سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية والخدمات المقدمة    13 عاما لاستكمال السوق العربية المشتركة للكهرباء    أمير الباحة يستقبل مدير وأعضاء مكتب رواد كشافة بعد إعادة تشكيله    تغطية أرضيات مشعر منى بالسيراميك.    أمير حائل يشكر المعزين في وفاه أخيه: البدر جسد احساس ومشاعر أسرته وشعب المملكة في شعره    نائب أمير الرياض يرعى احتفال معهد الإدارة العامة بالخريج والوظيفة ال 28    تزايد الهجمات السيبرانية في ألمانيا والخسائر 1ر16 مليار يورو    الصحة النباتية    تعطل مكائن الصرّاف الآلي واحتجازها للأموال    تراث يمتد عبر العصور.. دروب الحج القديمة.. مسارات للثقافة والمعرفة    رئيس منتدى الحوكمة السعودي معلقاً على إلغاء أصوات «انتخابات الرياض»: تعارض المصالح ليس شعارات    قلق أممي إزاء عمليات التهجير القسري والإخلاء من غزة    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    يدخل"غينيس" للمرة الثانية بالقفز من طائرة    الكويت في الصدارة مجدداً    سرابُ النصرِ وشبحُ الهزيمة    وزير الخارجية يصل إلى المنامة للمشاركة في الاجتماع التحضيري ل «قمّة البحرين»    في لقاء مؤجل من الجولة 34 من الدوري الإنجليزي.. مانشستر سيتي يواجه توتنهام لاستعادة الصدارة    ضمن الجولة 32 من دوري" يلو".. العروبة في اختبار البكيرية.. والعربي يواجه الترجي    فابريزيو رومانو يؤكد: 3صفقات عالمية على أعتاب دوري روشن السعودي    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    في الإعادة إفادة..    سيتي لسحب البساط من تحت قدمي أرسنال    أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    وزير التعليم يزور مدرسة معلمة متوفاة    تجديد جواز السفر إلكترونيًا لمدد الصلاحية من (6) أشهر وأقل    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى السبت المقبل    الداوود يتفقد نطاق بلدية العتيبية الفرعية ويطّلع على أعمال التحسين ومعالجة التشوه البصري    الرزنامة الدراسية !    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    تركي السديري .. ذكرى إنسانية    «Mbc Talent» تحصد جوائز أفلام السعودية وتقدّم المنح    المملكة تتصدر اكتتابات الشرق الأوسط المنفذة والمتوقعة في 2024    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    الماء البارد    إزالة انسدادات شريانية بتقنية "القلب النابض"    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    ما رسالة أمير حائل لوزير الصحة؟    أمير المدينة يرعى تخريج طلاب جامعة طيبة.. ويتفقد مركز استقبال الحجاج بالهجرة    محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة سطام    فهد بن سلطان: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    الدكتوراه الفخرية العيسى    النزوح الفلسطيني يرتفع مع توغل إسرائيل في رفح    القنصل العام في لوس أنجلوس والملحق الثقافي في أمريكا يزوران الطلبة المشاركين في آيسف    ناشئو الطائرة للآسيوية بالعلامة الكاملة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التماسة صبر وعزاء ... في رحلة الموت والحياة
نشر في الحياة يوم 24 - 11 - 2004


إيماناً بقضاء الله وقدره
وتسليماً بمشيئته وأمره
واحتساباً لثواب الصبر وأجره
وتصديقاً بمحكم قوله: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
فلله ما أعطى ولله ما أخذ، ولكل أجل كتاب.
ما كنت أول والد فقد ولده، ولن أكون آخرهم، فالموت حق عرفناه، ونعرفه كل يوم وكل حين، وما كنت كاتباً ولا اديباً ولا مفكراً، ولكني وجدت في معرفة الموت عن قرب، وفي هذا الموقف العصيب، سانحة لا تعوض للوقوف مع النفس والتأمل فيها وفيما حولها، من خلال هذه الخواطر، التي ما كان لي من فضل فيها سوى تقييدها على الورق، اذ هي قد صدرت في صدق وعفوية، فكتبت نفسها ولم اكتبها.
