سعود بن بندر يستقبل الرئيس التنفيذي لجمعية بناء ورئيس وأعضاء نادي القادسية    الفضلي: المنتدى العربي للبيئة يؤسس منصة حوار لتوحيد الرؤى تجاه القضايا البيئية    كلاوديا تصبح أول سيدة تتولى رئاسة المكسيك    السيسي يكلف رئيس الوزراء بتشكيل حكومة جديدة    فيصل بن فرحان يلتقي وزير خارجية دولة الكويت    سفير المملكة لدى الأردن يودع قافلة حجاج بيت الله الحرام    أمير الرياض يستقبل الأمين العام لجائزة الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز للتميز والإبداع    «التجارة» تُشهّر بمواطن ومقيم ارتكبا جريمة التستر في تجارة الديكورات    مفتي عام المملكة ونائبه للشؤون التنفيذية يستقبلان رئيس جمعية إحسان لحفظ النعمة بمنطقة جازان    أمير عسير يفتتح المقر الجديد لإدارة رعاية أسر الشهداء، بديوان إمارة المنطقة    نتنياهو يناقض بايدن: «الصفقة» لا تشمل وقف الحرب    بدء اكتتاب الأفراد في 154.5 مليون سهم بأرامكو    تمارين خاصة للغنام ويحيى في معسكر الأخضر    عرض قوي من النصر لضم كاسيميرو    "تعليم الرياض" تنهي الاستعداد لاختبارات الفصل الدراسي الثالث    أسعار النفط تتراجع    هيئة العقار : تراخيص جديدة للبيع على الخارطة تقدر قيمتها السوقية ب 6 مليارات ريال    أمير تبوك يقف على الجهود المبذولة لخدمة ضيوف الرحمن بمنفذ حالة عمار.. الأربعاء    طلائع حجاج إيطاليا تصل مكة المكرمة    فرصة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    بناءً على ما رفعه سمو ولي العهد خادم الحرمين يوجه بإطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق الرياض    "أكنان3" إبداع بالفن التشكيلي السعودي    33 ألف منشأة تحت المراقبة استعدادًا للحج    الصمعاني: دعم ولي العهد مسؤولية لتحقيق التطلعات العدلية    جامعة "المؤسس" تعرض أزياء لذوات الإعاقة السمعية    أمير تبوك يعتمد الفائزين بجائزة المزرعة النموذجية    الطائرة ال51 السعودية تصل العريش لإغاثة الشعب الفلسطيني    السفير بن زقر: علاقاتنا مع اليابان استثنائية والسنوات القادمة أكثر أهمية    محمد صالح القرق.. عاشق الخيّام والمترجم الأدق لرباعياته    «التعليم» تتجه للتوسع في مشاركة القطاع غير الربحي    دموع «رونالدو» و«الهلال» يشغلان صحف العالم    انضمام المملكة لمبادرة الابتكار الزراعي للمناخ يسرِّع الاستثمارات ونظم الغذاء الذكية    عبور سهل وميسور للحجاج من منفذي حالة عمار وجديدة عرعر    نوبة «سعال» كسرت فخذه.. والسبب «الغازيات»    في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى بالبصرة .. 14 ميدالية للمنتخب السعودي    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب وسط اليابان    سائقو الدبَّابات المخصّصة لنقل الأطعمة    ماذا نعرف عن الصين؟!    الاحتلال يدمر 50 ألف وحدة سكنية شمال غزة    الاتحاد بطل.. أخذوه وبعثروه    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات تحت مسمى "رالي السعودية 2025"    الكعبي.. الهداف وأفضل لاعب في" كونفرنس ليغ"    مزايا جديدة لواجهة «ثريدز»    هذا ما نحن عليه    هنأ رئيس مؤسسة الري.. أمير الشرقية يدشن كلية البترجي الطبية    نقل تحيات القيادة وأشاد بالجهود الأمنية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يدشن مشروعات «الداخلية» في عسير    "كدانة" تعلن عن توفر عدد من الوحدات التأجيرية للأسر المنتجة خلال موسم الحج    ..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    حجب النتائج بين ضرر المدارس وحماس الأهالي    توبة حَجاج العجمي !    بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    أمير نجران يشيد بالتطور الصحي    نمشي معاك    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعر صرف العملة اللبنانية في ميزان العوامل الاقتصادية الطارئة . أكلاف تثبيت الليرة بقرار إداري طمأنت المودعين ولم تجذب الاستثمارات
نشر في الحياة يوم 28 - 05 - 2003

لم تأت خطة الإصلاح الاقتصادي والمالي للحكومة اللبنانية، ولا الورقة التي اعتمدتها وقدمت الى مؤتمر باريس -2، على ذكر السياسة النقدية ودورها، علماً بأن هذا الدور كان ولا يزال مهماً في المجالات الاقتصادية والمالية والنقدية. ويظهر ذلك في الأهداف التي وضعها مصرف لبنان، والوسائل التي استخدمها لتحقيقها بما يتلاءم مع التوجهات العامة للحكومة في المجالات المذكورة، مع ما رافق ذلك من نتائج ايجابية وسلبية في آن.
