هل آن أوان مجلس أعلى للتعليم ؟    تجربة «التاكسي الطائر» في المشاعر المقدسة.. نقلة نوعية في خدمة الحجاج    «البريكس» بديل عن نادي باريس !    الإعلام الرياضي    وزير الداخلية الكويتي الشيخ فهد اليوسف أنموذجاً    دموع رونالدو والنصر    ولي العهد يعتذر عن المشاركة في جلسة التواصل لقمة ال «G7»    الكويت: 49 وفاة في حريق المنقف    «إش ذي الهيافة»    الطواف صلاة ولكن !    تحريف الحج عن مقاصده التعبّدية !    رئيس وزراء النيجر يزور المسجد النبوي    مواجهات صعبة تنتظر الأخضر في الدور الحاسم    ياشين الأول ودونّاروما الأخير ولمسة بانينكا تخطف الأنظار    حامل اللقب في ضيافة البكيرية والحزم يستقبل النصر    التاكسي الجوي    القبض على 9 مقيمين ووافدَين لترويجهم بطاقات «نسك حاج» مزورة    مستويات قصوى من العنف ضدّ الأطفال في غزة والسودان    مقتل قيادي في «حزب الله» بضربة إسرائيلية    «الخارجية» تعزي الكويت في ضحايا «حريق المنقف»    ختام بطولة هاوي لكرة القدم في الرياض    وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني: ملتقى إعلام الحج.. نقلة نوعية    53 طائرة سعودية لإغاثة أهالي غزة    المملكة تستعرض جهودها لتطوير قطاع الإبل في إيطاليا    المنتخب السعودي للفيزياء يحصد خمس جوائز عالمية في الأولمبياد الآسيوي    ارتفاع قيمة صفقات النفط والغاز الأميركي ل200 مليار دولار    رئيس جمهورية أوكرانيا يغادر جدة    وصول ذوي «التوائم» ضمن ضيوف خادم الحرمين للحج    الشؤون الإسلامية في جازان تنهي تجهيز أكثر من ١٢٤٠ جامعًا ومصلى للعيد    خطوات هانتر بايدن بعد إدانته بتهم الأسلحة الفيدرالية    المركزي الأمريكي يثبت أسعار الفائدة ويتوقع خفضا واحدا هذا العام    «الصحة العالمية»: غزة تواجه مستوى كارثيا من الجوع وظروفا تصل لحد المجاعة    ترميم صمام ميترالي لثلاثيني    أخضر الملاكمة التايلندية ينتزع ذهب العالم    اللواء الفرج يؤكد تسخير إمكانات الدفاع المدني لأمن وسلامة ضيوف الرحمن في موسم الحج    45 كشافًا من تعليم جازان يشاركون في خدمة ضيوف الرحمن    صحة الشرقية تنظم فعالية حج بصحة بالشراكة مع مطارات الدمام    معرض Saudi Warehousing & Logistics Expoيعزز سوق الخدمات اللوجستية البالغة قيمته 15 مليار دولار    نصائح الحج بلغة الإشارة للصم وضعاف السمع    هيئة الأدب والنشر والترجمة تختتم النسخة الثالثة من مبادرة «الشريك الأدبي»    جوالة جامعة جازان تشارك في معسكرات الخدمة العامة بموسم حج هذا العام    بدء التسجيل العقاري في 8 أحياء شرق الرياض ابتداءً من 17 ذي الحجة    ارتفاع أعداد الجامعات السعودية إلى 32 جامعة في تصنيف التايمز للجامعات ذات التأثير في أهداف الأمم المتحدة    الواجب تِجاه المُبدعين فِكرياً وأدبياً وعِلمياً    الصحة تنقل 18 حاجًا عبر 31 عربة إسعافية من المدينة إلى المشاعر المقدسة    فرصة لهطول الأمطار على مرتفعات مكة والجنوب وطقس شديد الحرارة بالرياض والشرقية    تابع سير العمل في مركز قيادة الدفاع المدني.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يتفقد مشاريع التطوير في المشاعر المقدسة    اتفاقية بين «المظالم» و«مدن» للربط الرقمي    أبناء الطائف ل«عكاظ»: «عروس المصايف» مؤهلة لاستضافة مونديال 2034    السعودية واحة فريدة للأمن والأمان (2 2)    خالد وهنادي يردان على تنبؤات ليلى حول طلاقهما ب«آية قرآنية»    وفد شوري يزور «مَلكية الجبيل» ورأس الخير    10 نصائح من استشارية للحوامل في الحج    تحذير طبي للمسافرين: الحمّى الصفراء تصيبكم بفايروس معدٍ    «التهاب السحايا» يُسقط ملكة جمال إنجلترا    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على منيرة بنت محمد بن تركي    شركة مطارات الدمام تعقد ورشة عمل لتدشين 'خدمتكم شرف'    أمن الحج.. خط أحمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"اللوبي"
نشر في الحياة يوم 26 - 01 - 2010

إن كلمة"اللوبي"أتت من كلمة"لوبي"التي تعني بالإنكليزية صالة انتظار. والمقصود بها من يجولون ويصولون في الصالات والممرات التي تؤدي إلى أشخاص أو مكاتب أصحاب القرار. ودور أفراد"اللوبيات"الكثيرة على اختلافها غرضاً ونفوذاً هو الدفاع عن مصالح من وظفوهم للدفاع عنهم.
