تحويل مطار أبها الدولي إلى «المطار الصامت».. كأول مطار في السعودية    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    السعودية تفوز بعضوية مجلس منتدى النقل الدولي ITF    "الصناعة والثروة المعدنية" تصدر 54 ترخيصاً صناعياً جديداً خلال مارس 2024    السفير بن زقر يسلم أوراق اعتماده لإمبراطور اليابان    "مكافحة التستر التجاري" تنفذ أكثر من 6600 زيارة تفتيشية خلال شهر إبريل    «الحج والعمرة»: إيقاف إصدار تصاريح العمرة عبر تطبيق «نسك» لمدة شهر    علامة HONOR تكشف عن بنية الذكاء الاصطناعي المكونة من أربع مستويات وتمضي قدماً مع Google Cloud من أجل مزيد من تجارب الذكاء الاصطناعي في VivaTech 2024    وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج دورة تأهيل الضباط الجامعيين ال35 والدفعة ال40    «الإحصاء»: الصادرات غير البترولية تسجل ارتفاعاً بنسبة 3.3% في الربع الأول من 2024    رفع كسوة الكعبة المشرَّفة للحفاظ على نظافتها وسلامتها.. وفق خطة موسم الحج    أدبي الطائف يقيم الأمسية السودانية ضمن لياليه العربية    رابطة روشن تعلن عن إقامة حفل تتويج للهلال    "سدايا": حريصون على المعايير الأخلاقية بالذكاء الاصطناعي    محافظ الخرج يُكرم شركة "لمسات احترافية" لجهودها في تنظيم الفعاليات الوطنية والمحلية    محمية الملك سلمان.. أول موقع رئيسي للتنوع البيولوجي    فرص تمويل واستثمار ب"كان" من الصندوق الثقافي    "مايكروسوفت" تترجم مقاطع الفيديو وتدبلجها    نائب أمير الرياض يرعى حفل تخريج الدفعة ال 49 من طلاب مدارس الرياض    تمكين المرأة.. وهِمة طويق    «صراع الهبوط» يصطدم بالكبار    تخريج 700 مجند من دورة «الفرد»    أزمة بين «سكارليت» و«شات جي بي تي» والسبب.. تشابه الأصوات    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 142 مجندة من الدورة التأهيلية    أمير تبوك يكرِّم الطلاب والطالبات الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقات    مغني الراب.. راح ضحية استعراض مسدسه    قوة فريق العمل    جنة الأطفال منازلهم    العمر.. والأمل    علم النفس المراحل العمرية    وصول ركاب الخطوط السنغافورية بسلام بعد رحلة جنونية    القبض على أربعة مروجين للمخدرات    لقاء علمي يستعرض تجربة بدر بن عبدالمحسن    خبراء يناقشون تجربة «أوبرا زرقاء اليمامة»    هيئة المتاحف تنظم المؤتمر الدولي للتعليم والابتكار    لا فيك ولا في الحديد    تنمُّر التواصل الاجتماعي.. قصة كارسون !    رحلة في العلاقات السعودية الأمريكية.. من المُؤسس إلى المُجدد    "الصحة": اشتراط ثلاثة لقاحات لأداء فريضة الحج    ثلاثي روشن يدعمون منتخب البحارة و رونالدو: فخور بتواجدي مع البرتغال في يورو 2024    البرتغالي جوزيه مورينيو في ضيافة القادسية    واتساب يتيح قفل المحادثات على الأجهزة المتصلة    229 مشروعاً تنموياً للبرنامج السعودي في اليمن    الخريجي يقدم العزاء بمقر سفارة إيران    أتالانتا الإيطالي "يقسو" على باير ليفركوزن الألماني.. ويفوز بلقب الدوري الأوروبي    معرض «لا حج بلا تصريح» بالمدينة