في أثناء الحرب الاهلية انخفض سعر صرف الليرة اللبنانية بصورة مستمرة، وارتفع سعر صرف الدولار الأميركي من 2.30 ليرة في نهاية 1974 الى 2825 ليرة في ايلول سبتمبر 1992، وهو اعلى سعر تاريخي له. ثم عاد هذا السعر لينخفض الى 1838 ليرة في نهاية 1992. ونتج ذلك عن الاضطراب الأمني والسياسي، وتدمير الاقتصاد والبنى التحتية، والمضاربات القوية التي تعرضت لها العملة الوطنية، وغير ذلك من الأسباب.
ورافق انخفاض سعر صرف الليرة انخفاض في قوتها الشرائية، وارتفاع في اسعار السلع والخدمات، مع ما نتج عنه من ضغط على ذوي الدخل المحدود. وبلغ معدل التضخم 32.95 في المئة، في نهاية 1991 و131.1 في المئة في نهاية 1992.
وأظهرت تطورات 1992 الانفصال بين الاقتصاد الحقيقي وبين الاقتصاد النقدي. واستمر انخفاض سعر صرف الليرة على رغم التحسن الذي طرأ على المدفوعات الخارجية. وأدى مجرد تكليف رفيق الحريري تشكيل حكومته الأولى، في تشرين الأول اكتوبر 1992، الى انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي الى 1705 ليرات في نهاية 1993، ثم تابع انخفاضه ليصل الى 1507.5 ليرة في نهاية 1999. ومذذاك والمصرف المركزي يثبته على هذا السعر.
وأثارت مسألة التثبيت هذه نقاشاً واسعاً كان ولا يزال في صلب النقاش النقدي. ويرى كثيرون ان التثبيت لم يكن سليماً، وأنه كان من المفترض ترك سعر صرف الليرة، بالنسبة الى الدولار الأميركي، يتابع تحسنه بفعل عوامل العرض والطلب القادرة وحدها على إعطائه وضعه الطبيعي، ويعكس حقيقة الاقتصاد اللبناني وقدرته التنافسية.
ويشير الواقع الى ان سياسة التثبيت كانت تنطلق من فكرة تقوم على ضرورة اعادة الثقة بالعملة الوطنية لجذب الاستثمارات الوطنية والخارجية، في مرحلة إعادة الإعمار التي تحتاج الى اموال ضخمة. وقدرت هذه في حينها بأكثر من 18 بليون دولار اميركي، في القطاعين العام والخاص معاً.
ومنذ انطلاق المشروع الإعماري كان على السلطة النقدية ان تختار بين اتجاهين اساسيين: احدهما يعتمد على سعر صرف ثابت لليرة، ومعدلات مرتفعة لأسعار الفوائد، ومعدل متدنٍ للتضخم، مع ما يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على القطاع الخاص، وركود اقتصادي نتيجة تدني مستوى الإنتاج ومعدلات النمو ومستوى العمالة" ويعتمد الآخر على سعر صرف منخفض، وأسعار فائدة متدنية نسبياً، ومعدلات تضخم قد تكون مرتفعة نسبياً، ما يسمح للقطاع الخاص بزيادة الاستثمار والإنتاج والعمالة، ويرفع القدرة التنافسية للسلع والخدمات المنتجة محلياً في السوقين الداخلية والخارجية، ويساعد في زيادة الصادرات، ونسبة تغطيتها للواردات، ويخفض العجز في الميزان التجاري ويحسن وضع ميزان المدفوعات، ويؤدي الى الرواج ويرفع الإنتاج العام ومعدلات النمو والدخل الوطني.
