معرض الكيف بجازان يسدل الستار على فعالياته بعد حضور فاق التوقعات واهتمام محلي ودولي    تغطية اكتتاب أرامكو للمؤسسات ب +45 مليار ريال    زلزال بقوة 5,9 درجات يضرب وسط اليابان    في بطولة غرب آسيا لألعاب القوى بالبصرة .. 14 ميدالية للمنتخب السعودي    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لمواجهة باكستان    الحجاج يشيدون بخدمات « حالة عمار»    الصدارة والتميز    أجمل من عطر منشم..!    39.7 مليون برميل مستويات الإنتاج.. ( أوبك+) تمدد تخفيضات الإنتاج لنهاية 2025    9.4 تريليونات ريال ثروة معدنية.. السعودية تقود تأمين مستقبل المعادن    أوبك+ تقرر تمديد تخفيضات الإنتاج الحالية حتى نهاية 2025    ..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    ماذا نعرف عن الصين؟!    الاحتلال يدمر 50 ألف وحدة سكنية شمال غزة    وصول الطائرة السعودية ال 51 لإغاثة الفلسطينيين    مزايا جديدة لواجهة «ثريدز»    ملاجئ «الأونروا» فارغة    نقل تحيات القيادة وأشاد بالجهود الأمنية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يدشن مشروعات «الداخلية» في عسير    حجاج الأردن وفلسطين : سعدنا بالخدمات المميزة    الأولمبي السعودي يستهل مشواره بمواجهة كوريا الجنوبية    الأزرق يليق بك يا بونو    الاتحاد بطل.. أخذوه وبعثروه    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات تحت مسمى "رالي السعودية 2025"    الكعبي.. الهداف وأفضل لاعب في" كونفرنس ليغ"    رونالدو يغري ناتشو وكاسيميرو بالانضمام للنصر    وزير العدل: دعم ولي العهد اللامحدود يضع على أفراد العدالة مسؤولية كبيرة    حجب النتائج بين ضرر المدارس وحماس الأهالي    بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    سائقو الدبَّابات المخصّصة لنقل الأطعمة    بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج دون تصريح    هذا ما نحن عليه    هنأ رئيس مؤسسة الري.. أمير الشرقية يدشن كلية البترجي الطبية    إطلاق اسم الأمير بدر بن عبدالمحسن على أحد طرق مدينة الرياض    جامعة نورة تنظم 20 حفل تخريج لطالبات كلياتها ومعاهدها    توبة حَجاج العجمي !    "طريق مكة".. تواصل تسهيل دخول الحجاج إلى المملكة    "فعيل" يفتي الحجاج ب30 لغة في ميقات المدينة    "الأمر بالمعروف" تدشن المركز الميداني التوعوي بمكتبة مكة    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    أمير نجران يشيد بالتطور الصحي    نمشي معاك    رائحة تقضي على النمل الأبيض    أمير منطقة تبوك يعتمد الفائزين بجائزة سموه للمزرعة النموذجية    أمير الشرقية يستقبل رئيس مؤسسة الري    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الشورى: مراجعة شروط الضمان الاجتماعي المطور لصالح الأيتام وبعض الأسر    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    إدانة مزور شيكات ب34 مليون ريال منسوبة لجمعية خيرية    مسبار صيني يهبط على القمر    وصول الطائرة ال51 لإغاثة غزة    «إخفاء صدام حسين» يظهر في بجدة    المملكة تحقق أول ميدالية فضية ب"2024 APIO"    «أطلق حواسك».. في رحلة مع اللوحة    «طريق مكة».. تقنيات إجرائية لراحة الحجيج    فيصل بن مشعل يرعى حفل تكريم معالي رئيس جامعة القصيم السابق    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البندقية وغصن الزيتون : جذور العنف في الشرق الأوسط ، بقلم ديفيد هيرست . الاصوليون اليهود اخترقوا جهاز الدولة العبرية وسلطاتها الادارية والتنفيذية والتشريعية والعنصرية المناهضة للعرب في المجتمع الاسرائيلي لا تقل شدة عن تجلياتها لدى المستوطنين 3 من 6
نشر في الحياة يوم 14 - 03 - 2003

يصف الصحافي البريطاني المخضرم ديفيد هيرست في احد الفصول الجديدة في الطبعة الثالثة من كتابه "البندقية وغصن الزيتون: جذور العنف في الشرق الاوسط" رد فعل اليهود الاصوليين المتشددين على المجزرة التي ارتكبها المستوطن الطبيب باروخ غولدشتاين في الحرم الابراهيمي في الخليل، ويقول ان غولدشتاين نشأ من بيئة المستوطنين والمتدينين المنتمين للحزب القومي الديني مفدال، وهو الحزب الذي يدعم الاستيطان في كل "ارض اسرائيل". ويقول ان ييغال عامير، قاتل رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين الذي اقترن اسمه باتفاق اوسلو ينتمي الى نفس البيئة المكونة من يهود متدينين اصوليين يؤمنون بضرورة طرد الفلسطينيين من ديارهم. وينقل هيرست عن كاتبين اسرائيليين هما البروفيسور اسرائيل شاحاك والدكتور اوري ديفيز حججهما التي تثبت ان اسرائيل دولة عنصرية.