المنورة    د. خوقير يجمع رجال الإعلام والمال.. «جمعة الجيران» تستعرض تحديات الصحافة الورقية    السبت الكبير.. يوم النهائيات الخمسة.. العين يطمح للقب الآسيوي.. والأهلي لتأكيد زعامته للقارة السمراء    دشن هوية «سلامة» المطورة وخدمات إلكترونية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يتفقد سير العمل في الدفاع المدني    الاستعداد النفسي أولى الخطوات.. روحانية رحلة الحج تبعد هموم الحياة    توريد 300 طن زمزم يومياً للمسجد النبوي    الأمير سعود بن مشعل ترأس الاجتماع.. «الحج المركزية» تستعرض الخطط التشغيلية    الكاتب العقيلي يحتفل بتخرج إبنه محمد    آل مجرشي وآل البركاتي يزفون فيصل لعش الزوجية    "أبرار" تروي تحديات تجربتها ومشوار الكتابة الأدبية    استشاري: حج الحوامل يتوقف على قرار الطبيب    جناح الذبابة يعالج عيوب خلقية بشرية    برعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي لمجندات الدفعة السادسة في معهد التدريب النسوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة العربية بعيدة من اللغة الثنائية الالكترونية . الترجمة المؤتمتة تطورت مع تقدم الذكاء الاصطناعي للكومبيوتر
نشر في الحياة يوم 11 - 05 - 2007

تعني الترجمة المؤتمتة Automated Translation، أي تلك التي تنهض بها برامج الكترونية متخصصة في التعامل مع اللغات وأساليب الترجمة، أن مستعمِل الحاسوب يستطيع أن يستخدم نظاماً معلوماتياً يترجم له نصاً أو مجموعة من النصوص أو موقعاً معيّناً على الانترنت بصورة آلية ومن دون مساعدة المستعمِل.
في البداية لا بد من القول إن أنظمة الترجمة المؤتمتة ليس باستطاعتها أن تحلّ مكان المُترجم المتخصص، ومحاولة استعمالها لهذا الغرض غير مجدية حالياً. فحتى الآن لا يوجد نظام ترجمة آلي باستطاعته أن يترجم ولو في شكل مقبول نسبياً، نصاً لغوياً.
وفي المقابل، تقدم أنظمة الترجمة المؤتمتة مُساعدة لا يُستهان بها لكل مستعمل للحاسوب يريد أن يفهم نصاً معيناً كُتب بلغة أخرى، سواء كان يعرفها أم يجهلها. فمثلاً باستطاعتنا استخدام الترجمة الآلية لأخذ فكرة عن موضوع طبي مكتوب باللغة الإسبانية حتى من دون أن يكوّن لنا إلمام بتلك اللغة. فنظام الترجمة الآلي سيعطينا نصاً مترجماً نفهم من خلاله المعنى العام لما كُتِب فيه.
وتُشير إحصاءات مستعملي الترجمة الآلية إلى أن سرعة الحاسوب الحالي والتطوّر الحاصل في مجالات البرامج المعلوماتية وفي مجال علم اللغات وعلم المعلوماتية ستسمح لنا بأن نحصل على ترجمة خمسين صفحة خلال خمس دقائق، وتكون نسبة فهم الجُمَل في هذا النص 50 في المئة، كما تصل نسبة الفهم العام للنص الى 80 في المئة.
وبامكاننا تحسين الأمور بالعمل على النص المُترجم، بمعنى التأمل في الجُمل ومعانيها وسياقاتها ومنطقها، ما يساعدنا، خلال ساعة من ذلك العمل، أن نحصل على نسبة 70 في المئة من الجمل المفهومة جيداً وعلى فهم النص بنحو 80 في المئة.
وفي المقابل، فإن ترجمة النص عينه من قِبَل مترجم متخصص، تستلزم نحو 5 أيام من العمل، لكي نحصل على نسخة جيدة مترجمة بطريقة صحيحة ومفهومة كلياً.
