إسرائيل في رفح: هزيمة بايدن أولاً ثم "حماس"؟    51 طفلا قتيلا في فيضانات شمال أفغانستان    سيناريوهات مظلمة تحيط بعاصمة شمال دارفور    الكويت: تشكيل الوزارة الجديدة برئاسة أحمد عبدالله الأحمد الصباح و13 وزيراً    الاتفاق يفرض هيمنته على الصالات    انطلاق الاختبارات الوطنية "نافس" في مدارس "تعليم جازان"    نائب وزير الداخلية يقف على جاهزية صالة مبادرة "طريق مكة" في مطار بنجلاديشي    نائب وزير الخارجية يستقبل نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شبه الجزيرة العربية    إطلاق خارطة طريق الطيران لزيادة حجم القطاع 10 أضعاف    نائب وزير الصناعة يضع حجر الأساس للمرحلة الثانية من مشروع تطوير البُنى التحتية في "سدير للصناعة"    النائب العام يفتتح نيابة مطار الملك خالد بالرياض    جونسون كنترولز العربية تحتفل بتصدير تشيلرات يورك سعودية الصنع إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سابقة من نوعها    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يبدأ استعداداته لخوض منافسة آيسف 2024    خبير دولي ل«عكاظ»: تعنت إسرائيل دفع مصر للانضمام لجنوب أفريقيا أمام المحكمة الدولية    حسام بن سعود يدفع ب 3483 خريجاً لسوق العمل    نقل اختصاص قطاع الأفلام والسينما إلى هيئة الأفلام    أمين القصيم يكرم رئيس بلدية الرس بعد رفع مؤشرات جودة الأداء الرقابي    نائب أمير حائل يتسلم التقرير السنوي لتجارة حائل    نائب أمير مكة يناقش مستوى جاهزية المشاعر لاستقبال الحجاج    «البلسم» تحتفي بفريقها بعد إجراء 191 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية ناجحة باليمن    منتدى (كايسيد) للحوار العالمي يجمع النخب السياسية والدينية في منتدى جديد    644 مليوناً صادرات التمور ب3 أشهر    8 محاور رئيسية تناقشها القمة العالمية للذكاء الاصطناعي    إغلاق منشأة لصيانة السيارات في محافظة الأحساء وتصفية نشاطها التجاري لارتكابها جريمة التستر    أولويات الهلال يصعب كسرها.. أرقام تاريخية    حجازي على مشارف الرحيل.. و 3 خيارات أمام الاتحاد    نمو الإيرادات والمشتركين يقفز بأرباح "الكهرباء" 87%    الراجحي بطلاً لرالي تبوك    سكان الأرض يتأملون الأضواء القطبية نتيجة "العاصفة الشمسية"    مستشفى دله النخيل يوفر برامج علاجية حديثة لاضطرابات السمع والنطق    عقد اجتماع اللجنة التوجيهية للسوق العربية المشتركة للكهرباء.. غداً    سمو أمير منطقة تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج غداً    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير فرع الهيئة العامة لعقارات الدولة    الأدوية وأفلام الرعب تسببان الكوابيس أثناء النوم    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول الأمطار على عدد من المناطق    اكتشاف قدرات الأيتام    في المرحلة قبل الأخيرة من الدوري الإنجليزي.. مانشستر يونايتد يهدد أحلام آرسنال    طبيبة سعودية تنقذ راكبة تعرضت للصرع على متن رحلة جوية    كنو: موسم تاريخي    مؤسس فرقة «بيتش بويز» تحت الوصاية القضائية    النزل التراثية بالباحة .. عبق الماضي والطبيعة    "هورايزون" و"بخروش" يفوزان بجائزتي النخلة الذهبية    ترسم بيديها وقدميها 10 لوحات في وقت واحد    الأزرق يعادل بطولات الأندية مجتمعة    جمعية مرفأ تنفذ دورة "التخطيط الأسري" في جازان    طريق مكة    الماء    مصادر «عكاظ»: لا وجود ل «المسيار» أمام المحاكم.. تراخيص المكاتب «هرطقة»    محافظ الزلفي يزور فعاليه هيئة التراث درب البعارين    القبض على مقيمين لنشرهما إعلانات حملات حج وهمية    خبراء صينيون يحذرون من تحديات صحية ناجمة عن السمنة    حذروا من تجاهل التشخيص والتحاليل