زيارات الخير    880 مليار دولار مشاريع «جيجا» في المملكة.. «المربع الجديد»..خارطة طموحة لمستقبل الرياض    المملكة مركز متقدم للصناعات التحويلية    استثمارات وسلاسل إمداد ووظائف.. مشروع متكامل لمناولة الحبوب وتصنيع الأعلاف في جازان    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    الأهلي يقسو على أبها بخماسية ويتأهل للنخبة الآسيوية    التعاون يتفوق على الشباب    الأهلي يخطف البطاقة الآسيوية بخماسية في شباك أبها    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    جدول الضرب    ضبط أكثر من 16 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    الإبلاغ عن الاحتيال المالي على «مدى» عبر «أبشر»    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    طلاب المملكة يحصدون 114 ميدالية وجائزة كبرى وخاصة في "آيسف 2024" و "آيتكس2024"    «باب القصر»    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    موسكو تتقدم في شمال شرق أوكرانيا    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    إطار الابتكار الآمن    «حرس الحدود» بجازان يحبط تهريب 270 كيلوغرام«قات»    «الأرصاد»: مدن المملكة تسجل تنوعاً مناخياً فريداً يعكس واقعها الجغرافي    منشآت تنظم أسبوع التمويل بالشراكة مع البنوك السعودية في 4 مناطق    الهلال يحبط النصر..    الخبز على طاولة باخ وجياني    جماهير المدينة (مبروك البقاء)!    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    إسرائيل تواجه ضغوطا دولية لضمان سلامة المدنيين    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    199 مليار ريال مساهمة قطاع الطيران في الناتج المحلي    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    نيابة عن ولي العهد.. وزير البيئة يرأس وفد المملكة في المنتدى العالمي للمياه    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    فيضانات أفغانستان تزهق الأرواح وتدمر الممتلكات    إصابة ناقلة نفط بصاروخ أطلقه الحوثيون قبالة سواحل اليمن    تشيلسي يتوج بلقب الدوري الإنجليزي للسيدات للمرة الخامسة على التوالي    رئيس وزراء اليونان والعيسى يناقشان الموضوعات المشتركة بين البلدين    تشخيص حالة فيكو الصحية «إيجابي» ووضع منفذ الاعتداء قيد التوقيف الاحتياطي    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    حُكّام مباريات اليوم في "دوري روشن"    جامعة الملك فيصل تحصد الميدالية الذهبية عن اختراع جديد    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    نعمة خفية    قائد فذٌ و وطن عظيم    إندونيسيا: الكوادر الوطنية السعودية المشاركة في "طريق مكة" تعمل باحترافية    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    طريقة عمل الأرز الآسيوي المقلي بصلصة الصويا صوص    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ركوب "سفن النار" من اسطنبول الى الحبشة سنة 1896
نشر في الحياة يوم 21 - 07 - 2004

سافر صادق باشا المؤيد العظم من الآستانة الى أديس ابابا سنة 1896 موفداً من السلطان عبدالحميد الى النجاشي منليك الثاني امبراطور الحبشة. ركب العظم البواخر "سفن النار" الطهطاوي وكتب عنها وصفاً دقيقاً:
"كنت عندما قمنا من الآستانة عجبت من عظم باخرة المساجري التي اقلتنا الى مرسيليا، ولكن لما دخلت سفينة الشركة الإنكليزية دهشت لعظمها وظننت نفسي في منزل كبير ذي غرف كثيرة، او أنّي نازل في فندق قونتيننتال او فندق برابالاس، وقد عرّفني وكيل الشركة في مرسيليا قبل مغادرة السفينة بمفتش هذه المصلحة المسافر معنا وبكوميسر الباخرة.
... اما النظافة في الباخر والنظام فعلى غاية ما يرام ويبلغ محمولها 200527 طونيلاتة وقوة عدتها 16500 حصان، وتتسع الدرجة الأولى 400 راكب، والدرجة الثانية 180 راكباً، ولكل من هاتين الدرجتين بهو للطعام على حدة، وتتسع المائدة اربعمائة راكب في بهو الدرجة الأولى وجميع كراسيها ثابتة، ولكن الركاب يتفرقون على موائد صغيرة تتسع الواحدة منها عشرة، وبين كل كرسي وآخر من الفراغ ما يتسع كرسياً آخر، وسلالم الدرجة الأولى متقابلة من الطرفين كسلالم الفنادق الكبيرة، ومفروشة بالطنافس الثمينة ومزينة بأجمل الرياش، والسقوف عالية حتى ان الإنسان لو لم ينظر الى البحر لخيل له انه في قصر مشيد.
والغرف التي للطعام والتي لشرب الدخان وللمطالعة على غاية من الزينة، ويوجد في الغرف مراوح كهربائية اذا اديرت في الأيام الشديدة الحرارة تغير هواء المحل وصار منعشاً.
ويجلس الركاب على المائدة اربع مرات في اليوم، ويأكلون في كل مرة ما يشتهون ويجد الراكب امامه في كل جلسة ورقة مطبوعة عليها اسماء انواع الطعام الكثيرة.