وتكمن أهمية هذه الترجمات في أنّها مفيدة في شكل خاص للشركات التي تسعى الى فهم بعض المواضيع في شكل سريع، ما يعني أنها ليست بحاجة إلى ترجمة تامة وجيدة، في معظم الأحيان. فنظراً الى تكاثر الشركات المتعدّدة الجنسيات والعابرة للقارات حالياً، صارت الترجمة الآلية حاجة مُلحة لتبادل النصوص والرسائل بين العاملين في الاسواق الدولية. وأوجب هذا الوضع وجود ترجمة آلية لتُساعد على حلّ بعض العقد اللغوية بين أطراف العمل.
ويمكن تلخيص ما سبق بالقول أن الترجمة الآلية لا تُعطي إلاّ ترجمة تقريبيّة، وأنها تُستعمل لأخذ نظرة عامّة عن النص. وكذلك فإن الترجمة الآلية هي نظام معلوماتي يترجم نصاً من لغة الى أخرى، كما أنها تسمح بأن نفهم المواضيع المترجمة في شكل سريع وتقريبي.
النظام المباشر
أدى انتشار الكومبيوتر والإنترنت إلى وفرة في المعلومات المتداولة ما ولّد الحاجة إلى فهم كثير من النصوص بسرعة، ولو في صورة تقريبية. إذ أن أكثر من 70 في المئة من المعلومات المتوافرة على الإنترنت حالياً مكتوبة باللغة الإنكليزية، وال 30 في المئة المتبقية موزعة على اللغات الباقية. إن تحوّل الشبكة الالكترونية الدولية الى نوع من"برج بابل"مُعاصر وحَتّمَ هذا الوضع ايجاد وسيلة لتجاوز التعدّد اللغوي بطريقة سهلة وعملية وسريعة.
إن عملية الترجمة الآلية تتطلّب كمية هائلة من المعلومات والأنظمة المعلوماتية. وفي هذا السياق، تبرز 3 متطلبات أساسية لهذا النوع من الترجمة: قواعد لغويّة مُصاغة في شكل عملاني، وقواميس تحتوي على معلومات تفصيلية عن المفردات اللغوية، وأخيراً، واجهات عمل رقمية "للتحاور"بين مستعمِل الحاسوب ونظام الترجمة.
وهناك نظامان أساسيان من الترجمة الآلية أنظر الاطار"تاريخ الترجمة المؤتمتة": مباشر وغير مباشر.
في"الترجمة المباشرة"يتولى الكومبيوتر الترجمة بطريقة"فظة"، بمعنى ترجمة النص مُفككاً الى كلمات مستقلة، ثم اعطاء المعنى الأكثر شيوعاً لكل كلمة على حدة، أو بالأحرى بعد أن ينظر برنامج الكومبيوتر في الجملة الصغيرة التي تأتي فيها الكلمة.
وبذا، لا يستطيع هذا النوع من برامج الترجمة تكوين فكرة عامة عن النص ومعناه. وتعاني تلك الترجمة من مشاكل منها:
1 تشكيل الكلمات: مثلاً"ذهب"و"ذهب". هل تعني كلمة"ذهب"فعل الذهاب أم اسم المعدن الأصفر.
2 تعددية المعاني: ففي عبارة"ركب الحصان" تختلف كلمة"ركب"عن معناها في عبارتين مثل"ركب البحر"أو"ركب السفينة".
وبسبب هذه المشكلات أُلغيت هذه الطريقة في صنع برامج للترجمة المؤتمتة لأنها لم تعط أية نتيجة.
النظام غير المباشر
تجرى هذه العملية عبر المرور بالمرحلة التمثيلية"الوسيطة"للنص. أنظر الاطار:"تاريخ الترجمة المؤتمتة". وتعتمد على فصل عملية التحليل للنص المطلوب ترجمته عن عملية صناعة النص المُترجَم. ولأن اللغة"الوسيطة"هي لغة مجرّدة، باعتبارها لغة الكترونية مُكوّنة من أرقام متسلسلة، يمكن استعمالها للترجمة الى لغات عدّة.