اللازمة .. مختصون: استشارة الإنترنت علاج مجهول    حملة للتوعية بمشكلات ضعف السمع    الشمري يرفض 30 مليون ريال.. ويتنازل عن قاتل ابنه بشفاعة أمير منطقة حائل    مساحات ثمينة    الطلبة الجامعيون وأهمية الاندماج في جميع المناطق    المدينة أول صديقة للتوحد بالشرق الأوسط    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ عبدالله بن سلمان بن خالد آل خليفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عروضه الأميركية بدأت وفي الصالات الأوروبية بعد أسابيع . "المرحلون" لمارتن سكورسيزي : هويات ملتبسة ومدن جديدة وافتتان بالشر
نشر في الحياة يوم 20 - 10 - 2006

هواة السينما الحقيقيون ينتظرون عادة، بكثير من اللهفة، العروض الأولى لأفلام مخرجيهم المفضلين. إذ، على رغم كل ما يصيب السينما العالمية في أيامنا هذه، لا يزال هناك في الحقيقة، مخرجون مفضلون لهواة حقيقيين. ولا تزال هناك أفلام تُنتظر بشوق ولهفة. تلكم هي حال أفلام وودي آلن وفون تراير وجارموش وكروننبرغ وسبيلبرغ بين عشرات آخرين في أوروبا والولايات المتحدة وفي الشرق الأقصى أيضاً. فالسينما فن لا يزال حياً يرزق، حتى وإن كان الفرز في داخله يزداد حدة، بين أعمال استعراضية تجارية خالصة تحقق مئات الملايين. وأفلام أخرى تقول أموراً جادة بلغة فنية جادة تجول المهرجانات وتذاع شهرتها ثم، في الصالات قد لا تحقق أو قد تحقق ما كان متوقعاً منها. وحتى في أوساط اصحاب هذا النوع الأخير من السينمائيين طبقات طبقات. وأصحاب الأسماء التي ذكرنا يعتبرون من الطبقات الأولى: لأفلامهم جمهور عريض ونقد جاد، حتى وإن لم يصلوا أبداً الى المراتب الأولى. ومن المؤكد ان مارتن سكورسيزي ينتمي الى الطبقة الأولى، هو الذي يعتبر اليوم، بما يشبه الإجماع"أكبر سينمائي أميركي حيّ". ونعرف ان سكورسيزي كان قبل ثلث قرن من الآن واحداً من أصحاب"اللحى"الذين ثوروا السينما وبدلوا هوليوود، الى جانب كوبولا وسبيلبرغ ودي بالما وجورج لوكاس. ونعرف ان هؤلاء هم الذين لا يزالون اليوم أصحاب الأسماء الأكبر، فنياً أو تجارياً في السينما الأميركية، اليوم، حتى وإن غلبت"التجارية"على لوكاس ودي بالما، وتأرجح سبيلبرغ بين رغبات رقمية ضخمة ونزعات جودة فنية وفكرية ما، وآثر كوبولا ان يبطئ مسيرته فاسحاً المجال امام ابنه رومان وابنته صوفيا لكي يحلقا، رافعين لواء العائلة. أما سكورسيزي فلقد حافظ، حتى الآن، على توازن مدهش بين اللعبة الفنية والانتشار الجماهيري، حتى وإن حدث لبعض أفلامه أن أخفق في هذا. لكن سكورسيزي ومنذ نصف عقد على الأقل، يبدو ثابت الأركان، إذ قدم أعمالاً عدة، منها ما هو روائي طويل، ومنها ما هو وثائقي يتفاوت طولاً...
ونعرف ان كل هذه الأفلام قد نجحت، في شكل أو آخر، لكن الثمن كان - بالتأكيد - ابتعاد صاحب"شوارع خلفية"وپ"سائق التاكسي"وپ"فتية طيبون"، بعض الشيء عن عوالمه القديمة ولا سيما عن نيويورك الحاضر، للتحليق في عوالم أخرى: نيويورك القرون السابقة، أو هوليوود، أو موسيقى الروك، من طريق عمل رائع عن بوب ديلين، أو حتى تاريخ السينما نفسه تحول فيلماً طويلاً. بعد سكورسيزي إذاًَ عن العوالم التي صنعته سينمائياً، حتى وإن بقي أميناً لنوعية الشخصيات التي يقدمها، ومسائل مثل التباسات الهوية ووحدة الانسان أمام طموحه وصعوبة العلاقات بين البشر. وحتى - أيضاً - وإن بقي أميناً للشارع الذي كان منذ البداية ميدان تحرك شخصياته الأول. فالشارع يلعب دوراً أساساً، مثلاً، في"من بين الأموات"حيث يلعب نيكولاس كايج دور سائق سيارة اسعاف يتجول ليلاً في شوارع نيويورك ملتقطاً المصابين، أو في"عصابات نيويورك"حيث حكاية انتقام وحب وصراع، على خلفية تجابه العصابات الايرلندية والوافدة حديثاً، من حثالات نيويورك في شوارعها.
