"زين السعودية" تسجل إيرادات بقيمة 2.5 مليار ريال للربع الأول من العام 2024    نائب أمير تبوك يتوج الفائزين بجائزة "رالي تبوك تويوتا 2024"    "التخصصات الصحية" تطرح مشروع تحديث التقويم التكويني المستمر    "أمانة عسير" تطرح 10 فرص استثمارية    مختص مناخ ل "الرياض": المملكة بعيدة عن تأثيرات الانفجارات الشمسية    القوات المسلحة تشارك في تمرين "الأسد المتأهب"    الأدوية وأفلام الرعب تسببان الكوابيس أثناء النوم    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول الأمطار على عدد من المناطق    استقبال طلائع الحجاج بالهدايا وحزمة البرامج الإثرائية    مخاوف من انتشارها.. سلالة جديدة من كورونا يصعب إيقافها !    «عدّادات الأجرة» تخضع لأحكام نظام القياس والمعايرة    اجتياح الاحتلال لرفح يوقف معظم المستشفيات    طبيبة سعودية تنقذ راكبة تعرضت للصرع على متن رحلة جوية    الذكاء الاصطناعي.. الآتي أعظم    انتكاس تجربة «إيلون ماسك» لزرع الشريحة    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الطبية والغذائية    السعودية وتايلند.. تعزيز التجارة واستثمارات واعدة    كنو: موسم تاريخي    صحف عالمية:"الزعيم لا يمكن إيقافه"    براعم النصر .. أبطالاً للدوري الممتاز    أخضر الناشئين لكرة الطائرة إلى نهائيات كأس آسيا    ختام ناجح لأسبوع الرياض الصناعي    100 مليون ريال في المرحلة الأولى.. "جونسون كنترولز "تصدر" تشيلرات يورك" سعودية الصنع إلى أمريكا    جمعية مرفأ تنفذ دورة "التخطيط الأسري" في جازان    محافظ الزلفي يزور فعاليه هيئة التراث درب البعارين    القبض على مقيمين لنشرهما إعلانات حملات حج وهمية    اكتشاف قدرات الأيتام    مؤسس فرقة «بيتش بويز» تحت الوصاية القضائية    النزل التراثية بالباحة .. عبق الماضي والطبيعة    "هورايزون" و"بخروش" يفوزان بجائزتي النخلة الذهبية    أكبر منافسة علمية عالمية في مجال البحث العلمي والابتكار.. «عباقرة سعوديون» يشاركون في آيسف 2024    المنامة تستعد للقمة العربية.. وغزة تتصدر أعمالها    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من إندونيسيا    الماء    مصادر «عكاظ»: لا وجود ل «المسيار» أمام المحاكم.. تراخيص المكاتب «هرطقة»    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    توقيع اتفاقية تعاون وتقديم خدمات بين منصة وتطبيق متر ووكالة سمة للتصنيف    خبراء صينيون يحذرون من تحديات صحية ناجمة عن السمنة    حذروا من تجاهل التشخيص والتحاليل اللازمة .. مختصون: استشارة الإنترنت علاج مجهول    حملة للتوعية بمشكلات ضعف السمع    الشمري يرفض 30 مليون ريال.. ويتنازل عن قاتل ابنه بشفاعة أمير منطقة حائل    جودة النقد بين نور والهريفي    أول دوري للبادل في العالم.. وقفات ومقترحات    الإسقاطات على الكيانات !؟    مساحات ثمينة    وما زال التدهور يخيّم في الأفق..!    الطلبة الجامعيون وأهمية الاندماج في جميع المناطق    القيادة تعزي ملك مملكة البحرين    أمير الرياض يتفقد المجمعة ويدشّن مشروعات تنموية    وصول المنتخب السعودي للعلوم إلى الولايات المتحدة للمشاركة في آيسف 2024    المدينة أول صديقة للتوحد بالشرق الأوسط    رابطة العالم الإسلامي تدشّن «مجلس علماء آسْيان»    الجوف: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    تعليم عسير يُعرّف ب«نافس» تعليمياً ومحلياً.. و8 ميداليات ومركزان في الأولمبياد الوطني للتاريخ    وزارة الحج تدعو لاستكمال التطعيمات المخصصة لحجاج الداخل    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب خالدة سعيد "الاستعارة الكبرى - في شعرية المسرحة" . ذاكرة تتحول إلى تاريخ للمسرح
نشر في الحياة يوم 12 - 01 - 2008

كتاب خالدة سعيد "الاستعارة الكبرى - في شعرية المسرحة" دار الآداب - بيروت 2008 يمسح الغبار عن مرآة المسرح العتيقة، يحول الذاكرة إلى تاريخ، مرسخاً المعلومة والحدث في مكانهما الطبيعي وفي سياقهما التاريخي.
