"أعداء الحرية لم يتوقفوا عن العمل، ولا نحن توقفنا". العبارة للرئيس جورج بوش الذي لا شيء يوحي بعد تفجيرات الرياضوالدار البيضاء انه محق في اعلان "انتصارات بارزة" في الحرب على الارهاب. اما اكبر كذبة فهي تلك التي افتعلها مسؤول اسرائيلي لم يرَ في أشلاء الضحايا التي سقطت في المغرب في ليلة سوداء، سوى "حملة ارهاب دولية تستهدف الغرب"!... وكأن الابرياء الذين ضربهم العنف الاعمى في السعودية والحقد الاسود في الدار البيضاء ليسوا عرباً، كل ذنبهم انهم اختيروا وقوداً في حرب باتت بربرية لا يشرّعها اي هدف، مهما كان. ولا أحد يبتهج الى حد النشوة بحديث بوش عن "القضاء على حلفاء القاعدة، مع تحرير افغانستان". فبعيداً من الشعارات التي يختارها الرئيس الاميركي لحملته الانتخابية، وكأنها تعد العالم بقدر يدعي انه يصنعه، لا لشيء إلا لغيرته على خير البشرية، مَنْ يصدّق ان الارض باتت اكثر امناً بعد خلع صدام من عرينه الكابوس، واقتلاع "طالبان" من كابول وقندهار، و"القاعدة" من كهوف افغانستان "لتفرّخ" خلايا لا شيء فيها وفي ممارساتها يشي بشيء من العدل لجميع الابرياء، عرباً كانوا ام اوروبيين ام اميركيين…؟ عنف اسود يقابله عنف اكثر سواداً، وفي اكثر الاحوال لا احد يستطيع التمييز بينهما، لتبرير "شرعية" قاتمة، ليس فيها سوى كذب ادعاء الدفاع عن حقوق وحريات… في واشنطن "صقور" مجانين يروّضون العالم بسوط جَلْد الارهاب، وفي العالم خلايا لا احد يعرف لون دمها، ليدرك عن اي حق تدافع وهي تبيح القتل لمجرد سفك الدم. في العراق، كلما استخرجوا مقابر جماعية تدين نظام صدام، كلما أحسّ بوش بالزهو اذ يلتقط مبررات ليقول للاميركيين وغيرهم من الشعوب التي تعرف نيّات جوقة "الصقور"، انه كان على حق حين قرر احتلال البلد. والسؤال المفجع لم يعد كم حرباً سيخوض في معركته العالمية ضد الارهاب، في ولايته الرئاسية الثانية، بل كم من البشر على قوائم الضحايا، يتساقطون فيما هناك من يمنحهم اوسمة شهادة باسم حماية ديموقراطية الغرب! ولعل بشاعة الجرائم التي ترتكب باسم ضرب هيبة الغرب وهزّ ركاب اميركا، لا تعادلها سوى حملات التضليل التي تشنها واشنطن واسرائيل، فيما تتجاهلان مأساة شعوب المنطقة التي ابتُليت بحقد لا هوية له، وتستحق التعاطف معها ليس اقل من ذوي الضحايا الاميركيين والغربيين. والتضليل ذاته لا يعد إلا بمأساة اكبر، لأن تجاهل الثمن الذي يدفعه السعودي والمغربي والكويتي واللبناني بعد غيرهم من العرب، لا يفيد في التصدي للارهاب، ان لم يكن يغذي مزيداً من النقمة على اولئك الذين يصنّفون الابرياء في الغرب في مرتبة اعلى من الضحايا العرب للحقد… فكيف اذا وضع المتطرفون الجهلة في الولاياتالمتحدة هؤلاء في مرتبة واحدة مع انتحارييهم؟ وزير الداخلية المغربي مصطفى الساهل سارع الى وصف تفجير السيارات المفخخة في الدار البيضاء باعتداء على "المكتسبات الديموقراطية" لبلاده. ولعله لا يتهم طرفاً في المغرب، حيث يتبرأ الاسلاميون من ذلك القتل المجاني، ولكن كان للوزير ان يعدُل لو اعتبر الليلة السوداء اعتداء على البشرية، لا على اميركا والغرب ولا على اصدقائه. وللعرب جميعاً ان يعدلوا في قضاياهم، بل ان يحققوا انتصاراً لو ساهموا في اعادة الصواب للولايات المتحدة التي لا توحد العالم بحربها الكونية، ولا تميز بين الضحية والجاني. الانتصار ذاته لن يكتمل، لكل البشرية، اذا بقيت اميركا وحدها، تفرض بمعاييرها شروط الحرب المضادة على الارهاب، كأنها وحدها المعنية، والكون كله عليه ان يتجنّد ليحرس رعاياها ومصالحها. وحده بوش يبتهج لتحقيق نصف انتصار على تنظيم "القاعدة"، وما على الجميع سوى احصاء الضحايا. ولأن العنف والعنف الأكثر بشاعة صنوان في معركة لا نهاية لها، يتبين كم كان مهاتير بليغاً وهو يتساءل الى متى تبقى القوة العظمى الوحيدة في العالم خائفة من ظلها.