الثقة والثمن
وكانت السياسة النقدية، بأطرها وتوجهاتها ونتائجها، اقرب الى الاتجاه الأول. وهي حاولت بواسطة التثبيت، اعادة الثقة في العملة الوطنية، وجعلها تقوم بوظائفها النقدية أداة للادخار والاستثمار، ما يشجع على جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، ويؤدي الى زيادة الإنتاج ومستوى العمالة ومعدلات النمو وغير ذلك من النتائج الاقتصادية والاجتماعية المهمة. لكن النتائج والأهداف المتوخاة لم تحصل. وكان لسياسة التثبيت هذه اكلاف دفع ثمنها الاقتصاد اللبناني، ولا يزال يدفعها، للأسباب الآتية:
1- ان سعر الصرف الذي تثبت عليه العملة الوطنية كان سعراً اسمياً، وبقرار اداري، وأعلى من سعر الصرف الحقيقي. لذلك لم تظهر الثقة اللازمة بهذه العملة. الى ذلك، كان الخوف ولا يزال قائماً من امكان التخلي عن سعر الصرف الثابت وخفضه، خصوصاً ان معظم الدين العام بالليرة، وأن صندوق النقد الدولي نصح المصرف المركزي مراراً بخفض هذا السعر لتقليص حجم الدين.
2- ان الإقبال على الاستثمار في بلد معين يتعلق اساساً بعوامل منها: استقرار اوضاعه السياسية والأمنية، اضافة الى اوضاعه الاقتصادية والنقدية والمالية، ووجود مناخ استثماري مقبول ومعدل ارباح مرض، وقطاع للخدمات يفي بالغرض، وقطاع عام يتجاوب مع حاجات القطاع الخاص ويلبيها بالسرعة والفاعلية المطلوبتين، وتوافر قوانين وتشريعات تحمي الاستثمارات، ووجود قضاء مستقل، واحترام للقوانين وغير ذلك من العوامل. وكل هذه الشروط يفتقر إليها لبنان بالصورة المطلوبة.
3- ان تثبيت سعر صرف العملة الوطنية بالدولار الأميركي، عند مستوى يزيد على سعره الحقيقي، يؤثر سلباً في القدرة التنافسية للسلع والخدمات المنتجة محلياً في السوقين الداخلية والخارجية، ويؤدي الى ارتفاع كلفة الإنتاج. فيجعل نسبة تغطية الصادرات للواردات متدنية نسبياً. وهذا بدوره يفاقم مشكلة عجز الميزان التجاري الضخم والمزمن، ويرفع مستوى الضغط على رؤوس الاموال الوافدة الى لبنان، فتصبح، احياناً، غير قادرة على امتصاص عجز الميزان التجاري، ويظهر عجز في ميزان المدفوعات يحدث ضغوطات قوية على احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجبنية، ويقلص حجمها وقدرته على التدخل في سوق القطع لدعم العملة الوطنية.
وهذه العوامل وغيرها، في ظل ندرة مساعدات خارجية، وتحويلات مالية كافية الى لبنان، تؤدي بدورها الى ارتفاع الطلب على الدولار الأميركي، والعملات الأجنبية الأخرى، وازدياد الضغط على سعر صرف العملة الوطنية وقوتها الشرائية.
4- وتثبيت سعر صرف العملة الوطنية بالدولار الأميركي له ما يبرره، في مرحلة الانتقال من العملة الضعيفة الى العملة القوية. ذلك ان اخضاع سعر صرف الليرة، في المرحلة المذكورة، لعوامل العرض والطلب في السوق، في ظل اقتصاد ضعيف الإنتاجية كالاقتصاد اللبناني، قد يؤدي الى ازدياد الطلب على السلع والخدمات المستوردة بمستوى اعلى من الطلب على السلع والخدمات المنتجة محلياً. وهذا يعزز الاستيراد، والطلب على الدولار الأميركي والعملات الأجنبية الأخرى، والاستمرار في الضغط على العملة الوطنية وقوتها الشرائية.