ان الفقد اليم، والمصاب عظيم، ولكننا راضون بما قدّر رب العالمين، لا نفزع من الموت ولا نجزع، فهو حق عرفناه، وصدق عايشناه، فكل منا فقد ابا ً أو أخاً او ابناً او قريباً او صديقاً، وكنا عند كل فقد نتعزى ونطلب السلوان فيمن الله علينا بالنسيان، ولذلك فأنا في هذا الموقف مثلكم جميعاً،، اب مكلوم بفقد فلذة كبده، وقد كنت أسمع العرب تقول: أبناؤنا أكبادنا تمشي على الأرض، وكنت أسمعها تقول، إذا فقد الرجل ابنه: إنفطر كبده على ولده، فعرفت الآن صدق هذا القول، عندما أدركت معنى أن يفقد الأب فلذة كبده حياً يمشي على الأرض، وعرفت أن الموت نقاد يختار الجياد.
وإني إذ أصدر عن هذه الخواطر، فهي ليست تبرماً بقدر، حاشى، ولا سخطاً على مشيئة، هيهات، بل نفثة حزن شفيف على ابن صالح سلك طريقه الى ملاقاة ربه، شاب كان موعده مع الموت في الخامسة والعشرين من عمره، اختطفه المنون ثمرة ناضجة بعد أن مَنّ الله عليه بصيام أفضل شهوره وقيامه شاب قضى عمره طلباً للعلم، وحقق ما تمناه، فأصبح طبيباً في مهنة يبتغي بإحسانها ثواب الله وأجره. نشأ مستعصماً بدينه بلا إفراط ولا تفريط، امتزج طلبه العلم بحسن الخلق وفضيلة التواضع ومساعدة الآخرين وبر الوالدين وصلة الرحم، وكثير من فضال الخصال، التي يصعب على والد تعدادها عن ابنه، فشهادة الوالد في ولده هي دوماً مجروحة، ولكني اتركها شهادة لكم، فأنتم شهداء الله على الارض
كنت أسمع وأقرأ أن الله ينزل من الصبر والثبات على عبده بقدر مصيبته وعظمها، وقد عشت هذه الحقيقة وانا أسوّي الحصى فوق قبرك يا "مترك"، أحسست حينها بسكينة عظيمة وثبات جليل وصبر لا حدود له فطافت عليّ في تلك اللحظات العصيبة صورتك وانت طفل ونحن نفرح بمولدك، وأنت ظل لوالدتك تسعى لنيل رضاها، وأنت شاب متفوق تطلب ليس التفوق فقط، بل مرضاة الله وثوابه، من خلال ما تحققه من نجاح وتفوق، في هذا الموقف كثرت على نفسي التفسيرات والتأويلات في سر الموت والحياة، ومن هنا واتتني اطياف من هذه الخواطر اردت ان اسطرها في شكل رسائل لنفسي اولاً ولمن حولي ثانياً، آملاً ان تكون معينة في تثبيت الإيمان، وتحقيق الرضا بقناعة أن الموت حق، والحياة زائلة، والآخرة هي الباقية
فلنبدأ بالرسالة الاولى، أوجهها الى نفسي:
ابن فرحت بمولده وافتخرت واعتززت بتخرجه، وكنت أعده ذخراً لمقبل الأيام، وفي قمة صعوده الحياة، اخترمه الموت، فكان في لحظة بين يدي ربه، وأرجو له القبول، إن الكلمات قد تبدو عاجزة عن أن تستوعب هذا المصاب الجلل، ولكن العزاء أنه كان ابناً صالحاً وباراً، بمقاييس البشر على الاقل: اعتدال في الدين، سعي في طاعة الله، تواضع للعباد، قيام بحق الرحم، بر بالوالدين، طلب للعلم، ابتسامة دائمة، احترام للكبير والصغير، طموح في مرضاة الله، يشهد بذلك تلك الجموع التي شيعته، بعضهم ممن أعرف، وأكثرهم ممن لا أعرف، جاءوا محزونين معزين، شاهدين على ما كان عليه الفتى من دين وعلم وخلق، سمعت ذلك ممن أعرف ولا أعرف، وكان أكثر من واسوني هم من معارفه، جمعته بهم حسن الصلات، وطيبات الأعمال، فإذا أحب الله عبداً حبب فيه خلقه.