والحجرات التي للاستحمام فيها ما يسر من الرشاشات المتنوعة، وظهر هذه السفينة كبير جداً وقد يلعب عليه الركاب بالكرة المسماة تنس وكان بين البحارة والخدام كثير من الهنود، فالوثنيون منهم يضعون على رؤوسهم قبعات كالإفرنج، والمسلمون يضعون عمامة طويلة حمراء اللون.
وكان باخرتنا حديثة النشأة وهذه هي المرة الثانية التي جرت فيها في اليمّ فكانت تقطع 16 عقدة في الساعة وعندها مزيد من الاستعداد لسرعة السير. وكنا نعرف المسافة التي تقطعها هذه السفينة لأنهم كانوا كل يوم يعلّقون فيها خريطة يكتب عليها بخط احمر الطريق التي تسير عليها السفينة، والجهة التي تبلغها وقت الظهر، مع بيان الطول والعرض واليوم والتاريخ. وبهذا كنا نستطيع ان نعرف متى تصل الباخرة الى المحل المقصود. ولكل باب من ابواب الحجرات قفل، ولكنه من غير مفتاح، وأظن ان هذا الحال هو من قبيل الاحتياط، اي انه إذا طرأ خطر فجائي على الباخرة فلا يشغل الراكب فتح الباب بل يجد السبيل سريعاً للخروج من الحجرة. وقد طلبتُ من الخادم مفتاحاً لحجرتي فلم يفهم او اظهر عدم الفهم.
سفن شراعية وإبرة وخيط
وقد تغير النوء في اليوم التالي، واشتد الريح ولم تظهر الشمس ذاك اليوم، وأصبحنا يوم الأحد والسماء صافية ولم تزل كذلك حتى وصلنا بورت سعيد يوم الثلاثاء الموافق 27 نيسان ابريل في الساعة الثانية بعد الظهر. ولما نزلت الى البر اخذت اسأل عن السفن التي تسافر من عدن الى جيبوتي، فعلمت انه توجد باخرة صغيرة بين هذين الثغرين، ولكن لخلل طرأ عليها لا تسير في هذه الأيام، وأنه لا بدّ للمسافر من ركوب السفن الشراعية للذهاب من عدن الى جيبوتي. ولما علمت ذلك عدلت عن السفر الى عدن وأنزلت الأمتعة من الباخرة وسلّمتها الى مخزن الجمرك الكائن على رصيف الميناء، ونزلت ومن كان معي في فندق البوستة لأني أُخبرت ان صاحبه كان صاحب فندق في جيبوتي وأقام هناك مدة طويلة. وإنما لم أسافر على احدى السفن الشراعية من عدن الى جيبوتي لأنها قوارب صغيرة لها اشرعة فليست جديرة ان يعتمد عليها المسافر. وقد كنت ركبت واحدة منها من رابغ الى جدة إذ كنت ناظر إنشاء السلك البرقي الحجازي. ولم أدرك ما هي هذه السفينة التي دخلتها ليلاً إلا بعد ان اقلعت بنا وبعدنا عن الساحل. ولما طلع النهار ابصرتها، فإذا هي ملفقة من ألواح خشبية بغير نظام، حتى ان الماء كان يدخلها من كل جانب فيضطر اثنان من البحارة ان يشتغلا برفع الماء على الدوام بالسطول الجردل وبينما نحن سائرون عليها إذ تمزق الشراع، فلم يوجد عند البحارة إبرة وخيط لخياطة الشراع، فأعطيت للجنود الذين كانوا معي ما يلزم لرتق هذا الفتق. ولا نكران لمهارة البحارة العرب في فن الملاحة، فقد كانت هذه السفينة الشراعية سائرة قرب الساحل مارة من بين الشعوب الكثيرة في تلك الجهات، حتى ان الراكب إذا ألقى بصره على سطح البحر يرى انه سائر على شبه غابات، وكان الربان في مقدم السفينة منتبهاً يكلم البحار الواقف على دفة القارب بصوت عال يقول له: شمالك ويمينك ويحذره من مصادمة الشعوب، وكان يقول: خذ حذرك من شعب كذا، أو وصلنا الى محل كذا...
ولذلك تضطر البواخر التي تدنو من سواحل البحر الأحمر لأخذ دليل من العرب خوفاً من المصادمات، والبواخر التي لا تأخذ أدلاء تضل السبيل فتغرق. اما زوارق العرب الصغيرة فهي لوح خشبي طويل وسطه المحفور لا يسع سوى شخص واحد فقط، فيركبها العربي الساحلي في النهار فيذهب للصيد عليها في البحر، وعندما يرجع في المساء يحملها على كتفه كعمود صغير ويأتي بها الى كوخه الحقير. وإذا حصل نوء وهو عليها في البحر يقلبها على وجهه ويركب عليها كما يركب على حصان. ولا يوجد في داخل هذا الزورق شيء سوى مجداف صغير جداً وليس على الرجل من الملابس سوى فوطة في وسطه. وبما اني رأيت ما ذكرته رأي العين لم تمل نفسي الى ركوب قارب من القوارب المذكورة في سواحل عدن وفي مدخل البحر المحيط الهندي ...