تبادل الهويات
كل هذا جعل مارتن سكورسيزي يبدو شديد البعد عن بداياته، مستعيراً منها الاجواء العامة فقط. ومن هنا استبد الفضول بهواة أفلامه، في شكل ملحوظ حين أعلن سكورسيزي قبل عامين ان فيلمه التالي لپ"الطيار"سيكون مقتبساً من فيلم من هونغ كونغ هو"مسائل جهنمية". وساد التساؤل: هل سيمعن سكورسيزي في التحليق حتى هذا البعد؟ متى يعود الى الأزقة والشخصيات الملتبسة؟ متى يعود الى الأسئلة حول الخير والشر، حول الهوية، حول"فتية طيبون"في شوارع خلفية وحبكات تحبس الأنفاس؟ أخيراً، حين عرض فيلم"المرحلون"في الصالات الأميركية، قبل أيام، وحين بدأت عروضه الصحافية في باريس ولندن تمهيداً لوصوله الى الصالات خلال الشهر المقبل، تنفس المشاهدون الصعداء: أحسوا ان سكورسيزي، بعد دورة في الماضي وفي البعيد وفي هوليوود، عاد الى عالمه القديم.
حسناً... هنا لدينا بوسطن مكان نيويورك. ولدينا ليوناردو دي كابريو مكان روبرت دي نيرو، ومات دايمون بدل جو بتشي وهارفي كايتل... لكن هذا كله لا يغير من الأمور شيئاً:"المرحلون"يبدو وكأنه استطراد لبعض أجمل وأقوى أفلام سكورسيزي النيويوركية القديمة: من"شوارع خلفية"الى"فتية طيبون"، حتى وإن كان يبدو من ناحية أخرى، وفي مجال تبادل وتبدل الهويات، مرتبطاً بسينما جوني وو أو مايكل مان... في اختصار، عرف سكورسيزي هنا كيف يستحوذ على الموضوع تماماً ويكيفه مع سينماه الأكثر حميمية، مقدماً أمثولة حول التمثيل والتبادل في الأدوار، ولكن أيضاً حول العنف ولعبة"الشرطي/ اللص"وما الى ذلك. بل لعل أقوى ما يمكن ملاحظته في هذا الفيلم هو قدرة سكورسيزي على جعل بوسطن، وشوارعها الخلفية، ومكاتب شرطتها، تبدو وكأنها جزء من نيويورك صباه.
زعيم عنيف وفاتن
موضوع الفيلم معروف للذين شاهدوا الفيلم الآتي من هونغ كونغ قبل سنوات. ولكن مع سكورسيزي لا تعود المسألة الأهم مسألة الموضوع. فالحكاية هنا عن شرطي يرسل لكي يتسلل الى داخل صفوف عصابة عنيفة قوية تعيث في بوسطن فساداً، تحت زعامة قاتل لا يرحم هو فرانك كاستيلو جاك نيكلسون. والشرطي المتسلل هذا هو بيلي كوستيغان دي كابريو، الذي يتقن دوره الى حد انه يحظى كلياً بثقة كاستيلو - ما يذكر بتسلل دي كابريو نفسه الى داخل عصابة بيلي الجزار في"عصابات نيويورك"ولكن انطلاقاً من دوافع أخرى -. وفي المقابل تقوم العصابة، من دون أن تدري شيئاً عن تسلل كوستيغان، بإرسال واحد من أفرادها لينضم الى قوة الشرطة متسللاً. وهكذا تصبح لعبة الصراع بين الشرطة والعصابة مكشوفة ما يعطي الصراع أعماقاً تتجاوز الخط البوليسي ومسألة العنف. ذلك ان ما أضافه سكورسيزي، بمعاونة كاتب السيناريو ويليام مونوهان صاحب سيناريو"مملكة السماء"لردلي سكوت، إنما كان أزمة الهوية الحادة التي تهيمن تماماً على مات دايمون كولين ساليفان في الفيلم، إذ يبدأ صعوده في صفوف العصابة وسط اللعبة الخطرة التي يقوم بها. وكذلك أزمة الهوية المقابلة التي تعصف بليوناردو دي كابريو، إذ يجد نفسه، في كل لحظة، موضع الخطر في تسلله الى داخل الشرطة.