ابني العزيز: لو غيبك الموت عني، فأنا لست فزعاً ولا جزعاً، لأنك شهيد يزف الى دار هي الأبقى والأصلح، وإنك قادم على رب كريم رحيم، وأنت ملاقيه بصحائف بيضاء، نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتك، ثقة به، وإيماناً بفضله ورحمته، حين اختارك إلى جواره وأنت في مقتبل عمرك، لا عاقاً ولا فاشلاً ولا متكبراً ولا زنديقاً، فالحمدلله، من قبل ومن بعد، وأبشرك أننا صابرون محتسبون راضون شاكرون، فهذه موعظة لمن يتعظ، فإذا اجتمع الصبر والرضا والثناء والحمد، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
يابني: كانت في حياتك لي عظات، وأنت اليوم أوعظ منك حياً، فقد أثلج صدري وخفف لوعتي ما سمعته عنك في العزاء، من مدرسيك وزملائك في الجامعة والمهن الطبية وأصدقائك ومرضاك، وغيرهم كثير، وأحمد الله أن اختارك لملاقاته بعد انقضاء أفضل شهر عباداتك، وكنت فيه صوّاماًَ قوّاماً ذاكراً داعياً متصدقاً، فنلت فضل طاعته سبحانه، وبر والديك، والله نسأل أن يجعل منك لنا شافعاً، ولغيرنا موعظة وعبرة، في رحلة الحياة والموت.
الرسالة الثانية، الى والدتك:
لا غرو أن فراقك صعب عليها، كما صعب علينا، بل أكثر، فقد صدق المعصوم حين أوصى سائله حين سأله عن أحق الناس بحسن صحابته: أمك ثم أمك ثم أمك، ولكنها يا بني- كالعهد بها- صامدة صابرة محتسبة، عينها تدمع وقلبها يحزن، ليس خوفاً عليك فيما أنت مقدم عليه، ولكن افتقاداً لك، وأنها لن تراك كل صباح ومساء تدخل عليها، كالعهد بك، تطلب مرضاتها ومعافاتها.
كانت امك تصبّر معزيها، في إيمان وتسليم عظيمين، بقولها: إن من عرف الله في الرخاء عرفه الله في الضراء، كانت تعزيهم قبل أن يعزّوها، بل تحثهم على الصبر قبل أن يطلبوا منها أن تستعصم به. فلها وللأمهات مثلها الصبر والاحتساب في فقدان فلذات الأكباد، إذ، بعد الله، لهن الفضل في تربية الأبناء وتنشئتهم، فلولاها لما كنت انت "الدكتور مترك"، الذي شهد له الناس بكل فضل وكريم من الصفات والأفعال، فأنت، وإن حملت اسمي، إلا أن الفضل لوالدتك التي سهرت ورعت ووجهت وأعدّت، إذ لو غلبتها العاطفة وضعفت في تربيتها لما كنت أنت ما كنته، ولكنها رعت الله في الولد والعرض والمال، فكنت أنت ثمرة مباركة لها، وقرة عين في حياتها، فنلت رضاها بعد الله، والله اسأل، ولكل أم مثلها، أن يعينها في حمل أمانتها، فأمك يا "مترك" ما فتئت تظلل عليك، تحمل همك وأنت طفل، وأملك وأنت طبيب، ولم يدر بخلدها أنك كنت ثمرة يتهيأ الموت لقطفها، وعندما أتاك اليقين كانت خير الأمهات، صبراً واحتساباً وإيماناً ورضى بما قدره الله.
