وزير الاقتصاد والتخطيط يبحث مع الوزيرة الاتحادية النمساوية للشؤون الأوروبية العلاقات الثنائية بين السعودية والنمسا    ارتفاع أسعار النفط إلى 84.22 دولارا للبرميل    رونالدو يعلق على انجازه في الدوري السعودي    رياح مثيرة للأتربة على الرياض    "الشؤون الاقتصادية": اكتمال 87% من مبادرات الرؤية    "البحر الأحمر" تسلم أول رخصة ل"كروز"    المملكة تفوز بجوائز "WSIS +20"    الدوسري: التحديات بالمنطقة تستوجب التكامل الإعلامي العربي    الهلال يمًدد تعاقده مع جورجي جيسوس    القادسية يتوج ب"دوري يلو"    إضافة خريطة محمية الإمام لخرائط قوقل    وزير الداخلية يدشن مشروعات حدودية أمنية بنجران    حفل تكريم طلاب وطالبات مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية بالمنطقة    طائرات "درون" في ضبط مخالفات المباني    وزير الحرس الوطني يرأس اجتماع مجلس أمراء الأفواج    للمرة الثانية على التوالي.. إعادة انتخاب السعودية نائباً لرئيس «مجلس محافظي البحوث العالمي»    «الشورى» يطالب «حقوق الإنسان» بالإسراع في تنفيذ خطتها الإستراتيجية    أمير تبوك يطلع على استعدادات جائزة التفوق العلمي والتميز    5 أعراض يمكن أن تكون مؤشرات لمرض السرطان    تحذير لدون ال18: القهوة ومشروبات الطاقة تؤثر على أدمغتكم    هذه الألوان جاذبة للبعوض.. تجنبها في ملابسك    القيادة تهنئ رئيسي أذربيجان وإثيوبيا    سعود بن نايف: الذكاء الاصطناعي قادم ونعول على المؤسسات التعليمية مواكبة التطور    المملكة تدين مواصلة «الاحتلال» مجازر الإبادة بحق الفلسطينيين    رفح تحت القصف.. إبادة بلا هوادة    مؤتمر بروكسل وجمود الملف السوري    الملك يرأس جلسة مجلس الوزراء ويشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    أمير الرياض ينوه بجهود "خيرات"    الإسراع في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد    هيئة تنظيم الإعلام: جاهزون لخدمة الإعلاميين في موسم الحج    «جائزة المدينة المنورة» تستعرض تجارب الجهات والأفراد الفائزين    مجمع إرادة بالرياض يحتفل بيوم التمريض العالمي اليوم    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    هؤلاء ممثلون حقيقيون    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    الهلال الاحمر يكمل استعداداته لخدمة ضيوف الرحمن    كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة.. ريادة في التأهيل والتطوير    تتويج الفائزين بجوائز التصوير البيئي    70 مليار دولار حجم سوق مستحضرات التجميل والعناية الشخصية الحلال    في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. أولمبياكوس يتسلح بعامل الأرض أمام فيورنتينا    العروبة.. فخر الجوف لدوري روشن    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    ولاء وتلاحم    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    إخلاص وتميز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحدث إلى "الحياة" عن الملفات النووية العالقة وقلقه من المستقبل . البرادعي : نصف العالم العربي لا يقرأ ولا يكتب وقدرتنا على المنافسة معدومة الأمية والفقر وغياب الحكم الرشيد والشعور بالمهانة توقع أجيالاً جديدة في التطرف 1
نشر في الحياة يوم 20 - 12 - 2008

ذهبت الى الدكتور محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية لإجراء مراجعة للمخاوف النووية خلال العام الذي يقترب من نهايته فوجدت لديه كلاماً اكثر إيلاماً من الموضوع النووي.
