هل يوقف «المقترح المصري» اجتياح رفح؟    ترقية الكميت للمرتبة الحادية عشر في جامعة جازان    المكتب التنفيذي لجمعية الكشافة يعقد اجتماعه الأول الاثنين القادم    قطاع خميس مشيط الصحي يُفعّل "يوم الصحة العالمي" و "التوعية بمرض البهاق"    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي في "محمية الإمام عبدالعزيز"    مدرب توتنهام : لا ارغب في تعطيل سعي أرسنال للتتويج    القيادة تهنئ رئيس جنوب أفريقيا بذكرى يوم الحرية لبلادها    «الاحتياطي الفدرالي» يتجه لتغيير لهجته مع عودة التضخم    "البنك الإسلامي" يستعرض أهم الطرق إلى الازدهار وتحدي الفقر    «الداخلية»: تنفيذ حكم القتل بجانٍ ارتكب أفعالاً تنطوي على خيانة وطنه وتبنى منهجا إرهابياً    ضبط 19050 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    جعجع: «حزب الله» يعرّض لبنان للخطر    جامعة حائل: اختبار «التحصيلي» للتخصصات النظرية شرط للقبول السنوي للعام الجامعي 1446    زلزال بقوة 6.5 درجة يهز جزر بونين باليابان    ابن البناء المراكشي.. سلطان الرياضيات وامبراطور الحساب في العصر الإسلامي    عهدية السيد تنال جائزة «نساء يصنعن التغيير» من «صوت المرأة»    فرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    كاراسكو: نقاط الاتحاد حصاد عمل كبير    مطار الأحساء يطلق رحلة إضافية مباشرة لدبي    اتفاقيات مع الصين لبناء آلاف الوحدات السكنية    بيانات التضخم الأمريكي تصعد ب"الذهب"    فريق طبي سعودي يتأهل لبرنامج "حضانة هارفرد"    بينالي البندقية يزدان بوادي الفنّ السعودي    كبار العلماء: من يحج دون تصريح "آثم"    الأهلي والترجي إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا    "طفرة" جديدة للوقاية من "السكري"    إغلاق منشأة تسببت في حالات تسمم غذائي بالرياض    الصحة: تماثل 6 حالات للتعافي ويتم طبياً متابعة 35 حالة منومة منها 28 حالة في العناية المركزة    اختتام المرحلة الأولى من دورة المدربين النخبة الشباب    نائب أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة 2030 من إنجازات ومستهدفات خلال 8 أعوام    الإعلان عن تفعيل الاستثمارات المباشرة وانطلاق العمل الفعلي في صندوق "جَسور" الاستثماري    وفاة الأمير منصور بن بدر    الاتحاد يخسر بثلاثية أمام الشباب    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    رؤية الأجيال    "الشؤون الإسلامية" ترصد عددًا من الاختلاسات لكهرباء ومياه بعض المساجد في جدة    وزيرة الدفاع الإسبانية: إسبانيا ستزود أوكرانيا بصواريخ باتريوت    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «الدفاع الروسية» تعلن القضاء على ألف وخمسة جنود أوكرانيين في يوم واحد    منتخب اليد يتوشح ذهب الألعاب الخليجية    جيسوس يفسر اشارته وسبب رفض استبدال بونو    "السينما الصناعة" والفرص الضائعة    المخرج العراقي خيون: المملكة تعيش زمناً ثقافياً ناهضاً    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    توافق مصري - إسرائيلي على هدنة لمدة عام بقطاع غزة    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزور قيادة القوة البحرية بجازان    «مكافحة المخدرات» تقبض على شخصين بالقصيم لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر    ترميم قصر الملك فيصل وتحويله إلى متحف    السعودية تحصد ميداليتين عالميتين في «أولمبياد مندليف للكيمياء 2024»    الأحوال المدنية: منح الجنسية السعودية ل4 أشخاص    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    "واتساب" يتيح مفاتيح المرور ب "آيفون"    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    مقال «مقري عليه» !    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"العنقاء والخل الوفي" رواية "حنظلة" الكويتي . إسماعيل فهد إسماعيل يكتب مأساة "البدون" ملحميا
نشر في الحياة يوم 24 - 12 - 2012

"لعلي لا أبالغ إذا قلت أنني شعرت وأنا أقرأ هذه الرواية وكأنني أقرأ لإسماعيل فهد إسماعيل للمرة الأولى في حياتي، أنا التي اطلعت على رواياته الأربع والعشرين السابقة التي أصدرها على مدى أربعة عقود كاملة"... هكذا تقول الشاعرة سعدية مفرح في تقديمها لرواية"العنقاء والخل الوفي"للكاتب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، الدار العربية للعلوم - ناشرون، رائد الرواية الكويتية، تأكيداً للرسالة التي يحملها هذا النص الملحمي المهم.