في المقدمة تعريف سريع وفي المدخل طرح لإشكالية موضوع الكتاب من بوابة الاختلاف في الاصطلاح بين تسميتي"مسرح" وپ"مرسح"، ومن خلالها ندخل إلى"قضية"المسرح كما اعتبرتها خالدة سعيد، وهي التأصيل والنقل أو الاقتباس، وما يحيط بها من عوامل مؤثِّرة تاريخياً وإيديولوجياً وثقافياً وإبداعياً. فالمسرح العربي متَّهم بأنه نشأ واستمر على الاقتباس، وفي هذا جزء من الحقيقة وليس كلها، لأن الإضافات الإبداعية المحلية الكبيرة على الأصل المقتبَس شكَّلت نتاجاً إبداعياً خاصاً ارتبط بالثقافة والجذور والتاريخ والتفكير المحليين، وفي هذا قدر لا يستهان به من عناصر الهوية المحلية.
وترى خالدة سعيد أن السجالات حول تأصيل المسرح كانت منطلقاتها أيديولوجية وسياسية وقومية ويسارية في الغالب، فيما جاءت نتائجها الإبداعية أهم بكثير، إذ رسمت هذه النتائج مسار تطور المسرح في العالم العربي.
وتقسم سعيد المواقف من الأشكال المشهدية التراثية التي شهدها المسرح العربي إلى ثلاثة: الأول يرفض اعتبار هذه الأشكال صالحة كأساس لمسرح عربي محتمل، والثاني يعتبرها مجرد عناصر مسرحية بدائية غير مكتملة، والثالث يصرّ على بلورة شكل المسرح العربي انطلاقاً منها، لتصل إلى نتيجة تقول أن المسرح مدعو إلى الاتصال بينابيعه الأولى وإلى تجاوزها في آن واحد.
"تنظيم التساؤل حول المسرح العربي"عنوان الفصل الأول وفيه: هل عرف الأدب العربي المسرح، أو، لماذا لم يعرف العرب المسرح؟. سؤال طرح على مدى أكثر من قرن، وانطلقت الإجابة عليه من معايير غربية أوروبية إغريقية في فهم المسرح كأدب تراجيدي خصوصاً، وليس كفن مشهدي. أما الأسباب التي حالت دون تعرُّف العرب على المسرح تاريخياً فيعيدها الباحثون إلى أن العرب المسلمين متصالحون مع قدرهم المحتوم، وبالتالي لا وجود للصراع بالمفهوم الإغريقي والذي نتج منه المسرح الغربي في شكل أو آخر.