لكن خبراء يرون انه كان من المفيد عدم تدخل السلطة النقدية عند بروز اتجاه الدولار الى الانخفاض، ونحو تحسّن سعر صرف الليرة اللبنانية، وتركه يأخذ مداه الطبيعي، وبعدئذ في إمكان السلطة تثبيته عند حد قريب من ذاك الذي تحدده سوق القطع، فيقيس بقدر اكبر من الواقعية الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية اللبنانية.
إلى ذلك كان من المفترض الإفادة من تحسّن سعر صرف الليرة للعمل على زيادة احتياطات مصرف لبنان من الدولارات والعملات الأجنبية الأخرى، واستخدامها في دعم الليرة والمحافظة على سعر صرفها عند المستوى المطلوب بواسطة التدخل في سوق القطع، مع اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع المضاربات على الليرة.
5- في ظل عدم الثقة بالليرة اللبنانية والاقتصاد اللبناني المفتوح، ارتفع معدل دولرة الودائع والتسليفات والاقتصاد في مجمله. ولم تجدِ كثيراً محاولةُ تسعير السلع والخدمات بالليرة لحصر التعامل بها، ما دام الدولار يستخدم بحرية، وبموازاة الليرة، في مختلف المجالات من دون قيود تُذكر، والثقة به اقوى من الثقة بالعملة الوطنية. وفي عام 2002 بلغت نسبة دولرة الودائع المصرفية 70.3 في المئة، ونسبة دولرة التسليفات 81.5 في المئة. وبلغ معدل دولرة الاقتصاد 56.8 في المئة.
6 - كان تثبيت سعر صرف العملات بالدولار الأميركي إلزامياً في ظل نظام "بريتون وودز" النقدي الدولي الذي انشئ بعد الحرب العالمية الثانية، وأسس بموجبه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير. وكانت الدول ملزمة بدعم هذا التثبيت وبإشراف من صندوق النقد الدولي للحفاظ على استقرار العلاقات النقدية والمالية والتجارية الدولية. لكن مؤتمر جامايكا النقدي، في 1976 - 1978 بعد انهيار اتفاق بريتون وودز، اعلن بدء مرحلة اسعار الصرف العائمة التي تخضع لعوامل العرض والطلب، نتيجة التقلبات الدائمة في موازين مدفوعات معظم الدول. وتُركت الحرية لكل دولة ان تثبت عملتها الوطنية بأي عملة اخرى، او بوحدات نقدية حسابية لحقوق السحب الخاصة، او غيرها، او بسلة من العملات تختارها بنفسها.
في هذا الإطار يمكن القول إن تثبيت سعر صرف الليرة بسلة من العملات الأساسية قد يكون مفيداً لأنه يضيق هامش تقلبات السعر ويحصره، علماً ان عدم استقرار سعر صرف الدولار الأميركي بالنسبة الى العملات الأجنبية الأخرى يؤدي الى اضطراب سعر صرف الليرة بالنسبة الى هذه العملات.
7 - يظل الدولار الأميركي من اقوى العملات العالمية، على رغم تقلباته، ويمثل اضخم اقتصاد. وهو يستخدم كعملة احتياط دولية اساسية وفي تسوية المدفوعات الدولية على نطاق واسع. لذلك فإن الطلب عليه سيبقى قوياً في السوق اللبنانية، ما يشكل ضغطاً مستمراً على الليرة وعلى احتياطات مصرف لبنان من الدولار والعملات الأجنبية الأخرى التي يستخدمها المصرف للدفاع عن الليرة عند تدخله في سوق القطع.
السياسة النقدية
وتمويل الخزينة والاقتصاد
استخدمت السياسة النقدية أو آلية سعر الفائدة بنجاح لتمويل الخزينة، من جهة، وللجم معدلات التضخم، من جهة ثانية، فلجأت الى رفع اسعار الفائدة على سندات الخزينة، وجعلت مستواها أعلى من مستوى أسعار الفائدة في السوق النقدية، خصوصاً على الودائع المصرفية، وذلك لجذب المدخرات الى الاكتتاب بسندات الخزينة. وعلى سبيل المثال فإن متوسط سعر الفائدة في سوق النقد، وفي سوق سندات الخزينة بلغ، عام 2002، 8 في المئة و10 في المئة على التوالي.