تؤدي بطولة هذا النص بامتياز قضية الساعة في الكويت الآن والمعروفة بأزمة"البدون"التي تعانيها في الكويت أجيال تعاقبت وما زالت قضيتهم بلا حل، وأصبح مصطلح"البدون"الشائع في الكويت، وكما تقول عنه مفرح"مصطلحاً يدل على عدد كبير نسبياً من المواطنين الذين يعيشون"بدون"جنسية تثبت انتماءهم لوطنهم قانونياً لأسباب ملتبسة فاقم من وطأتها الثقيلة عليهم وعلى الكويت مرور سنوات طويلة منذ صدور قانون الجنسية في بداية الستينات وحتى الآن بلا حل حقيقي".
بطل نص"العنقاء والخل الوفي"هو"منسي"، أو"المنسي ابن أبيه"كما أطلق عليه المقربون منه من أصدقاء، جلهم من الكتاب والمخرجين والفنانين في المسرح الكويتي، أو"حنظلة الكويتي"كما أطلق عليه ناجي العلي، الذي يلعب دوراً عابراً في النص بحيث قادته الصدفة ليسكن في جوار المنسي ابن أبيه، وأمه، في منطقة"حولّي"، وحيث قام ناجي برسم بورتريه له وأسماه"حنظلة". والمعروف أن ناجي العلي عاش سنوات طويلة في الكويت، من منتصف السبعينات حتى نهاية الثمانينات تقريباً، إلى أن انتقل منها إلى لندن قبل اغتياله بشهور قليلة.
في النص لا يعد اسم ناجي العلي هو الاسم الواقعي الوحيد، فهناك أسماء أخرى، بينها الكاتب المسرحي عبدالعزيز السريع، والمخرج الرائد الراحل صقر الرشود، وسليمان الياسين وفؤاد الشطي، والقاضي صلاح الفهد الذي لعب دوراً كبيراً في تبرئة المتهمين ظلماً في قضايا أمن الدولة عقب التحرير، وأسماء أخرى في مجالات مختلفة في دولة الكويت. لكن براعة إسماعيل فهد إسماعيل في هذا النص في أنه تمكن من تأكيد الفني على حساب الواقعي، وتجلى بقدراته في المحاكاة، سرّ كل الأعمال الأدبية الكبيرة، ليجعل من هذا الواقع كله سيرة فنية روائية تخييلية. فهو ككاتب مقتدر ومجرب بامتياز خاض هذه التجربة السردية بمهارة كبيرة، ناسجاً فيها نصاً يذكرنا بلوحات عباقرة الفنون أمثال دافنشي وديلاكروا، حين تتأمل لوحاتهم وأنت تعرف أنها منسوخة عن الواقع، لكنك في الآن نفسه ترى العمل وقد احتوى هذا الواقع في أيقونة فنية رمزية وتشكيلية تمنح الواقع نفسه بعداً عميقاً مختلفاً، يختال بين الحقيقة والأسطورة والخيال، بسبب الرؤية التي يقدمها الفنان في العمل.
يستدرج فهد القارئ بنص يبدو سلسًا مشوقاً في بدايته، لكن القارئ سرعان ما يكتشف أنه أمام عمل ملحمي، بنفس سردي محتشد من بداية العمل وحتى النهاية، بلا فصول أو تقسيمات. يجسد المتن الواقع في ما يناهز 400 صفحة، نص رسالة كتبها بطل العمل"منسي"لابنته زينب بعد أن قارب عمرها العشرين عاماً، والتي لم يرها في حياته، لأسباب مأسوية تجسد سيرته التي يحكيها لها.
شخص منسي
سيرة منسي تعود إلى بدايات السبعينات، تضيء تفاصيل حياة"منسي"كمواطن"بدون"بلا حقوق تقريباً، يضطر إلى ترك تعليمه حتى يساعد أمه، وتتوافر له فرصة عمل في مطبخ مقر مسرح الخليج، كعامل شاي، ثم، وبصدفة محضة، يحصل على فرصة لتمثيل دور ثانوي في إحدى مسرحيات الفرقة، شخص يهوى جمع قصاصات الجرائد، ويعيش منعزلاً عن العالم، مرتضياً وحدته، لا يريد شيئاً من هذا العالم. وبسبب فرصة التمثيل، كان عليه السفر مع الفريق لتقديم أحد العروض في سورية، وهي مسألة بالغة الصعوبة لأنه"بدون"وليس له حق في الحصول على وثيقة سفر إلا بصعوبة. لكن فرصة السفر إلى سورية تتحقق بشبه معجزة يتدخل لتحقيقها أطراف حتى يحصلوا له على وثيقة سفر لمرة واحدة، وهناك يقع في غرام فتاة كويتية،"عهود"، جاءت لتصطحب شقيقتها للدراسة في دمشق. ربما الأجدر القول إنه لقي منها التفاتاً وإعجاباً، وسرعان ما بدأت بينهما علاقة. الفتاة مطلقة ولم تنجب، وتجد فيه فتى أحلام مختلفاً تماماً عن زوجها الأول الذي تزوجها زواج مصلحة وجسّد نموذجاً للزوج الشرقي، وتعقدت علاقتهما بسبب عدم قدرته على الإنجاب.