سلسلة من الندوات والمؤتمرات بحثت في هذه القضية، تجول عليها خالدة سعيد بدءاً من ندوة إسبانيا 1963 حيث تمَّت الدعوة إلى اكتشاف القيم المسرحية والعناصر الدرامية المختزنة في التراث العربي، وندوة حمامات في تونس 1965 التي شكلت نقلة تاريخية وثورة فنية في مجال المسرح العربي والتي صدر عنها آنذاك ما عرف بپ"شرعة المسرح العربي"، وندوة الدار البيضاء 1966 التي بحثت في سبل تجديد المسرح العربي، ولقاء بيروت 1967 الذي طُرحت فيه مسألة الهوية المسرحية العربية، وملتقى حمامات 1970 الذي عُقد تحت عنوان الإبداع المسرحي، ودعا إلى انخراط المسرح في مشاكل الناس وضرورة معالجتها، وندوة الرباط 1974 التي بحثت في مقومات الأصالة في المسرح العربي إذ وجد المشاركون فيها أن المسرح العربي الأصيل هو ما يصدر عن الوعي بواقع الجماهير وهمومها وبالقضايا العربية المعاصرة في مستوياتها الإنسانية والاجتماعية والسياسية، وأخيراً تتحدّث الباحثة عن الاتنوسينولوجيا علم مشهديات الشعوب وأهمية التوكيد على الخصوصيات الثقافية، في إطار أبحاث مشتركة عربية - فرنسية بحثت في سبل إيجاد شكل مسرحي عربي خاص انطلاقاً من مقاومة مركزية الحضارة الغربية، فالمسرح لا يمكن أن ينجح إلا عندما يحرِّك الأصيل والمحلي الذي فيه.
البدايات
في الفصل الثاني وعنوانه"المسرح الفني العربي وأسئلة التحوّل"تعود خالدة سعيد إلى بدايات تشكل المسرح العربي، وتذكر معلومات تاريخية حول مشاهدة بعض المفكرين العرب المسرح في أوروبا قبل مارون النقاش، لكنهم لم يعمدوا إلى نقله إلى بلادهم أسوة بما فعل النقاش لاحقاً، وتطرح مسألة ارتباط هذه البدايات بالحال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي حتّمت ظهور المسرح آنذاك.
ظهر المسرح في منتصف القرن التاسع عشر من ضمن مروحة من المسببات الموضوعية والتحولات التي طالت أوجه الحياة كافة، وكانت أهمها عملية خروج المجتمع العربي من الأطر المغلقة ومن التقوقع الديني والاجتماعي والمكاني، وكان ظهور المسرح نتيجة حتمية للتحولات التي طرأت انطلاقاً من الحاجة إلى التعبير عن هذا الواقع الجديد.
"المسرح في أفق النهضة"عنوان الفصل الثالث، وتبدأه المؤلفة بنص للمؤرِّخ المصري عبد الرحمن الجبرتي الذي عاصر حملة نابليون على مصر بداية القرن التاسع عشر، يمثل هذا النص مشهدية استعراضية تمثيلية يدور موضوعها حول الاحتفالات بانتصار محمد علي باشا، وتجد خالدة سعيد أن هذا الشكل الاحتفالي الذي عرفته مصر قبل ولادة المسرح عند العرب عام 1848، هو شكل مسرحي تمثيلي بامتياز كونه يحتوي كل العناصر المشكلة للمسرح ومن هذا المدخل تنتقل إلى الحديث عن الرائد المسرحي اللبناني مارون النقاش نهضوياً وصاحب رؤية طليعية، ليس في المسرح وحسب بل في المجال الثقافي الأوسع والأشمل.
تستند سعيد في تظهير شخصية النقاش إلى تحليل شيِّق وهادىء ومنهجي لمؤلفاته التي احتواها كتاب"أرزة لبنان"المرجع الوحيد الذي تضمّن مسرحيات مارون النقاش وخطبه وأشعاره، ثم تقوم بعملية تشريح للخطبة التي ألقاها النقاش في افتتاح أول مسرحية في تاريخ المسرح العربي "البخيل"، تشريحاً تفصيلياً.