أكد البرادعي قراره مغادرة منصبه لدى انتهاء ولايته في السنة المقبلة وربما ساهم قراره هذا في تمكينه من التحدث صراحة عن الوضع العربي الحالي. قال إن العالم العربي في الحضيض وإننا نضحك على أنفسنا في مواضيع التعليم والتكنولوجيا والديموقراطية والتنمية وحرية الصحافة. وأكد"إننا لا نتعلم"وان المناهج المدرسية البالية تحرم العربي من اي قدرة على المنافسة. ولاحظ ان العواصم العربية كانت أفضل قبل نصف قرن، معرباً عن قلقه من ظاهرة الانزلاق الى اللون الواحد ومؤكداً ان المتطرفين نجحوا في خطف الاسلام.
وجدت هذا الكلام شديد الخطورة فقررت تقديمه على الشؤون النووية.
وهنا الحلقة الأولى من الحوار الذي ينشر على حلقتين.
أين كنت لدى حصول هجمات 11 ايلول سبتمبر 2001؟
- كنت في مجلس المحافظين للوكالة عندما عرفت ان هجوماً وقع في نيويورك، أوقفنا اجتماع مجلس المحافظين ولجأنا الى ال"سي ان ان"لمعرفة ماذا يحدث.
ماذا كان رد فعلك؟
- كان صدمة قوية. وكان مقلقاً ان تتمكن مجموعات اسلامية متطرفة من امتلاك قدرات تتيح لها شن هذا النوع من الهجمات. لقد تيقنت ان لدينا مشكلة في العالم العربي والعالم الاسلامي وهي مشكلة تضرب جذورها في الأعماق.
أنا تربيت كمسلم. كان الاسلام يقوم على المبادئ نفسها التي كانت قائمة منذ بدء الحضارة الانسانية. التضامن الانساني:"وأما السائل فلا تنهر". وعلى المساواة:"لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". على السلام:"وإن جنحوا للسلم فاجنح لها". على الزكاة والتضامن الانساني، وعلى الديموقراطية:"وأمرهم شورى بينهم". وعلى العلم:"إقرأ باسم ربك"و"علم الانسان ما لم يعلم".
لست متفقهاً في الدين، لكن الدين الاسلامي العظيم قائم على العلم"ألا تتفكرون"و"ألا تعقلون"و"ألا تتدبرون". الاسلام يقوم ايضاً على استخدام العقل الذي حبانا الله به. للأسف لقد تم تحويل الدين الاسلامي الى طقوس ومظاهر لا علاقة لها بالجوهر. لقد فقدنا قيمنا الاسلامية وهي قيم انسانية عالية بنيت عليها الحضارة.
هل أنت خائف على مستقبل العالم العربي والاسلامي؟
- نعم، أنا خائف جداً على مستقبل العالم العربي، وكذلك على مستقبل العالم الاسلامي. لا أود ان أنقل دائماً المشاكل. الحقيقة المشاكل معروفة. يعرفها العربي متعلماً كان أم غير متعلم. الحلول معروفة كذلك. الحلول تبدأ بأن نتعلم. العلم. الحرية. المساواة. التضامن الاجتماعي.
تقصد مناهج التعليم؟
- بالضبط. نحن لا نستطيع ان ننافس بمناهج التعليم المتخلفة الموجودة لدينا في العالم العربي. نحن في العالم العربي لا نتعلم. لا نتعلم. أنا كنت قريباً في مصر. منحتني جامعة القاهرة تقديراً. زرت كلية الحقوق التي كنت تخرجت منها. في ايامي كنا الف طالب، اليوم 30 الف طالب. التقيت الدكتور عبدالعزيز حجازي وهو رئيس سابق للوزراء. قال ان كلية التجارة كانت تضم يوم كان فيها 60 طالباً، عدد الطلاب اليوم 40 الف طالب. نحن نخرج أفواجاً افواجاً. مناهج متخلفة. وزيادة سكانية هائلة. ونضحك على أنفسنا ونقول مجانية التعليم. لا نحن نعلم ولا التعليم مجاني. راجع تكاليف الدروس الخصوصية. نحن نضحك على أنفسنا في أمور كثيرة. في التعليم. في حرية الصحافة. في الديموقراطية. في العلم والتكنولوجيا.