تفتح علاقتهما أمامه آفاقاً من الحنان والاهتمام لم يعرفها من قبل، وإزاء إصرارها على استكمال حياتهما معاً يتزوجان سراً، ولكن عندما يعرف شقيقها"سعود"بأمر الزواج تنقلب حياتهما إلى جحيم، إثر تعرض منسي لتهديدات وصولاً إلى المحكمة متهماً بالزواج بزوجته بلا معرفة أهلها.
تتتابع فصول المأساة مع تعرض الكويت للغزو، وانخراط منسي في أعمال المقاومة وانفصال زوجته عنه وهي حامل حين زين لها شقيقها، وأقنعها، مستغلاً حال انعدام الثقة في كل أحد، كما كانت حال أهل الكويت الذين عايشوا هذه التجربة المأسوية، أن منسي ولاؤه للعراق لا للكويت. وتتوالى المآسي على رأس منسي بعد اعتقاله على يد العراقيين، وحين ينجو بمعجزة ويعود إلى الكويت يفاجأ باعتقاله مرة أخرى بتدبير من شقيق زوجته، بتهمة الخيانة، لكنه لن يرى زوجته ولا ابنته مرة أخرى، بعد الغزو، وكذلك أمه التي ماتت خلال اعتقاله في العراق.
التفاصيل الخاصة بالاعتقال في العراق وفي الكويت، والتفاصيل المأسوية القاسية والمؤلمة التي يتعرض لها تمثلان تجربتين عميقتين، لأن إسماعيل فهد لعب بالقارئ ألعاباً درامية مبهرة جسّد فيها قدراته في مفاجأة القارئ والعبث بتوقعاته، فيما هو يستعرض جانباً مهماً من جوانب الدور الذي لعبته المقاومة في الكويت في فترة الغزو.
فكرة المواطنة
هناك الكثير مما ينبغي التوقف عنه مما يكشفه هذا النص، وبينه أن قضية البدون لا تتوقف على كونها مشكلة إدارية فقط، لها تبعات اجتماعية خطيرة، بل وتكشف أن جزءاً منها يعود إلى موقف بعض المواطنين الكويتيين أنفسهم، كما يجسد نموذجهم مثلاً شخص سعود في النص، الذي يرى في المواطنة فكرة نفعية بامتياز، وبالتالي يتبنى موقفاً عنصرياً تجاه البدون، ويقاتل لكي يمنع زواج شقيقته"عهود"بمنسي، لكنه لا يستكثر على رجولته أن يحصل منها على جزء من حقها في الميراث بعد وفاة والدهما مقابل السماح لها بالسفر إلى دمشق كي تكمل دراستها.
يناقش النص أيضاً المفارقة الهائلة للمواطن البدون الذي يشعر بالانتماء التام الى المجتمع الكويتي وبالولاء لكل ما يوليه المجتمع، تراثاً، ولهجة، واكتساباً لعادات وتقاليد، وأسلوب حياة، ويقف في الصف الأول في المواجهة حين تتعرض البلاد للخطر، لكنه يظل في نظر الدولة بلا حقوق، من أي نوع.
ويكشف النص أيضاً جانباً من الشخصية الكويتية قبل الغزو وبعده كما تجسده عهود بحيث تتحول من شخصية منفتحة على الناس والعالم، إلى شخصية منغلقة على ذاتها تشك في أقرب الناس إليها، وتصبح نموذجاً لشخصية متقلبة هوائية تقبل على الناس ثم تنقلب عليهم بلا مبرر موضوعي بين ليلة وضحاها.
وفي الوقت نفسه يظهر النص كيف كانت الكويت في بدايات السبعينات نموذجاً للانفتاح على الثقافات وحاضنة للعروبة، يعيش فيها مثلاً ناجي العلي، بين آخرين من رموز الثقافة العربية، تقدم لمنطقتها نموذجاً رائداً في الفنون بفضل هذه الثقافة المنفتحة. ثم حين يحدث الانغلاق يبدو المجتمع وكأنه ينقلب على كل ما عرفه عن نفسه بما فيه السبق في التنمية والتحضر.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن فهد على رغم النفس الملحمي الذي أسبغه على هذا النص، حافظ في الوقت نفسه على كثير من سمات سرده وأبرزها الجمل اللاهثة القصيرة المكثفة أحياناً إلى حد الابتسار، ليترك للقارئ مهمة إكمال العبارة البالغة التكثيف. بما تحمل من معانٍ.
لعل هذه الرواية كما تقول سعدية مفرح درة التاج الإسماعيلي، شكلاً وموضوعاً وأسلوباً. وهي تحتاج إلى قراءات عدة لأهمية ما تطرحه فنياً وأدبياً وإنسانياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.