كان غولدشتاين من اتباع الزعيم الروحي لطائفة لوبافيتشر في نيويورك. لكن ما فعله عكس وجسّد البيئة التي نشأ منها: المستوطنين المتدينين والحزب القومي الديني الذي يقف وراءهم. ولم يكن هناك ما يعبّر عن ذلك افضل من ردود الفعل العفوية المباشرة على جريمة القتل الجماعي. فهي لا تقارن، في سعتها او شدتها، بردود فعل الفلسطينيين على عملياتهم الانتحارية الاصولية في اعقابها عندما بدأت تلك العمليات. فقد اشاد كثيرون من رجال الدين اليهود بهذا "العمل" او "الحادثة" او "الحدث"، كما اطلقوا عليها برقة، لكن لم يحسن أحد منهم التعبير بقوة عن مشاعره كما فعل الحاخام اسحق غينسبرغ الذي كان ايضاً من اتباع طائفة لوبافيتشر، وهو يتحدر اصلاً من سانت لويس في ميسوري لكنه كان يرأس آنذاك مدرسة "ضريح يوسف" الدينية في نابلس. وقال في كراس لتمجيد "الشهيد" الجديد ان موت أي عربي "حدث سعيد"، لكن ما فعله غولدشتاين يرقى الى مستوى آخر تماماً، فهو "عمل بطولي شامخ لدرجة انه لا يمكن الاّ ان يصدر عن نعمة الهية انبثقت من أسمى السموات". وينبغي لهذا العمل ان يلهم اليهود "كي يسيطروا على ارض اسرائيل بأكملها". كما لم يخف المجمع الديني عموماً حماسته. فقد تزامن الحدث مع "البوريم" عيد المساخر، احد اعياد اليهود، وعبّر كثيرون اثناء لهوهم الصاخب عن املهم في ان يقع المزيد من "معجزات" البوريم هذه. وفي غضون يومين، غطيت جدران الاحياء الدينية في القدس بملصقات تمجّد مناقب غولدشتاين وتعبّر عن الأسى لأن حصيلة القتلى الفلسطينيين لم تكن أكبر. وفي الواقع، كان الاحساس بالرضا يتخطى المعسكر الديني بشكل عام، اذ اظهرت استطلاعات الرأي ان 50 في المئة من الاسرائيليين، خصوصاً الشباب، عبّروا عن تأييدهم بشكل او آخر لفعلة غولدشتاين. وخلال الجنازة الضخمة في القدس، كان المشيعون يهمسون بكلمات اعجاب مثل "يا له من بطل!" و"فعلها من اجلنا جميعاً"، بينما قال اسرائيل ارييل، احد رجال الدين الذين تعاقبوا لالقاء كلمات التأبين، انه "من الآن فصاعداً سيكون الشهيد المقدس باروخ غولدشتاين شفيعنا في الجنة الذي لم يتصرف كفرد بل انصت لصرخة ارض اسرائيل". وتولى الجيش حماية الموكب الجنائزي في طريقه من القدس الى قبره في الخليل. وتحول القبر بمرور الوقت الى نصب تذكاري كبير وفخم، ومزار يحج اليه اليهود من ارجاء اسرائيل واوروبا والولايات المتحدة، ليشعلوا الشموع ويسعوا لنيل شفاعة "القديس والشهيد". وبعد وقت قصير على المذبحة، القى اسحق رابين كلمة امام مؤتمر ل"أيباك" في واشنطن. وكانت "أيباك"، التي لم تبد ارتياحها ازاء اتفاق اوسلو، اقل حماسة ايضاً للقاء كبير مهندسيه الاسرائيليين. اُستقبل رئيس الوزراء بصورة مهذبة، وقوبلت كلمته احياناً بتصفيق حار، لكن احد مراسلي صحيفة "معاريف" الاسرائيلية لم يستطع الاّ ان يعلق، بشيء من الاستغراب، بان معظم التصفيق الحماسي الحار كان من نصيب متكلم آخر هو شلومو ديسكين، حاخام مستوطنة "إفرات" في الضفة الغربية، عندما قال ان غولدشتاين لم يكن قاتلاً بل بالأحرى ضحية.
