يمضي العام تلو العام ولا يتوقف العالم في محطة سعودية سوى في ال14 من شباط فبراير الذي يصادف عيد الحب أو الفالنتاين، ونحن نسميه هنا عيد القديس فالنتاين عندما يهب أعضاء هيئة الأمر بالمعروف في المدن السعودية لمصادرة الورود الحمراء والقلوب الحمراء أو حتى الدببة الحمراء وكل الهدايا التي لها علاقة بالفالنتاين، بل كل ما هو احمر في محال الهدايا والزهور، لأن هذا الاحتفال برموزه الحمراء مخالفة شرعية. الهيئة تنطلق من مبدأ انه لا يصح احتفال المسلمين بهذه الأعياد لأنها تحمل صبغة عقائدية غربية وتقديساً لهذا القس في يومه المشهود، وهو تقليد أعمى، وأن إحياء هذا النوع من الشعائر الاحتفالية التي لا تمت للدين الإسلامي بصلة هو تشبه مقيت يشوه الهوية الدينية المميزة، وهي تتدخل كجزء من واجبها لإنكار المنكر وإبطاله. لا وجود لعيد خاص بالحب في الشريعة الإسلامية، والمواطنون السعوديون المحافظون بطبيعتهم الغيورون على دينهم لا يقرون بهذا النوع من الاحتفال الساذج ولا بتقليد لأسطورة نسجت الحب في شكل وردة حمراء. وفي هذا الوقت من كل عام تحفل الصحافة الدولية بقصص تصف السعودية بأنها دولة عدوة للحب والمحبة، حتى ان البعض يصف المملكة بأنها تحارب كل ما هو جميل في الحياة، وهذا الاحتفال - وإن بدا غير مقصور على شعوب تدين بالدين نفسه - يعود لشيوع الثقافة الكونية التي هي في الواقع تسير في اتجاه واحد نحو الغرب. لا أحد يمنع الحب هنا، ونحن نؤمن بدين يحض كله على المحبة، حتى لمن لا تعرف، ونحن نعيش وكل يوم به حب مشروع، هذا كلام سخيف، أسخف منه ما كتبه الدكتور عبدالخالق حسين في جريدة عراقية عن نزعة الاضطهاد التي تهيم بها الوهابية السعودية التي تحرم الحب وهو على قائمة طويلة من الممنوعات والمحرمات لكل جمال في هذه الدنيا يمت بصلة الى بلاد الكفار، فتبادر الهيئة"الرعناء"إلى استئصاله من جذوره. عبدالخالق الحاقد له من يرد عليه، لكن مَنْ يوقظ حس الهوية الضائع لكثير من الشباب والشابات في بلادنا؟ وكيف نبث روح الاعتزاز بذاتنا وبثقافتنا؟ وكيف يمكن ان نحيي لديهم الثقافة الأصيلة وسط هذا الطمس وتلك الثغرات التي أحدثها فالنتاين المدعوم من قنوات بث تسويقية هدفها العائد ووسيلتها أي بضاعة يمكن ترويجها بسهولة؟ وكيف نستطيع ان نحدث ثورة فكرية للطريقة التي ينظر بها الشباب إلى الغرب بوصفه القدوة والمثال في كل شيء؟ حتى"كل شيء"هذه نتعامل معها بانتقائية شديدة، فهي تغفل كل ما يسهم في نهضة اقتصادية او حضارية، وتركز على عيد الحب، وتتجاهل كل ما يقضي على الفقر والتخلف والمرض والأمية في الدول العربية والإسلامية، وتمنحه حرية التقليد، هذا التقليد الذي لا يشمل سلوكيات وقيماً غربية ايجابية يفتقدها كثير من الشباب كالنظافة العامة والمحافظة على المرافق والدقة في المواعيد والميل إلى التنظيم في الأمور كلها ومنح قيمة عالية للعمل وتغليب روح الحوار واحترام النظام والصدق في التعامل والأمانة، وهم اختاروا بدلاً من ذلك وردة حمراء. [email protected]