نائب أمير تبوك يشهد حفل تكريم طلاب وطالبات مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية بالمنطقة    «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية»: بلوغ نسبة مبادرات رؤية 2030 المكتملة والتي تسير على المسار الصحيح 87%    بحضور سمو نائب أمير عسبر التدريب التقني بالمنطقة تحتفل بخريجيها للعام 1445 ه    مؤتمر بروكسل وجمود الملف السوري    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد    القادسية يُتوّج بدوري يلو .. ويعود لدوري روشن    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    هؤلاء ممثلون حقيقيون    تعب محمد عبده    معرض الرياض الدولي للسفر يختتم غداً    ولاء وتلاحم    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثاني لمجلس أمراء الأفواج للعام 1445ه    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    «الخارجية»: المملكة تدين مواصلة قوات الاحتلال ارتكاب مجازر جماعية    المملكة تدين وتستنكر مواصلة قوات الاحتلال ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية بحق شعب فلسطين بلا رادع    بطاقات نسك    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. أولمبياكوس يتسلح بعامل الأرض أمام فيورنتينا    في أقوى نسخة من دوري المحترفين.. هلال لا يهزم اكتسح الأرقام.. ورونالدو يحطم رقم حمدالله    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    الموسى ينتزع فضية آسيا للبلياردو    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    ترأس جلسة مجلس الوزراء عبر الاتصال المرئي.. خادم الحرمين يشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    ضبط 4,77 ملايين قرص من مادة الإمفيتامين المخدر    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    50,000 ريال غرامة التأخر عن الإبلاغ عن مغادرة المستقدمين    ضبط 4.7 ملايين قرص إمفيتامين مخبأة في شحنة قوالب خرسانية    إرتباط الفقر بمعدل الجريمة    «نفاذ» يحقق التكامل مع المنصات الحكومية    المملكة والنمسا توقّعان مذكرة تفاهم بهدف التعاون في المجال الاقتصادي    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    هيئة التراث تُسجّل 202 مواقع أثرية جديدة بالسجل الوطني للآثار    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    النساء أكثر عرضة للاكتئاب الذهاني    تظاهرة فنية في معرض «تعابير» التشكيلي..    الأهلي يلاقي الهلال .. والنصر يواجه التعاون في نصف نهائي السوبر السعودي    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في منطقة نجران    افتتاح قاعة تدريبية لتدريب وتأهيل مصابي تصلب المتعدد    «نايف الراجحي الاستثمارية» و«مسكان» تطلقان شركة «ارال» لتطوير مشاريع عقارية عملاقة مستدامة تحقق بيئة معيشية متكاملة    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء لجنة جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز    القيادة تهنئ رئيس أذربيجان بذكرى استقلال بلاده    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من جمهورية كوت ديفوار    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على أجزاء من وسط وشرق المملكة    قدوم 532,958 حاجاً عبر المنافذ الدولية    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    كيف تصف سلوك الآخرين بشكل صحيح؟    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    ورحلت أمي الغالية    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    إخلاص وتميز    سكري الحمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"16 سؤالا حول اغتيال" لبرتراند راسل : في انتظار الإجابات المستحيلة
نشر في الحياة يوم 06 - 11 - 2013

في هذه الأيام بالتحديد، تحلّ ذكرى مرور خمسين عاماً على اغتيال الرئيس الأميركي جون كنيدي. ونعرف أن ألغازاً كثيرة لا تزال تحيط بهذه الجريمة، ولم يتمكن أحد من سبر أغوارها حتى الآن. ولهذه المناسبة قد يكون من المفيد استعادة النص الذي كتبه الفيلسوف برتراند راسل طارحاً فيه مجموعة أسئلة شائكة تتعلق بجريمة العصر... ففي السادس من أيلول سبتمبر 1964، وبعد أقل من عام على اغتيال الرئيس كنيدي، وفيما العالم كله يبدو ذاهلاً ليس فقط أمام عملية الاغتيال نفسها، بل خصوصاً أمام غرابة التحقيقات والتقارير الجنائية، نشر الفيلسوف الكبير، الذي كان واحداً من كبار الفلاسفة الأحياء في ذلك الزمن دراسة لم تثر، في الحقيقة انتباهاً كبيراً. ذلك أن فحوى ما جاء في تلك الدراسة كان مماثلاً لكلام كثير كان يطرح في ذلك الحين. وكان يطرح، بصورة خاصة، على شكل أسئلة واحتجاجات واعتراضات على استنتاجات رسمية أميركية طاولت الجريمة لتبدو غير مقنعة لأحد. الحس الشعبي، الأميركي والأوروبي بصورة عامة، كان يميل إلى رفض معظم الطروحات الرسمية، وكان كل شخص وكل مجموعة يدلي باقتراحات وتكهنات بحيث ضاع كل شيء في كل شيء وبدت الأمور متشابهة إلى درجة لا يمكن معها كلام فيلسوف أن يبدو مميزاً وجديراً باهتمام خاص. من هنا، مرّ النص مرور الكرام على أهميته. ولعل الجانب الأكثر من هذه الأهمية هو الأسلوب الذي تعاطى به كاتب النص مع الموضوع. فالحال أن قراءة هذا النص الذي أربى عمره الآن على ما يقرب من خمسين سنة، ترينا كيف أن مثقفاً كبيراً ومسناً في ذلك الحين 92 سنة خرج من برج الفكر الفلسفي العاجي، حين رأى أمامه عملية اغتيال بغيضة، وكثيراً من الافتراء والكذب الرسمي يحيط بها، ليدخل المعمعة بتواضع الكاتب البسيط المكتفي بطرح الأسئلة، وذكاء المحقق العدلي الذي يتوخى الدفع في اتجاه الحقيقة، وإنسانية المواطن العادي الذي شعر بأن ليس في وسعه، أو من حقه، السكوت عن المطالبة بالوصول إلى الحقيقة، تحت أية ذريعة من الذرائع.