كما هاجمت "الانتفاضة اليهودية" يهوداً آخرين. وكان ييغال عامير، الذي اغتال رابين في تشرين الثاني نوفمبر 1995، نتاجاً للبيئة التي نشأ منها بدرجة لا تقل عن غولدشتاين. وكما هو الحال في تقاليد دينية اخرى، كان الكره الذي يغذيه الاصوليون اليهود ضد "الخونة" و"المرتدين" اليهود يفوق بكثير ما يكنونه لغير اليهود. وكان رابين، و"اليسار"، خونة حقاً في نظرهم، فهم "عبدة العجل الذهبي المتمثل بسلام وهمي". واعلن الحاخام دريفوس بصوت هادر ان "اليهود الذين يقودوننا الى هذه الخطيئة لم يعودوا يستحقون اي حماية الهية. يجب ان نقاتل اولئك الذين يسلخون انفسهم عن سكان اسرائيل الفعلية. لقد اعلنوا الحرب ضدنا، نحن الذين نحمل كلمة الله".
وفي مثال واضح على القرابة العاطفية القوية التي تربطهم بالاصوليين، انضم شارون وآخرون من قادة ليكود والتيار القومي العلماني اليميني المتطرف الى الحملة الصاخبة ضد رابين وحكومته المكونة من "مجرمين" و"نازيين" و"خونة". واعلن شارون ان "هناك طغاة على الباب"، مشبّهاً اوسلو بالتواطؤ بين المارشال بيتان وهتلر، وقال ان رابين ووزير خارجيته شمعون بيريز "مهووسان" بما يبديانه من عدم اكتراث ازاء ذبح اليهود.
ان الصراع بين الديني - في شكله الاصولي - والعلماني، بين المغرق في القدم والحديث، بين المتعصب عرقياً والشمولي، هو صراع على روح اسرائيل ذاتها. وفي الصميم منه تكمن مستوطنات "غوش". هذا الصراع يحتدم. لكنه لم يحسم اطلاقاً. ولن يتمكن الاصوليون ابداً من الانتصار فيه، فهم من الجهل والتخلف ما يجعلهم يعجزون عن ذلك. لكنهم، بفضل ما لقوه من استرضاء او تواطؤ خفي او دعم بلا استحياء على مدى السنين من جانب حزب العمل بدرجة لا تقل عن ليكود، حققوا الآن هيمنة لا تبارى على العملية السياسية بأكملها، واختراقاً لجهاز الدولة والجيش والسلطات الادارية والتنفيذية والتشريعية، الى حد يجعل ايضاً من المتعذر لأي حكومة منتخبة ان تحسم الصراع لصالحها. في غضون ذلك، يظهر الاصوليون مزيداً من التحدي والخروج على القانون والهستيريا في سعيهم الى العصر الألفي السعيد. فقد امتلك المشروع الصهيوني - الاستعماري دائماً نزوعاً متأصلاً للميل نحو اكثر تجلياته تطرفاً. وما اصبح ينطبق على الكل، مع صعود من هم على شاكلة بيغن وشامير ثم شارون، والآن جيل جديد يفوق شارون تطرفاً، لابد له ان ينطبق بدرجة اكبر على مكونه الخاص المتعصب والأصولي. وآخر تجلياته يتمثل في ما يُعرف ب"شبان الهضاب". فهؤلاء، من ابناء وبنات مستوطني ما بعد 1967 الاصليين، الذين ولدوا وتربوا في العالم المغلق والمتجانس والمثالي لمعاقلهم في الضفة الغربية وغزة، يفوقون حتى آباءهم في التطرف. وتمشياً مع إرث صهيوني متمتع بقداسة القِدَم ويحظى بقبول شارون، درجوا على السيطرة على اعالي الهضاب واخضاعها للمراقبة كمواقع لمستوطنات سيتم انشاؤها، وفي كل ضاحية يدعون انها مُلك لهم يمنعون الفلسطينيون قسراً من قطف ثمار حقول الزيتون التي توارثوها عن آبائهم واجدادهم. وفي تشرين الاول اكتوبر 2002، اسقطوا حكومة الائتلاف التي يتزعمها شارون عندما قرر شريكه، حزب العمل، اخيراً، ان يفعل شيئاً ما بشأنهم. لكنه فشل بشكل يُرثى له، وما لا شك فيه ان ما سيأتي سيكون اسوأ، و"أسوأ بكثير"، كما قال كاتب العمود المعروف بِنْ كاسبيت في صحيفة "معاريف":