لا يقرأ الكومبيوتر أي شيء، إلا بعد تحويله إلى مجموعات مُنظّمة من الارقام، وتحديداً يجب كتابته بتكرارات من الصفر والواحد، وذلك ما يُسمى اللغة الثنائية Binary Language وقد ابتكرها الفيلسوف الالماني غوتفريد لايبنيز في القرن السابع عشر. لقد وُضعت اللغة الثنائية بالاصل لتكون طريقة في كتابة الأعداد، بمعنى كتابة الاعداد كلها باستخدام رقمي الصفر والواحد. فمثلاً، يُكتب الواحد 01، والاثنين 10 والثلاثة 11 والاربعة 100 والخمسة 101 والسته 110 والسبعة 111 وهكذا دواليك. ومع توسّع استخدام الكومبيوتر، كُتبت الكلمات بطريقة كتابة الاعداد نفسها. ووجد العلماء طريقة لكتابة الاحرف برقمي الصفر والواحد. ووضعوا لذلك قواعد واضحة، ما مكّنهم من كتابة الكلمات والجُمل والنصوص برقمي الصفر والواحد أيضاً. ولأن الكومبيوتر وُلد في الغرب، لم تظهر صعوبة في كتابة اللغات ذات الاصل اللاتيني بالارقام الثنائية. ومع توسّع ثورة المعلوماتية في العالم، كُتب الكثير من لغاته بتلك اللغة أيضاً. لم تواجه اليابانية مثلاً، على رغم غياب الحروف عنها، صعوبة في التحوّل إلى اللغة الثنائية. والأرجح ان الاسهام الياباني الهائل في صناعة المعلوماتية، لعب دوره في ذلك الامر. والمفارقة ان اللغة العربية تواجه صعوبة هائلة في التحوّل إلى اللغة الثنائية، على رغم ان الصفر اكتشاف عربي أصلاً. ولعل غياب العرب عن المساهمة في الثورة العلمية التي رافقت الكومبيوتر والانترنت شكّل السبب الرئيس في هذا الوضع.
ويمكن اعتبار تلك النصوص الرقمية نوعاً من اللغة المحورية، التي تتعامل معها برامج الترجمة بطريقتين:
الطريقة الأولى:
البدء بعملية التحليل، ثم المرور الى اللغة المحورية لكتابة التحليل بلغة الأرقام، ثم تحويل تلك الأرقام الى اللغة المُتَرجَم اليها. وهذا يعني أن نقوم بالتحليل الشكلي والنحوي والدلالي في شكل متكامل، ثم استعمال لغة الأرقام لبناء النص المُتَرْجَم.
ويُفضّل العاملون في مجال الذكاء الاصطناعي هذه الطريقة لانها تستند الى فهم النص قبل ترجمته. إن البرامج الالكترونية التي أُنتجت بهذه الطريقة بقيت أداة في يد المتخصصين، بالنظر الى تعقيدها.
الطريقة الثانية:
ترتكز الطريقة الثانية الى تحويل النص المطلوب ترجمته الى اللغة الوسيطة أي الأرقام الثنائية، ثم تحويل النص الرقمي الى اللغة الثانية المُترجم اليها، مع مراعاة التحليل النحوي والدلالي للجمل في العمليتين.
إن مستوى التجريد في هذه الحال ليس بعمق المستوى في النظام الأول. ويُسمّى هذا البناء"البناء بالتحويل". أمّا الطريقة الأولى فتسمى"البناء باللغة المحور".
إن مراحل تحليل معالجة النصوص، خصوصاً الترجمة، تتطلب تحليل المعارف الألسنية الكلاسيكية مثل تحديد الكلمات والمصطلحات وتحديد مجموع المعلومات الملازمة ودرس الجمل نحوياً وتحديد الوظائف النحوية في بناء الجملة والنحو المعمق"ودلالات المفردات أي صلب المعنى للكلمة المفردة.
هذه الدراسات المختلفة تتم من خلال القواميس المختلفة وقواعد اللغات.