ومن المساوئ المفصلية لأقدم ديموقراطية هي سطوة قوة تأثير اللوبيات في الولايات المتحدة، التي توظف بمهنية عالية العصا أو الجزرة إما للترغيب أو التهديد.
وكثيراً ما يأتي أعضاء"اللوبيات"التي تدافع عن مصالح جهة قد تكون مهنية كنقابة الأطباء أو عمال المصانع أو الفلاحين، أو شركات الإنترنت والاتصالات أو البنوك أو دولة من دون بقية الدول، كاللوبي الإسرائيلي السيء الذكر ايباك، من أعضاء سابقين في الكونغرس، أو وزراء سابقين، أو من كبار موظفي البيت الأبيض السابقين. أضف الى جميع هؤلاء مساعديهم التنفيذيين.
وبما أن أميركا هي وطن المهاجرين، يوجد"لوبي"لكثير من الأوطان، التي أتى منها المهاجرون الأوائل أو مجموعة اثنية، كالأميركيين من أصول اسبانية أو يونانية أو ارلندية أو افريقية، وهلمّ جراً. ولكن نفوذ أغلب"اللوبيات"الإثنية محدود، لأن ولاء أولاد معظم المهاجرين لوطنهم الجديد أميركا هو أقوى من ولائهم للبلدان التي هاجر منها أجدادهم.
أما"اللوبي"الإسرائيلي"ايباك"*1 فأمره يختلف جذرياً عن بقية"لوبيات"التأثير في القرار الأميركي، لأسباب كثيرة سيرد ذكر أهمها. وابتداءً فإن هذا هو"اللوبي"الذي لا يكتفي فقط بتأثيره البالغ في أعضاء الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، والبيت الأبيض فحسب، وإنما أيضاً بإنشاء مؤسسات"صهاريج فكرية"لإجراء البحوث والدراسات الانتقائية، باسم المصالح الوطنية الأميركية العليا، مع أنها في الحقيقة تخدم أغراض من يسمون أنفسهم"المحافظين المجددين"من المتطرفين اليمينيين من يهود و"مسيحيين صهاينة"يؤمنون أن بناء دولة إسرائيلية قوية تشمل معظم أراضي"بلاد الشام"وليس فلسطين فقط هي من شروط بعث"المسيح"من مرقده - بحسب اعتقاداتهم - قبيل قيام القيامة.
والليكوديون من"المحافظين المجددين"لا يؤمنون بما يؤمن به"المسيحيون الصهاينة"، ولكنهم أكثر من سعداء للتحالف معهم خدمة للمصالح الدنيوية لإسرائيل.
إن ما يعطي"اللوبي"الإسرائيلي أو"ايباك"قوته ونفوذه، ليس الأموال اليهودية، أو حتى شبه سيطرتهم على"وول ستريت"، كما يتردد كثيراً في وسائل الإعلام العربية. ولكنه أمر آخر تماماً ينطلق من طبيعة النظام السياسي الأميركي، بالإضافة إلى تجربة اليهود التاريخية وما لاقوه من اهانات وتحقير وتفرقة مقيتة، بل وقتل واضطهاد، كما حصل في اسبانيا، وفي روسيا القيصرية والشيوعية بعد تولي ستالين الحكم، وفي ألمانيا النازية التي"أحرقت"حرفياً الملايين من اليهود، أطفالاً ورجالاً ونساء. ولذلك فإن اليهودي الذي تجاوز عمره الستين وأفراداً كثيرين ممن لم يتجاوزوا الثلاثين، يشك في استمرار بنوايا كل شخص أصله أوروبي، ويخشاه ويحاول تملقه ومهادنته أو إيذاءه لو استطاع.
