الجامعة العربية تدعو إلى إعادة صياغة التشريعات لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي    الدوسري يناقش عددا من البنود خلال اجتماع الدورة 19 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب    وزير الخارجية: الاعتراف بفلسطين قرار صحيح يمنحنا الأمل.. يجب وقف النار فوراً في غزة    رفع الطاقة الاستيعابية لقطار الحرمين السريع لموسم حج 1445    "إدارة الدين" تعلن إتمام ترتيبها لإصدار صكوك دولية ب 5 مليارات دولار    رابطة العالم الإسلامي تُدين مجازر الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني    الصحة الفلسطينية تعلن انهيار المنظومة الصحية في غزة    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان رئيس جمعية غيث للخدمات الطبية    البديوي يشارك في الدورة ال 16 لمهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون    «الأمر بالمعروف» تسخِّر تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة ضيوف الرحمن    هل باتت «الهدنة» من الماضي؟    أمير المدينة يكرم الطلاب الحاصلين على جوائز محلية وعالمية    أمير حائل يشهد حفل التخرّج الموحد للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني    وزير الاقتصاد والتخطيط يبحث مع الوزيرة الاتحادية النمساوية للشؤون الأوروبية العلاقات الثنائية بين السعودية والنمسا    رونالدو يعلق على انجازه في الدوري السعودي    ارتفاع أسعار النفط إلى 84.22 دولارا للبرميل    رياح مثيرة للأتربة على الرياض    "البحر الأحمر" تسلم أول رخصة ل"كروز"    إضافة خريطة محمية الإمام لخرائط قوقل    وزير الداخلية يدشن مشروعات حدودية أمنية بنجران    "الشؤون الاقتصادية": اكتمال 87% من مبادرات الرؤية    الهلال يمًدد تعاقده مع جورجي جيسوس    القادسية يتوج ب"دوري يلو"    طائرات "درون" في ضبط مخالفات المباني    وزير الحرس الوطني يرأس اجتماع مجلس أمراء الأفواج    خيسوس وكاسترو.. من يحصد «أغلى الكؤوس»    أمير تبوك يطلع على استعدادات جائزة التفوق العلمي والتميز    «الشورى» يطالب «حقوق الإنسان» بالإسراع في تنفيذ خطتها الإستراتيجية    5 أعراض يمكن أن تكون مؤشرات لمرض السرطان    تحذير لدون ال18: القهوة ومشروبات الطاقة تؤثر على أدمغتكم    هذه الألوان جاذبة للبعوض.. تجنبها في ملابسك    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    هؤلاء ممثلون حقيقيون    القيادة تهنئ رئيسي أذربيجان وإثيوبيا    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    الهلال الاحمر يكمل استعداداته لخدمة ضيوف الرحمن    كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة.. ريادة في التأهيل والتطوير    الملك يرأس جلسة مجلس الوزراء ويشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    هيئة تنظيم الإعلام: جاهزون لخدمة الإعلاميين في موسم الحج    العروبة.. فخر الجوف لدوري روشن    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    القارة الأفريقية تحتفل بالذكرى ال 61 ليوم إفريقيا    ولاء وتلاحم    تعاون بين «الإلكترونيات المتقدّمة» و«نوبكو»    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    ملك ماليزيا: السعودية متميزة وفريدة في خدمة ضيوف الرحمن    تفقّد ميقات ذي الحليفة.. أمير المدينة: تهيئة الخدمات لتحسين تجربة الحجاج    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصاعد الاعتقاد الأميركي بالتنجيم والكائنات الفضائية
نشر في الحياة يوم 27 - 04 - 2007

أثار خبراء وعلماء اميركيون أخيراً ظاهرة ازدياد الأميركيين الراشدين الذين يعتقدون بالتنجيم وبوجود الكائنات الفضائية وتأثيرها على الكائنات الحية بما فيها تسيير أمور البشر وتوجيه سلوكهم في الحياة العامة والخاصة، واثرها على القرارات السياسية والاستراتيجية المفترض اتخاذها. أثار الخبراء هذه المسائل في"المؤتمر السنوي للرابطة الاميركية لتشجيع العلم"حيث صرح الخبير في شؤون التربية في جامعة ميتشغان جون ميلر انه"لا يوجد اليوم عدد كاف من الراشدين يتمتعون بثقافة علمية، وهو تراجع يتم لصالح الذين يعتقدون"بعلم"التنجيم وكائنات الفضاء الخارجي".
