجيات والسياسات آنفة الذكر من إسرائيل، إضافة إلى التفوق العسكري الذي تمتلكه، أعطاها الأمن؟ والجواب: لا، إذ يذكر خالد محمود في كتابه"آفاق الأمن الإسرائيلي... الواقع والمستقبل"، أن"المستجدات التي طرأت على النظرية الأمنية الإسرائيلية في العقد الأخير من القرن العشرين أفضت إلى جعل الأمن الإسرائيلي أكثر تهديداُ من ذي قبل"، كما أضاف:"إن إسرائيل استطاعت أن تجعل من مسألة مصيرية، محولة إياه إلى عقدة جماعية مازالت تتحكم في اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي". إن العلاقة بين الإسرائيليين والغرب تحكمها المصالح السياسية والاقتصادية والشعور بعقدة الذنب مما حدث لهم على يد ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية وقبلها، لذا اعتقد أن الدول الغربية في حال وجدت أن دعمها لإسرائيل سيؤثر سلباُ وبشكل جدي وكبير على مصالحها فإنه سوف يضحي بهذه العلاقة معها، ولذلك لا نستغرب الغزل الإسرائيلي لكل من الصين وروسيا والهند، إذ تحاول إسرائيل تعزيز علاقاتها مع هذه الدول عن طريق عقد الصفقات الاقتصادية معها، خصوصاً مع الصين والهند لاستقرائها المستقبل، مثلما فعلت قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، بتحول ميزان القوة باتجاه الولاياتالمتحدة الأميركية لقيادة العالم الغربي، فقامت بالتحول في علاقاتها من بريطانيا إلى الولاياتالمتحدة الأميركية. أما بالنسبة للعلاقة بين الدول العربية والفلسطينيين فهي علاقة أخوة في العرق والدم والدين والمصير، ولا تحكمها المصالح السياسية والاقتصادية، بل يحكمها المصير المشترك كأشقاء، لذا لن تحلم إسرائيل وغيرها يوماً ما بتخلي العرب عن دعمهم للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، التي تعتبر قضية العرب الأولى، إضافة إلى أنها أيضاً قضية إسلامية بوجود المسجد الأقصى في القدس. إن كل ما تفعله إسرائيل من إجراءات لم ولن يعطيها الأمن، والدليل هو عملية ديمونة الأخيرة، التي تمت في أكثر المناطق الإسرائيلية المعززة أمنياً، ولحل عقدة إسرائيل الأمنية عليها الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والقبول بمبدأ السلام العادل، وقبول المبادرة العربية للسلام اليوم قبل الغد، إذ يمثل عامل الوقت عنصراً إيجابياً في مصلحة العرب، وليس في مصلحة الإسرائيليين، وهو ما تؤيده الوقائع الحالية والمعطيات السياسية في المشهد السياسي في الشرق الأوسط. أن ما تحصل عليه إسرائيل في حال قبلت بالمبادرة العربية للسلام، لن تحصل عليه إذا قبلت بها في المستقبل. * عضو مجلس الشورى.