يا بني إن أمك هي أمك التي عرفت: اهتماماً بأمرك وحرصاً عليك بعد موتك، كما كانت في حياتك، ليس فقط بالدعاء وطلب المغفرة لك، بل إنها لم تدخر لنفسها بعد موتك شيئاً سوى الله، آملة أن يصلك ثواب ذلك كله صدقة جارية تكون في ميزان حسناتك، وأنت بين يدي رب غفور رحيم.
إنها يا بني أمك التي عرفت في الحياة وفي الممات، وأرجو أن تعذرني إذ لا أستطيع أن أبوح لك سرها بعد موتك، ولكنه، بإذن الله خير كثير، وفضل عظيم، سيصلك وأنت ترفل في جنات النعيم.
إن أمك يا بني، ولا أزكي على الله أحداً، امرأة عظيمة أدركت مسؤوليتها وحملتها في صدق وجدارة وقوة، فطبقت القول بالعمل، وإنها لأنموذج لغيرها من الأمهات في تنشئة الشباب المسلم الملتزم النافع لدينه ووطنه ونفسه، أنا لا احدثك عنها ولا عن فضلها عليك، بعد الله، فذلك كله انت اعرف به مني. فلا يكفيها شكر ولا عرفان، بل هو عند الله حسن الثواب والجزاء
الرسالة الثالثة ، ابنائي وبناتي
انتم لم تفقدوا اخاً، لأن ذكراه التي خلدتها اعماله ستظل باقية بينكم، فلكم في نهجه خير نبراس، وان كان لكم في مترك عظة وعبرة وقدوة ومثال، فاطلبوا العلم مثله، واجتهدوا في صالح الاعمال مثل اجتهاده لتنالوا رضا الله اولاً، والخلق ثانياً، لأن ما حظي به مترك كان بأعماله واخلاقه وحسن طيبته ومعشره، كونوا فيه خير خلف لخير سلف، واستعدوا ليوم هو آت كما استعد هو له، واحتذوا اعماله وافعاله، واوصيكم كما كانت وصيته لكم: امكم ثم امكن ثم امكم ثم صلة الارحام، واني لآمل ان اجد فيكم جميعاً ما يجعل مترك حياً بيننا، من خلال اعمالكم وافعالكم
الرسالة الرابعة، الى زملاء الفقيد
ايها الابناء الاعزاء، زملاء الابن الحبيب: لقد كان صادقاً وموفقاً في حسن اختياركم وفي زمالتكم، فاختيار المرء بعض من عقله، فقد شاهدتكم بقلبي، قبل بصري، يوم تشييعه، وكل منكم يفديه بنفسه، لو كان الموت يفتدى، وسمعت، كما سمع غيري، شهادتكم فيه، فأنتم شهداء الله على الارض فخففتم المصاب، واثلجتم الصدر، ورفعتم الرأس، وكنتم خير مثال للشباب المسلم الملتزم.
ان ما شهدته من زملائك، هؤلاء الشباب الخيرين، ليبعث على الثقة والطمأنينة، بل الى الدعوة لأن يكون كل شبابنا مثلهم، اذ لو كان شباب امتنا مثل هؤلاء الفتية فإننا لعلى خير عظيم.