يستثير تصاعد هذه الظاهرة قلقاً داخل المجتمع الاميركي، فهي تكشف مفارقة مخيفة بين مجتمع حقق أعلى درجات التطور العلمي والتكنولوجي وتمكن من كشف مجهولات ووقائع كانت لسنوات مضت مصنفة في خانة الغيبيات، مقابل انحدار كبير نحو اعتناق الخرافة والأسطورة والغيب في قراءة أمور الحياة، وهو ما يتناقض مع هذا التراث العلمي الهائل ومنتجاته العقلانية.
لكن الظاهرة تثير قلقاً أعمق يتجاوز المجتمع الاميركي الى مجتمعات نامية تناضل حثيثاً من اجل امتلاك العلم والتكنولوجيا وسيلة لخروجها من إسار التخلف، وباباً للدخول الى العصر. تعبر الظاهرة بوضوح عن تراجع العقلانية وتدعو عملياً الى ظلامية تتحكم بالعقول والافكار، ويصبح الامر أشد خطورة في هذه المجتمعات النامية، ومنها مجتمعاتنا العربية، عندما تعتمدها الحركات الاحيائية والاصولية التي ما تزال ترفض الكثير من أوجه التفسير العلمي لحقائق الكون، وتشكك في كل الاكتشافات العلمية المتصلة بخلق الكون وتطوره وطبيعة الأرض والشمس وغيرها، وتضع العلم في مواجهة الدين لتصل في نهاية الأمر الى تكريس عقل غير علمي وأقرب الى الخرافة.
يصيب هذا الانحدار"المعرفي"القوى الاجتماعية التنويرية ويضعف موقعها تجاه القوى الاصولية التي تتباهى بما يحصل في المجتمع الأميركي الذي يقوي حجتها ضد العلم وسائر الاكتشافات الحديثة.
يشير خبراء اميركيون الى تجليات الظاهرة في ميادين الحياة العامة والخاصة فيفسرونها ويحذرون من نتائجها العملية. يجري المزج بين علم الفلك والتنجيم بما يؤدي الى اعتبارهما صنفاً واحداً وبما يضفي صفة العلم على التنجيم. هناك فارق كبير بين الموضوعين، فعلم الفلك يتمتع بمواصفات العلم الحقيقي المستند الى قواعد محددة، وتتصل موضوعاته بحركة سير الكواكب والنجوم وتطور الكون وقضايا الخسوف والكسوف وغيرها... وهو علم تطور كثيراً خلال القرن العشرين وتأسست عليه نظريات قائمة بذاتها. أما التنجيم، فهو أبعد ما يكون عن العلم، بل يفترض ايماناً بغيبيات وتسليماً بتقديرات تتصل بمصير الانسان وقدره وبالموت والحياة والمشاعر، وهي مواضيع لا يحمل العلم أجوبة عليها.
ازدهر التنجيم منذ وجد الانسان على الارض وشكل قاعدة لتفسير الكثير من قضايا الكون والحياة في غياب معطيات علمية للتفسير.