على البارجة "لافودر" يوم السبت 1 ايار مايو
في الساعة الثامنة من صباح هذا اليوم ارسل قائد البارجة قارباً بخارياً فأخذ امتعتنا الى البارجة، وفي الساعة الحادية عشرة ارسل زورقاً بخارياً آخر فركبناه وركب معنا الموسيو يوسف خوري ليشيعنا الى البارجة، فلما وصلناها استقبلنا حضرة قائدها وضباطه في السلالم بكل تحية وإكرام، وبعد مصافحة الضباط اوصلني الميرالاي الى المحل المخصص لإقامتي، كما ان احد الضباط اوصل طالب بك الى حجرته وخصص حجرة اخرى لياسين افندي. والمحل الذي عين لإقامتي فيه اكبر بهو في البارجة وغرفة للطعام خارج هذا البهو وأخرى للنوم وحمام. وقد اقام القائد امام دائرتي واحداً من الجنود البحارة للخدمة وبعد ان غيّرت ملابسي صعدت على ظهر البارجة. وهذه البارجة تسمى "لافودر" اي الصاعقة، ومحمولها ستة آلاف طونيلاته وقوة عدتها 11500 حصان وطولها 118 متراً وعرضها 16 متراً، وهي غاية في الزينة والنظافة، والمدافع والبنادق الموجودة فيها تخطف الأبصار من شدة اللمعان وفيها ورشة جسيمة كاملة العدد لإصلاح ما يلزم لها، وسرعتها 16 عقدة في الساعة ويمكن ان تسير 19 عقدة في الساعة، وهي مسلحة بستة عشر مدفعاً، وعدد بحارتها اربعمئة وهي مقلّة الى الهند الصينية طوربيلين كبيرين وأربعة طرابيل من الجنس الصغير.
سافرنا من بورت سعيد في منتصف النهار بالقوة المعينة لسير السفن في القنال، اي بمعدل خمس عقد في الساعة، وكنا نرى عن شمالنا كثيراً من الملاحات، وعن يميننا السكة الحديدية الممتدة الى السويس والترعة الحلوة المتفرعة من النيل.
مصابيح السويس الكهربائية
وكنا كلما صادفنا في طريقنا باخرة نقف نحن حتى تمر الباخرة او تقف هي حتى تمر بارجتنا/ وقرب المساء رأينا بارجة هولندية ذاهبة الى البحر الأبيض المتوسط، فلما قربت منا اخذت موسيقاها تعزف النشيد الفرنسوي سلاماً وتحية للبارجة الفرنسوية.
والسفن التي تمر من القنال تستأجر من الشركة مصابيح كهربائية جسيمة شديدة النور والضياء جداً، تعلقها على مقدمها لرؤية طريقها الى مسافة كبيرة فيجعل الليل نهاراً. ويوم الأحد وصلنا الى السويس ورست البارجة بضع دقائق ريثما اخذت الوقّادين المستأجرين ليقوموا بإيقاد النار في مواقد البارجة، لأن الوقّادين الأوروبيين لا يتحملون شدة الحرارة في البحر المحيط الهندي والبحر الأحمر، لذا تستخدم البواخر المسافرة لهاتيك الجهات الوقّادين الوطنيين.
نزع أكسية الصوف
البارحة كنا نسرّح الطرف على سواحل القنال، واليوم نرى عن جانبنا سواحل خليج السويس، ونشاهد جباله وهضابه. وفي الليل خرجنا من خليج السويس ودخلنا في البحر الأحمر، وإذ ذاك اخذت الحرارة تزداد زيادة مستمرة، فاضطررت ان انزع ما علي من اكسية الصوف وأن ألبس الأكسية البيضاء كما فعل ضباط البارجة.
إنه لا يسوغ لي ان أشكو من المدة التي قضيتها في باخرتيّ المساجري والبننسولر، لكن والحق يقال كنت اعظم انشراحاً في سفري على هذه البارجة لشغف الفرنسويين بإكرام ضيوفهم إكراماً فوق العادة، فقد كنت ارى جميع الموجودين بالبارجة من القائد الى الجندي لا يضيعون فرصة لجلب سرورنا، وكنا نشاهد كل يوم التمرينات الحربية البحرية والرياضية التي كان يقوم بها البحارة فينقضي الوقت من غير ان نعلم. ولما دخلنا البحر الأحمر اخذت الحرارة تتزايد كلما قطعنا مسافة الى الجنوب، وكانت الريح على عادة البحر الأحمر تهب على الدوام من الشمال الى الجنوب، فلا تعدل الحرارة وإنما كانت تساعد على سرعة البارجة. وكانت المراوح الكهربائية تجدد هواء البهو وتجعله دائماً طرياً إلا حجرات النوم، فإنني كنت انام وفي إحدى يدي المروحة وفي الأخرى المنديل لمسح العرق".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.