طبعاً، على رغم تسييس برتراند راسل أسئلته الاحتجاجية، لا نراه يسيّس القضية كلها لمجرد التسييس المستخدم سلاحاً أيديولوجياً في معركة ما، بل يسيّسه لأنه يعرف، ويعرف الناس كلهم معه، أن الجريمة سياسية أولاً وأخيراً... من هنا، فإن كل الأسئلة الجنائية التي يطرحها في نصه، تهدف إلى توجيه أصابع الاتهام السياسية، ليس فقط إلى الجريمة، بل كذلك - خصوصاً - إلى المناورات والألاعيب التي دارت حول الجريمة وحول التقارير والتحقيقات الرسمية التي حاولت أن تفرض عليها تفسيرات وتبريرات متهافتة. من هنا - حتى وإن كان برتراند راسل قد تعمّد أن تكون الأسئلة في نصه أكثر عدداً بكثير من الأجوبة، أو تعمّد ألا يصل إلى استنتاجات مباشرة - فإن النص كله يمكن اعتباره نصاً سياسياً بامتياز، ونموذجاً رائعاً لتدخل المثقف في الحياة العامة، تدخلاً يذكر بتقاليد رائعة شهدت، منذ زمن بعيد مثقفين كباراً لا يتوانون عن استخدام فكرهم وقلمهم للدفاع عما يرونه حقاً وعدلاً... وهي تقاليد وصلت إلى ذروتها مع أناس من وزن إميل زولا، ثم جان - بول سارتر وميشال فوكو وغيرهم، ما يفترض أن التقاليد فرنسية - ليأتي راسل ويعمم هذه التقاليد، وإن في شكل أقل تنظيراً وأكثر ميدانية.
في نصه هذا، يستعرض برتراند راسل منذ البداية، النص الرسمي الأميركي المتعلق بالاستنتاجات التي أوصلت إليها تقارير المحققين، لا سيما لجنة وارن، بعد شهور من العمل والجهد. وهو يستهل كلامه بتأكيد أن الرواية الرسمية الأميركية بدت حافلة بالتناقضات إلى درجة أنها صيغت وأعيدت صياغتها ما لا يقل عن ثلاث مرات... وراسل، إذ يستعرض هذا في فقرات مباشرة وحاسمة، يطرح، وقبل أن يصل إلى أسئلته الست عشرة الشهيرة، عدداً كبيراً من التساؤلات المقلقة، ومنها مثلاً سؤال حول السبب في أن كل أعضاء لجنة وارن هم قوم مرتبط بالحكومة الأميركية. ومنها أيضاً سؤال محير يقول: إذا كانت الحكومة الأميركية واثقة كل الثقة من القضية التي عبرت عنها، لماذا تراها أجرت كل تحقيقاتها وسط مقدار هائل من السرية؟
مهما يكن من أمر، فإن هذا النوع من الأسئلة يبقى سياسياً. أما الأسئلة الست عشرة التي يجرى الحديث عنها منذ عنوان الدراسة، فإنها تبدو ميدانية أكثر. ولعل"أطرفها"ذاك الذي يورده راسل بعد أن يفسر لنا كيف أن لجنة وارن حددت ستة ملفات أو عناوين أرادت من خلالها أن تجري تحقيقها، وهي: 1 ما الذي فعله أوزوالد - مطلق النار على كنيدي وفق الرواية الرسمية - يوم 22 تشرين الثاني نوفمبر 1963؟ 2 ما هي خلفية روبي - قاتل أوزوالد؟ 3 ما الذي كان أوزوالد يفعله في صفوف البحرية الأميركية ثم في الاتحاد السوفياتي؟ 4 كيف قتل روبي أوزوالد؟ 5 ما هي خلفية أوزوالد؟ 6 وما هي الجهود التي بذلت لحماية الرئيس يوم 22 تشرين الثاني؟ إن راسل بعدما يستعرض هذه العناوين الستة يتساءل: إذاً... لماذا لم تحدد لجنة وارن عنواناً لملف يتعلق بمن قتل الرئيس كنيدي تحديداً؟