مشاكل الكترونية للغة العربية
راهناً، لا يجد الكومبيوتر صعوبة في التعامل مع الترجمة من اللغات اللاتينية واليها، ما يُظهر أهمية التمكّن من لغتي المصدر والهدف. وهذا ما يخوّل البرمجيّات ترجمة العبارة الفرنسيّةil pleut des cordes بما يقابلها بالانكليزيّة، أي it"s raining cats and dogs وليس بعبارة"حرفية"من نوع it"s raining ropes . كما يُبيّن المثال، أهمية الأمور التي مرّ ذكرها أعلاه مثل عدد قواعد البيانات اللغويّة التي تضمّها البرمجيّات، ونوعيّة هذه القواعد. ويضع اللغويّون هذه القواعد ثمّ تترجم على شكل أعداد رقمية ثنائية. ويهدف هذا الأمر إلى إلغاء الالتباس في الكلمات قدر الإمكان، عبر تقليص الاحتمالات في ترجمة الكلمات، والتي يفترض بالبرمجيّات المُفاضلة بينها. ويجب الأخذ في الاعتبار تعدّد معاني الكلمة الواحدة، والتمييز بين الاسم والفعل، والغموض في المعنى للكلمة عينها. ولذا لا تظهر كثير من الترجمات السيئة عند النقل من لغة لاتينية الى أخرى.
ولا ينطبق هذا الوصف على الترجمة المؤتمتة من اللغات اللاتينية الى اللغة العربية، إلا بصفة جزئية. فلربما تمكن الكومبيوتر من ترجمة العبارتين السابقتين، بالانكليزية والفرنسية، ب"إنّها تمطر بغزارة"، وليس"أنّها تمطر حبالاً"أو"أنّها تمطر كلاباً وهررةً". ولكن، وللأسف، لا يصف ذلك سوى ما يُشبه الاستثناء! فلا تزال لغة الضاد بعيدة من لسان الكومبيوتر، ويزيد هذا الأمر من تعقيد علاقة اللغة العربية مع الترجمة من طريق الكومبيوتر.
إن معظم مشكلات الترجمة المؤتمتة مرتبطة بالنظريات الحديثة وبعملية مراقبة اللغة والوحدات اللغوية، والمشكلات تصبح أكثر عندما تكون الترجمة من لغة إلى لغة أخرى بعيدة عنها، في هيكليتها أو من عائلات لغوية مختلفة، مثلاً مفهوم الحاضر والماضي والمضارع في اللغة العربية ليس كما هو في اللغة الفرنسية أو الإنكليزية.
بالنسبة إلى اللغة العربية فإن هذه المشكلات كلها موجودة، إضافة إلى ذلك مشكلات ترميز الكتابة ومزج أنظمة معلوماتية تحتوي الكتابة العربية من اليمين إلى الشمال مع أنظمة تحوي الكتابات اللاتينية من الشمال الى اليمين.
ويرجع السبب الاساس في ذلك القصور إلى عدم اتفاق العرب مع الهيئات المُشرفة على اللغات الالكترونية وبروتوكولاتها، مثل هيئة"أيكان"ICANN الاميركية، على وضع صيغ ثابتة لتحويل احرف الهجاء العربية الى اللغة الرقمية، التي لا يقرأ الكومبيوتر أي نص إلا عبرها. وفي عام 2005، أسندت هيئة"إيكان"إلى مجموعة بولندية أمر تحويل الاحرف العربية إلى اللغة الثنائية، ما أثار احتجاجاً عربياً واسعاً. وكذلك فان تلك المجموعة لم تتمكن من إنجاز المهمة التي أُسندت اليها.
فعلى رغم التطور التكنولوجي عند استعمال أنظمة الترجمة المؤتمتة، يجب أن يكون في حوزتنا دائماً مجموعة من الأنظمة المساعدة لإظهار الكتابة بشكلها السليم. وثمة الكثير من الشوائب في هذا المضمار. ومن ناحية ثانية، تفتقر الجامعات العربية الى الاختصاصات المتعلقة بمكننة اللغة العربية وبمعالجتها في شكل مؤتمت. وإضافة الى ذلك، فإن معظم المختبرات التي تعمل على هذا الموضوع موجودة في الجامعات الغربية. ويرجع ذلك الى الدور الذي تلعبه عملية الترجمة اقتصادياً، وكذلك الى اعتماد الغرب على مفاهيم السوق، بمعنى تركيز آليات البيع على لغة المُشتري، أي أنه لكي تبيع يجب التكلم بلغة المُشتري أيضاً.