غير ان ما يجب الاسراع في قوله هنا هو ان محور الفيلم ليس أياً من هذين المتسللين، بل كاستيلو نفسه. تماماً كما سبق أن كان بيلي الجزار دانيال دي لويس في"عصابات نيويورك"محور الفيلم. ذلك ان مثل هاتين الشخصيتين هما ما يوفر، عادة، لسكورسيزي، في أفلامه الأساسية، التعبير عن افتتانه بالشر. فكاستيلو في"المرحلون"هو الشر المطلق، القاتل الذي يجد متعة شخصية في القتل والذي يفتتح الفيلم على لقطة له شديدة العنف والقبح وهو يقتل امرأة ترتمي جثتها فوق جثة زوجها. والحقيقة ان عنف كاستيلو لا ينطلق هنا من الدفاع عن"حق"عصابته بالحياة وعن ممارساتها، بل انطلاقاً من لعبة الغدر والخيانة ولعبة الثقة. وهو، طبعاً، أحد"التيمات"الأساس في"عصابات نيويورك"كما نذكر. ومن هنا، لأن لعبة سكورسيزي في الفيلم هي على هذا النحو، وعلى مثل هذا التحديد الدقيق، لن يعود كافياً القول ان دوري دايمون ودي كابريو، لا يحتلان المكانة الأولى، بل يصبح من الضروري إدراك أن دوريهما ما هما هنا إلا للإضاءة على دور نيكلسون. ونعرف، للمناسبة، انها المرة الأولى التي يلتقي فيها سكورسيزي نيكلسون في فيلم واحد. ويبدو واضحاً ان المخرج ترك الممثل يلعب على سجيته، الى درجة ان كثراً من النقاد في معرض تعليقهم على الفيلم أبدوا نوعاً من عدم اليقين تجاه حوارات نيكلسون، أي منها من كتابة مونوهان وسكورسيزي، وأي منها اضافة نيكلسون نفسه.
والحقيقة انهم كانوا على حق، خصوصاً أن ثمة حوارات كثيرة في الفيلم تشبه نيكلسون نفسه أكثر مما تشبه أي شيء آخر! فهل معنى هذا ان سكورسيزي محا نفسه أمام شخصية نيكلسون وأدائه؟
حديقة سرية
ليس بالتأكيد. ولكن من الواضح ان سكورسيزي تشاور في تصوير مشاهد نيكلسون معه كثيراً. وهو، إذ أدرك منذ البداية ان ما يريده من الفيلم مفهوم وواضح ولا يحتاج صراحة اخراجية كبرى ولا الى سيناريو منفذ حرفياً لقوله، آثر ان يوزع"العبء"على فنانين كثر مؤمناً بأن أنسب طريقة لتحقيق مثل هذا الفيلم إنما هي طريقة العمل البسيط بين أصدقاء. وهو ما يتجلى في معظم لحظات الفيلم.
فيلم"المرحلون"- أو"المرحل"... وهي ترجمة لكلمة انكليزية تعني أيضاً، المبعد والميت والمتخفي - عمل جديد مبدع من مارتن سكورسيزي، عمل سيتجدد الكلام عنه مراراً وتكراراً خلال الفترة المقبلة ولا سيما بعد بدء عروضه الجماهيرية خارج الولايات المتحدة. أما هنا فحسبنا هذه الاشارات، بعد مشاهدة أولى، الى فيلم يعيد سكورسيزي مرة أخرى الى الشارع، ولكن في مدينة جديدة وفي رفقة جديدة/ قديمة، مع أسئلة تبدو دائماً هي نفسها حول الخير والشر والخيانة والليل والافتتان... خصوصاً الافتتان بالشر، الذي لم يكف دائماً عن أن يكون حديقة سكورسيزي السرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.