السرقة فقدت نبل كونها عادة المشردين والفقراء. فهؤلاء انتقلوا، رغماً عنهم، الى الشحاذة والتسكع في شوارع باريس بشكل حصري. فالفقراء المشردون في فرنسا، على رغم عددهم الكبير، لا يمتزجون بالشعب الفرنسي لاختلافهم عنه بطريقة لباسهم، فهم يرتدون كل الثياب التي يملكون فوق بعضها البعض. يختلفون ايضاً عن الفرنسيين العاديين بشعرهم ولون بشرتهم. وهم حين يدخلون الى محل، تحيط بهم انظار الموظفين، ولا تتركهم حتى خروجهم. سارقو المحلات التجارية والسوبرماركت اليوم هم شباب وشابات ليسوا في حاجة للسرقة ليأكلوا او يحصلوا على زجاجة مشروب. هم ليسوا فقراء، بل من فئة اجتماعية متوسطة. يسرقون لأسباب كثيرة، لا دخل لأي واحدة منها بالحاجة او الفقر. هم يسرقون اولاً لأن السرقة موضة جيلهم، جيل اولاد هؤلاء الذين لم يسرقوا في حياتهم، ولطالما نبهوا اولادهم من السرقة. السرقة عند الشباب والمراهقين كالتدخين او الهرب من المدرسة. كالأشياء الممنوعة، لأنها ضد القوانين والمبادئ، قوانين الدولة والشرطة، ومبادئ المجتمع والاهل. انه رفض شبه غريزي يأتي مع المراهقة، كأنه تحد، كأنها ثورة لأنها تتعارض مع فئتهم الاجتماعية وتربيتهم. الخطر هو ما يجعل السرقة ممتعة، والخطر هذا يسليهم لأن معظمهم لم يقع فيه فعلاً. ولأن السرقة تسليهم، يدمنون عليها. وهم حين يسرقون شيئاً المرة الأولى، ويعرفون انهم قادرون على سرقة هذا الشيء، يصبح شراؤه بالنسبة اليهم صرف اموال من دون معنى أو مبرر. فلماذا نشتري بالمال ما نستطيع اخذه من دون مقابل؟ فيعيدون الكرة ويسرقون. وسرعان ما تتعدد الاشياء التي يستطيعون اخذها بدل شرائها. ولكن السرقة تبقى لعبة لدى هؤلاء الشباب والشابات، كأنها هواية، ولا تصبح اكثر من ذلك الا نادراً وهم مثلاً لا يدخلون الى محل تجاري بهدف السرقة فقط. يذهبون اليه ليشتروا حاجاتهم. يسرقون غرضاً او اثنين ويشترون الباقي. هكذا يسرق شباب اليوم بتهذيب واعتدال، فيصعب تسميتهم باللصوص. وهم يشعرون انه مهما كان الثمن الذي دفعوه لقاء ما اشتروه، يبقى انهم حصلوا على اكثر منه. ويقول بعضهم انه يسرق ليعوض جزءاً مما يسرقه التجار. فهؤلاء هم اللصوص الحقيقيون الذين يغتنون من اموال الناس. بهذه الطريقة يجعلون السرقة حقاً، او دفاعاً عن النفس، كأنهم في حاجة لتفسير كهذا لتسهل المهمة عليهم. والاشياء التي يسرقها هؤلاء الشباب هي غالباً نفسها، لأنها قبل كل شيء يجب ان تكون صغيرة الحجم، لكي توضع في الجيب او في حقيبة اليد. واثبتت دراسة فرنسية ان شفرات الحلاقة والبطاريات اكثر ما يسرق في المحال التجارية. فهناك دائماً عند مسروقات الشباب والشابات علاقة ما بين الحجم والسعر. كأنها بضائع يتخطى سعرها حجمها، كالبطاريات او أفلام التصوير مثلاً. لذلك، في معظم المحلات، ألحقت هذه البضائع الصغيرة والغالية الثمن بزجاجات المشروب في الواجهات الزجاجية المقفلة. ولكن الشباب يجدون دائماً ما يسرقون. ومعظمهم يسرق انواع الجبنة الفرنسية الغالية، ويشتري الرخيصة. هم هكذا، وضعوا اسعاراً للشراء واسعاراً للسرقة. وهي في الغالب سرقة الدلع، لأنهم لا يسرقون ما هم في حاجة اليه، بل ما يعجبهم ولا يريدون دفع ثمنه. يسرقون ليحسنوا نمط حياتهم. انها سرقة الرفاهية. شباب الفئة الاجتماعية المتوسطة هم لصوص باريس، يسرقون للتسلية ولكنهم لاعتيادهم على السرقة، ينقصون من ارباح التجار الذين اعلنوا الحرب عليهم وبدأوا يضعون أجهزة وأشخاصاً للحراسة. وإن كان يسهل كشف المشردين من شكلهم، فإن شباب وشابات اليوم يختبئون خلف اشكالهم العصرية وثيابهم المتعددة الاشكال والالوان.