والارجح أن أهم المشكلات التي تُعاني منها أنظمة الترجمة المؤتمتة مبنية على عدم معرفتنا الكافية باللغة وقواعدها، وبالظواهر اللغوية عموماً. فمشكلة العمل على الجملة لا تكفي لفهم النصوص، التي لا تُمثّل مجرد مجموعة من الجمل المتراصفة الواحدة تلو الأخرى. إذاً، يلزمنا اللجوء إلى العمل على النص كوحدة علمية متكاملة. وحتى الآن لا يوجد لدينا قواعد للنصوص من الممكن أن تكتب في شكل يفهمها الحاسوب. ولا يتوافر للغة العربية سوى قواعد للجمل وللمفردات.
أخيراً، المطلوب العمل على صعد مختلفة لحل المشكلات المتعلقة بترجمة هذا الكم الهائل من النصوص الذي تفيض به الانترنت. إذ"إننا نغوص"حالياً في بحر من المعلومات في هذا الفضاء الافتراضي، وعلى كاهل العرب يقع جزء من مسؤولية البحث أيضاً عن حلول، لكي لا تبقى لغتنا خارجة عن هذا النسق عملياً ونظرياً. فلتطويرها يجب دراسها وترجمتها وكذلك... الترجمة إليها!
* استاذ في الجامعة اللبنانية
مراحل التقنية الرقمية
تحوز برامج الكومبيوتر التي تقدر على معالجة اللغة آلياً تاريخاً خاصاً بها. ويمكن تمييز 3 مراحل أساسية مرت بها هذه التقنية الرقمية.
المرحلة الأولى:
بدأ الاهتمام بالترجمة من طريق الآلات الذكية بعد الحرب العالمية الثانية، لأهداف حربية وسياسية. واهتمّ الأميركيون بشكل خاص بهذا النوع من البرامج الإلكترونية، وركزوا عملهم على تصميم برامج للتعامل مع اللغة الروسية نظراً الى السباق التقني والاقتصادي والفضائي بين بلادهم والاتحاد السوفياتي في حقبة الحرب الباردة، التي تصاعدت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
إن الطلب السريع على صنع أنظمة مؤتمتة للترجمة أدى إلى عدم إعطاء أولوية قصوى للنظريات اللغوية. ومرّت الترجمة المؤتمتة بثلاث مراحل كبرى. امتدت المرحلة الأولى من أواخر الأربعينات حتى منتصف الستينات من القرن العشرين.
وفي عام 1952، استضافت الولايات المتحدة مؤتمراً دولياً أول حول الترجمة المؤتمتة، فشكّل بداية الأبحاث في هذا المجال، وتركّزت، حينها، على ترجمة المقالات والكتابات العلمية الروسية إلى اللغة الإنكليزية. في ذلك الوقت، استطاعت البرامج الرقمية أن تُنجز ترجمة"بدائية"، بمعنى ترجمة الكلمة بالمعنى الأكثر استخداماً الذي يُقابلها. والنتيجة كانت غير مرضية.
ويرجع السبب في ذلك الى أن غالبية البحّاثة في هذا المجال كانوا علماء في الرياضيات والمعلوماتية"ولم يأخذوا في الاعتبار أي معلومات أو قواعد أو نظريات لغوية.
لقد غابت مراقبة اللغة والعمل عليها عن تلك الجهود، ولم تؤخذ في الاعتبار. ولذا، لم يكن غريباً أن تُسمى تلك النصوص الالكترونية"الترجمة المباشرة"لأنها لم تتضمن أي تمثيل للتركيبة الدلالية والنحوية والصرفية للجُمَل.