بعد هذا يستعرض راسل بقية أسئلته ومنها: لماذا تخلى كثر من الليبراليين عن مسؤوليتهم للجنة رفضوا هم أنفسهم دراسة ظروف تشكيلها؟ وفي شكل أكثر ميدانية يتساءل راسل: لماذا ترى لاحقت السلطات أشخاصاً كثراً بصفتهم مشكوكاً في أن من شأنهم أن يقتلوا الرئيس، لكنها لم ترصد دخول أوزوالد إلى مبنى مستودع الكتب، مع ما يقال من أنه كان يحمل بندقية لا يقل طولها عن ثلاثة أقدام؟ وبعد هذا يتساءل راسل: لماذا بدلت طريق الرئيس في الدقيقة الأخيرة حتى يمر أمام مكان عمل أوزوالد؟ وبعد ذلك: لماذا جرى تغيير في التقرير الطبي المتعلق بموت كنيدي؟ وفي هذا الإطار نفسه يتساءل راسل: ما هو كنه اليقين الذي أدى إلى الافتراض أن كنيدي قد طاولته الرصاصة من ورائه؟ وبعد هذا يأتي سؤال جديد يتعلق بحصول رجال ال"إف بي آي"، على فيلم صورته سيدة لما حصل بين مستودع الكتب ومكان سيارة الرئيس لحظة إطلاق النار. هنا يتساءل راسل: لماذا رفض ال"إف بي آي"نشر ما يمكن أن يعتبر أصدق دليل قاطع في هذه القضية؟ ويعني به هذا الفيلم. وهنا، إذ يستعرض برتراند راسل ما سمّاه تواطؤ الصحافة الأميركية حول هذه القضية، مورداً نماذج قاطعة من دلائل ذلك التواطؤ، يتساءل كيف حدث أن ملايين من الأشخاص قد ضللوا بترهات صحافية من هذا النوع؟ وإذ يعود راسل إلى أسئلته القضائية، يتساءل عن السبب الذي جعل اختبار البارافين يُبَدَّل قبل أن تعلنه السلطات...
هكذا، يمضي برتراند راسل قدماً في طرح هذا النوع من الأسئلة، التي - في الحقيقة - لم يجبه عنها أحد، ما سيجعل من هذا الفيلسوف الإنكليزي الكبير رائداً في مجال المطالبة الدائمة بإعادة النظر في كل ما صدر رسمياً عن السلطات الأميركية حول هذا الموضوع. ولا شك في أن بعض كبار المتسائلين المشككين لاحقاً، مثل السينمائي أوليفر ستون في فيلمه الشهير"جي. إف. كي"، ساروا على منواله في طرح أسئلتهم، بل من الواضح أن ستون قد قرأ نص راسل هذا بعناية.
طبعاً، ليس همنا ها هنا الحديث عن البعد الجنائي أو التحقيقي في نص برتراند راسل الذي يختتمه صاحبه بدعوة كل المثقفين الأحرار إلى الانضمام إليه وإلى لجنة شكلت في بريطانيا وفي عضويتها كبار المفكرين والفنانين الإنكليز في ذلك الحين، بل ما يهمنا هو التركيز على صوابية تصرّف مفكر كان يقترب من عامه المئة، أمام ما أحس بأنه كذب وظلم، وحتى من دون أن يكون على الإطلاق من مؤيدي سياسة جون كنيدي قبل ذلك. ما حرك راسل هو حب الحقيقة. وهو بهذا أعطى درساً لمثقفي العالم كله من الذين، عن جبن أو عن ترفع، يعتبرون أن مثل هذا التدخل ليس من شأنهم، أو يسكتون عن جريمة لأن ضحيتها ليس من فريقهم!
وبرتراند راسل 1872 - 1970 لم يكن مثل هذا التدخل جديداً عليه، هو الذي وسط مشاغله الفلسفية التي كانت تصل غالباً إلى حدود البحث التقني الذي يستنفد عادة وقت أي مفكر، كان يجد أن من واجبه الأخلاقي مجابهة كل ظلم وكل حرب وكل اعتداء، سواء طاول أفراداً أو شعوباً. ومن هنا نراه، حين قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ب"العدوان الثلاثي"على مصر، يهاجم سياسة بلاده الخرقاء مدافعاً عن حق المصريين. وكذلك نراه يؤسس تلك الهيئة الحقوقية الإنسانية الرفيعة التي حملت اسم"محكمة برتراند راسل"لمحاكمة أعداء السلام ومجرمي الحرب. والحقيقة أن هذا كله إنما ينسجم مع فكره الفلسفي الإنساني نفسه. ولا بد لمن يقرأ أياً من كتبه الكثيرة التي وضعها طوال حياته وتشغل الفلسفة معظم صفحاتها، مع وجود مكان للسياسة والأخلاق فيها، من أن يلاحظ ذلك.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.