وننتقل إلى رائد نهضوي طليعي آخر هو المعلم بطرس البستاني وسيرته الكفاحية لإعلاء شأن الثقافة العربية القومية من خلال تأسيسه الجمعيات والمدرسة الوطنية والصحف إضافة إلى أعماله الأدبية والمعجمية، ثم نتعرف سيرة فرنسيس فتح الله المراش تحت عنوان"مسرحة الحلم ومشهدة الأفكار"، والمراش كاتب سوري عاصر أبا خليل القباني وشارك في النهضة الفكرية العربية خصوصاً من خلال كتابه"غابة الحق"الذي تعتبره خالدة سعيد قصة ممسرحة وتبرر اعتبارها هذا بإقناع.
ونبقى في القرن التاسع عشر مع مقاربتين تقوم بهما الباحثة لرواية"علم الدين"لعلي مبارك، ولكتاب"حديث عيسى بن هشام"لمحمد المويلحي. فرواية"علم الدين"- وبحسب سعيد - تمثل لحظة وعي تاريخي ونضج في مسيرة التبادل والتفاعل والاقتباس الحضاري، أمّا كتاب"حديث عيسى بن هشام"فيجسد بحد ذاته كنص، حركة التطور الفكري والأدبي، ويقتحم ميدان النقد الاجتماعي بأسلوب قريب من المسرحة، وهو كتاب تضيء عليه المؤلفة لتبيان التحولات التي شهدها العرب والتي كان المسرح أحد تجلياتها.
في الفصل الرابع مقاربات وتحليل للأعمال المسرحية الحديثة والتماس للجذور التي انبثقت منها. يوسف إدريس من أوائل المسرحيين العرب الذين أعادوا النظر في بنية المسرح العربي، فهو يعتبر المسرح ظاهرة ملازمة لكل الجماعات والمجتمعات، وهي مرتبطة بجذور إنسانية يسميها"غريزة التمسرح"، أمَّا مسرحيته"الفرافير"فتمثِّل مشروعاً مستقلاً لإبداع مسرح مستولد من أشكال الفرجة المحلية، ومن خلالها يؤكّد إدريس على التحرر من شكليات الخشبة وهندستها المحددة، وحتى من حَرفية النص.
مسرح وسياسة
أمّا سعدالله ونوس في مسرحيته"رأس المملوك جابر"فيعتمد الحكواتي شكلاً مسرحياً، وفي قراءة نقدية لهذه المسرحية تقول سعيد أن سعدالله ونوس لا يكتب"مسرح التسييس"فحسب بل يقوم بتسييس المسرح، يكشف عن التطابق بين البنية المسرحية والبنية السلطوية، ويظهر المسرح رمزاً للسلطة وأداة لها، فيتحرّك باستمرار لكسر سلطوية الخشبة ونقل موقع البث أو الفعل إلى الصالة أو القاعدة. ويتوسط الحكواتي مسرحيات ونوس دائماً في شكل ظاهر أو مضمر، فهو راوي السِير والحكايات، ومؤرّخ الانفعال والخيال، وخازن الذاكرة الشعبية، وهو حلم سعدالله ونوس والصورة اللائقة بالمثقف - المؤرخ كما يفهمه ونوس نفسه. وتعتبر مسرحية"حفلة سمر من أجل 5 حزيران"من أشهر مسرحيات ونوس، وهي جاءت رد فعل ثقافية على نكسة ال1967 وفيها يجتاح المتفرجون الخشبة ويغتصبون الكلام ويفرضون حكايتهم التي تتوّج كل حكايات المسرحية غير المنتهية، وهي دعوة إلى كشف زيف السلطة والتمرُّد عليها وفي هذا تحدّ كبير للشكل المسرحي، وهي حكاية الحكواتي سعدالله ونوس.
وتتابع خالدة سعيد رحلتها الاستكشافية النقدية لمسرح سعدالله ونوس مع مسرحية"طقوس الإشارات والتحولات"ذات المناخ الشكسبيري، فتقول أن ونوس الذي غلب على مسرحه في الستينات والسبعينات منحى التسييس يخترق في هذه المسرحية الاجتماعي والشخصي إلى الانطولوجي والميتافيزيقي، ويطرح أسئلة مجدولة بالتباسات عالم مبني على توازنات الباطن والظاهر مهدّد بانقلاباتهما.