لا وجود لنا في العالم من دون التقدم العلمي. نحن في العالم العربي ننفق 0.2 في المئة على البحث العلمي وهو يشكل واحداً على عشرة مما تنفقه الدول الغنية من دخلها القومي الذي يبلغ أضعاف دخلنا. ليس لدينا بحث علمي. ليس لدينا مركز دراسات استراتيجية واحد تتوافر فيه المقاييس المعترف بها. في اسرائيل تجد على الاقل ما بين خمسة مراكز وعشرة تتمتع بالمقاييس العالمية. في أميركا تجد أكثر من مئة مركز وقد تصل الى 150.
ليس لدينا تعليم وليس لدينا بحث علمي. ليس لدى الانسان العربي شعور بأنه صاحب خيار حر.
هل أفهم ان لا مستقبل للعرب إذا ظلوا على ما هم عليه؟
- لا مستقبل لهم على الإطلاق، إذا ظلوا على ما هم عليه. اقول هذا بعد أربعين عاماً من الخدمة داخل الوطن العربي وخارجه. وعندما أقارن العالم العربي اليوم بأجزاء أخرى من العالم أقول ليس لدينا مستقبل إلا إذا أمتلكنا الصراحة مع أنفسنا أولاً واعترفنا بأننا وصلنا الى الحضيض في المجالات كافة ولا بد ان نبدأ من جديد. وان نركز في المقام الأول والأخير على الانسان وحاجته الى التعليم والحرية والأمل. إعطه هذه الأشياء وسينطلق كما انطلق أي انسان آخر. الانسان العربي لا يقل ذكاء عن الآخرين ويستطيع ان ينافس إذا وضع في إطار مناسب. ضع الانسان العربي في نظام متقدم تعليمياً وافسح له مجال الاختيار وسترى كيف ستظهر الكفاءات العربية.
لم تكن الأمور في العالم العربي أكثر سوءاً والمشاكل أكثر وضوحاً والحلول معروفة أكثر مما هي اليوم. قرأت كتاباً عن افغانستان يقول:"نحن فقراء ولكننا لسنا أغبياء". وأقول إذا كان الانسان العربي فقيراً فهو ليس غبياً. انه يعلم سوء الحال الذي يعيش فيه. يرى التفاوت بين الدول وداخلها وأوضاع المؤسسات والفساد. هذه الأحوال لا يمكن ان تدوم. انها تنتج توتراً ومشكلات. لكن يجب ان نبدأ بالاعتراف بأن لدينا مشكلة كبيرة وعميقة وتحتاج حلاً.
ماذا تقرأ في هذه الأيام؟
- أقرأ مواضيع مختلفة.
اي كتب ستصطحب الى إجازة نهاية السنة؟
- كتاب البرت حوراني"تاريخ الشعوب العربية"وكتاب شعر لييتس وكتاب عن تاريخ الفلسفة من أيام الإغريق وصولاً الى جان بول سارتر. أقرأ أشياء مختلفة. أقرأ الشعر أحياناً لأروح عن نفسي. وأقرأ لأفهم منطقتنا أكثر ولأفهم الانسان كإنسان.
ما هو السؤال الذي يحيرك؟
- أفكر أحياناً كيف ان العالم ينجب من جهة المهاتما غاندي والأم تيريزا وينجب في الوقت نفسه رجلاً يفجر نفسه. يقتل نفسه ويقتل الآخرين. اتساءل كيف يمكن تغيير البيئة كي تنجب دعاة الخير وخدمة الآخرين والسلام والعدالة ولتكف عن انجاب من هو خطر على نفسه وبيئته ومجتمعه. إنني لا أتكلم عن عالم غير موجود. في ايام شبابنا كان المرء آمنا إذا مشى في الشارع. كان الجار يساعد جاره الفقير. كان هناك شعور بالأمان.
