الجمعة الماضي، اي قبل يوم من التظاهرات في مدن فرنسية احتجاجاً على مشروع قانون منع الحجاب في المدارس الحكومية في فرنسا، أقرّ مجلس النواب المغربي المدونة الجديدة التي تساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية والاحوال الشخصية. والسبت، يوم التظاهرات، وقفت سيدات سعوديات في مؤتمر جدة الاقتصادي، في سابقة من نوعها، يدافعن عن دورهن وضرورة رفع ما يعيق اداءه. المفارقة صارخة بين ما تحاول ان تفعله دول اسلامية مثل المغرب حيث للملك دور ديني يوازي دوره كحاكم، ومثل السعودية حاضنة الحرمين الشريفين، وبين الصورة التي يسعى متظاهرون في شوارع مدن الجمهورية الفرنسية الى ان يعطوها عن المسلمين. في بلدين اسلاميين عربيين عريقين، تتضافر الجهود الرسمية والخاصة لانعتاق المرأة من ارث ثقيل. وفي بلد مثل فرنسا حيث تأسست الجمهورية على المساواة، ثمة من يحاول تكبيل المرأة قبل السعي الى تكبيل العقل ومنعه من التعامل مع معطيات عصر الانوار. لنضع جانباً هذه المفارقة التي تكشف ان الحملة لمناهضة مشروع القانون الفرنسي غير معنية كثيراً بمستقبل المهاجرين الذين تُخاض الحملة باسم الدفاع عنهم. ثمة فئتان في فرنسا لا ترغبان باندماج هؤلاء المهاجرين وذريتهم في المجتمع الذين يعيشون فيه. الفئة الاولى، هي اليمين الفرنسي المتطرف الذي تمثل "الجبهة الوطنية" اكثر تعبيراته فجاجة. والفئة الاخرى، هي الواقفون، من الاسلام السياسي، وراء الحملة على مشروع القانون. وهذان الطرفان هما الاكثر حماسة في معارضة المشروع. اليمين المتطرف الذي يتغذى من كره الاجنبي والمهاجر، والمسلم خصوصاً، يستند الى تمييز عنصري بين "الفرنسي الاصل" ابن الحضارة الغربية المسيحية، وبين "الفرنسي المجنس" ابن حضارة مغايرة. ويحرض في اتجاه ان الاخير لا يمكن ان يكون وطنياً وفرنسياً، لذلك يجب اعطاء الاولوية في التعليم والمسكن والمساعدات الاجتماعية والعمل وضمان الشيخوخة ل"الفرنسي الاصل". وليؤكد وجهة نظره، تراه يدعم، وإن خلسة، المطالب التي تؤكد أن الاخير "مغاير" ولا يمكنه ان يكون مواطناً مثل غيره، ليطالب بترحيله الى بلده الاصلي وليفعل هناك ما يشاء. ومن هنا الكلمة الشهيرة لزعيم هذا اليمين: انا مع العرب في بلدانهم وليس عندنا. الاسلام السياسي بتشديده على خصوصية حياتية للمسلمين، حتى وإن تعارضت مع القوانين، يخرج المسلمين من معادلة المجتمع ويدفعهم الى انطواء ودونية تغذي بدورها شعارات "الجبهة الوطنية". ومن الملفت، في هذا المجال، ان احد رموز هذا الاسلام السياسي، وهو زعيم حزب "مسلمي فرنسا" محمد الناصر الاطرش اعلن، بعد تظاهرات السبت، انه في حال المصادقة على مشروع القانون الذي يبدأ درسه في مجلس الوزراء منتصف هذا الاسبوع سنتصرف على نحو نجعله غير قابل للتطبيق. اي، ان هذا "الزعيم" الذي يصاحب صعوده كثير من الغموض، يهدد باسم مسلمي فرنسا، بعصيان على تطبيق قانون فرنسي. وحتى لو وضعنا هذه الخفة السياسية في التعامل مع القوانين في بلد القوانين، لن تكون المواجهة التي يدفع اليها هذا الرجل الا ضد المسلمين وفي مصلحة اليمين المتطرف الذي سيستقطب اصوات مزيد من الناخبين، ويكسب اوراق ضغط اضافية في اتجاه مزيد من تضييق قوانين المساواة. وكما تتطابق الاهداف، تتطابق المواقف بين الفئتين من القضية ذات الحساسية الفائقة في فرنسا المتعلقة بالمحرقة اليهودية. واذا يُفسر موقف "الجبهة الوطنية" بمواقفها العنصرية من اليهود، يصح التساؤل عن مصلحة مسلمي فرنسا، خصوصاً المتحدرين من اصل عربي في الالتحاق بدعاة اللاسامية، والخلط بين المحرقة في المانيا النازية والسياسة الاسرئيلية مهما بلغت فظاظتها. وكذلك تبني دعوات واشكال من التحريض، في وقت تتعرض فيه اماكن عبادة ورجال دين يهود لاعمال عدائية تجد من يبررها بالممارسات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة. التحقيقات في نسف سيارة عيسى درموش، اول محافظ فرنسي معين "متحدرمن الهجرة"، ليل السبت، قد لا تتوصل الى معرفة الفاعل قريباً. لكن التقديرات تتحدث عن احتمالين. اليمين المتطرف الذي يريد الاحتجاج على "تفضيل" مهاجر على الفرنسي لشغل هذا المنصب الرفيع في الدولة. او الاسلام المتشدد الذي يريد أن "يظهر" أن على المهاجر ان يبقى مهاجراً.