وأدت هذه السياسة الى استقطاب قسم راجح من السيولة بالليرة وحجبها عن السوق، وبقيت فوائض الاكتتاب بسندات الخزينة مسجلة في حساب الخزينة لدى مصرف لبنان، من دون ان تستخدمها الحكومة، وتُعتبر معطلة، وتتحمل الخزينة كلفتها من دون فائدة تذكر. وبلغت هذه الأموال في بعض السنوات نحو 3 آلاف بليون ليرة لبنانية.
وساعدت هذه السياسة في لجم الطلب الكلي على السلع والخدمات، وعلى الدولار الأميركي. ومهدت للجم التضخم وتخفيف الضغوط على الليرة. لكنها في الوقت نفسه حدت من قدرة القطاع المصرفي على اقراض القطاع الخاص، ما أثر سلباً في الاستثمار والانتاج ومستوى العمالة ومعدل النمو والدخل الوطني. وكان يذهب نحو 50 في المئة من رؤوس الاموال الوافدة الى القطاع العام.
وتشير الاحصاءات الى ان معدل التضخم انخفض بصورة مستمرة، في التسعينات، وبلغ معدلاً سالباً عام 2000، وعاد وارتفع الى 3 في المئة عام 2001، وخمسة في المئة عام 2002، نتيجة لتأثيرات ضريبة القيمة المضافة. أما معدل النمو الذي ارتفع من 4.5 عام 1992 الى 8 في المئة عام 1994، تحت تأثير النشاط الاقتصادي الذي ظهر نتيجة استخدام الطاقات المعطلة في الحرب، عاد لينخفض تدرجاً حتى انعدم عام 2000، وبلغ 1.5 في المئة عام 2002.
الى ذلك، فإن عجز الميزان التجاري بلغ 5400 مليون دولار عام 2000، ونتيجة لفائض ميزان رؤوس الاموال بقيمة 6907.2 مليون دولار امتص العجز المذكور، وبلغ فائض ميزان المدفوعات نحو 1507.2 مليون دولار أميركي. لكن هذا الفائض حصل لأسباب تعود أساساً الى موسم الاصطياف الناجح بعد العجز الذي عرفه هذا الميزان في اعوام سابقة وفي النصف الأول من عام 2002. وبلغت نسبة تغطية الصادرات للواردات 16.2 في المئة فقط.
وانعكس تباطؤ النمو وانخفاض حجم الاستثمار ومعدلاته على مختلف القطاعات الاقتصادية الانتاجية، وعلى مستوى العمالة. وتركز النشاط الاقتصادي في قطاع الخدمات، وفي مقدمها الخدمات المالية. وبلغت نسبة البطالة نحو 15 في المئة تقريباً، يُضاف اليها 5 في المئة نسبة البطالة الموسمية، علماً ان أكثر من 50 ألف شخص جديد وقادرين على العمل يدخلون السوق سنوياً.
وإلى دور مصرف لبنان في اصدار سندات الخزينة، يكتتب المصرف في جزء منها، ويقدم السلف الى الحكومة وهو قام بدعم شركة طيران الشرق الأوسط لانقاذها من الافلاس، حين بلغت خسائرها نحو 90 مليون دولار أميركي، ودعم القروض الى بعض القطاعات المقدمة من القطاع المصرفي بواسطة تقليل اسعار الفائدة، وغير ذلك من المساهمات الأخرى.
وركز مصرف لبنان جهوده على تكوين قطاع مصرفي قوي ومنيع كي يكون قادراً على تحمل الأعباء الثقيلة، في مرحلة اعادة الاعمار والبناء. ويسمح وجود قطاع مصرفي متطور وحديث للبنان بتحقيق هدفه الأساس، وهو استعادة دوره كمركز مالي ومصرفي واقتصادي على المستويين الاقليمي والدولي.
وبالفعل فإن الاشراف المباشر والجدي الذي تولاه مصرف لبنان على القطاع المصرفي، والرقابة التي مارسها على نشاطاته، اثمرت نتائج مهمة ظهرت في التطوير والتحديث اللذين أفاد منهما القطاع على مدى عقد من الزمن. فنمت، بصورة مستمرة، أصوله وودائعه وتسليفاته وأنشطته الأخرى. وأصبح من اكثر القطاعات ربحية في لبنان. كما أن أمواله الخاصة، ونسبة الملاءة، نمت وتطورت بما يتلاءم مع متطلبات مؤتمر بازل - 2.