ولذلك تعتبر غالبية اليهود، ومن كل التوجهات السياسية الأميركية، أن دعم"ايباك"معنوياً ومادياً، هو دفاع عن النفس التي عانت في الماضي وقد تعاني في المستقبل من النظرة"الدونية"من كل من أصله أوروبي إلى اليهود. وبما أن النظام السياسي الأميركي ليس نظاماً برلمانياً، يختار الناخبون، من خلاله، أحزاباً تعكس وجهة نظرهم أو تدافع عن مصالحهم، فإنه نظام يؤدي إلى انتخاب أفراد لهم ارتباط حزبي، شبه اسمي، غير مؤدلج، يختاره السياسي بحسب ظروفه، وقد يغير هذا الارتباط إذا دعت المصلحة السياسية إلى التغيير من أحد الحزبين الرئيسيين، فيتنقل من الديموقراطي إلى الجمهوري، أو من الجمهوري إلى الديموقراطي، كما يحدث باستمرار.
وبما أن كل سياسي فرد، لا بد أن يدافع عن موقفه هو، لا موقف الحزب الديموقراطي أو الجمهوري، فهو أضعف من أن يجابه"لوبي"قوياً، ليس له"لوبي"مضاد يقاربه في قوته، دع عنك أن يساويها. فما هي مصلحة أي سياسي أميركي، من أعضاء الكونغرس الفيديرالي، أو الولاياتي لكل ولاية كونغرس أيضاً بمجلسين أو أي سياسي آخر بأي مستوى، للوقوف ضد إرادة"ايباك"؟
ففي كل مؤتمر من مؤتمرات"ايباك"الكثيرة يتسابق أعضاء مجلس النواب والشيوخ والرؤساء والوزراء، وجميع المرشحين والمتطلعين للترشيح، لإلقاء الخطابات ليس للتغني بعظمة"الديموقراطية الإسرائيلية"التي يعرفون أنها مشوهة فحسب، وإنما أيضاً لتكرار القول، الذي تكرره أيضاً الأحزاب التي اتخذت الإسلام شعاراً من سنية وشيعية بحثاً عن السلطة، بأن وجود إسرائيل والدفاع الأعمى عنها وتجاهل جرائمها، يخدم المصالح العليا للولايات المتحدة. وهذا كذب وإفك، كما يعرف وكما قال أحد رؤساء الأركان"السابقين، أو غالبية الساسة الأميركيين، بعد تقاعدهم ، أو بعد أن قالوه وهم في مناصبهم، وقبل أن تؤدي أقوالهم إلى هزيمتهم واغتيالهم سياسياً.
إن الذي اكتشفته المنظمات اليهودية هو أن كل"اللوبيات"الأخرى لها مصالح داخلية محددة، ك"لوبيات"العمال أو الفلاحين، أو الأطباء، أو البنوك، وغيرها الكثير، فتأتي"ايباك"إلى هذه المنظمات كلّ على حدة، وتقول لكل"لوبي"بمفرده: أنتم ادعمونا، أو غضوا النظر عنا على الأقل، ونحن في المقابل ندعمكم، أو على الأقل، لن نعادي الساسة الداعمين ل"مصالحكم انتم".
إن هذا ما يصعب فهمه أو يتعذر على الكثيرين من العرب، بما في ذلك بعض من عاشوا في أميركا أو حتى تخرجوا من جامعاتها، الذين يظنون أن ما يقرر سياسة أميركا الخارجية هو مصالحها الوطنية العليا. مع أنه في الحقيقة، وكما قال السناتور وليم فولبرايت وتشارلز بيرسي وغيرهم في الماضي، والرئيس جيمي كارتر والرئيس بوش الأب حالياً، أن ما يحدد سياسة أميركا الخارجية هي اعتبارات انتخابية داخلية بحتة، تستطيع"ايباك"التأثير فيها بجدارة وكفاءة نادرة.
صحيح، انه يصعب خداع كل الشعب الأميركي إلى الأبد، ولكن غالبية الأميركيين لا تهتم بالسياسة الخارجية أو الداخلية، إلا بالقدر الذي"يمس"جيوبها بطريقة مباشرة يسهل فهمها. والواقع أن اليسار الأميركي المثقف، من غير اليهود غالباً، وأحياناً من اليهود ومن غير اليسار كما حدث مع اثنين من أساتذة أرقى الجامعات الأميركية، بدأ يحذر، ويكرر كلما سنحت له الفرصة، من خطورة"ايباك"وسيطرتها على سياسة أميركا الخارجية إلى الحد الذي يؤدي إلى أضرار بالغة دائمة بمصالح أميركا الوطنية العليا الحقيقية.
والله من وراء القصد.
*1 تأسست"ايباك"في خريف 1956 كرد فعل من الجمعيات اليهودية الكثيرة ضد قرار الرئيس الجمهوري السابق الجنرال ايزنهاور الذي أجبر دول العدوان الثلاثي إسرائيل وفرنسا وبريطانيا على الانسحاب من الأراضي المصرية التي احتلتها.
نشر في العدد: 17098 ت.م: 26-01-2010 ص: 13 ط: الرياض
* أكاديمي سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.