"المساحة البيضاء" هي الفراغ الذي ينشأ على ورقة حين يكون المؤلّف عاجزاً عن الكتابة أو مشوّش الفكر والبال. عبّر عنها أدباء كثر وعن الخوف الذي يعتريهم حين يواجهونها، أحياناً لساعات أو أيام أو أكثر. وهو أمر جعل بعضهم يعزف عن الكتابة سنين طويلة، مثلما حصل لحسن الشاعر الذي توقّف عن الكتابة 18 عاماً ثم عاد واستأنف. لكأن مشاعره انحبست طوال تلك المدة ثم تفجّرت وتدفّقت بغزارة. "كان خوفاً من المساحة البيضاء"، على ما قال. الغريب أن تلك المساحة تسمّى بيضاء حتى لو كان الورق من لون مختلف. ويجلس الشارد فيها طوال الوقت إما يرتشف القهوة وإما يعبث بشعره. ومنهم من ينتف حاجبيه أو شاربيه أو يحك صدره بحثاً عن كلمة تشحذ المخيّلة. وآخرون يناجون أقلامهم أو يطقطقون على مفاتيح الكومبيوتر علّهم يجدون مبتدأ مشوار الكتابة. وهم في ذلك الحين، يحسدون الصحافيين على سيلان أقلامهم، ناسين أن هؤلاء يعانون أيضاً من "المساحة البيضاء"، لكنّهم مجبرون على ملء الصفحات ب"كلام الجرائد". وينجحون في ذلك كل يوم وفي الموعد نفسه، إذ لم يسبق لأحد أن رأى جريدة بيضاء، حتى ولو مرّ عليها مقصّ الرقابة... المقصود مما ورد أعلاه أن أنقل خوفي أنا "الكاتب الصغير" من هذه "المساحة البيضاء" التي لا تتّسع لأكثر من 200 كلمة، والتي بقيتُ نيفاً وأسبوعين حتى أملأها. الآن وفي هذه اللحظة بالذات، خطر لي موضوع للكتابة. لكن طالما أن هذا الفراغ امتلأ ولم يعد فراغاً، سأكتبه في الأسبوع المقبل. وآمل أن أتذكره حينذاك.