وفي شكل غير مباشر، قاد هذا الفشل أيضاً إلى التعمّق في فهم طبيعة الترجمة المؤتمتة، وبالتالي إلى العمل على صنع برامج رقمية تلحظ المراقبة اللغوية. لقد دلّ ذلك على أهمية علوم اللغة في صنع برامج للترجمة المؤتمتة.
وفي هذا السياق، يذكر أن التقويم السلبي لنوعية النصوص التي أعطتها"الترجمة المباشرة"، قاد إلى تقليص موازنة المختبرات الغربية العاملة في هذا المجال. ففي ذلك الوقت، كَلّفَت مراجعة نصوص الكومبيوتر من جانب مترجمين متخصصين جهوداً كبيرة، تفوق كلفة الترجمة الآلية نفسها.
وفي المقلب الآخر من تلك الصورة المتشائمة، نبّهت تلك النتائج أيضاً الى ضرورة تكثيف الأبحاث في الألسنية والألسنية المعلوماتية عند صنع برامج وأنظمة إلكترونية في الترجمة.
في تلك الحقبة، كانت الأبحاث الروسية في مجال الترجمة المؤتمتة، أكثر تطوراً نظرياً"وذلك أن غالبية البحّاثة الروس الذين عملوا في هذا المجال كانوا لغويين عملوا على تحليل النصوص وعلى المرور عبر لغة"تمثيلية"، بمعنى لغة وسطية، بين اللغة المُراد ترجمتها وتلك التي يُترجم اليها.
المرحلة الثانية:
ابتدأت المرحلة الثانية بين أواسط الستينات وأواسط السبعينات من القرن الماضي. وعلى رغم تقليص الأموال في كثير من الدول الغربية، إلا أن بعض البحّاثة تابع عمله بدأب.
وحينها، تصاعد الاهتمام بالأبحاث عن النظريات اللغوية من جهة، وعن وجوب التوجّه نحو مجالات مُتخصّصة مثل الهندسة والطب والفلسفة، لاحتوائها على مصطلحات متخصّصة تُقلّل من الوقوع في الالتباس. واهتم البحّاثة بمسألة التحليل اللغوي للغتي المصدر والهدف. كما أنهم بدأوا تحليل النص تركيبياً ودلالياً. وكانت النتيجة التوصّل الى ما سُمي"الترجمة غير المباشرة"، أي أن النص يمر بمرحلة وسطية فيها"تمثيل"نحويّ وصرفيّ ودلاليّ إلكتروني غير مقيّد بلغة محددة. وبهذا أصبح في استطاعتنا أن نترجم إلى أكثر من لغة، بعد أن اقتصرت محاولات الترجمة المباشرة على اللغتين الإنكليزية والروسية. وفي تلك الحقبة عينها، بدأت الحواسيب تتطور بسرعة، سواء لقدرتها على التعامل مع المعلومات أم لسعة الذاكرة. وكذلك حدث تقدم متسارع في نظريات المعلوماتية.
أدت تلك الأمور الى صنع برامج تكون فيها المعطيات اللغوية خارج الشيفرة الالكترونية التي تُدير النظام المعلوماتي. وبقول آخر، تبلورت"مرحلة وسيطة"للتمثيل اللغوي، فصارت مستقلة عن اللغة وكذلك عن عمل النظام المعلوماتي نفسه. وبذا، خطت الترجمة خطوة عملاقة. ومن الناحية العملية أيضاً، بات بمقدور المحلّلين اللغويين أن"يتلاعبوا"بالمعطيات اللغوية من دون أن"يمسّوا"المعطيات المعلوماتية.
المرحلة الثالثة:
انطلقت المرحلة الثالثة مع أواسط السبعينات. وحينها، ظهرت حاجة الشركات العالمية العملاقة للمعلومات ومعالجتها، كما تعمّق التطور المعلوماتي للحاسوب وأنظمته وتقنياته ولغات برمجته"وكذلك ظهرت قواعد البيانات التي تحولّت بسرعة الى"بنوك"للمصطلحات"وظهرت أيضاً القواميس اللغوية المتعدّدة الوظائف.