هل أفهم أنك تعتبر أن العواصم العربية كانت أفضل قبل خمسين عاماً مثلاً؟
- بكثير. أتكلم عن لبنان الذي أعرفه. بيروت والجبل. والقاهرة. كان الوضع أفضل بكثير، كنا نعيش كجزء من العالم. كانت هناك جاليات يونانية وايطالية وأناس من كل الطوائف. كانت قوتنا في تعدديتنا. الآن نحاول ان نكون من نمط واحد، ما يعني العودة الى وراء. العالم اليوم يعتبر التعددية مصدر قوة في الحضارات والثقافات واللغات. الأخطر اننا ننزلق الى رفض الآخر. من يرفض الآخر يرفض نفسه في النهاية. لا بد ان أكون جزءاً من الأسرة الانسانية.
كمسلم هل شعرت بتمييز ضدك في موقعك الحالي؟
- هناك أحياناً شك من جانب البعض. وريبة في احيان أخرى. ذُكر مرات أنني أدافع عن ايران وعن القضايا الاسلامية. وذكر من جهة أخرى انني عميل للغرب. الحقيقة ان الانسان إذا كان يقف على أرض صلبة ويستوحي المبادئ التي تربى عليها والقانون، يشعر بأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح. تعرضت في العراق قبل الحرب لحملة شعواء خلال عمل المفتشين.
أثبتت التجربة أننا كنا على حق هناك. التحرشات واردة دائماً. للأسف العربي، والمسلم، يجد نفسه أحياناً كثيرة في موقف الدفاع عن النفس ويضع عليك عبء تأكيد أنك لست جزءاًَ من الفكر أو النهج الذي يدعم التطرف. المهم ان تترك عملك يحكم عليك وان لا تضعف أمام الشائعات والحملات.
بمن كنت معجباً حين كنت في الثامنة عشرة مثلاً؟
- كنت معجباً بأناس من قماشة طه حسين. رجل نشأ كفيفاً وفقيراً في قرية فقيرة. إرادته مكنته من الحصول على دكتوراه من السوربون وأصبح من المفكرين البارزين وتحدى الفكر التقليدي في ما يتعلق بتاريخ الشعر الجاهلي. وهناك الشيخ علي عبدالرازق رجل من الأزهر كتب كتاب"الإسلام واصول الحكم"طردته السلطة من الأزهر. والدي مصطفى البرادعي الذي كان نقيباً للمحامين وتعرض لطاغوت أيام عبدالناصر لأنه كان يدعو إلى الديموقراطية وحرية الصحافة. كانت هذه الشخصيات موضع اعجاب وتؤثر في تفكير من يعجب بها.
بمن كنت معجباً من السياسيين؟
- طبعاً كنت سعيداً عندما قامت الثورة في مصر في 1952 وكان عمري عشر سنوات. كان هناك الكثير من الآمال بقيام وضع ديموقراطي ومحاربة الفساد وبناء جيش قوي. للاسف بعد 50 عاماً اكتشفنا أن هذه الآمال لم يتحقق منها شيء. وقسْ على ذلك في أنحاء أخرى من العالم العربي. كان هناك مخاض وكان العالم العربي يبحث عن نفسه. عن الهوية والحرية والاستقلال والتقدم. انظر الآن إلى العالم العربي كما انظر إلى جثة هامدة. في الماضي كانت هناك أخطاء لكن كانت هناك حركة. وكانت هناك شخصيات ومفكرون وعلماء. كان هناك الشيخ محمد عبده الذي ذهب إلى باريس في الثلاثينات وقال انني رأيت إسلاماً بلا مسلمين ورأيت مسلمين بلا إسلام. كانت لديه شجاعة قول ذلك وهو خريج الأزهر. كانت هناك شخصيات تمارس الإسلام على حقيقته. للأسف وضعنا الحالي معروف.
هل تقصد أن المتطرفين خطفوا الإسلام؟
- خطف المتطرفون الإسلام ولم نستطع حتى الآن أن نواجههم بأصول الإسلام، أي بحركة تدعو إلى الاسلام الصحيح. الاسلام المتضمن قيماً إنسانية عظيمة موجودة منذ 14 قرناً وسيستمر، وهي قيم موجودة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. خطف المتطرفون الإسلام ولم نحاول حتى اليوم الرد عليهم بالإسلام المستنير.