فيا ليت كل شبابنا يحتذي حذوكم، فقد كنتم نعم المواسين والمعزين، بل المستقبلين العزاء بدلاً مني، وكان في ذلك عزائي ومواساتي، فأنتم نعم الرجال، فبارك الله فيكم، ونفع بكم، واتم الخير على يديكم000 خير مثال للشباب والابناء الذين صدق فيهم القول: كنتم خير امة اخرجت للناس: تطلبون العلم وتعملون، وعند المصائب تعزون وتواسون، فأين منكم شباب آخرون ليس العلم من همهم، ولا صالح الاعمال في شرعتهم؟ اليست هذه الاعمال الخالصة لله هي من الطاعات؟؟ اليس طلب العلم من الجهاد؟؟ اليس الصبر على جهاد النفس من القربات؟؟
اننا بالغرب مبهورون، ونتسابق للاخذ مما لديه، واخشى ان ما نسعى اليه لدى الغرب هو ما يحاول الغرب ان يتخلص منه ويتجاوزه، وهو امر بدءاً لا يصلح لمجتمعنا، لا ديناً ولا عرفاً ولا اخلاقاً، ان علينا ان نأخذ من الغرب ما زادهم علماً ورفعة وتقدماً وحضارة، لا ما اوردهم موارد التردي والهلاك، واخشى اننا لا نزال نعيش على صدى تراثنا المجيد، على ماضينا في الاندلس، وفتوحات صلاح الدين، بينما لم نسأل انفسنا ماذا احدثنا نحن بعدهم من امجاد؟؟ فإن كان السابقون في امتنا هم الافضل، اليس جديراً بنا ان لا نكون الاسوأ، وان نرتفع لنصبح بقدر هاماتهم؟؟
فأبشروا فانتم قدوة شباب المسلمين، ولتستبشر امتنا بامثالكم، الذين سيعمرون الارض صدقاً وعملاً وصلاحاً وعلماً، وكل ذلك من فضل الله يؤتيه من يشاء، فلننظر الى من حولنا ممن ركبوا طبقاً عن طبق اين وصل بهم العلم، واين وصلتم انتم، اخشى ان يكون الذي نراه من اعمال بإسم الاسلام، الاسلام منها براء، فازهاق الارواح الآمنة ليس جهاداً، ولا من قيم الاسلام وتعاليمه، فالجهاد هو في العلم واعمار الارض، فارجو ان يقف كل منا لحظة يحاسب نفسه: وقته فيما امضاه، وجهده اين وضعه، وماله كيف انفقه، فكل منا خير محاسب لنفسه، فليحاسبها قبل ان تحاسب، ولنكن بكم امة من الاقوياء، اليس المؤمن القوي خير الى الله من المؤمن الضعيف؟؟ فالاسلام عمل وانتاج واعمار ارض وتحقيق علم وطاعة لله وولاة الامر.
من فضل الله علينا اننا كنا حفاة عراة، فأنعم علينا بفضله ومنه، فنحن اليوم نرفل في نعم كثيرة مستمتعين بأمن وامان، كله من خير هذا البلد المعطاء، اصبحنا امة نفخر بأنفسنا وبوطننا وبولاة امرنا، وكل ذلك من الطاعات، وعلينا ان نفارق من يتشدق بالحديث عن الحريات المزعومة المجلوبة، فأنتم شباب هذا البلد محسودون بما انعم الله عليكم من دين ودنيا، فلنقارن حالنا بحال غيرنا، ولنحافظ على هذه النعم بالافعال وليس فقط بالاقوال، فوالله لن تجدوا افضل ولا خير مما انتم فيه، من امن في الاوطان، وصحة في الابدان، فغيركم كثيرون حاولوا الاصلاح فسعوا الى الخراب، حاولوا ان يشرعوا على ما شرع الله فخابوا وخسروا، فإعتبروا واتقوا الله في انفسكم واوطانكم، فالاسلام منصور بالله وقد تعهد الله بنصرته، ولكن عليكم العمل كل حسب قدرته وطاقته، وتحت راية واحدة، وبلد واحد، ودين واحد، ونعم كثيرة، لا يزيدها الا شكرها، فاجتهدوا واتركوا الركض خلف الاوهام، فأنتم محسودون، ويتكالب عليكم الاعداء
الرسالة الخامسة الى مجتمعنا
ان لله في خلقه شؤون، وهو الذي دعانا ان نتفكر في انفسنا، كما دعانا المعصوم الى ان نحاسب انفسنا قبل ان نحاسب، فعلينا ان نقف مع انفسنا، وقفة صدق، لننظر في احوالنا وافعالنا واموالنا وتصرفاتنا، لنتأمل ونتدبر، وهذا هو الامتحان الذي عنده يكرم المرء او يهان