ملاحظة تجب الإضاءة عليها، تقول سعيد أنه لدى التأمل الإجمالي في أعمال ونوس نلاحظ حضوراً مميّزاً للحكاية المحبوكة حبكاً مثيراً، حركياً وجذاباً، وما يلفت أن أعماله من أكثر الأعمال المسرحية ملاءمة للقراءة، حتى لتستغني عن الإخراج. وهنا نسأل هل هذه قيمة تضاف إلى مسرح ونوس أم العكس؟
وفي مقارنة بين الحكواتي عند ونوس والحكواتي عند روجيه عساف ترى أنه عند عساف مشهدي أساسياً وبنائياً، لا يقوم دوره في تأويل الوقائع والتعليق عليها، أي ربطها بجذورها التاريخية، فهو يكسر المشهدة باعتبارها تقديماً لصورة تضاهي العالم، تشبهه ولا تندمج به، أمّا حكواتي ونوس فهو الإرث الذي حمله من مسرح برشت، أي هو صوت التاريخ، إنه العين التي لا تغيب عن الأفق العام وتقرأ حركة هذا العام في الخاص، فونوس لم يتخل يوماً عن فهمه للمبدع كقارئ للتاريخ، وهو مهندس منظومات ورؤى، رسام مسارات عبور وتحوّل، مبتدع شخصيات، كشاف بواطن، صائغ كنايات وأمثولات ونحات رموز.
الفصل الخامس تخصصه سعيد للحديث عن مسيرة التجريب في المسرح العربي وتبدأه بطرح مسألة الخصوصية والهوية الثقافية عند شريف خزندار الذي سلك في مسيرته المسرحية طريق البحث والنظال المستمر من أجل حماية خصوصية الثقافة من الغزو الثقافي الغربي. وينتمي خزندار إلى رعيل الستينات الأول الذي انطلق من المدرسة العليا للآداب وانتهج الخروج عن السائد والانحياز إلى الطليعي المتمرّد والمتجاوز للتقاليد المسرحية، وتتابع سعيد الإضاءة على سيرة خزندار المسرحية الغنية بالتجريب والشغل العملي كما بالبحث النظري والفكري، سيرة تروي عطش التواقين الى المعرفة أكثر عن تاريخ المسرح العربي ورجالاته.
في محور خاص تضيء سعيد على تجربة منير أبو دبس ومسرحه وأفكاره، فهو الذي وصل بتجربته إلى مسرح"اللامسرح"متخطياً الأطر والأشكال التقليدية، متأثراً ربما بغروتوفسكي، باحثاً عن صيغة مسرحية مختلفة عن الصيغة الأوروبية التقليدية وعن الصيغ الأخرى التحديثية التي اقترحها معاصروه، وهو المؤسس مع آخرين للبداية الثانية للمسرح اللبناني إذ قدم مسرحاً خاصاً في إطار سماه"مدرسة بيروت للمسرح الحديث"، وقدم أعمالاً اختارت سعيد منها مسرحية"الطوفان"كمثال وقرأتها نقدياً لتؤكد مكانة هذه المسرحية في حركية البحث عن شكل مسرحي خاص وجديد، كما أكدت أهمية أبو دبس كشخصية مؤثّرة في رسم مسارات الحداثة في المسرح العربي من خلال مقابلة أجرتها معه.