من هي الشخصيات التي التقيتها واستوقفتك؟
- شخصيات كثيرة. إحدى الشخصيات التي استوقفتني مانموهان سينغ رئيس الوزراء الهندي. إنه من طائفة السيخ. ذكر لي أنه عاش السنوات العشر الأولى يدرس على ضوء لمبة غاز. لم تكن هناك كهرباء في قريته. لاحقاً حصل هذا الرجل على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة اكسفورد. أصبح وزيراً للمال في الهند وأجرى تغييراً كبيراً جعل من بلاده قوة اقتصادية عملاقة.
زرته حديثاً ودعاني إلى غداء في بيته. لا بد أن يلاحظ المرء مقدار التواضع والبساطة وأن يعجب بذلك. السيخ هم 2 في المئة من الشعب الهندي. ورئيس الوزراء منهم. ورئيسة الحزب صونيا غاندي كاثوليكية ايطالية الاصل. أن يحكم الهند شخصان لا يمثلان اكثر من 4 في المئة ولا تحتج الأكثرية أمر لافت للنظر. تقدم سينغ بإبراء ذمة فتبين أنه لا يملك منزلاً ولا يملك سيارة. لا يملك شيئاً. هذا الشخص غيّر مصير الهند. قلت له إذا رأينا كثيرين مثلك في العالم سيتغير شكل العالم.
قرار خروجك من منصبك في الوكالة نهائي؟
- نعم. قرار نهائي وأنا أتطلع إلى الخروج. أود أن أعمل في العمل العام وإن كنت لا أعلم الآن بالضبط ما سأقوم به. وأود أن يكون جزء كبير من عملي في العالم العربي. هناك كثيرون مثلي في العالم الغربي. انطباعي انني ربما استطيع تقديم شيء في العالم العربي.
هل تصاب أحياناً بالاحباط وتتمنى انك لو كنت رجل أعمال وأنتجت ثروة من عملك؟
- اصاب بإحباط ليس لأنني لم اصنع ثروة. أنا الحمد لله تعلم ابني وابنتي تعليماً جيداً ويعملان. لدينا ما يكفينا وأكثر. وحين يبلغ المرء حداً معيناً لا معنى لأموال اضافية. هذه وجهة نظري. أنا من الذين يعتقدون أن المرء يجب أن يشعر بالارتياح إذا قام بواجبه في عمله وساعد محتاجاً، أو كتب شيئاً يضيف إلى حركة التطور الإنساني.
الاحباط ينتابني حين افكر أن العالم لا يضم قيادات على مستوى المشاكل التي تواجهه. أنا اتكلم عن العالم برمته. هناك غياب للقيادات الاستثنائية التي يمكن أن تواجه المشكلات المزمنة والتي يمكن أن تؤدي بنا إلى نهاية الإنسانية. لقد وجدت قيادات كثيرة ليست على المستوى الذي يحتاجه العالم.
أنا سأخرج بنظرة أكثر واقعية إلى العالم والسياسة الخارجية والإنسان. بنظرة أكثر حزناً على العالم العربي. لكن لا بد أن نحتفظ بقدر من التفاؤل. أريد أن اساهم مع آخرين في ايقاظ العالم العربي من الغيبوبة التي يعيش فيها.
أمضيت فترة طويلة في النمسا، هل تحسد شعبها على هذا الاستقرار؟
- أنا اسافر كثيراً وأحسد معظم العالم. دائماً هذا السؤال في قلبي: لماذا نحن في العالم العربي في هذا الوضع فيما العالم يسير في اتجاهات أخرى. قبل أسابيع كنت احضر احتفالاً في مكتبة الاسكندرية. مؤسسة محمد إبراهيم، رجل أعمال سوداني، تعطي جائزة اسمها"جائزة افريقيا للحكم الرشيد". رئيس افريقي دخل الحكم بأسلوب ديموقراطي وخرج بأسلوب ديموقراطي. منح خمسة ملايين دولار ومزايا أخرى. أنا جزء من لجنة التحكيم. منحت الجائزة لرئيس بوتسوانا الذي أمضى ولايتين في الحكم. مستوى دخل الفرد في بوتسوانا 14 ألف دولار. هذه افريقيا السوداء التي كنا نعتبر أننا أكثر تقدماً منها. لهذا أسأل نفسي دائماً: لماذا نسير عكس التيار؟ الأمر نفسه حين تذهب إلى اميركا اللاتينية وانحاء أخرى.
