الأمر الذي يبعثُ على الاستغراب، ضآلة افادة المصادر النحوية واللغوية من آثار الجاحظ وأعماله، وذلك على رغم الثناء العاطر الذي لقيته مؤلفاته خارج هذين الحقلين، وعلى رغم عمق نظرته في المسائل اللغوية، كما تشير الى ذلك كتبه ورسائله. I - الوقائع: 1 - لا ترد ترجمة للجاحظ في المصادر التي تُعنى بتراجم النحويين واللغويين باستثناء ثلاث حالات. 2 - كما لا يرد ذكر للجاحظ في مؤلفات معاصريه من اللغويين والنحويين، ولا في مؤلفات المتأخرين منهم. وهناك ذكر له في حالتين، لكنه مذكور للتخطئة والرد عليه. 3 - يهتم الجاحظ بنقد وجوه معينة من التقليد النحوي. لكنه مهتم أكثر بنقد النحويين أنفسهم من مثل الخليل بن أحمد أو عيسى بن عمر. 4 - وهناك حالات يعمد فيها النحويون لمهاجمة الجاحظ مباشرة، من مثل تعليقه على بيت الشعر المعروف: فلستَ بالأكثر منهم حصىً/ وإنما العزةُ للكاثرِ II - التحدي: 1 - الإعراب: يشير الجاحظُ في حالات عدة الى ان الاهتمام بالإعراب، يؤدي الى تضييع معنى الطُرفة التي يقصدها المولَّدون والعوامّ والبلديون. ولذلك فهو يرفض الاهتمام الزائد من جانب النحويين بالإعراب الذي يتجاهل معاني الكلام، ومقاصد المتكلم. 2 - اللحن: هناك ما يدل على إقرار الجاحظ للحن، بل استحبابه. إذ انه يقبل حدوثه، ويتعامل معه باعتباره ظاهرة عادية تستحق الدراسة، ويمكن أن تكون لها مشروعية. ونلفت هنا الى استشهاده بالبيت المشهور: منطقٌ صائبٌ وتلحنُ أحيا/ ناً وأحلى الحديث ما كان لحنا 3 - المناهج النحوية: يعتبر الجاحظ النحو مفيداً إذا لم يتجاوز حدوداً معينة، وهو يسخر من النحويين لزهدهم في تعلُّم المسائل المهمة، وعدم قدرتهم على ممارسة القياس، وللتعقيد الذي يخالط أساليبهم. III - الأبعاد الجديدة: 1 - الفونولوجيا: الصوت باعتباره أهم وسائل التعبير والتشكيل، ودراسة عيوب الكلام اللكنة، والعوامل الاجتماعية والإثنية المحيطة بالأصوات. 3 - المورفولوجيا: مفاهيم التقطيع وتكوين الكلمات، ونظم المفردات للتوصل الى كلام مفهوم. 3 - النحو والصرف: الإعلاء من شأن السوائد حول الشكل، ومركزية المضمون، ومفهوم البيان، والجاحظ باعتباره سلفاً للجرجاني. 4 - مسائل اجتماعيات اللغة: التنوع اللساني استناداً الى الأصل الاجتماعي أو الحرفة، ودور الأصل الإثني في اللغة، والتأثير المتبادل بين المحلي والإقليمي في الدارجة، وشمولية تطبيقات مفهوم البيان. أستاذ الساميات في الجامعة الأميركية في بيروت.