"من الواضح ان العالم ينقسم الى جزئين: البلدان الاصولية، المتطلعة الى الخلاص الديني، التي تدار بفتاوى دينية، والعالم الغربي الحديث الذي يعتمد القوة ضد الارهاب، لكنه يدار ايضاً بعقلانية ووفقاً للقانون. لذا فان السؤال بالنسبة الينا هو الى اي معسكر ننتمي ... تم بلوغ الذروة في شخصية الحاخام موردخاي إلياهو ]كبير حاخامات سابق لليهود الشرقيين في اسرائيل[ المؤمنة بالخلاص المنتظر. هذا هو الشخص الذي يُفترض ان يكون رمزاً ونموذجاً لمئات الالاف من الشبان الذين يعتمرون القبعة الدينية، والذي يتزعم الديانة اليهودية على المستوى الوطني، والذي يعتبر الأب الروحي للحزب القومي الديني. هذا الرجل، الذي يضع على كتفيه رداءً منسوجاً ويعتمر قبعة انيقة، كشف السر عَرَضَاً. لقد ادلى بتصريح معلن، وموثق، من دون استحياء. هكذا، من دون ان يتريث ولو لحظة، وبكثير من الغطرسة. العرب؟ الفلسطينيون؟ هذا كله خيال. انهم جميعاً عبيدنا. نحن سادة هذه الارض. حتى اشجار الزيتون العائدة لهم هي ملكنا. لذا ينبغي ان يُشاد بكل من يطلِق النار على قاطف زيتون فلسطيني ... نتشكى بشأن الاسلام المتطرف ... ولاحقاً نُصدم لمشهد شاب وسيم يرتدي غطاء الرأس اليهودي التقليدي التقطته كاميرا تلفزيونية في هافات غيلياد ]احد مواقع اعالي الهضاب[ وهو يصرخ بأعلى صوته مخاطباً الجنود ]الاسرائيليين[. "ارفضوا إطاعة الأمر. ارفضوا. ارفضوا إطاعة الأمر!". لاحقاً يثير استغرابنا منظر اشخاص اذكياء ومفكرين، مثل شموئيل شوهام من رامات غيلعاد الذي قال لي: "لن ينفع اي شيء. في النهاية لن يكونوا ]الفلسطينيون[ هنا". في الوضع الحالي لا يوجد يقين اننا سنكون موجودين هنا، لا كما كنا نحلم. لا يمكن إعادة هذا الجنّي الى القمقم بوسائل سلمية. اننا نكافح الآن من اجل الحفاظ على ما يميز اسرائيل كدولة ديموقراطية، ومن اجل الفرصة لحل سلمي في منطقتنا، كي ننتمي الى العالم المتحضر، الغربي، الساعي للسلام، وكي نمنع انفسنا من الانحدار الى مكانة تشبه افغانستان ذات ترسانة نووية او ايران متطرفة او دولة دينية لذوي الرؤوس الحليقة..." ]اي اليهود الاصوليين- المترجم[.
نعم، اسرائيل دولة عنصرية
"وفقاً لأي مقياس لابد من اعتبار دولة اسرائيل دولة عنصرية"، حسب ما يقول اسرائيل شاحاك. وهو يرى ان جذور هذه الحقيقة تكمن في ذلك التفسير الضيق، المتعصب أثنياً، لمصير اليهود، الذي نُقل كما ينبغي الى العقيدة السياسية العصرية المتمثلة بالصهيونية التي لا تشكل الاصولية اليهودية التي انتهينا للتو من وصفها سوى التعبير الاكثر تطرفاً وخبثاً لها.