تطورت ظاهرة التنجيم في المجتمع الأميركي وتصاعدت مع تصاعد نشاط الحركات الاصولية الدينية بشكل لم تعرفه في عقود سابقة، وسيطرت على السلوك اليومي لقسم واسع من المواطنين الأميركيين. يتجلى ذلك في الاحتشاد الهائل الذي تشهده الكنائس الاميركية وازدياد دور رجال الدين وتأثيرهم على المجتمع الأميركي بشكل غير معهود سابقاً، يترافق ذلك مع جدل تشهده الجامعات الأميركية حول توجه قسم واسع من الطلبة والاساتذة الى رفض نظرية التطور التي قال بها داروين والتي تكرست علمياً واضطرت الكنيسة الى الاعتراف بها، والاستعاضة عنها بنظرية التكوين وفقاً لما ورد في العهد القديم.
يتناقض هذا الواقع الجديد مع التاريخ الأميركي التأسيسي الذي سعى الى إبعاد الدين عن أمور السياسة وتكريس العقل سلطة أولى.
يمارس الاعلام الأميركي دوراً مركزياً في تكون الثقافة الأميركية وفي توجيه العقول، منذ عقود، يحفل هذا الاعلام، خصوصاً المرئي منه ببرامج تروج للتنجيم وتكرس الخرافة والاساطير، يصحبها انتاج غزير من الكتب حول هذا الموضوع. تركز وسائل الاعلام على البدع الدينية وعلى استحضار الأرواح والتحدث عن اشخاص عاشوا حياة منذ مئات السنين، وتزدهر التحقيقات عن الاشباح والأرواح الخفية المتحكمة بالبشر، وعن الصحون الطائرة والكائنات الفضائية، بما يجعل الإنسان أسير هذه الكائنات فاقداً حرية القرار وحق تقرير المصير.
مما لا شك فيه أن اللجوء إلى السحر واللاعقلانية يمثل في حد ذاته جاذبية يرغب الإنسان أن يعيشها، وهي ظاهرة عرفتها كل الشعوب وفي كل زمان. إنها تعبير عن أزمة وجودية يعانيها الإنسان وعن احساس بالفراغ الروحي. كما تبدو الظاهرة تعبيراً عن مأزق يرافق تطور الحضارة العالمية ويمثل واحداً من أعراضها، خصوصاً في المجتمعات الصناعية التي تحول الإنسان الى ما يشبه الآلة، وتشكل أيضاً جواباً عن يأس واحباط يصيبان المرء في مجتمع يعجز عن توفير متطلبات الحياة اقتصادياً ومادياً وثقافياً.
تتحول ظاهرة الايمان بالتنجيم الى مخاطر عندما تصبح أداة في التوجهات السياسية واتخاذ القرارات الاستراتيجية، وهو أمر دخل السياسة الأميركية، ويبدو أنه يتحكم في الكثير من توجهات هذه السياسة. بعد خروج الرئيس ريغان من الحكم، ظهرت تقارير سياسية وإعلامية تخبر عن اعتماده التنجيم والتبصير قبيل اتخاذه قرارات سياسية ذات آثار مهمة على السياسة الأميركية، لكن سياسة التنجيم تتخذ حجماً مهماً في إدارة الرئيس الحالي جورج بوش.
ويشكل الغلاف الديني الذي يدعيه بوش الوجه الحقيقي لاعتماده التنجيم وشداً له في إدارته. تؤكد القرارات الاستراتيجية، السياسية منها والعسكرية، التي أقدمت عليها الولايات المتحدة في عهد بوش على تجاهل الكثير من تحليلات واستنتاجات معاهد الدراسات والأبحاث المستندة الى التحليل العلمي والمعطيات السياسية، وهي أبحاث حذر الكثير منها من دخول الولايات المتحدة مغامرات غير محسوبة، إلا أن بوش وإدارته فضلا"التخمين"والتبصير على المعطيات الواقعية.
سيظل العلم وثقافته مطلب الشعوب في سعيها إلى التطور والتقدم، ووسيلة تجاوز التخلف والجهل والأمية، كما سيظل العلم أداة مقارعة الخرافة والاسطورة التي تشكل جوهر عمل المنجمين والمبصرين الذين يجمعهم في كل مكان تزوير حقائق التاريخ والمجتمع.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.