نحن مشغولون بأمور في حياتنا لا تثمن عند الله ولا تغني من جوع، كلها في مقاييس الدنيا لا تساوي عندالله جناح بعوضة، وكلنا نعلم ما قاله المعصوم: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، ان مسؤولية هذه الرعاية لامانة عظيمة في التربية والاعداد للابناء، هؤلاء الابناء حقاً سوف يشفعون لنا، ولكن علينا، اولاً، ان نستحق هذه الشفاعة، وان نكون اهلاً لها بما نقدمه بين يديهم من تربية واعداد، يجعلهم صالحين لدينهم وامتهم وانفسهم، وهذا هو حق الرعاية التي تستوجب شفاعتهم لنا علينا قبل ان نتدبر امر ارصدتنا واستثماراتنا، من اموال وحسابات ربح وخسارة، ان نتدبر ميزان اعمالنا من صالح الاعمال وسيئها، فذلك هو الاجدى والانفع حقاً، نعمل لدنيانا كأننا نعيش ابداً، ولكن بالمثل لآخرتنا كأننا نموت غداً، نحن لا ندري حكمة الخالق في كثير من شؤونه، ولكنا ان غابت علينا حكمته، فهو سبحانه يقدر ما يشاء، فلا يجدينا ركض خلف الدنيا بعيون معصوبة، موجهة فقط في اتجاه الربح والخسارة الدنيوية، وننسى ان عند الله اضعافاً مضاعفة من الاجر والثواب، فإن كان لا خيار لنا في المصائب ونزولها، فإننا مطالبون بمقابلتها بالصبر والرضا، وان نستمد منها العظات والعبرات، وان يكون ما ندخره لآخرتنا خير مما نجنيه في دنيانا
الرسالة السادسة، الى ولاة الامر
ترددت كثيراً في ذكر خاطرة عن ولاة الامر، ومن لهم علينا، بعد الله، احسان وفضل، خشية ان يحسب ذلك من باب الرياء او النفاق، ولكن الساكت عن الحق شيطان اخرس، فلا يلومنك احد في قول الحق في ولاة امرنا .
ان ولاة امرنا بابهم مفتوح لكل طارق وصاحب حجة، آناء الليل واطراف النهار، وان الاعتراف بالحق فضيلة، كنا قبائل متفرقة يغزو بعضنا بعضاً، ويسلب بعضنا بعضاً، فكان على يديهم ما ننعم به من امن وامان، فإن كان لديننا علينا حقاً، ووطننا علينا حقاً فلولاة امرنا، كذلك، علينا حقاً، لنا في اجدادنا وابائنا اسوة حسنة، حين وقفوا خلف ولاة امرنا، حتى اصبحت مملكتنا مما نعتز به ونفاخر، لأن طاعة ولي الامر، في غير معصية، لهي من طاعة الله، فأنتم- ولاة امرنا- من رعيتمونا مواطنين وابناء، وانتم من تفرحون لفرحنا، وتحزنون لحزننا وتواسون وتهنئون القريب والبعيد، ممن عرفتم ولم تعرفوا، ويعجز القول تعبيراً عن مواساتكم، رجالاً ونساء، شيباً وشباباً، وانتم من ترفعون راية ديننا الحنيف، تحقيقاً لها، ليس سمعة ولا رياء ولا طلباً لمدح او ثناء .
كلمة اخيرة
ابني مترك: هذه خواطر كتبت نفسها، ولم اكتبها، حين تأملت عشية موتك في حال الحياة والاحياء، فكانت هذه الخواطر معيناً على النهوض من حالتي الحزن او اليأس، التي كان يمكن ان اكون فيها، فأنت يا بني من حملناه رضيعاً، وفرحنا به طبيباً، وبكيناه فقيداً، ثم استبشرنا به شهيداً، فقد كنت لنا، حياً وميتاً، نعم الابن الذي ستبقى ذكراه شاهدة بأعماله، وان كان لكل منا يوم محدد، وموعد مشهود، فلتكن لنا شفيعاً، ولأخوتك واخواتك خير موعظ واعتبار، فابشرك باننا عنك راضون، وعلى طريقك سائرون، الى ان نلتقي في يوم لا يخلف فيه الميعاد، يوم لا ينفع فيه لا مال ولا ينون الا من اتى الله بقلب سليم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.