ويثير توجيه هذه التهمة عادةً الغضب في الولايات المتحدة، ليس من جانب اليهود المنظمين فحسب بل من أي ادارة، جمهورية او ديموقراطية، ومن الكثير من وسائل الاعلام الرئيسية. وهي تُرفض عموماً باعتبارها دعاية عربية، او توصم بالتحامل المتطرف المتمثل بمعاداة السامية التي يُعتقد انها متفشية في العالمين العربي والاسلامي. لذا كان طبيعياً ان يشجب ابراهام فوكسمان رئيس "رابطة مكافحة التشهير"، كجزء من وظيفته، الفكرة القائلة بانه يمكن تشبيه اسرائيل بجنوب افريقيا في عهد نظام التمييز العنصري وان يصفها بانها "شنيعة". وكان طبيعياً، ايضاً، ان تنشط الولايات المتحدة بشكل استثنائي لالغاء قرار الجمعية العامة للامم المتحدة للعام 1975 الذي اعتبر ان "الصهيونية حركة عنصرية"، وهو من إرث فترات كان فيها نفوذ العرب الاقتصادي في ذروته وكان تضامن العالم الثالث ما يزال قوةً يحسب لها حساب، عندما كان العرب قادرين على ان يقرنوا دعايتهم بانجاز ديبلوماسي حقيقي. وفي "المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية" الذي عقد في دربان في جنوب افريقيا في 2001، قاد وزير الخارجية كولن باول انسحاب الوفد الاميركي احتجاجاً على "تصريح بعض المندوبين بان نظام التمييز العنصري موجود في اسرائيل"، على حد تعبيره.
لكن هذا ما يؤمن به ايضاً، مثل شاحاك، كثير من الاسرائيليين، وبشكل خاص بالطبع اولئك الذين اختاروا، مثل بعض مواطني جنوب افريقيا المناهضين للتمييز العنصري من البيض، العيش في المنفى بدلاً من الاقامة في ظل نظام كهذا مثير للاشمئزاز. ولا تؤثر في مواقف هؤلاء حقيقة ان العرب حولوا الأمر الى قضية دعائية، او كون الانظمة العربية ذاتها هي، بطريقتها الخاصة، لا تقل قمعاً عن اسرائيل. نعم، ان اسرائيل نظام ديموقراطي، لمواطنيها اليهود على الاقل، وهو ما يدفع اشخاصاً مثلهم بدرجة اكبر، حسب ما يقولون، الى المجاهرة بآرائهم والتحريض ضد كل تلك الممارسات التي تجعل منها اي شيء سوى ان تكون ديموقراطية لمواطنيها غير اليهود.
ومثل شاحاك، ايضاً، هناك البعض مثل ميخائيل بن يائير وايلان بابي ونيفي غوردن ممن يجادلون بان الصهيونية، كايديولوجية، كانت ذات ميول عنصرية منذ البداية. ويعتقد آخرون، مثل المدعي العام زئيف ستيرنهل، بانه لم يكن هناك اي شيء عنصري بشكل متأصل في حركة لم تكن تنشد سوى تقرير المصير للشعب اليهودي في دولة مستقلة خاصة بهم. لكنهما كليهما يتفقان على ان الصهيونية، عبر نزاعها الحتمي مع الفلسطينيين والسعي الى تحقيقها على ارضهم، اصبحت عنصرية في الممارسة. ويتضح هذا بشكل صارخ في الاراضي الاراضي المحتلة، في طريقة تعامل المتعصبين من المستوطنين اليهود مع الفلسطينيين الذين اصبحوا الآن، رداً على ذلك، متعصبين. لكن يمكن تلمسه، ربما بشكل اكثر وضوحاً، في معاناة من كانوا يُعرفون بالفلسطينيين "المنسيين". في 1948، قامت دولة اسرائيل الوليدة بطرد معظم السكان الاصليين بدلاً من ان تستغلهم في مواقعهم. ويعتبر هذا، تاريخياً، الاجراء الاشد تطرفاً وشؤماً للاستعمار الصهيوني. وتكمن المفارقة في ان اتهام الاسرائيليين بالعنصرية اليوم كان سيصبح اكثر صعوبة لو انهم كانوا، آنذاك، اكثر تطرفاً وطردوا كل الفلسطينيين. فالعنصرية الكلاسيكية من النوع الذي يدركه العالم الخارجي بسهولة تامة هي، في الواقع، تلك التي مارستها اسرائيل ضد ال160 الف فلسطيني الذين "بقوا" في 1948 وتحولوا الى مجموعة سكانية يزيد عددها على مليون شخص. وهم يشكلون حوالي 20 في المئة من مجموع السكان، واصبحوا مواطنين بحقوق كاملة في دولة اسرائيل. ويفترض انهم يتمتعون بحقوق متكافئة امام القانون.