وفي نهاية عام 2001 بلغ عدد المصارف العاملة في لبنان 67 مصرفاً، منها 60 مصرفاً تجارياً، و7 مصارف تعمل في مجال التسليف المتوسط والطويل الأجل. ومن بين المصارف التجارية 46 مصرفاً لبنانياً، و5 فروع لمصارف عربية، و9 فروع لمصارف اجنبية غير عربية. وفي عام 2002 بلغت موجودات القطاع المصرفي 51.1 بليون دولار، وودائع القطاع الخاص 41.1 بليون دولار، وقروض القطاع الخاص 15.1 بليون دولار، والأموال الخاصة 3.28 بليون دولار أميركي.
وبلغ مجموع تسليفات المصارف الى القطاعات الاقتصادية، عام 2001، 24328 بليون ليرة منها: تجارة وخدمات 44.5 في المئة، مقاولة وبناء 20.7 في المئة، الصناعة 13 في المئة، الأفراد 12.4 في المئة، الوساطة المالية 3.2 في المئة، والزراعة 1.3 في المئة، وغيرها. وبلغت نسبة القروض من الودائع للقطاع الخاص 38.2 في المئة، ومساهمة المصارف التجارية في تمويل الدين العام، بالليرة اللبنانية، حتى تشرين الأول اكتوبر 2002 نحو 59.2 في المئة، ومساهمة المصرف المركزي في هذا الدين 16.6 في المئة. والنسبة المتبقية عادت للقطاع غير المصرفي كصندوق الضمان الاجتماعي وغيره.
واستخدمت قوانين الدمج المصرفي لتقوية القطاع المصرفي، وتنظيفه من المصارف المتعثرة والضعيفة. وبلغ عدد عمليات الدمج، في1994 - 2002، 29 عملية، منها 25 عملية دمج اضطر المصرف المركزي فيها الى تقديم قروض للمصارف المتعثرة بلغت قيمتها نحو 450 مليون دولار أميركي ساعدت على انقاذ ودائع بنحو 3 بلايين دولار. وتمت تصفية بعض المصارف باللجوء الى القضاء، او بواسطة التصفية الذاتية.
ويفرض على المصرف المقترض ان يشتري بقيمة القرض سندات خزينة بالليرة اللبنانية. ويتوجب عليه دفع نسبة 60 في المئة مما يربحه جراء ذلك الى مصرف لبنان، أي ما يعادل نسبة 7 في المئة من قيمة القرض.
ويشهد القطاع المصرفي اللبناني تنافساً واضحاً لتعزيز المواقع وخروج بعض المصارف الاجنبية منه لعدم قدرتها على تحمل معايير بال - 2 التي تفرض عليها تشغيل اجمالي موجوداتها في الدول المعتبرة ضمن الأسواق الناشئة كلبنان، بنسبة 100 في المئة، ما يرتب عليها زيادة أموالها الرأسمالية بصورة ملموسة.
ويعاني القطاع المصرفي اللبناني من غياب المصارف المتخصصة. فمن أصل 80 مصرفاً ثمة مصرف متخصص واحد، هو مصرف الاسكان الذي يقدم قروضاً سكنية توفر المساكن للعائلات التي تكونت في سنوات الحرب، بواسطة قرض كويتي مخصص لهذا الغرض، وتوفير المساكن بصورة عامة للمحتاجين اليها من مساهمات المصارف المشتركة في هذا المصرف الذي يمارس مصرف لبنان الوصاية عليه. وقدم مصرف الاسكان حتى عام 2002 قروضاً بلغت قيمتها اكثر من 100 مليون دولار أميركي. وتنشط في هذا المجال المؤسسة العامة للاسكان، بالتنسيق مع المصارف، وتقدم قروضاً سكنية. وتُقدر بعض المصادر مساهمات مختلف مؤسسات الاسكان في تحويل امتلاك، أو بناء مساكن، بأكثر من 600 مليون دولار أميركي. وعلى رغم هذه المعطيات الا ان المشكلة السكنية تعتبر من أضخم المشاكل التي عانى ويعاني منها لبنان، ولم تجد لها سوى حلول جزئية.
* أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الاعمال الجامعة اللبنانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.