الشاعر المبدع محمد بنيس أتابعك في "الحياة" أعجب بزاويتك "امكنة مختلفة"، ودائماً أحتفظ بإعجابي لنفسي على رغم ان هناك مواضيع تستحق الحوار. لكنني اليوم، وقد قرأت موضوع "يد تغيب عن الأدب"، تفجرت لدي الرغبة ان أكتب لك لأنك، بصراحة، قد ضربت على الوتر الحساس عندي. فأنا امرأة لا تزال تعشق الكتابة بيدها، وتؤمن انها الوحيدة القادرة على توصيل خفقة القلب، وصدق المشاعر مباشرة من القلب الى الورق الذي احب ان اتعارك وأرقص معه. هذا الورق الذي يتشرب عرق كفي، وأحياناً يكون الوعاء لدموعي حين اكتب عن اصدقاء فارقوا الدنيا، او حين اكتب لحبيب يقسو ولا يرد على رسالة مني. ان اليد هي همزة الوصل الحقيقية بين الأصدقاء والمحبين. وأنا وفيّة ليدي، وفيّة للمظاريف، وطوابع البريد، وصندوق البريد الذي حين اودع الرسالة إليه احس كأنني علقت لها جناحين شفيفين لتطير حاملة مشاعري وأفكاري. وبقدر فرحتي بهذا الطقس الجميل يكون حزني حين افتح صندوقي فلا اجد غير المجلات، وفواتير الكهرباء والهاتف والإعلانات التي لا يكتفي اصحابها بالنشر في الصحف، فيعتدون على صناديقنا الخاصة بنزواتهم. وأكثر ما يحزنني حين اجد الرسائل القادمة من الهند وسيريلانكا "بالكيلو" فأحملها الى العاملة عندي، والغيرة تشب في صدري لأنها تتمتع بالذي أفتقده. في الزمان غير البعيد كانت رسائل اصدقائي تهطل علي كالندى، واليوم ليس سوى الفراغ. وأكتب لهم بيدي، إلا ان رسائلهم - كما ذكرت - تجيء إما عبر الفاكس، او الإيميل، مجرد صفحات بيضاء لا تحمل سوى رؤوس اقلام، حتى بلا تحايا، ولا سؤال عن الصحة والعافية. وكثيراً ما طلبت منهم ان يتواصلوا بخط اليد الذي اتلمس منه حنانهم الشجي الذي يهزني، اتحسس حزنهم، فرحهم، وحالاتهم النفسية التي يعانون منها لحظة الكتابة. بل انني اشم روائحهم الأليفة، وأنفاسهم الدافئة، وحين افتح الرسالة احس كأنني افتح قلب مرسلها، وأسقط فيه مثل فراشة، بل احسه قلب امي الغائبة ينفتح امامي فأتمرّغ عليه بكل اشتياقي. ما رأيك يا محمد، ان نشن حملة ضد الرسائل الإلكترونية؟ نريد إحياء هذا الحب الذي دفن، ولم يتأسّ عليه احد. نريد ان يعود المبدعون الى القلم لتحمل مناقيره الحبوب طازجة الى اصدقائهم، وتحمل القشّات الناعمات لتبني منها اعشاشاً للحب والتواصل. انني اخشى ان تصاب ايدينا بالسرطانات إن نحن لم نحقنها بأوكسجين الكتابة اليدوية. أما وأنا ابعث لك برسالتي هذه مطبوعة بيد ابنتي، فذلك لأنني لا أثق بنقاء الفاكس، وأخشى ان تتيه بعض الحروف. كم انا ممنونة لك لطرحك هذا الموضوع الذي اتمنى ان يؤثر ويحفّز الأدباء، وغيرهم، على التواصل بخط اليد، ولأنه دفعني الى التواصل معك، وقد تكون لا تذكر من انا. الكويت - ليلى العثمان