اقيم في النمسا منذ عشرين عاماً. حياة مستقرة. لا اذكر انني واجهت مشكلة واحدة في الحياة اليومية. هناك تعليم وحرية وانضباط وقانون ومؤسسات وثقافة وفنون. وهنا ايضاًَ أسأل نفسي عن أحوالهم وأحوالنا. اعلم لماذا لكنني لا أملك غير طرح السؤال.
ما هو أهم شيء في فيينا؟
- الشعور بالأمان. تمشي في الشارع ولا تشعر بالخوف ما دمت تحترم القانون. لا علاقة لهويتك أو انتمائك بالأمر. الدولة تحترم الإنسان كإنسان وليس بسبب وظيفته أو انتمائه. أعيش وأحسّ بالأمان. طبعاً هناك الثقافة. فيينا مهد الموسيقى ومهد الأوبرا. الثقافة حاضرة بقوة في الصحف وفي الحياة. طبعاً لا أقول إن الطاقات غير موجودة لدينا في هذا المجال. للأسف معظمها موجود خارج العالم العربي. هناك المسرح. أوبرا فيينا شهيرة.
أفهم انك تنام في النمسا من دون أن تفكر أن الحرب الأهلية واردة؟
- نعم.
أو أن البلد سيستيقظ على عملية اغتيال؟
- صحيح. امان كامل.
هل نحن في أسوأ وضع عربي؟
- لم أرَ، في حياتي على الأقل، العالم العربي في وضع أسوأ مما نحن فيه. الوضع في أسوأ حالاته على الأقل في الأعوام الخمسين الماضية، سواء في سياساتنا الداخلية أو علاقاتنا الخارجية. في الداخل نعاني كثيراً من المشاكل، والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز افتتح القمة العربية في الرياض بقوله إن المشكلة الأساسية في انعدام صدقية أنظمة الحكم. وعندما قابلته، هنأته على هذه الكلمة الصادقة وقلت له إنني سأقتبسها منه دائماً. هناك أزمة صدقية لأنظمة الحكم في العالم العربي. نصف العالم العربي يعيش في أمّية، أي أكثر من النسبة في دول أفريقيا جنوب الصحراء. كيف سأستطيع أن أنافس وأن يكون لي دور في الحضارة الإنسانية إذا كان نصف العالم العربي لا يقرأ ولا يكتب. ما نصدّره إلى العالم، بما في ذلك النفط، يشكل 4 في المئة من حجم التجارة العالمية، فيما نستورد 3 في المئة.
عندما نتكلم عن التعليم، نرى أن ما ترجمته إسبانيا في عام واحد يعادل ما ترجمه العرب في ألف عام. ما يترجم إلى اللغة العربية هو ثلث ما يترجم إلى اللغة اليونانية. اليونانية لا يتحدثها أكثر من 15 مليون شخص. نحن 300 مليون عربي. ليس لدينا تعليم أو نظام للحكم الرشيد، والإنسان العربي يشعر اليوم بأنه مقهور من قبل الحكومات، ويُعامل معاملة غير عادلة من العالم الخارجي. إذا نظرنا إلى هذه المؤشرات سوياً، ترى أن لديك قنبلة موقوتة. ما أراه كل يوم هو استمرار عملية الراديكالية في العالمين العربي والإسلامي، نراه في مترو لندن وفي مومباي. الإنسان المسلم عموماً، والعربي خصوصاً، فقد إحساسه بأنه يعامل كإنسان مع افتقاده الحاجات الإنسانية من مأكل وملبس ومسكن وفرصة عمل. إحساس الإنسان بالمهانة والذل هو ما يدفعه إلى الانفجار، وليس فقط الفقر. وللأسف ليست لدى الإنسان العربي حرية الاختيار.