انطلاقاً من حرصها على الإحاطة بكامل أجزاء المشهد المسرحي العربي اختارت خالدة سعيد المسرحي العراقي العريق قاسم محمد بصفته أحد المحدثين الباحثين عن صيغة مختلفة لمسرح عربي متميّز، فهو صاحب كتاب"المخرج الدراماتورغ"الذي يشرح فيه معنى الدراماتورجيا التأليف الدرامي للعرض كلغة مشهدية مقترحة تماماً كما اللغة المحكية أو المكتوبة في النص المسرحي، ثم تنتقي المؤلفة إحدى مسرحياته"بغداد الأزل بين الجد والهزل"وتقول فيها: إن كان بعض أعلام البحث عن"مسرح أصيل"عمل على هدم الخشبة وصولاً إلى المعيش، فإن قاسم محمد غالى في توسيع مجال الخشبة حتى احتلَّت الصالة واصطادت المشاهدين، عملياً أُلغيت الصالة، السينوغرافيا حوَّلت المكان بكامله إلى منصة، وضعت المشاهد عليها فصار المشاهد لاعباً.
وفي السياق ذاته مقاربة لتجربة"فرقة مسرح الحكواتي"اللبنانية مع روجيه عساف صاحب الخبرة الطويلة والمتبدلة في مسيرة البحث عن هوية خاصة للمسرح العربي، والتي تبلورت في أوجها في شكل مسرح الحكواتي. في مقاربتها النقدية لهذا المسرح تعتبر خالدة سعيد أن مسرحية"أيام الخيام"1983 تمثل لحظة نضج واستقرار لنص حي يتشكل في سياق الممارسة الحياتية الفنية لفرقة مسرح الحكواتي، تجربة عساف وفرقة الحكواتي خطوة تطمح إلى إيصال الصوت الجماعي الحي...
الشاعر مسرحياً
وتتناول سعيد مسرحية"العصفور الأحدب"لمحمد الماغوط، ومن خلالها مسرحه وسيرته فتقول: أننا في الكلام عن محمد الماغوط ومسرحه لا نفكِّر فيه إلا كشاعر، ويصعب التمييز بين البعد المسرحي لشعره والبعد الشعري لمسرحه. ومن خلال التحليل العميق للمسرحية التي وصفتها بأنها لعبة هذيانية شعرية في موقفها إذ الشعر يُمتحن في معناه ودوره في تغيير العالم نتعرف إلى شخصية محمد الماغوط الإبداعية المسجونة في سجن الحرية.
من محمد الماغوط إلى معاصره المسرحي عصام محفوظ، الذي وحّد في رؤيته الشعر والمسرح وعاش حلم الكلمات الكاشفة المغيِّرة، ولم يؤخذ بطموح رعيله إلى بلوغ التطابق بين المكان المسرحي والمكان الاجتماعي، ولم يتنازل عن الخصيصة الاستعارية - الرمزية للمكان المسرحي، فهو تحرّك في دائرة اللعب الرمزي وبقي أميناً لهويته الشعرية.
وفي نهاية كتابها ? المرجع عن المسرحيين لم ترد خالدة سعيد أن تستثني جواد الأسدي الذي وإن انتمى إلى جيل ما بعد مرحلة التأسيس والبحث عن الهوية، لكنه برز كأحد أهم المسرحيين العرب الحاملين هَم الخشبة، بحثاً وتطويراًَ وإبداعاً، ففي مسرحيته"تقاسيم على العنبر"يمتاز الأسدي بتوتير الزمان والمكان والإيقاع الذي يشتغل عليه بدقة متناهية، خصوصاً على المستوى الاستعاري الحركي المشهدي.
وتنهي خالدة سعيد كتابها بمقال عن الفنان الياباني أوشيو آماغاتسيو وفرقته"سنكاي جوكو"حول عرض راقص من نوع الباليه الحديث، هذا المقال بدا كأنه آت من خارج السياق التسلسلي الموضوعي للكتاب، هذا من دون إغفال أهميته النقدية.
كتاب خالدة سعيد مشغول بحِرَفيّة المتخصص وببعد نظر المؤرّخ. إنه كتاب يمثل قيمة معرفية نقدية في المكتبة العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.