ساهمت تلك الأمور في دفع الاتجاه العملاني في العمل على موضوع الترجمة من طريق الآلات الذكية، خصوصاً ان تلك الآلات باتت أكثر ذكاء فعلياً. وتبلوّر هذا الاتجاه في صنع"التطبيق المساعِد للترجمة المؤتمتة". وبديهي القول ان كل جيل من الترجمة المؤتمتة ترافق مع جيل من الحواسيب. فالتطوّر في تلك الترجمة سار يداً بيد مع التطوّر التكنولوجي، إضافة الى مراعاته الاحتياجات العملية أيضاً مثل كثرة المعلومات، وظهور الإنترنت، وانتشار الخليوي، وتوسع العولمة، وظهور الاتحاد الأوروبي، وتعملق التجارة الأميركية، ورواج تعددية اللغات، وذيوع الكلام عن الثقافات وحروبها وغيرها.
ولا يعني ذلك أن الترجمة المؤتمتة شكّلت هاجساً للشركات وحدها، بل شاركها في ذلك بعض البحاثة العاملين في"الذكاء الاصطناعي"Artificial Intelligence. وطالما انشغل هؤلاء بسؤال أساسي عن قدرة الحاسوب على أن يُفكر مثل الإنسان؟ ويصلح"اختبار تورينغ" Turing Test مثلاً عن ذلك. ويرتكز ذلك الاختبار الى كلام"عادي"بين البشر ومتحدثين مجهولين من أشخاص حقيقيين وآلات الذكاء الاصطناعي. وكلما التبس الأمر على المتحدث، أي أنه لم يميز إن كان مُحدّثه بشراً أو آلة، اعتبر ذلك تقدماً في ذكاء الآلات. ومن الأشياء التي تساعد على ذلك، الترجمة المؤتمتة، إذ إن حلّ هذه المسألة يعني قدرة الحاسوب على التفكير والتحليل والفهم مثل البشر، كي ينهض بمهمات الترجمة بكفاءة. وبديهي أن يترافق هذا الهدف مع نظريات في الذكاء الاصطناعي حول عمليات التفكير وتمثيل المعرفة وعمل الدماغ البشري، إضافة إلى السؤال عن مكننة الفكر وكتابته بشكل رمزي، بمعنى القدرة على تشفير عملية التفكير الإنساني. كما ترافق مع أسئلة عن قدرة العلماء على تحويل التفكير المنطقي الى سلسلة من المعادلات الرياضية التي يمكن كتابتها بقواعد يفهمها الحاسوب، ما أدى إلى ظهور نظريات مثل تمثيل المعرفة الكونية.
وتجدر الإشارة إلى أن الأهداف لم تكن هي نفسها في مجالي الذكاء الاصطناعي والترجمة المؤتمتة. إذ ينظر الذكاء الاصطناعي إلى الترجمة باعتبارها تجربة لتطبيق نظريات علمية حول المعرفة وأنساقها وأشكالها واستخداماتها وسبل الوصول إليها ودور الحواس في تكوين المُدركات وغيرها.
في هذا السياق، صبّ خبراء اليابان جهودهم في مجال صنع قواعد معلومات مُتخصصة تُساعد في الترجمة المؤتمتة. كما طوروا وسائل بحث متقدمة، عرفت باسم"ما فوق البحث"Meta Search للمساعدة في التغلب على الصعوبات المتضمنة في استعمال برامج المعلوماتية لپ"بنوك"المعلومات اللغوية. وراهناً، ثمة الكثير من المواقع على الانترنت التي تُقدم ترجمات مؤتمتة فورية للنصوص وللصفحات الإلكترونية مثل"بابل فيش. التافيستا"babelfish.altavista و"1-800 ترانسلايت.كوم"1-800 translate.com وغيرهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.