هذا هو وضعنا داخلياً. أما إذا نظرنا خارجياً، فدورنا اليوم في السياسة الخارجية يكاد يكون شبه معدوم. ليس بين الدول المؤثرة في مجموعة الثماني دولة عربية واحدة، وفي الدول العشرين، ليس هناك سوى السعودية. يجلس الاتحاد الأوروبي في مجموعة الثماني والعشرين، لكن الجامعة العربية لا تستطيع لأنها مفككة. نحن في موقع المتلقي. هناك حكومة جديدة في الولايات المتحدة، وكل ما نسمعه ونراه هو عن كيف ستعاملنا هذه الإدارة الجديدة، وليس عن كيف سنؤثر في معاملتها لنا.
أبلغ مثال هو اللجنة الرباعية الدولية التي تعالج القضية الفلسطينية، ونحن لسنا طرفاً فيها. المشكلة الفلسطينية التي نعيشها منذ العام 1948 ونقول إنها لب مشاكلنا، نتركها للعالم الخارجي ليتعامل معها، ويجلس الاتحاد الأوروبي في اجتماعات الرباعية، فيما الجامعة العربية لا يمكنها ذلك.
هل أقلقتك الأحداث الأخيرة في مومباي؟
- بالطبع. مهما أقول وأذكر عن أن الدين الإسلامي دين العقلية والتسامح والتضامن والمحبة، ثم يرى الشخص العادي في الإعلام عمليات لا يمكن وصفها، ويرى شخصاً يذبح شخصاً آخر ويقول إنه يفعل هذا باسم الإسلام، فكيف سيكون رد فعل العالم الخارجي. العالم ينظر إلينا نظرة شك وريبة. ومهما نقل، سيكون حكم العالم علينا بأفعالنا وليس بأقوالنا. ليس هناك مفر من هذا.
إذا استيقظنا ذات يوم على دولة فاشلة في باكستان، ماذا سيفعل العالم بالسلاح النووي الباكستاني؟
- آمل أن لا يحدث هذا. باكستان غضبت كثيراً من حديثي معك العام الماضي أعرب الدكتور البرادعي آنذاك عن قلقه من سقوط السلاح النووي الباكستاني في أيدي متطرفين. لكن لم أكن أقصد أكثر من أنني كإنسان لا بد من أن أكون قلقاً على أي مكان في العالم يمكن أن تصل فيه جماعات متطرفة إلى سلاح نووي. باكستان أكدت أن لديها سيطرة كاملة على أسلحتها النووية وآمل أن يستمر هذا لأن هذا هو الخوف الأساسي لدينا في أي دولة، فعندما يحصل المتطرفون على السلاح لن يترددوا في استعماله.
هل ما زال خطر امتلاك إرهابيين مواد مشعة قائماً؟
- نعم. هذا الخطر ما زال قائماً. وليس الخوف من تفجير نووي، بل من الحصول على مصدر مشع قوي من تلك المصادر الموجودة في المستشفيات والمصانع وتفجيره تقليدياً بقوة. تخيل إذا حدث هذا في مركز تجاري في بلد كبير. بالطبع سيؤدي هذا إلى قتل مئات إن لم يكن آلاف، بخلاف التأثير الاقتصادي والذعر. هذا الخطر ما زال موجوداً. ونحن في سباق مع هذا الموضوع تحديداً، أي خطر القنبلة القذرة. الوكالة تعمل مع الدول، لكننا لم نصل بعد إلى درجة يمكنني معها القول إن جميع الأجهزة المشعة مؤمّنة تأميناً كاملاً.