هذا هو، على الاقل، ما يجده المرء اذا راجع منشورات "رابطة مكافحة التشهير". فهي تقول ان "اسرائيل الحديثة مجتمع منفتح وديموقراطي ومتعدد الاعراق يتمتع مواطنوه العرب بكل حقوق وامتيازات المواطنة الاسرائيلية". لكن مثل هذه الادعاءات لا تبيّن سوى ان الدعاية التي تنخرط فيها مثل هذه المنظمات الصهيونية بالنيابة عن اسرائيل منغمسة بالضبط في ذلك الكذب الذي تنسبه الى دعاية اعدائها. ليس هذا فحسب، بل ان التحامل المناهض للعرب على المستوى الشعبي داخل المجتمع الاسرائيلي عموماً ليس اقل شدة مما هو عليه وسط المستوطنين والاصوليين. على هذا المستوى يمكن القول، حسب اسرائيل شامير، وهو مهاجر من الاتحاد السوفياتي، ان "اسرائيل نفذت، برغم كل شيء، قراراً واحداً على الاقل للأمم المتحدة، وهو القرار الذي اعتبر الصهيونية احد اشكال العنصرية. وما يثير الانزعاج هو ان النشأة الاممية التي حصلنا عليها نحن اليهود الروس في الاتحاد السوفياتي لم تستطع ان تصمد امام الدعاية الصهيونية المسمومة بشأن تفوق اليهود". وهو يشير الى "الاجوبة التقليدية" لمئات من اليهود الروس الذين سُئلوا عن مشاعرهم تجاه الفلسطينيين. قال احدهم "سأقتل كل العرب"، فيما قال آخر "العربي هو عربي. يجب ازالتهم جميعاً". ان الحقيقة، كما ستكشف اي دراسة منهجية، هي ان وسائل الاعلام الاسرائيلية تطفح بمشاعر من هذا النوع. لكن على رغم ان منظمة الابحاث الاسرائيلية - الاميركية "ميمري" يُفترض، حسب دعايتها هي بالذات، ان تنشر الفكر التنويري عبر ترجمات عن العبرية بالاضافة الى وسائط الاعلام العربية، فانها لا تلامس اطلاقاً هذه الاشياء. لذا لا يثير الاستغراب ايضاً انها نادراً ما تلقى اشارة اليها في وسائل الاعلام الغربية، ناهيك عن وسائل الاعلام الاميركية.
كما يتجلى التحامل بشكل رسمي وشرعي ومؤسساتي. في 1987، نشر اوري ديفيز، وهو اسرائيلي يعيش في المنفى، كتاباً بعنوان "اسرائيل: دولة تمييز عنصري" يفصح عن كل شيء. وفي تحليله لبنية القانون الاسرائيلي وتطبيقاته، لفت الى ان التمييز العنصري في اسرائيل مموه بشكل عام، بخلاف جنوب افريقيا حيث كان سياسة رسمية. كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يجري التعامل بها مع تناقض اساسي. فمن جهة، كان مبرر وجود اسرائيل كله هو انها ستكون "الدولة العبرية"، و"عبرية" مثلما انكلترا "انكليزية". من جهة اخرى، كان شيئاً ضرورياً من الناحية الاخلاقية والمادية، منذ البداية، انه ينبغي لها ان تقدم نفسها كمؤيدة للقيم الغربية، العصرية والتقدمية والديموقراطية. كما انها كانت ملتزمة رسمياً، تحت رعاية الامم المتحدة، سنّ دستور "يضمن لكل الاشخاص حقوقاً متكافئة ومن دون تمييز في الشؤون السياسية والاقتصادية والدينية، والتمتع بحقوق الانسان والحريات الاساسية". ونشأ ما وصفه ديفيز ب"نظام تمييز عنصري متطرف وشرعي لليهودي مقابل غير اليهودي" تحت "ستار بنود قانونية يبدو ظاهرياً انها لا تمارس التمييز". فالقانون الوحيد الذي تضمن اشارة صريحة الى كلمة "يهودي" كان "قانون العودة" للعام 1951، الذي نص على ان أي يهودي، في أي مكان في العالم، يملك حقاً تلقائياً في الحصول على المواطنة الاسرائيلية التي حُجبت بشكل تلقائي عن كل الفلسطينيين الذين شرّدوا من الارض التي ولدوا فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.