هل هناك شبكة تجارة نووية كما كانت شبكة العالم النووي الباكستاني عبدالقدير خان؟
- أعتقد بأن هذه الشبكة صُفيت، لكن ما لا نراه لا نستطيع أن نحكم عليه. ليست لدينا دلائل على وجود شبكة حالية. لكن شبكة خان كانت معقدة بدرجة كبيرة وتضم شركات في أكثر من 30 دولة ووضعت على اسطوانات مدمجة معلومات عن تخصيب اليورانيوم وصنع القنبلة النووية. كانت جامعة متنقلة وحصلت دول كثيرة على هذه المعلومات، ولم يعد ممكنا منع الانتشار النووي عن طريق حجب المعلومات بعدما انتشرت. الخطر هو أن تحول هذه المعلومات إلى قنابل مشعة.
هل لديك خوف من أن تزيد الأزمة المالية الحالية التوترات في العالم وتنعكس على الانتشار النووي؟
- الجميع يعلم أنه إذا كانت هناك أسبقية أساسية، فهي لحماية السلاح النووي. لكن بالطبع سيكون لها تأثير على بليوني شخص، أي ثلث البشر، يعيشون بأقل من دولارين في اليوم. هناك 1.4 بليون يعيشون بأقل من دولار واحد، و900 مليون يعانون الجوع. هؤلاء سيتأثرون. كنت ألقي محاضرة في دبي، وكان هناك الرئيس السابق للبنك الدولي جيمس وولفنسون، وقال إن تأثير الأزمة على أمثالنا سيكون نقل أولادنا من مدارس خاصة إلى مدارس عامة، لكن بالنسبة إلى الفقراء فهي مسألة بقاء وحياة.
أذكر هذا ليس بدافع أخلاقي فقط، بل لأن الفقر مرتبط بغياب الحكم الرشيد المرتبط بدوره بالفساد مصحوباً بالنزاعات المسلحة. وعندما لا يستطيع الإنسان إيجاد حاجاته الأساسية يتحول إلى العنف والحروب، وتنتهي دول مناطق النزاعات إلى محاولة الحصول على أسلحة دمار شامل. لذلك، أقول دائماً أن أقوى أسلحة الدمار الشامل فتكاً هي الفقر الذي يجب أن نبدأ به باعتباره المسبب الرئيس.
متى ستغادر في العام 2009؟
- دخلت الوكالة في أول كانون الأول ديسمبر 1997. وإن كان في العمر بقية، سأغادر في نهاية تشرين الثاني نوفمبر 2009. قررت أن 12 عاماً كافية. تحق لي ولاية جديدة، وطلب كثيرون أن استمر، لكن الإنسان لا بد من أن يقوم بعمله وهو يعلم أنه مغادر. لا بد من ضخ دم جديد. ومن الناحية الشخصية، أود أن أعمل في أشياء أقل توتراً وأن استكشف أشياء أخرى في الحياة. يكفيني أنني أديت العمل العام في هذه المنظمة لمدة 12 عاماً، وهذا هو الوقت المناسب للمغادرة.
هل كان العالم أكثر أماناً يوم تسلمت؟
- كان هناك وضوح رؤية عندما تسلمت. لم تكن هناك حرب العراق التي مات فيها مليون شخص ودمرت حياة ثمانية ملايين آخرين بين مشرد ومشوه. الشرق الأوسط انتقل من سيئ إلى أسوأ، داخلياً وخارجياً، إضافة إلى ظاهرة الإرهاب التي تكشف تعقيدها في العام 2001. وهناك اليوم إحساس بأن العالم أقل أماناً وأقل عدالة عما كان آنذاك، بسبب تزايد معدلات الفقر بهذه الصورة.
الأخطر من هذا عدم وضوح الرؤية. ليس هناك وضوح رؤية. المسألة الأخرى تزايد انعدام الثقة بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، وخصوصاً على مستوى العام العربي. سأغادر ولديّ مسحة من الحزن على الصعيد الشخصي. لقد تقدم العالم في الميدان الصناعي والتكنولوجي، لكننا في ميادين التعامل الإنساني لم نتقدم خطوة إلى الأمام، بل رجعنا إلى الوراء.
نشر في العدد: 16696 ت.م: 20-12-2008 ص: 28 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.